شعار قسم ميدان

دييغو سيميوني..نجاح اليوروبا ليغ أم فشل دوري الأبطال؟

midan - سيميوني

أنت تعلم أن الوصول للقمة صعب طبعًا، وتعلم أيضًا أن البقاء عليها أصعب، والسبب هو طبيعة الإنسان التي تميل للراحة والاسترخاء بعد أي إنجاز. هذا ما يُقال دائمًا على الأقل، ولكن السبب الأكثر فتكًا هو ما يمكن تسميته بمتلازمة المبالغة في النجاح. المبالغات دائمًا ما تأتي بنتائج عكسية حتى لو كانت في النجاح، لابد وأن تلك المتلازمة لها اسم علمي في مراجع الطب النفسي ولكننا لا نعلمه، لكن المهم أن تحويل الإنجاز إلى عادة يقلل من قيمته.

 

تلك هي واحدة من متناقضات الحياة المجنونة التي لن نفهمها أبدًا. في البداية يبدأ الناس بالظن أن الأمر سهل مادام يتكرر بانتظام، ثم تبدأ أنت نفسك في التفكير بنفس الطريقة حتى تأتي تلك الخسارة التي تعيدك إلى صوابك ثم تعيد الكرّة من جديد وهكذا. ربما لهذا السبب لا نحكي عن أتليتي سيميوني بما يكفي، لأن الأمر صار معتادًا فعلًا.

 

تلك المقدمة مهمة لسببين؛ أولهما أنها حقيقية للغاية على مجمل مسيرة التشولو مع الروخيبلانكوس، وثانيهما أن لا علاقة لها بما حدث أمام مارسيليا أو حتى في موسم الأتليتي الحالي بشكل عام. سيميوني بدأ موسمه مهزوزًا للغاية وحتى ديسمبر لم يبدو وكأن موسم الأتليتي له هدف حقيقي. الجميع يعلم أنه لن يفوز بالدوري والتشولو نفسه يعلم أنه لن يفوز بدوري الأبطال، الجميع أيضًا توقع أنه سيرحل لتجربة جديدة بعد أن استخرج من الأتليتي كل ما يمكن استخراجه، ولكن الرجل بقي عكس كل التوقعات ومع خروجه من دور المجموعات حصل على تحدى جديد، ولكن كان تحديًا سهلًا هذا المرة. الرجل الذي فعل ما فعله سيميوني لم يكن ينتظر بطولة يوروبا ليغ على حساب مارسيليا ليثبت نفسه.

 

حائط مونتفيديو

التسجيل في مرمى الأتليتي صعب للغاية، تلك حقيقة أخرى لا تُقال بما يكفي لأنها صارت معتادة. الخلطة التي توصل لها الأرجنتيني بعد سنين من التجارب مستحيلة الاختراق تقريبًا. في البداية تُلغى المساحات، ومع إلغاء المساحات تُلغى السرعة، ومع إلغاء السرعة تُلغى المفاجآت، ومع إلغاء المفاجآت تصبح احتمالات تلقي هدف أقل بكثير.

   

  

بعد ذلك يأتي دور اللاعبين أنفسهم. في العادة لا تحتاج النظم الدفاعية للاعبين خوارق لتنجح ولكن سيميوني يمتلك حارس أسطوري وثنائي دفاعي نادر الأخطاء، وهم أصبحوا كذلك بعد عمل طويل كان له الفضل الأكبر فيه. الرجل تلقى 20 هدفًا فقط في الدوري هذا الموسم، وحتى اللحظة مازال العلماء يحاولون التوصل لكيفية تسجيل أرسنال هدفًا في مرماه من عرضية. في الواقع يجب على مونتيلّا أن يعتزل فورًا ويبدأ في كتابة مذكراته بعنوان "كيف سجلت 5 أهداف في أتليتي سيميوني".

 

رودي غارسيا يخوض مباراته من أجل الكرامة. من أجل الانتقام من تجربة روما المريرة التي أعادته بضع خطوات إلى الخلف، ولكن كل ما يملكه هو مجموعة من المطرودين من الجنة لم يكن أحد يتوقع أن يصلوا للنهائي؛ عادل رامي وفاليري جيرمان بعد أن تخلى عنهما إشبيلية وموناكو على الترتيب، وجوردان أمافي بعد تجربة غير ناجحة في أستون فيلا، وفلوران ثوفين بعد تجربة فاشلة في نيوكاسل، وكلينتون نجاي بعد تجربة أفشل في توتنهام، وديميتري باييت بعد أن أصابته أضواء إنجلترا بالعمى. مجموعة سيفكر أي نادي في أوروبا ألف مرة قبل التعاقد مع أي من أعضائها، إن فكر أصلًا.

   

تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي - هوسكورد
تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي – هوسكورد

  

4-2-3-1 لا تقبل اللبس بأنغيسا وسانسون في المحور تقابلها 4-4-2 سيميوني الماكرة التي تتظاهر أحيانًا بأنها 4-3-3، معتمدة على انطلاقات كوريّا وتحكمه في عدد لاعبي الوسط والهجوم بميله لأحدهما طبقًا لمجريات اللعب، ومن خلف كل هؤلاء الممرر الرائع كوكي، الوحيد الذي يمكنك القول إن طريقة لعب الأتليتي لم تخرج أفضل ما عنده.

   

لا يولّد الإنفجار

سيميوني يبدأ مباراته بالضغط العالي عادة. الضغط الذي يبدأ في الانحسار لحائط تصدي متوسط على حدود الربع ساعة الأولى، ولكنها كانت نفس الفترة التي بدا فيها مارسيليا أفضل بكثير. غارسيا درس خصمه جيدًا وحتى لو لم يفعل فلم يكن بحاجة لأن يخبره أحد أن دييغو يبحث عن الـ 1-0، ومنها ستتحرك المباراة في السيناريو المعد مسبقًا، والذي يعلمه غارسيا مثلما يعلمه التشولو بالضبط.

 

الأرجنتيني يفضل استنفاذ مخاطراته في الربع ساعة الأولى لأنها الوقت الأنسب للمخاطرة، فإن سجل سيتمكن من قضاء أطول وقت ممكن في وضعيته الدفاعية المفضلة، وإن لم يفعل فلا ضرر، وإن تلقى هدفًا فسيمتلك 75 دقيقة على الأقل للتعويض، ولنفس السبب كانت محاولة التسجيل في مرماه في ذات الربع ساعة هي الفرصة الأفضل لمارسيليا وغارسيا.

 

لذا وبتعليمات بدت واضحة من الفرنسي كان الثلاثي باييت وثوفين وأوكامبوس يعودون لمساعدة ثنائي المحور أنغيسا وسانسون أمام طوفان الأتليتي في البدايات، وخاصة في مناطق القلب أكثر من الأطراف، وهو السبب الوحيد لكون الأتليتي فشل تمامًا في خلق أي فرص في فترة هياجه المعتادة بعد انطلاق الصافرة، فمع انسجام الثلاثي الهجومي وتفوقهم مهاريًا وجماعيًا على هيستيريا التشولو المبكرة، تهدد مرمى الأتليتي في مرتين من تحولات عقبت استخلاص الكرة في وسط الملعب، أو التخلص من ضغط كوكي وغابي وساؤول والانطلاق للمساحات بينهم وبين حائط مونتفيديو.

   undefined

  

من إحدى تلك المحاولات أتت لقطة جيرمان الأولى وفرصة مارسيليا الوحيدة المحققة في المباراة إلى جانب رأسية ميتروغلو في الدقائق الأخيرة، وبدا للحظة وكأن دفاع الأتليتي ليس بهذه الصلابة إن خرج وسطه للضغط. باييت وثوفين وأوكامبوس يتخطون ثلاثي وسط الأتليتي بتمريرات ثنائية سريعة ليجدوا أنفسهم في مواجهة الخط الأخير، ثم يرتكب غودين خطأ بدائيًا كاد يكلف فريقه المباراة والكأس ويخرج متأخرًا ويمنح باييت الفرصة لوضع جيرمان في مواجهة أوبلاك، فقط ليهدرها المهاجم الفرنسي بأكثر الطرق غرابة.

 

أن تأتي مبكرًا

مع حالة كوستا السيئة بدا وكأن دفاع مارسيليا بإمكانه الصمود أمام محاولات الأتليتي المفككة النادرة، حتى أتت لقطة مانداندا وأنغيسا التي منحت سيميوني أكبر هدية ممكنة، وفي الوقت الذي كان يتأهب فيه لإنهاء حصة الضغط الأولى والعودة للمرتدات. هناك رغبة عارمة هذا الموسم في منح المهاجمين هدايا مجانية وهدم خطط المدربين بأخطاء فردية. أمر آخر سيدرسه العلماء إلى جانب تسجيل أرسنال لهدف من عرضية في مرمى الأتليتي، هو العلاقة المريبة بين الأدوار النهائية للبطولات الأوروبية والكوارث من هذا النوع.

 

الأمر غريب فعلًا؛ ووكر أمام ليفربول وكريستيانسين أمام برشلونة في دور الـ 16، ثم دي روسي ومانولاس أمام برشلونة مرة أخرى ونافاس مع ماتويدي في دور الـ8، ثم ناينغولان أمام ليفربول ورافينيا وأولرايخ أمام ريال مدريد والآن أنغيسا أمام الأتليتي، وكأنه اليوبيل الماسي لهدايا المدافعين والحراس.

   

الخريطة الحرارية للفريقين - هوسكورد
الخريطة الحرارية للفريقين – هوسكورد

    

المهم أنه من هنا إنطلقت الأمور في المسار الذي تعرفه ولا تحتاج لروايته مجددًا للمرة الألف. سيميوني لا يعبأ بكل ما يهم باقي المدربين، ليست مشكلة أن ينهي مباراته بدقة تمرير 65%، وليست مشكلة أن يخسر فريقه الإستحواذ أمام خصم أقل بكثير على مستوى الأفراد والمدرب. في الواقع "ليست مشكلة" ليس تعبيرًا دقيقًا بما يكفي. في الواقع هو هدف أصلًا، هو لا يعرف طريقة أخرى للفوز.

 

المتوقع أيضًا هو عجز تام من غارسيا وفريقه أمام سبيكة الأتليتي اللامعة التي لا تقبل الخدش، تغييرات نمطية تضمنت مركز بمركز ومحاولات فردية من أوكامبوس وإستسلام كبير من ثوفين، خاصة بعد أن مست باييت لعنة لمس الكأس وخرج للإصابة. كل من يلمس الكأس قبل المباراة تصيبه هذه اللعنة وبعض اللاعبين والمدربين يؤمنون إيمانًا عميقًا أن عليك أن تتجنب لمس أي كأس حتى تصبح ملكك. (1)

 

المهم أنه بينما يقود سيميوني مارسيليا إلى حتفه كان بإمكانك ملاحظة بعض الخدع التي لا يستخدمها إلا التشولو، والحقيقة أن طريقة خروج الرجل من المناطق المزدحمة إلى المساحات مثيرة للإعجاب فعلًا. دعنا نخبرك عنها مادام المباراة قد انتهت في الدقيقة 21.

   

ضغط الضغط

أثناء التحول من الدفاع للهجوم يعتمد الأرجنتيني على طريقة أشبه بالملاكمة؛ خطوة للأمام ثم أخرى للخلف، ثم أخرى للأمام وهكذا. الأمر كله قائم على ما يسمى بالـ Lay-Off Pass أو ما يمكن ترجمته بتمريرة التخلص من الضغط. على سبيل المثال تحدث غريزمان – نجم النهائي بلا منازع – قبل المباراة عن كونه المهاجم الوحيد الذي يحب الدفاع في العالم، ويجد في العودة للمساحات الخلفية ومساندة زملائه متعة كبيرة، وهو أمر حقيقي فعلًا لأن الفرنسي غالبًا ما يكون المنفذ الأول لخروج الكرة في بداية التحول لأنه الأخطر والأسرع، وفي اللحظة التي يتراجع فيها لاعبو الخصم لافتكاك الكرة منه يكون قد مهدها بتمريرة خلفية لغابي أو ساؤول أو كوكي الصاعدين بلا رقابة، في تلك الثواني يكون أحد الظهيرين أو كوريّا قد انطلق على الطرف فتخرج له التمريرة الثانية في محاولة لفتح عرض الملعب، ومن عرض الملعب تعود مرة أخرى للقلب في الثلث الأخير.

 

undefined

  

الآن راجع ما سبق وإعتبر نفسك مكان أحد مدافعي مارسيليا، ومن فضلك ضع في حسبانك إن لحظة خسارة الكرة في مناطق الخصم والتعرض لهجمة مرتدة هي لحظة عاطفية تمامًا تغلب عليها الغريزة والفطرة ومن المستحيل التحكم في تحركات اللاعبين وقتها بنسبة 100%. المهم أنك ستجد نفسك قد بدأت في الركض طوليًا جهة غريزمان ثم توقفت مع الـ Lay-Off Pass لكوكي أو ساؤول أو غابي لتحاول تخيل وجهتها القادمة، ثم عدت لقطع المسافات بشكل طولي بأقصى سرعة وفي نفس الوقت تحاول توقع مكان العرضية أو البينية الأخيرة. الأمر مستحيل بالطبع، ليس فقط لأن الأتليتي يؤديه بإتقان ولكن لأنها القوة الساحرة للمرتدات.

 

تلك العملية هي براءة إختراع يملكها التشولو. ففي 2007 وضعت تسمية الضغط العالي أخيرًا على أنه غيغين بريسينغ طبقًا لأشهر مطبقيه وقتها يورغن كلوب، وبعدها بعام واحد أعاد غوارديولا إحياء الضغط العكسي مجددًا، وفي 2013 ذكر جوناثان ويلسون في مقاله بالغارديان أن عدد الأهداف المسجلة من مرتدات قد انخفضت للنصف منذ 2008 بفعل الضغط العكسي الذي يهدف لإحباط المرتدات مبكرًا، لذا فإن ما يفعله سيميوني هو محاولة لإلغاء هذا الأثر وإعادة الفاعلية الكاملة للهجمات العكسية السريعة.

 

أكثر من مجرد كأس

 في هذا الوقت انتهت المباراة واحتفل التشولو والأتليتي وجزء من مدينة مدريد بانتظار نهائي دوري الأبطال، بل وخرج غريزمان ليصرح أن دور سيميوني في الأتليتي يذكره بحجم ما فعله فيرغسون مع اليونايتد. (2) الجميع تقريبًا يتفق أن الفوز بالبطولة ليس إنجازًا ضخمًا نظرًا لحجم الفوارق بين الروخيبلانكوس ومنافسيهم، والجميع يتفق أيضًا أن الكأس مهمة ويجدر الاحتفال بها في نفس الوقت، ولكن خلف كل هذا الصخب كان هناك سؤالًا مهمًا لابد وأن يُطرح عن دلالة هذا اللقب؛ هل هناك إشارة ما في وصول سيميوني لنفس المحطة التي بدأ منها رحلته مع الأتليتي، أي بطولة اليوروبا ليغ، أم أنها مجرد مفارقة مفتعلة إصطنعتها الصدفة؟

   

   

حقيقة يبدو الأمر وكأن سيميوني قد رُزق طفلًا لم يخطط لإنجابه، بالطبع لا يعني ذلك أنه سيحبه أقل من غيره أو سيكون أقل فخرًا بانضمامه لعائلته، ولكن ربما يكون تأهله للبطولة، التي توقع له الجميع الفوز بها، قد حرمه من الفرصة الكافية للتفكير في إخفاق دوري الأبطال، وبدا وكأنه قد تم تمريره بلا حساب على الإطلاق. أمر مفهوم تمامًا ومتوقع من إدارة الأتليتي وجماهيره بعد كل ما أنجزه التشولو من أجلهم، ولكن من موقع سيميوني لا تبدو تلك البطولة وكأنه قد سعى لها ليزيد رصيده، بقدر ما أصبحت محاولة لإنقاذ لموسم سيئ فشل فيه على المستوى الأوروبي.

 

تلك الحقيقة مهمة للغاية في قرار دييغو القادم بالبقاء لموسم إضافي أو الرحيل بعد ست سنوات ونصف نقل فيها الأتليتي من نادي مهدد بالإفلاس ويبيع نجومه إلى آخر يمتلك ترسانة مدججة لا تريد مغادرته أصلًا مهما تلقت من عروض. في تلك اللحظات يقف المدربون على حافة المنطقة الآمنة Comfort Zone، يترددون بين الرحيل وخوض تجربة جديدة والتعلم والتطور وبين تفضيل المألوف والمريح والمعتاد والرضا بالإشادات الحالية. أمر يصعب التخيل بأن رجلًا مثل دييغو سيقبله، فليس مؤشرًا جيدًا أبدًا أن تنتهي حيث بدأت.