ريال مدريد ودوري الأبطال..هل يظفر المرينغي بالكأس الثالثة عشر؟

وفي هذا الصدد، تتضاعف مصداقية هذا المنطق حين يتعلق الأمر بريال مدريد، الأكثر موهبة في تصحيح المسار خلال هذين الشهرين، والذي توج بستة ألقاب لدوري الأبطال منذ عام 1998 وحتى الآن، ولا يذكر أنه بدأ موسمًا من الستة بالقوة التي أنهاه بها، والدليل أنه لم يجمع بين الدوري ودوري الأبطال خلال المرات الست إلا في العام الماضي، (1) الذي لم يبدأه أيضًا بشكل جيد.
موسمٌ أسطوري انتهى، وبداية مرعبة لموسم آخر بدأت بسوبر أوروبي تلاه آخر محلي، احتفالات لم تكمل شهرًا حتى تعطلت بفقدان بعض النقاط التي لم يهتم لها الكثيرون،(2) نظرًا لأنها عادة ريال مدريد أن يتعثر في الأسابيع العشر الأولى، ولكن الشكوك أثيرت لأن الواقع أثبت أن الأمر ليس كالمعتاد في السنوات الأخيرة، وأن التعثرات لم تكن مجرد مباريات عابرة، بل أنها حملت معها تهديدًا بكوارث قادمة، بدأت بالصعود ثانيًا خلف توتنهام في مجموعات الأبطال،(3) مرورًا بأسوء نصف أول للموسم في تاريخ ريال مدريد خلال القرن الحادي والعشرين،(4) وانتهاء بفترة التعثرات الكبرى في يناير والتي شهدت خروجًا من كأس ملك إسبانيا على يد ليجانيس.(5)
4 أشهر كاملة ظل فيها زين الدين زيدان يردد عبارة "لست قلقًا" (6) حتى شعر أن رقبته بدأت تواجه مقصلة بيريز، ما جعله يعود إلى نقطة قوته الأولى ـ المرونة ـ ويتخلى عن العند الذي تحلى به مؤخرًا والذي كان سببًا رئيسيًا في كل ماحدث، (7) جرب زيدان إراحة هذا وذاك، وتبديل أكثر من اسم، ومحاولة تغيير أماكن بعض اللاعبين وعقاب آخرين باستبعادهم من التشكيلة الأساسية في أكثر من مرة، ولكن الأمور ظلت كما هي، تعطيلٌ تام لكل الأسلحة، ولم تفلح أي من محاولات زيدان لتستعيد نشاطها مرة أخرى.
ولأن تاريخ ريال مدريد يكرر نفسه باستمرار، ويتضمن الكثير من المتشابهات، كان الموسم الماضي هو المرجع المثالي لكل من يريد التعرف على ملامح الشهرين المتبقيين من الموسم الحالي بعد بداية تصحيح المسار في الفترة الأخيرة.
بالنظر إلى فبراير ومارس من الموسم الحالي، وإليهما من الموسم الماضي، يمكن ملاحظة أن الأمور تسير على نفس النهج مع استبدال بسيط لبعض المسميات، بداية من تعديل الخطة، ومرورًا بالاستعانة ببعض الأسماء على حساب أخرى، وانتهاء بإيجاد زيدان الحل على دكة البدلاء.
الموسم الماضي كان شبيهًا بهذا الموسم، ولكن الفارق كان في شيئين، الأول أن ريال مدريد كان يعرف كيف يفوز حتى وإن لم يلعب، والثاني أن برشلونة كان يخسر نقاط أكثر من تلك التي خسرها مدريد، أما في الموسم الحالي، فلا ريال مدريد يعرف سرالفوز، ولا برشلونة يخسر النقاط.
زيدان الذي يظهر في المؤتمرات الصحفية يختلف عن زيدان في غرفة الملابس، حيث أنه يعرف كيف يبتسم ويطمئن الجميع أمام عدسات الكاميرا، في المقابل يبدأ في إجراء تعديلاته في الغرف المغلقة، هذا ماحدث قبل موقعة بايرن ميونيخ العام الماضي، وقبل موقعة باريس هذا العام، يوم قرر زيدان الوقوف على أهم تفاصيل تحول ريال مدريد إلى نسخته المرعبة في فترة الحسم من الموسم الماضي، من أجل الاستعانة بخطوطها العريضة مع إحداث بعض التغييرات في طريقة التنفيذ.
في الموسم الماضي، أوقعت قرعة دوري أبطال أوروبا ريال مدريد خصمًا لبايرن ميونيخ، الأوساط الجماهيرية وضعت البايرن كمرشح للعبور استنادًا على المشاكل التي يعانيها ريال مدريد، والتي ستنكشف بمجرد أن يصطدم زين الدين زيدان بمدرب كبير، ولكن ذلك لم يحدث لأن زيدان التهم أنشيلوتي، فتدلت ألسنة الجميع في محاولة لفهم ما حدث، وفي زمن انتشار الإحصائيات المفصلة والتحليلات لكل كبيرة وصغيرة، لم يستمر هذا طويلًا، وعرف الجميع من أين أتى زيدان بهذا التحول.
اللعبة كلها بدأت من إصابة جاريث بيل في ذهاب ربع النهائي أمام بايرن ميونيخ، (8) تلك التي زادت ـ ظاهريًا ـ من متاعب زيدان، الذي خرج من الشوط الأول خاسرًا بهدف مع الرأفة، قبل أن يضطر لسحب بيل في بداية الشوط الثاني، ويعوضه بماركو أسينسيو ولكن ليس في مكانه كجناح، بل أعاده كرابع وسط ملعب خلف رونالدو وبنزيما، لتتحول الخطة من 4/3/3 إلى 4/4/2 دايموند أو الماسية.
أما في الإياب، فلم يُخاطر زيدان بإقحام شاب كأسينسيو منذ البداية، بل لجأ إلى حلٍ آخر من الدكة وهو إيسكو، (9) ليُقرر بعدها الاعتماد على الماسة في المباريات المهمة المتبقية من الموسم، لأنه وجد فيها ضالته في العديد من الأمور، سواء كانت تحرير رونالدو من أدوار الجناح المرهقة، أو فتح المساحة أمام الأظهرة من أجل الانطلاقات وإرسال الكرات العرضية، أو الحفاظ على عمق وسط ميدانه بوجود أربعة لاعبين في المنتصف، أو التحكم في مجريات اللعب وزيادة القدرة على الاستحواذ، وأخيرًا تحقيق التوازن بين الهجوم والدفاع.
زيدان المرن أدرك ذلك منذ اللحظات الأولى من خطته الجديدة التي جاءت إضطراريًا بسبب إصابة بيل، ليُدرك أن صلاحية الـ 4/3/3 بمثلثها الهجومي قد انتهت، وأن الماسة تعطيه كل ما يريد من أجل تطبيق أسلوبه، ليحصد بها كل شيء في البداية، أشهر قليلة وأصبحت الماسة عقيمة كسابقتها، وهنا أدرك زيدان أخيرًا بعد فترة من المكابرة أن التغيير هو الحل كما كان الحال في الموسم الماضي.
الحقيقة أن كرة القدم لم تعد كما كانت منذ ثلاثين عامًا، وأن صلاحية الخطط تنتهي أمام تمحيصها بواسطة مواقع الإحصائيات وآلاف التحليلات، لم يعد بمقدور أي مدرب أن يستمر في الفوز بنفس الخطة لمدة تتجاوز الخمس سنوات أمام اندهاش العالم، فخلطة جوارديولا مع برشلونة مثلا احتاجت ثلاثة سنوات لتنكشف، وبعد مرور حقبة زمنية أخرى أصبحت الثلاثة سنوات ثلاثة أشهر، لتنكشف بعدها أسرار دايموند زيدان، ويصبح الجميع قادرًا على تعطيلها، ليعود ريال مدريد إلى دوامة العقم من جديد، ويصبح زيدان أمام خيار حتمي وهو تعديل الرسم مرة أخرى.
الحاجة كانت أم الاختراع أيضًا كما حدث في الموسم الماضي، إصابة بيل كانت بالأمس مهدًا لفكرة الدايموند، والإصابة التي لحقت بكروس ومودريتش قبل موقعة إياب الأبطال أمام باريس سان جيرمان هذا الموسم كانت مهدًا لتطبيق خطة زيدان جديدة، نفس الـ 4/4/2 ولكن بملامح مختلفة.
بدأ زيدان في الإياب أمام باريس بنفس لاعبي خط الدفاع والهجوم المعتادين، ولكن رباعي الوسط اختلف قليلًا، ففي الوقت الذي رشح فيه البعض البدء بإيسكو والـ بي بي سي في الأمام، فضل زيدان الاعتماد على كاسيميرو وكوفاسيتش كثنائي في المحور، ووضع فاسكيز على اليمين وأسينسيو على اليسار خلف رونالدو وبنزيما، ليتحول الرسم التكتيكي إلى 4/4/2 بشكلها المسطح. (10)
الانسيابية والتوازن بين الهجوم والدفاع اللذان تحلى بهما ريال مدريد في لقاء الإياب على عكس الذهاب جعلا زيدان يصدق على جودة خطته الجديدة، قبل أن يعيد تجربتها أكثر من مرة في المباريات التي تلت مباراة باريس، ليظهر ريال مدريد بشكلٍ أفضل، في إعادة لسيناريو التحول في الموسم الماضي، والذي حدث أيضًا في فترة الحسم.
|
العنوان الأبرز لنجاح التحول في العام الماضي كان إيسكو بأدواره في الربط بين الخطوط، مما أعاد الفاعلية الغائبة، وأحل التنظيم محل العشوائية، وبنفس السيناريو، نظرة زيدان على دكة البدلاء هذا الموسم كانت على فاسكيز وأسينسيو كأساس بُنيت عليه الخطة الجديدة.
وبالنظر إلى المباريات التي لعبت بالـ 4/4/2 المسطحة، نجد أن زيدان اعتمد على تحركات فاسكيز وأسينسيو كأساس بنى عليه معالم خطته، الأول جناح تقليدي يمتاز بسرعة التحرك على الطرف، والعودة لمساندة الظهير مما يساعد في الانطلاقات المرتدة ويغلق أطراف الريال في الحالة الدفاعية، أما الآخر، فهو لاعب لا يُقيد بمركز، وتتعدد أدواره وتتنوع بين الجناح وصانع الألعاب والمهاجم الوهمي وأحيانًا المهاجم الصريح، يستطيع التحرك على الطرف وفي العمق، يجيد اللمسة الأخيرة وقبل الأخيرة، ومُتخصص في إعطاء الحلول في الحالات المستعصية.
(الخريطة الحرارية لأسينسيو وفاسكيز من مباراة الإياب أمام باريس سان جيرمان – هوسكورد)
وجود كاسيميرو بجوار لاعب آخر في المحور يؤمن العمق، وعودة فاسكيز وأسينسيو للمساندة الدفاعية يؤمن الأطراف، هذا بخصوص الحالة الدفاعية، أما في الحالة الهجومية فتواجد أسينسيو وفاسكيز على الأطراف يُسرع التحول من الدفاع للهجوم، ويقلل من احتمالية بقاء الكرة بين أقدام اللاعبين كثيرًا، يُعيد إلى المرتدات فاعليتها، وكذلك العرضيات سواء القادمة من أقدام أسينسيو وفاسيكز أنفسهم، أو من أقدام الظهيرين في حال دخل ثنائي الجناح إلى العمق من أجل فتح مساحة لتقدم الظهيرين كما حدث في هدفي الريال أمام باريس سان جيرمان في الإياب.
تواجد جناحين بالمعني الحرفي لكلمة جناح يُحرر رونالدو من أدوار الجناح المرهقة، ويحوله إلى مهاجم تقليدي مما يعيد إليه فاعليته التي ظهرت خلال أشهر الحسم من الموسم الماضي، والتي ظهرت مؤخرًا بعد تعديلات زيدان، أما وجود لاعبي محور فقط يُتيحان الفرصة لإراحة لاعبي وسط من 4 متاحين وهم كروس ومودريتش وكاسميرو وكوفاسيتش، مع وجود إيسكو كلاعب حر يمكن أن يستخدمه زيدان كبديلًا سواء في الوسط الأمامي أو الخلفي حسب الحاجة، وهو ما يعيد أيضًا ذكريات إراحة رونالدو في المباريات غير المهمة وتوفيره للأوقات الحاسمة، ولكن مع مودريتش الذي أصبح في حاجة إلى ذلك وهو في نفس عمر رونالدو.
وبهذا، يلعب ريال مدريد بـ 4 لاعبين في الأمام، وفي نفس الوقت بـ 8 لاعبين في الخلف، لتصبح أدوار أسينسيو وفاسكيز المزدوجة بين الدفاع والهجوم شبيهة بإضافة لاعبين إضافيين إلى تشكيلة زيدان، وهو ما يضمن فاعلية هجومية وتوازن دفاعي في آن واحد.
|
ليس ترشيحًا، وإنما كل المؤشرات تقول ذلك، سيناريو الثانية عشر يتكرر، ومعطيات تتويج ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا كلها حاضرة، سواء على المستوى التكتيكي كما أشارت تفاصيل هذا التقرير، أو على مستوياتٍ أخرى كشخصية الريال في البطولة وقدرته على الحسم في الأشهر الأخيرة وأيضًا غياب المنافس الذي لا يقهر بين السبعة فرق التي تشكل أضلاع ربع النهائي رفقة ريال مدريد.
تكرار المعطيات لا يعني بالضرورة تكرار النتائج، ولكنه يعطي احتمالًا كبيرًا لذلك، المصادر التي تتحدث عن تأكيد قرار بقاء زيدان أيًا كان الشكل الذي سينتهي به الموسم هو أفضل ما يرفع الضغط من على كاهل زيزو، واستعداد اللاعبين للموت من أجل زيدان هو أفضل ما يشير إلى الجاهزية التي يدخلون بها هذه المرحلة.
الطريق نحو الثالثة عشر لازال شائكًا، ولكنه أصبح أكثر تمهيدًا من ذي قبل، لأن ريال مدريد نفسه قد تغير عن بداية الموسم، حدث ذلك حينما قرر زيدان استنساخ موسمه الماضي، فعاد إلى مرونته المعتادة، ونظر إلى دكة بدلائه، ليبدأ في رحلة جديدة نحو مجدٍ جديد اعتاد زيدان تحقيقه وسط الكثير من الجدل، كما اعتاد تحقيقه في الوقت الذي تكون فيه الأضواء مسلطة على آخرين.