شعار قسم ميدان

المتعة أم النتائج.. هل سيتذكر التاريخ نابولي ساري؟

midan - ساري

اعتدنا خلال المواسم الماضية على أن هناك عناوينًا يجب أن تُكتب بنهاية كل عام، قصص بنهاية معروفة، لكننا يجب أن نحياها -بتكرار- حتى يكتمل ذلك العالم؛ بايرن ميونخ يأخذ موقعه المعتاد بالقمة، ينهي باريس سان جيرمان مهمته الموسمية مبكرًا بالحصول على الدوري، الصراع في أسبانيا يظل مقتصرًا على ثلاثة أسماء..إلخ. ما كاد أن يفرُط من عقد تلك القصص التي باتت رتيبة ومعادة، هو قصة الصراع المستحدث بين اليوفي ونابولي على صدارة الترتيب في إيطاليا، لكنها انتهت مثل سابقاتها بالعنوان المُعتاد: لا جديد ليُحكى ولا قديم ليُعاد. لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه: اليوفي في القمة والبقية من ورائه أيما فعلوا.

 

فشل ساري -إكلينيكيًا- في الفوز بالدوري يضعنا أمام ضرورة إعادة هيكلة للمعتقدات عنه وعن نظرائه، وأمام ضرورة لإعادة طرح الأسئلة التي تناقش إذا كان ينجح ساري فعلًا أم يفشل بعد كل ذلك؟ وما هو معيار النجاح في إيطاليا إن كانت النتيجة معروفة ومكررة للمرة السابعة تواليًا؟

   

(يوفينتوس يتحرك للقبه السابع على التوالي. دوناروما قتل طموحات نابولي)

  

ما ملكه ساكي وافتقده ساري

منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها نجم المدير الفني "ماوريسيو ساري" على سطح الدرجة الممتازة في إيطاليا، وهو دائمًا ما يُربط، وقصته، بالمجد الذي حققه سابقه "أريغو ساكي": تشابه واضح في الأسماء وفي الطريقة والأداء وفي الرحلة أيضًا. كلا الرحلتين مليء بشواهد عديدة تؤكد لك أن كل ما تراه الآن قد كُتب سلفًا، وأن ذلك التغيير الغريب في الأحداث لن يكن غريبًا إذا ما نظرت لنتيجته النهائية، لكن الإختلافات تطفو دائمًا على سطح الواقع لتقطع لنا الظنون.

  

وقت أن تولى الإيطالي ساكي القيادة الفنية في ميلان كان الفريق يحتوي على ماركو فان باستن، ومالديني، وكوستاكورتا، وباريزي، ودونادوني وأنشيلوتي، وفي الموسم التالي دُعم بفرانك ريكارد، وأخذت الدائرة في الاتساع حتى كوّن الروسونيري قوامًا من الأحلام تمكن به من بسط سيطرة كاملة على الكرة في الداخل والخارج، والأهم أن ذلك تم بأداء يراه البعض الأفضل في الكالتشيو طوال التاريخ.

   

ساكي أحدث ثورة حقيقية في بلاد الطليان، تلك الثورة لا تُشير إلى عدد الألقاب المحلية ولا حتى القارية ولكنها تكمن في التحول الضخم في طريقة الأداء من الدفاع الصلب والارتكان إلى الأمتار الأخيرة من الملعب كما هو معتاد، إلى طريقة أخرى تعتمد على أكل المساحات والسيطرة على الكرة وتدويرها بشكلٍ يُقلق الخصوم. وإذا ما عُدنا تاريخيًا، ومن خلال تأكيد "جياني بريرا"، المؤرخ الأشهر داخل إيطاليا،(1) نجد أن الطريقة الدفاعية في إيطاليا نشأت في الأصل من إحساس الطليان بالافتقار إلى القدرات البدنية والفنية مقارنة بنظرائهم، بالتالي اعتمدوا على تكتيك الكاتيناتشو لخلق مساحة من التفوق لصالحهم.

   undefined

  

بنفي ما سبق: إذا وجد أحدهم نوعية ما من اللاعبين تملك عكس ذلك، تكن النظرية في غير محل التنفيذ. خوانما ليو، أحد العباقرة المنسيين في عالم كرة القدم الواسع، قال سابقًا:

"المدير الفني يمثل اللا شيء، فقط يسير الأمور ليس إلا، تأثيره واضح في كل شيء، لكنه لا يظهر بصورة واقعية، تمامًا مثل الإله.

اللاعبون هم الأهم دائمًا، اللاعب الجيد يجعل دائمًا الأمور أسهل مهما كان المدرب. " (2)

   

على النقيض، حين وصل ساري إلى ثوار الجنوب كانوا يملكون فقط ما تبقى من عدة لاعبين ونسخ سيئة من لاعبين أُخر. وبالرغم من أن ذلك المحاسب الإيطالي تمكن من تطوير هؤلاء لصالح الفريق، لكنه ظل بلا عمق يُذكر في التشكيل، ومع ذلك فإن الفريق قدم أداءً جذب كل أوروبا لمتابعته. وحسب تأكيد ساكي بنفسه  فأن غوارديولا قد أرسل إليه ليؤكد أن ما يفعله ساري ورجاله لا يُقدم في القارة بأكملها، ومن بعده أكد أريغو أن من ينتقد ما يقدمه النابوليتان هذا العام يفعل ذلك فقط لأنه لا يفهمه، وأن ما يقدمه المدير الفني الإيطالي للنادي سيتم تذكره طوال التاريخ. (3)

 

تأكيد من ساكي وبيب يضعنا تحت طائلة التساؤل الدائم: هل كل ذلك العمل يتحول وصفه إلى الفشل في النهاية لأنه لم يحقق نفس الإنجاز بالفوز بالسكوديتو؟

 

في تعريف الفشل

التعريف المجرد للنجاح هو الاستغلال الأمثل للمقومات المتاحة لتحقيق أفضل نتائج ممكنة. في عالم الكرة، تكون هذه المقومات أولًا وأخيرًا قائمة على اللاعبين، سواء في نوعيتهم، وهوما يعتمد على قوام الفريق قبل بدء المشروع، أو في القدرة على إحلالهم وتجديد دمائهم وذلك من خلال نوافذ التعاقدات والتي تعتمد على قدرات النادي المادية خلال عمر ذلك المشروع.

     undefined

  

ومن حيث قدرة الفريق في نابولي ومقومات قائمته، كانت الأمور واضحة منذ البداية بالإشارة إلى الضعف، ويتضح ذلك في الاضطرار الواضح للاعتماد على عدد ضئيل من اللاعبين: فمن بين 28 لاعب متاح بقائمة ساري هذا الموسم، كان الاعتماد على 15 لاعبًا فقط في اللعب بمعدل أكثر من 1000 دقيقة خلال الدوري المحلي و11 لاعبًا فقط بمعدل أكثر من 2000 دقيقة، في حين كان اعتماد اليوفي موزعًا بين 19 لاعب، من أصل 33 متاح، شاركوا في أكثر من 1000 دقيقة ، ذلك بالرغم مما يُعرف عن أليغري بأنه لا يحبذ فكرة التدوير.

 

في الظروف الطبيعية يتم الاتجاه في هذه الحالة إلى التعاقدات من أجل سد الثغرة المتواجدة في عمق التشكيل، لكن في حالة شبيهة بفريق الجنوب، تُصبح الأمور أكثر صعوبة.

 

عليك أولًا أن تُدرك أن القيمة التسويقية لنابولي حتى يونيو/حزيران لعام 2017، كانت متوقفة عند 379 مليون دولار، حسب تصنيف مجلة فوربس للأعمال التجارية. حيث أوضحت لائحة المجلة أن قيمة نابولي التجارية لم تصل إلى 50 مليون دلارًا وأن إدارة النادي تحصل فقط على 74 مليونًا كعوائد عن كل العمليات التجارية التي يقوم بها النادي، ما يضعه في المرتبة الـ20 في جدول ترتيب أندية العالم. في حين أن منافسه الأساسي يتمتع بـ163 مليون دولار  في قيمته التجارية و300 مليون من العمليات التجارية للنادي، لتكن قيمته التسويقية 1258 مليون دولار متربعًا في المركز التاسع من ذات الترتيب. (6) (7)

   

undefined   

هنا لن يكون غريبًا حين يشير الفارق في معدل الإنفاق بين الناديين المتنافسين على قمة الترتيب في إيطاليا، إلى ما يزيد عن الـ100 مليون باوند لصالح السيدة العجوز، ذلك لأن النادي يملك من الأصل قدرة مادية غير متاحة لنظيره.

 

وإذا ما تجاوزنا تلك النقطة وافترضنا وجود تحسن في معدلات الصرف من قبل الإداريين في الجنوب، نجد أن معدل الرواتب لا يحفز بالمرة من أجل اختيار نابولي على أي منافس أخر داخل إيطاليا خاصة لو كان اليوفي نفسه، لذا طبيعيًا أن تجد البيانكونيري لا يحتاج للكثير من أجل إقناع أفضل لاعب في نابولي، غونزالو هيغوايين، من أجل التحرك جهة الشمال ليكون الأعلى أجرًا في الفريق.

 

وبالعودة إلى واقع النقاط السابقة، فحتى لو كانت قيمة خروج هيجوايين تخطت الـ90 مليون، فإن استغلال هذه القيمة لن يكون الأمثل.

  

undefined    

إجابة مختلفة لسؤال مكرر

اختلقت صحيفة "كالتشيو ميركاتو- "calico mercato ذات مرة سيناريو من الخيال، يتبادل فيه ساري وأليغري الوظائف، فيعتلي الإيطالي المحنك زمام الأمور في نابولي ويتحرك المحاسب الغير محترف كلاعب ليكن في أعلى منصب فني في بلاده، ذلك التصور يمكن أن يذهب بنا إلى عدة تساؤلات، أهمها طبعًا وهو المعني من البداية، هو هل سيفوز نابولي بالدوري هذه المرة فعلًا على يد ذلك الخبير؟ (8) ويدخل على إثره نابولي للتاريخ مرة جديدة كأحد الأطراف الضعيفة التي تنتصر في صراع الكالتشيو الطويل.

  

في الواقع، من الممكن أن يمر الجميع بتجربة أصعب من تلك التي مر بها ساري في منافسته لأليغري ويوفنتوس، وهي تجربة تَقبل النتيجة النهائية إن كانت لا تشير لفوز، أو محاولة تقبلها بشكلٍ غير مجرد ولكن كجزء لا يتجزأ من بيانات كثيرة.

 

تجربة كتلك قد تذهب بنا نحو بعد آخر من القصة، بُعد يفتح جدلا يحتاج لسطور أطول بكثير من كل ما كتب في السابق حتى تُحل معضلته الأبرز في كرة القدم في الوقت الحالي، وهو هل سيتذكر التاريخ البطل فقط لأنه بطل، أم لأنه وصل للنهاية بشكلٍ ممتاز. وهل يهطل كل هذا المديح على ميلان-ساكي فقط لأنه حصل على الألقاب الأوروبية المستعصية على أغلب الفرق في إيطاليا، أم لأنه قدم أداءً مختلفًا جذب الجميع إليه.

 

لكن خوانما ليو كعادته أتى بإجابة مختلفة تمامًا لسؤال قتله التكرار:

"في سباق ما يمكن أن توكن الأول لأميال وأميال مبتعدًا عن الجميع، ثم تسقط قبل النهاية بأمتار بسيطة، هل يمكن أن تصف هذا السباق بالفاشل؟ لقد ركضت بكل قوتك. الأمر معقد جدًا."

"النتائج لا تقبل النقاش، فقط تقبل كما هي، لكن الأداء هو الذي يقبل ذلك، وإلا لماذا لا نذهب جميعًا للمباراة في الدقيقة الأخيرة حتى نرى النتيجة النهائية؟"