شعار قسم ميدان

توتنهام ويوفنتوس.. إدمان الرقص على الحافة

midan - توتنهام ويوفنتوس9

6 تسديدات على المرمى تنتج هدفًا واحدًا، وثلاثة على المرمى المقابل تنتج هدفين. سيطرة وفرص من طرف واحد تقريبًا طيلة المباراة، وخمس دقائق من انعدام التركيز أودت بمجهود موسم كامل. موسم تخلى فيه السبيرز عن طموحاتهم المحلية المشروعة سعيًا نحو بناء الشخصية الأوروبية، وانتهى الأمر بشكل مأساوي على يد المتخصص في تحطيم آمال السذج والحالمين؛ يوفنتوس أليغري.

 

أكون أو لا أكون

بوكيتينو خرج بنتيجة رائعة في الذهاب، لذا كان السؤال تلك المرة عند أليغري الذي عانى بشدة في المباراة الأولى أمام وسط السبيرز القوي. 4-2-3-1 أم العودة لـ 4-3-3 الناجحة هذا الموسم؟ ماتويدي عاد من إصابته لذا كان الاختيار منطقيًا، ولكن مع أليغري لا يمكنك التأكد أبدًا، لأن الـ 4-3-3 التي بدأ بها البيانكونيري بدت أقرب إلى 3-5-2، بتحفظ كبير من بارزالي وصعود شبه دائم لساندرو جعل احتسابه على خط الدفاع صعبًا نوعًا ما.

  

التشكيل وخطة اللعب والتقييم الرقمي للفريقين - هوسكورد
التشكيل وخطة اللعب والتقييم الرقمي للفريقين – هوسكورد

  

على الجهة المقابلة لم يكن الأرجنتيني بحاجة إلى تغيير الكثير، فقط التعديل البديهي بالدفع بتريبييه على حساب أورييه بعد عرضه الكارثي في تورينو. عدا ذلك تكررت التشكيلة بحذافيرها تقريبًا، ليتكرر السؤال بحذافيره مرة أخرى عن السبب وراء تفضيل ديير على وانياما رغم كونه الأنسب والأصلب والأقدر على مساندة الدفاع في مباراة كتلك، فالإنجليزي الشاب لم يفتك إلا كرة واحدة طيلة 90 دقيقة، وعابه سوء تحركه وبطء رد فعله في التحولات السريعة ومساندة الأظهرة على الأطراف وفي العمق.

 

تريبييه دائمًا وأبدًا

يمكننا اختصار الأمر فيما يلي؛ هناك مهاجم محوري (Target Man) على كل جهة في كين وهيغوايين، مراقب دائمًا كظله، لذا يتعين عليه الحركة الدائمة لتفريغ عمق الخصم من مدافع واحد على الأقل ومنح الفرصة للصاعدين لمباغتته، وهناك ظهير نشط (Marauding Full Back) على كل جهة أيضًا في ساندرو وتريبييه، يمتلك أحد المفاتيح المهمة لخروج الكرة وبدء الهجمة وإرسال العرضيات في الثلث الأخير بطبيعة الحال، وأخيرًا هناك رغبة من كلا المدربين في منع هذا الظهير من التقدم كحل مثالي، أو استغلال المساحات المتخلفة عن تقدمه كخطة بديلة.

 

الفارق هنا كان أن جبهة توتنهام اليمنى تضم إيريكسين إلى جانب تريبييه، وجبهة اليوفي اليسرى كانت تضم ماتويدي إلى جانب ساندرو وبلا صانع لعب حقيقي يمكنه نقل اليوفي للثلث الأخير إلا عن طريق الأطراف، لذا لا مبالغة هنالك إن قلنا أنه كان صراعًا بين الفنيات والبدنيات في أوضح صوره، وهو ما حصر حلول  أليغري في السعي نحو افتكاك الكرة من الظهير الإنجليزي ثم الانطلاق في تحولات سريعة أشبه بتلك التي نفذها في الذهاب مع أورييه، مستغلًا بطء ارتداد الدانماركي الدفاعي وضعف مساندته لرفيق جبهته، بالإضافة إلى انطلاقات كوستا السريعة الفعالة رغم عشوائيتها.

   

متوالية الضغط على تريبييه - مواقع التواصل
متوالية الضغط على تريبييه – مواقع التواصل

  

لذا بدت الدقائق الأولى أشبه بمرآة تكتيكية بين المدربين، كلاهما يضغط على الظهير المقابل ويحاول صناعة الهجمة من عنده، وتبدأ الحركة في دائرة مفرغة لا تتوقف ولا يمكنك تمييز بدايتها من نهايتها، فبين كين وتريبييه انسجام تام أنتج العديد من الطوليات خلف الأظهرة والتي تحولت للعديد من الأهداف لاحقًا، لذا فبمجرد تسلم الظهير الإنجليزي للكرة في مناطقه يخرج كين للطرف مصطحبًا كيلليني، وهو ما يدفع كل من ساندرو وماتويدي بالتبعية للضغط على إريكسين وتريبييه لخنق الكرة.

 

بالمثل بدأت الخطة المضادة، فخط اليوفي الخلفي ينفتح عن آخره لحظة بدء الهجمة، لذا يتقدم تريبييه بضع خطوات ويحاول اعتراض الكرة قبل أن تصل من كيلليني إلى ساندرو، وهنا يصبح دفاع أليغري مكشوفًا وجاهزًا للمباغتة، ويصبح كين في موقف 1 على 1 مع كيلليني وجاهزًا لتخطي الإيطالي العجوز نحو مرمى بوفون، ومن هنا أتت أولى فرص السبيرز المحققة في الشوط الأول.

  

كيف يباغت السبيرز دفاع اليوفي لحظة خروج الكرة 1 - مواقع التواصل
كيف يباغت السبيرز دفاع اليوفي لحظة خروج الكرة 1 – مواقع التواصل

    

كيف يباغت السبيرز دفاع اليوفي لحظة خروج الكرة 2 - مواقع التواصل
كيف يباغت السبيرز دفاع اليوفي لحظة خروج الكرة 2 – مواقع التواصل

    

من حفر حفرة لأخيه

بمرور الوقت اكتشفنا أن أليغري لم يضع أي بدائل أخرى لمباغتة دفاع السبيرز، أو ربما فعل ولكن صلابة وسط توتنهام وقدرته على الاستحواذ أبطلتها، ثم أضيفت لمشاكله مشكلتين رئيستين؛ إحداهما أن تريبييه لم يكن المتنفس الهجومي الوحيد لأصحاب الأرض، بل بالعكس امتلك بوكيتينو حلولًا في كل أرجاء الملعب تقريبًا، وثاني المشاكل أن أحد تلك الحلول كان كابوسًا يعاني منه بارزالي اسمه هيونغ مين سون، تفوق عليه في كل مرة تقريبًا ولولا رعونته وأنانيته لاستطاع أصحاب الأرض إنهاء المباراة في الشوط الأول.

     

ما سدده سون على المرمى منفردًا يفوق ما سدده يوفنتوس كاملًا - هوسكورد
ما سدده سون على المرمى منفردًا يفوق ما سدده يوفنتوس كاملًا – هوسكورد

    

رغم ذلك كله ظل بوكيتينو مصممًا على تفعيل جبهته اليمنى مهما كلف الثمن، ليس فقط لأنها الأخطر بتواجد إيريكسين وميل كين عليها، ولكن لأن تفعيلها كان يعني القضاء على أهم محور هجومي ل أليغري وإبقاءه تحت الضغط طيلة الوقت.

 

المشكلة الوحيدة كانت أن تريبييه صيد سهل ومعروف ولا يمكن إخفائه، ومدافعي اليوفي يتكاثرون حوله كالذئاب كلما تسلم الكرة، لذا قرر الأرجنتيني منحهم صيدًا أثمن في الدقائق التي سبقت الهدف، وبتعليمات مباشرة بدأ كين يهبط لمواقع متأخرة على الخط، قريبة للغاية من المواقع التي اعتاد دفاع اليوفي اصطياد تريبييه فيها. يتلقى الكرة ثم يحافظ عليها بقوته الجسمانية فينشغل ماتويدي وساندرو عن تريبييه الذي يتسلل للأمام بسرعة، ثم تخرج التمريرة من أقدام كين نحو دفاعات أليغري المكشوفة، وكأن بوكيتينو قد قام بعكس أطراف جبهته اليمنى، وأصبح المهاجم يفرغ المساحات للظهير للحركة.

   

جملة الهدف الأول لتوتنهام - مواقع التواصل
جملة الهدف الأول لتوتنهام – مواقع التواصل

    

في الدقائق قبل الهدف وبعده انحصرت لمسات كين في نفس الموقع الذي صنع منه هجمة الهدف - هوسكورد
في الدقائق قبل الهدف وبعده انحصرت لمسات كين في نفس الموقع الذي صنع منه هجمة الهدف – هوسكورد

    

بنهاية الشوط الأول كان تريبييه هو أكثر من لمس الكرة من الفريقين وبفارق كبير عمن يليه - هوسكورد
بنهاية الشوط الأول كان تريبييه هو أكثر من لمس الكرة من الفريقين وبفارق كبير عمن يليه – هوسكورد

  

الرقص على الحافة

بنهاية الشوط الأول كان يوفي أليغري قد صار أشبه بالمصفاة، ثغرات من كل مكان وتفوق كبير وواضح في الثنائيات والفعالية التكتيكية بشكل عام، ولكن الإيطالي احتفظ بهدوئه كعادته وبدأ الشوط الثاني وكأن شيئًا لم يكن، انتظر اندفاعا هجوميًا من خصمه لقتل المباراة ولكنه لم يحدث، بل على العكس ظهرت العيوب التي حرمت توتنهام من النجاح الأوروبي طيلة الموسمين السابقين؛ المزيد من الرعونة والمزيد من الفرص الضائعة والمزيد من الفردية في الأمتار الأخيرة.

 

ظلت الحرب على يمين توتنهام ويسار اليوفي مستمرة، كلا المدربين يرفض التفريط في تلك الجبهة، ولكن للمرة الأولى قرر  أليغري الانتقال من 4-3-3 ومشتقاتها إلى 4-2-3-1 طواعية ودون غيابات أو إصابات، ولأجل هدف وحيد هو تعزيز الأطراف بعد أن خسر معركة الوسط للمرة الثانية.

 

أسامواه يدخل بدلًا من ماتويدي دافعًا ساندرو إلى مركز متقدم كجناح صريح، وليشتشتاينر يحل على حساب بن عطية المصاب لتفعيل الجبهة المنسية التي سارت في اتجاه واحد طيلة الساعة الأولى، وبالتبعية ينتقل بارزالي للقلب رفقة كيلليني بعد أن دهسه قطار سون السريع أكثر من مرة.

 

يمكنك القول أن تغييرات أليغري كانت أشبه بالسحر، ولم يكد الظهير السويسري يكمل إنطلاقته الثانية منذ دخوله حتى راوغ ديفيز وأرسل العرضية التي صنع منها خضيرة هدف اليوفي الأول، وبعد دقيقتين و45 ثانية بالضبط كان هيغوايين يفعل بدفاع السبيرز ما فعله كين بدفاع اليوفي في لقطة الهدف، هبوط فاستلام للكرة ثم إخراجها لديبالا في المساحة المتخلفة عن الفوضى.

 

3 دقائق فقط كانت كل ما يحتاجه اليوفي لتعديل النتيجة والعودة لوضعيته المفضلة في الخلف، ولكنها ثلاث دقائق تطرح أسئلة أكثر مما تجيب عليها؛ فهل كان أليغري ينتظر اللحظة المناسبة للتدخل ويعلم مسبقًا أن تغييراته ستحدث هذا الأثر؟ أم أن الأمر شابه الكثير من التوفيق لا أكثر؟ وإذا كانت الأولى، فهل توقع الإيطالي أن السبيرز سيضيعون كل فرص قتل المباراة بهذا الشكل أم أنه بنى خطته على رعونتهم أمام المرمى؟

 

الحقيقة أنها واحدة من تلك المباريات التي يصعب تفسيرها؛ يوفنتوس  أليغري اعتاد الرقص على الحافة في البطولة الأوروبية، وغالبًا ما اعتمد على هوامش نجاح ضئيلة ولكنها فعالة، ولكنه كان يمتلك دفاعًا أكثر صلابة يستطيع قبول اللعب لوقت طويل دون التعرض لهذا الكم من فرص التسجيل، وحتى في تلك الأوقات لم يبد اليوفي قادرًا على مقارعة الكبار الحقيقيين المعتادين وهم في حالتهم الطبيعية، ومع تقدم أعمار فريقه هذا الموسم وتراجع عدد لا بأس به من عناصره، تبدو المحاولة المعتادة للرقص على الحافة أشبه بالانتحار، وقد لا ننتظر حتى نهائي البطولة لنشهد نهايتها.