شعار قسم ميدان

برشلونة وأتلتيكو مدريد.. ظُلم اسمه ميسي

midan - برشلونة

8 نقاط تبعده عن أقرب ملاحقيه، 15 نقطة تفصله عن غريمه التقليدي.. برشلونة يواصل التحليق بصدارة الليغا، متغلباً على أتلتيكو مدريد بهدف نظيف في الجولة السابعة والعشرين للمسابقة. عقبة جديدة يجتازها إرنستو فالفيردي مدرب البلوغرانا، بطريقة ربما ليست هي الأمثل أمام أعين اعتادت المتعة، ولكنها -بالورقة والقلم- ناجحة بنسبة 100% حتى إشعار آخر.

 

تتفكك الحسابات والأفكار التكتيكية بركلة حرة لا أكثر ولا أقل، بقدم لاعب هو منقذ برشلونة الأول وعماد منظومة فالفيردي الهجومية شحيحة الأهداف أمام التكتلات الدفاعية. مقارنةً بلقاء تشيلسي لم تكن الصورة مطابقة على الإطلاق،  فهنا هدد برشلونة وتسيد ولم ينجح في التسجيل، بينما هناك وقف هذا الهجوم عاجزاً حتى أتت هدية كريستنسن. على الصعيد الدفاعي، انتصرت فرديات ويليان لحسابات كونتي في ستامفورد بريدج، بينما لم يجد دييغو سيميوني ملاذاً في أقدام أنتوان غريزمان.. ناهيك عن العلاقة المتنافرة بين المدرب الأرجنتيني نفسه وبين الهجوم كفكرة من الأساس..

  

(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين - هوسكورد)
(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين – هوسكورد)

  

أوراق البداية

4-4-2 تحكم، بين فالفيردي الذي لجأ لها هذا الموسم في تجربته الجديدة، وبين سيميوني أخلص رجالها في إسبانيا، والأكثر ولاءاً لفكرة إقحام لاعبي وسط بالأطراف على حساب الأجنحة، إلى درجة بيع غايتان وكاراسكو في شتاء واحد. واصل إرنستو رحلة البحث عن الدور الأفضل لفيليبي كوتينيو في تلك المنظومة فاستقر على إشراكه بالرواق الأيمن في تجربة لم تكن مثمرة بالقدر الكافي، لتتغير الأحوال إلى الأفضل نسبياً بنقله يساراً في وقت لاحق من الشوط الأول.

 

على الجانب الآخر حضَّر سيميوني ترسانته مُحكمة الإغلاق، بثنائي ارتكاز مكون من غابي وتوماس بارتي المتميزان على الصعيدين البدني والدفاعي، يجاورهما ساؤول وكوكي على الطرفين، ليُشيد بهم جداره الثاني المفضل أمام خط الدفاع، الأمر الذي يظهره الفارق الرهيب بأرقام التدخلات بين الطرفين حيث نجح الأتلتي بـ40 تدخل من أصل 61، مقابل 18 من أصل 25 للبلوغرانا.

 

شوط أول ينضم لقائمة الأشواط الأفضل من نسخة برشلونة الحالية، استحواذ وصل إلى 67%، 9 محاولات (4 على المرمى) مقابل محاولة وحيدة للخصم خارج المرمى، ضغط عالي منظم وتفوق واضح لوسط ودفاع برشلونة المتقدم في احتواء خطورة أتلتيكو قبل أن تبدأ بتقارب مميز بين الخطوط وسرعة نسبية في استرجاع الكرة. وتيرة مثالية منحت أصحاب الأرض اليد العليا طوال 45 دقيقة وألغت الروخيبلانكوس بشكل كامل.

   

(الخريطة الحرارية للفريقين - هوسكورد)
(الخريطة الحرارية للفريقين – هوسكورد)

     

لم يكن هذا ضد ما يريده سيميوني بالضرورة، فالرجل لا يمانع الدفاع السلبي طوال الشوط الأول على أمل قلب المعطيات في الشوط الثاني، حتى وإن كان هو الأكثر حاجة للفوز، فإن تفادي الخسارة دائماً ما يظل احتمال أفضل في حساباته. المشكلة أنه تحت هذا الحصار نجح بشكل نسبي في احتواء خطورة برشلونة، صحيح أن الفريق نجح في إيجاد الثغرات بتنظيمه الدفاعي إلا أن الحاصل النهائي للفرص لم يكن بتلك الخطورة، كلها أوراق لا يمانع ليونيل ميسي بعثرتها بركلة حرة في جميع الأحوال..

 

ربما هي واحدة أيضاً من أفضل الفترات التي عاشها خط وسط الفريق الكتالوني جماعياً من حيث التجانس وجودة التمرير وإيجاد الحلول لضمان بقاء الكرة تحت السيطرة، تجانساً لا يعكر صفوه غوميز أو باولينيو، ولكنه لم يدُم بدوره لأكثر من 35 دقيقة حتى حل الأول إجبارياً على حساب أندريس إنييستا المصاب. خسارة في الصفوف تلقي بظلالها على إياب دور الـ16 لدوري الأبطال أمام تشيلسي، ربما ساهمت في إغراء فالفيردي بالبدء في تأمين النتيجة والبروفة النهائية لما قد تتطلبه مواجهة البلوز في آن واحد..

 

عبثاً تحاول..

ولأننا أمام واحد من أكثر مدربي برشلونة براغماتية ربما منذ هيلينيو هيريرا، لم يسدد برشلونة سوى تسديدة أخرى على مرمى أوبلاك (من أصل 7)، ازدادت محاولات أتلتيكو المجبر على التعويض لتصل إلى 5 (واحدة فقط على مرمى شتيغن بهذا الشوط وطوال المباراة)، وانخفضت نسبة الاستحواذ الكتالوني إلى 49% في هذا الشوط، تفادياً لمخاطر الاحتفاظ بالكرة في وجود غوميز على الأرجح!

 

تراجعت الصفوف وانحدر الضغط تدريجياً وباتت المهمة الأمامية معقودة على ميسي وكوتينيو ومن أمامهم سواريز، وكما أغلق فالفيردي الأبواب على أتلتيكو الذي لا ينوي الهجوم، منح الأولوية لاحتوائه حين قرر التقدم رغم أنفه. بالفعل قدم كوتينيو مباراة مميزة رغم مبالغته أحياناً في محاولة الاختراق، بـ6 مراوغات صحيحة من أصل 9 (الأكثر إكمالاً للمراوغات في الملعب)، إلى جانب 4 تمريرات مفتاحية وتسديدتين على المرمى. بطبيعة الحال لا يزال جانبه الدفاعي هو الأضعف حيث لم يربح سوى تدخل وحيد من أصل 4.

 

تألق ثنائي الدائرة الكتالوني على صعيد الدفاع، فلم يخسر بوسكيتس وراكيتيتش سوى تدخلين من أصل 9 مجتمعين، ظهرت القيمة الوحيدة فعلياً لمشاركة غوميز في اصطياد الكرات الهوائية بـ4 صراعات ناجحة من أصل 5 في وجه محاولات الأتلتي للارتداد بالطوليات، كثاني أكثر لاعبي اللقاء فوزاً بها بعد مباراة كبيرة من جيرارد بيكيه صاحب الــ7 من أصل 9.. المدافع نجح أيضاً في تدخلين من أصل 2 إلى جانب اعتراضين للكرة.

   

(مواقع التحامات غوميز الهوائية - سكواوكا)
(مواقع التحامات غوميز الهوائية – سكواوكا)

   

مشكلة أتلتيكو لم تكن أبداً في استعادة الكرة وهو ما تؤكده أرقام افتكاك الكرة: بارتي 7 من 11، كوكي 6 من 9، خيمينيز 6 من 7، فيليبي لويس 5 من 8، ساؤول 5 من 7، فيما كان غابي النقطة السوداء الوحيدة بـ2 من 5. أيضاً كانت لهم اليد العلي في اعتراض الكرة بـ21 إجمالاً مقابل 12 لبرشلونة، الأمر كله يتعلق بما تفعله بالكرة عقب استعادتها، و هنا بدأ سر صلابة بنيان سيميوني ينقلب عليه وبالاً..

   

(مواقع اعتراضات الفريقين: برشلونة باللون البرتقالي وأتلتيكو بالأزرق، تتركز اعتراضات الأتلتي على الأطراف، بينما حظي برشلونة بالغالبية في الوسط خاصةً على حدود الثلث الأخير، على هذا الحاجز تحديداً تحطمت العديد من بوارق الأمل لهجمة منظمة من جانب الروخيبلانكوس - هوسكورد)
(مواقع اعتراضات الفريقين: برشلونة باللون البرتقالي وأتلتيكو بالأزرق، تتركز اعتراضات الأتلتي على الأطراف، بينما حظي برشلونة بالغالبية في الوسط خاصةً على حدود الثلث الأخير، على هذا الحاجز تحديداً تحطمت العديد من بوارق الأمل لهجمة منظمة من جانب الروخيبلانكوس – هوسكورد)

  

أطراف سيميوني هم بالأصل لاعبي وسط، وأظهرته أقل حرية، وقف هذا عائقاً رئيسياً أمام محاولة فتح الملعب، وفي مثل تلك الطرق تُلقى الكثير من الأعباء على اللاعب الأمامي الأفضل، في حالتنا تلك هو أنتوان غريزمان، وفي نفس تلك الحالة تصادفت المباراة مع أداء صفري من جانبه: 0 من المراوغات، 0 من التمريرات المفتاحية، تسديدة خارج المرمى، لا شيء على الإطلاق في 38 لمسة.

 

بدأ سيميوني في نصف الساعة الأخير بمحاولة قلب المطيات، مقحماً أنخيل كوريا على حساب الظهير الأيمن سيمي فيرساليكو في تهور هجومي نادر، ثم أتبعه بإشراك كيفن غاميرو مضحياً بلاعب من الوسط هو أقلهم غابي، قبل أن يختتم أوراقه بمحاولة إعادة التوازن، مقحماً المدافع لوكاس هيرنانديز على حساب فيليبي لويس. في ظل تلك الحالة قرر سيميوني أنه سيدفع بأكبر عدد ممكن من رجاله إلى مناطق برشلونة الخلفية لعل وعسى تصل الكرة، وضعية لا يبدو أنه تهيأ لها، شاهدها فالفيردي مستمعاً حتى ألقى بباولينيو في الدقيقة 84 على حساب كوتينيو.

 

عدالة التوزيع..

"ميسي صنع الفارق. إذا نزعنا قميصه وألبسناه قميص أتلتيكو ربما لفزنا نحن 1-0. الأمر أشبه باللعب في الحي، حين يختار أحدهم اللاعب الأفضل تُصبح الأمور صعبة على الفريق الآخر"

(دييغو سيميوني مدرب أتلتيكو مدريد بعد المباراة مباشرةً) (1)

  

يقول البعض أنه هزم الأتلتي وحده، مبالغةً كبيرة تنفي دور العمل الدفاعي الجيد للفريق والمستوى الذي أظهره بقية الزملاء. ولكن بسير تلك المباراة تحديداً كان كل ذلك كافياً للخروج بالتعادل السلبي، فحين تتعقد الأمور لا يوجد ملاذ سواه. أداء فردي ليس بجديد عليه، 5 مراوغات صحيحة بالعلامة الكاملة (الأكثر نجاحاً من حيث النسبة المئوية)، 5 تمريرات مفتاحية و5 تسديدات في الصدارة على عموم الفريقين، الأنكى أنه فعل كل ذلك ولم يلمس الكرة داخل منطقة جزاء الخصم سوى مرة وحيدة.

   

(خريطة لمسات ميسي، مرمى أتلتيكو على اليمين - سكواوكا)
(خريطة لمسات ميسي، مرمى أتلتيكو على اليمين – سكواوكا)

    

برشلونة تفوق كأفراد ومجموعة على أتلتيكو، فالفيردي تفوق تكتيكياً على سيميوني بالأرقام، ولكن هل كانت كل تلك المعطيات كافية لتحقيق هذا الفوز؟ فالفيردي تفوق دفاعياً، قدَّم شوطاً مثالياً وآخر تجاري لحفظ النتيجة، ولكن من أين له أن يعود بتلك النقاط إن لم يتصرَّف ميسي كالعادة؟ للرجل لمسات واضحة، ولكنه ببساطة لن ينال تقييماً موضوعياً خالصاً ما دام ليونيل حياً يرزق. تحسن دفاع برشلونة فردياً وجماعياً، وبات لديه القدرة على تنويع اللعب وفقاً لمجريات الأمور وغرضه من المباراة، ولكن لا يمكن لوم قائل إن قال أن الخطة الهجومية قد بُنيت كاملة على أساس واحد: ميسي سيتصرَّف.

 

لا تستطيع الخروج بالكرة من الوراء؟ سيتراجع للحصول عليها ويدفعك إلى الأمام. تواجه تكتلات منظمة؟ سيراوغ أي عدد يقدر عليه وستجد الكرة في الشباك قبل أن تدرك ما حدث. المساحات ضيقة ولا تسمح بالمراوغة؟ العدد أكبر من أن يراوغه؟ كل ما عليك أن تتحرك بشكل ملائم وستجد البينية تجتازهم جميعاً. لم يفعل أي مما سبق؟ امنحه ركلة حرة وهنيئاً عليك التقدم.. تفقد كلمات المديح معناها حين تتكرر، تفقد الأوصاف قيمتها حين لا تكفي لوصف حقيقة الأمر، تنضب مفردات اللغة ولا تجد ما يُعبر عن هذا المخلوق سوى اسمه، ليونيل ميسي.

 

محظوظ هو النادي الذي اختار اللاعب الأفضل في الحي، أبطال حقيقيون هم من ينجحوا في إيقافه.. مجرد قدم يسرى ولكنها تملك القدرة على ظلم الجميع، الخصوم والزملاء ومدربي الفريقين، الكل له حساباته وحظوظه، ولكن حين يتكلم ليو تذهب كل تلك الصغائر أدراج الرياح.