دي زيربي خلفا لفالفيردي.. عودة برشلونة لصوابه أم مجرد خدعة جديدة؟

مبدئيًا، دي زيربي اسم يسهل التحفز ضده، خاصة إن كنت أحد مشجعي برشلونة الذين لا يتابعون السيري الإيه، أولًا هو مغمور، ثانيًا هو يدرب في السيري إيه كما هو واضح، ثالثًا هو إيطالي، ومدرب إيطالي في برشلونة هو أشبه بـ… في الواقع هو أشبه بمدرب إيطالي في برشلونة، الأمر يشرح نفسه، لم يسبق للنادي أن تعاقد مع إيطالي لتدريب الفريق سوى مرة واحدة في منتصف الخمسينيات مع ساندرو بوبو ولم يمكث الرجل سوى موسم واحد خالٍ من الألقاب. (1)
كل هذ لا يقارن برابعًا والأهم على الإطلاق؛ اسم دي زيربي جديد وغير مألوف، وتم طرحه للمرة الأولى عن طريق السبورت الكتالونية، الصحيفة القريبة من الإدارة الحالية، والتي لا تطلق هذه الأخبار اعتباطًا، ولو نشرت تقريرًا مفاده أن مسؤولي النادي يتابعون دي زيربي تمهيدًا للتعاقد معه خلفًا لفالفيردي فهي بالونة اختبار على الأرجح، على أن يتم قياس ردود الأفعال كجزء من معطيات القرار.(2)

عمومًا، دي زيربي ليس المثال الوحيد في إيطاليا، لأنه منذ سنوات بدأ الكالتشيو يعود تدريجيًا للساحة التكتيكية بعد عقد كامل من الجمود، ومع أسماء متنوعة التوجه مثل دي فرانشيسكو وكونتي وألليغري وسارّي وغيرهم، لم يعد هناك مبررًا للنظرة الاستعلائية التي يُعامل بها الكالتشيو مؤخرًا. صحيح أن الدوري فقير والمواهب قليلة والأموال عزيزة، ولكن مازالت إيطاليا محتفظة بدرجة من الثراء التكتيكي تجعلها في مقدمة الدوريات المُصدرة للمدربين، ولكن هذه قصة أخرى.
المهم أن اسم دي زيربي بدأ في الطفو مع فوغيا، فريق معدوم الإمكانيات تقريبًا ولكنه لا يلعب بالطريقة الإيطالية المعتادة؛ يبحث عن الكرة ويسعى لإبقاءها في حيازته، وعندما يفقدها يحاول استعادتها بشراسة. دي زيربي بدأ في صناعة اسمه هناك، معتمدًا بالأساس على 4-3-3 المقدسة في كتالونيا، وبإصرار مثير للإعجاب على إبقاء الكرة على الأرض طيلة الوقت، حتى لو كلفه ذلك قضاء وقتًا أطول لإخراجها من مناطقه، يعتمد خلالها على حركية ثلاثي الوسط لفتح زوايا التمرير أمام المدافعين. (3)

طبعًا هذا يعني أن الرجل يلتزم بباقي التفاصيل المصاحبة لهذا الطراز من كرة القدم، مثل الاعتماد على حارس المرمى في التمريرة الأولى، والضغط العكسي السريع في مناطق الخصم لاسترجاع الاستحواذ، وفي حالة فشله يتراجع الفريق لشكل أقرب إلى 4-1-4-1 مع تواجد كل لاعبي الفريق خلف الكرة، والهدف هنا هو إغلاق العمق تمامًا وإجبار الخصم على الخروج للأطراف حيث يملك دي زيربي أفضلية عددية، الأمر الذي لن يتمكن من إنجازه في برشلونة لأن أجنحة الفريق وأطرافه لا تدافع ببساطة، هذا أول ما سيخبره به فالفيردي بعد عامين من التجارب الفاشلة مع كوتينيو وديمبيليه، طبعًا بعد أن ينصحه بإعادة باولينيو من الصين.

|
نعم هو نفس البينفينتو الذي كنت تسمع عنه العام الماضي، الفريق الذي صعد وهبط في نفس الموسم بعد أن حقق رقمًا قياسيًا في تاريخ الدوريات الخمس الكبرى بتعرضه للهزيمة في أول 13 مباراة بعد صعوده، وإحقاقًا للحق كان كثير من هذه الهزائم بسبب هدف في الدقائق الأخيرة، ولكن التجربة عمومًا كانت هزلية للغاية؛ بينفينتو كان أكثر فرق إيطاليا إثارة للجدل هذا الموسم بسبب شجاعته -أو حماقته بالأحرى- وسعيه الدائم للمبادرة ومباغتة خصومه، ولكن الأرقام في نهاية الموسم كانت كارثية فعلًا؛ 6 انتصارات فقط لا غير و3 تعادلات و29 هزيمة اهتزت خلالها شباكه 84 مرة لتنتج فارق أهداف بلغ -51، ورغم كل الإشادات التي نالها دي زيربي هذا الموسم فإن الأمر كان أقرب لمزحة سخيفة، مزحة شبيهة بمزحة باكو خيميث في الليغا منذ عدة سنوات. (7) (8) (9)
|
بعدها، ولسبب لا يعلمه إلا الله، قرر مسؤولو ساسوولو التعاقد مع الرجل، ساسوولو أحد أندية إيطاليا النادرة التي تمتلك خطة واضحة للتقدم، وبغض النظر عن كونه أحد ثلاثة فرق تمتلك ملعبها الخاص في السيري إيه مع أودينيزي ويوفنتوس، فإن إدارته تملك قدرة هائلة على توظيف موارده المحدودة، وهذا يتكامل مع قدرة كشافيه على اصطياد المواهب على مستوى المدربين واللاعبين على حد السواء، هناك تقرير رائع نشرته غارديان عن رحلة الصعود من الدرجة الرابعة للمقاعد المؤهلة لأوروبا في السيري إيه، ننصحك بقراءته. (10)
المهم أن ساسوولو مع دي زيربي وصل للمركز الثامن في الجدول حتى اللحظة من 6 انتصارات -تضمنت الفوز على إنتر في الافتتاحية- و7 تعادلات و4 هزائم، على بعد ثلاث نقاط فقط من لاتسيو الرابع، ولكن بفارق أهداف هو الأقل في النصف الأعلى من الجدول، ليس بسبب ضعف السجل التهديفي للفريق ولكن للسبب المنطقي الواقعي الذي خمنته غالبًا، وهو أن لعب كرة قدم من هذا الطراز في إيطاليا له كلفته. (11) (12)
لكي تفهم الأمر في سياقه الصحيح فعليك أن تكون على دراية كافية بأسلوب عمل الإدارة الحالية بقيادة بارتوميو، ولكي تفهم أسلوب عمل الإدارة الحالية بقيادة بارتوميو فأنت لا تحتاج للكثير، ببساطة لأنه ليس هناك أسلوب عمل أصلًا، هذه إدارة هزلية بدورها لا علاقة لها بالواقع، وباستثناء قدرتها على الحصول على عقود الرعاية وزيادة مدخلات النادي السنوية فليس هناك شيئ يذكر على مستوى كرة القدم نفسها، نحن نتحدث عن نادي أنفق 160 مليون يورو على خليفة إنييستا ثم اكتشف أنه ليس خليفة إنييستا، ثم أنفق 40 مليون أخرى للحصول على مالكوم وهو يعلم يقينًا أن فالفيردي لن يعتمد عليه بأي شكل من الأشكال، وبعدها دفع 35 أخرى لإشبيلية للحصول على لينغليه ثم تفاجأ بأنه يلعب بقدمه اليسرى، هذه درجة من المزاح لا يفوقها سوى مزاح دي زيربي مع بينفينتو. (13) (14)

الخلاصة؛ دي زيربي لا يملك أي شيء يرجحه على فالفيردي سوى إخلاصه لمبادىء كرة برشلونة. تجاربه أكثر تواضعًا من أن تجعله مرشحًا لإدارة فرق وسط الليغا ناهيك عن متصدرها، وخبرته المحلية والأوروبية شبه معدومة، وهذا هو بالضبط ما يجعله مرشحًا مثاليًا لإدارة من هذا النوع، لا تؤمن بحق المدرب في اختيار صفقاته التي ستساعده على تنفيذ طريقة لعبه وفلسفته، وتبحث فقط عن إسكات المعترضين بتقديم القرابين المعتادة حتى ولو تم تفريغها من معناها وقيمتها، وعلى رأسها بالطبع إعجاب الرجل بغوارديولا وكرويف، فالفيردي سيخبر دي زيربي بكل ذلك أيضًا.
ظاهريًا يبدو الأمر وكأنه محاولة للعودة لجذور النجاح بعد تجربتي رايكارد في 2003 وبيب في 2008، ولكن واقعيًا، يبدو دي زيربي كحصان طروادة، مجرد واجهة تسمح باستمرار النهج الحالي دون مشاكل أو اعتراضات، بكل ما يتضمنه ذلك من تعاقدات عشوائية وعلاقة مريبة مع وكلاء اللاعبين وتجارة مشبوهة مع أندية الصين، وأي شيء غير ذلك سيُعد مفاجأة حقيقية.