شعار قسم ميدان

الفاتورة.. كشف حساب دييغو سيميوني

ميدان - سيميوني
انتهى الموسم الأوروبي وحان وقت الحساب، فاز من فاز وخسر من خسر، ولكن النتائج وحدها لا تصلح لأن تكون المعيار وإلا باتت المُحصلة ناجح وحيد وسط مجموعة من الفشلة في نهاية كل موسم. لذلك يقدم لكم "ميدان" سلسلة مقالات بعنوان "الفاتورة" لاستعراض ما قدمه أبرز مدربي الفرق الكبيرة عن مجمل فترة توليهم لمناصبهم الحالية. بطل هذه الحلقة هو دييغو سيميوني المدير الفني لأتلتيكو مدريد.

 

لأنه لم يعُد تلك الظاهرة

منذ 4 أعوام فقط، كان اعتبار موسماً يحقق فيه أتلتيكو مدريد المركز الثالث ونصف نهائي دوري الأبطال مخيباً للآمال هو ضرب من الجنون، ولكن هذا جزاء من يرفع سقف الطموحات إلى تلك الدرجة قبل أن ينهار فوق رأسه.

 

لماذا من الأساس يمكن تصنيف الإتيان وراء ريال مدريد وبرشلونة والوصول لدور لم يبلغه الأخير في دوري الأبطال فشلاً؟ هو يظل موسماً جيداً بالنسبة لفريق بحجم أتلتيكو، خرج من العدم على يد سيميوني ليفرض نفسه ضيفاً ثقيلاً وسط كبار أوروبا، ولكن هذا قدر من ينضم إلى تلك المصاف، كلما طال بقاؤه تزداد الصعوبات، وكلما واصل تقوية اسمه ووضعه ترتفع التحديات وتنتفي دعائم الدفاع المُصغِّر للحجم واحدة تلو الأخرى.

 

ديغو سيميوني مدرب فريق أتتيكو مدريد (رويترز)
ديغو سيميوني مدرب فريق أتتيكو مدريد (رويترز)

 

سيظل سيميوني هو من بنى هذا الفريق وصاحب أكبر الفضل في إنجازاته وتطور عقليته الجماعية وازدياد صلابته وتحول كل تلك الأسماء المجهولة إلى نجوم تتهافت عليها الأندية، ولكن مقولات مثل "نادٍ فقير لا يملك الإمكانيات" أو "مزرعة مُجبرة على البيع" أو "فريق لا يمكنه إغراء نجومه بالبقاء" أو حتى "لاعبيه لا يملكون الجودة الكافية" باتت كلها والعدم سواء، كلها قد لقيت مصرعها على يد الرجل ذاته.

 

قائمة طويلة من الأسماء المجهولة سابقاً باتت من نجوم الصف الأول الآن على يده، نادٍ لا يملك أي نوع من أنواع الإمكانيات بات رئيسه قادراً على التبجح علناً والقول عن مانشستر يونايتد أنه "نادٍ صغير" بفضله(1)، كل ذلك صنعه سيميوني ولا ينكره أحد عليه، ولكن ما كان قابلاً لأن يُقال منذ 4 سنوات لم يعُد صالحاً للعمل به الآن، بالتالي لا يمكن معاملة هذا الأمر الواقع وكأنه ليستر سيتي مثلاً أو أي من تلك الأندية التي تظهر فجأة ثم سُرعان ما تطويها الكرة في صفحات النسيان.

 

ببساطة..

تبدأ حكاية الموسم كله من كلمات أطلقها سيميوني في مطلعه عن "بساطة كرة القدم"، مجموعة من البديهيات الممزوجة بمغالطات بشعة مثل أن الأندية تشتري اللاعبين ليعمل المدرب على أساس إمكاناتهم، وأن من لديه فلسفة خاصة فعليه تجربتها في المنتخبات حيث يمكنه استدعاء من يريد لتطبيق فكر جاهز.

 

 

نسي التشولو أو تناسى أن النادي يجب أن يكون على دراية ووفاق كاملين مع فكر المدرب قبل التعاقد معه، وأن المدرب يجب دائماً أن يكون صاحب اليد العليا في قرارات انضمام اللاعبين ورحيلهم -في ضوء ميزانية النادي- حتى يُمكن محاسبته بشكل عادل على ما يقدمه، وأن اختيار النادي للمدرب أصلاً يكون إما على أساس التوافق الفكري القائم منذ البداية، أو الرغبة في إحداث تغيير بالفكر، هذا الكلام ينطبق على الأندية التي تسير بخطوات مدروسة بالطبع.

 

نسي المدرب الأرجنتيني أيضاً أن تشرُّب اللاعبين لفكر قائدهم يحتاج لتواجدهم معاً لأطول فترة ممكنة وهو ما لا يتوفر في المنتخبات التي يقتصر دورها على أسابيع التوقف والبطولات المجمعة، ولكن بالتطرق لأبرز ما أتى في تلك الكلمات، ظهر على سيميوني اعتزازاً خاصاً بالقدرة على خلق الهجمات في ظل استحواذ قليل، كاشفاً بنفسه الغطاء عن أخطر عيوبه التكتيكية: عدم قدرته على إدارة الاستحواذ كما ينبغي.

 

قد يكون السؤال هنا هو لماذا يضطر لإدارة الاستحواذ من البداية ما دام قادراً على خلق فرصه بالقليل منه، ولكن الإجابة الأكثر بديهية من كل ما ذكره الرجل في حواره هو أن المبادرة ليست خياراً، بل عُرف كروي نادراً ما يكون قابلاً للمساس به، في أغلب الحالات هناك طرف أقوى من الآخر، وفي ظل تلك الظروف سيظل هذا الأقوى مُجبراً على تسلم زمام المبادرة والاستحواذ سواء أراد ذلك أو لا.

 

إن كان أتلتيكو أضعف من برشلونة وريال مدريد وبايرن ميونيخ ومن على شاكلتهم، فهو حتماً لن يحظى بفرص ترك المبادرة واللجوء للدفاع والمرتدات إلا في تلك النوعية من المواجهات والتي لن تمثل بأي حال لن تتخطى نسبتها 15% من مجمل الموسم. تطلب الأمر الكثير من الوقت حتى فطن سيميوني إلى تلك الحقيقة الصادمة، أنه لا يوجد في الليغا سوى فريقين أفضل منه، وأنه بات مُضطراً لمواجهة أغلب البقية من منطلق كونه الأقوى، وأن الأمور لم تعُد بتلك البساطة.

 

لتفادي الهبوط..

undefined

 

افتتح أتلتيكو مدريد مسيرته في الليغا بمباراتين أمام فريقين صعدا لتوهما من الدرجة الثانية، ما كان أحد ليطمح ببداية أسهل من تلك، ولكن الفريق العاصمي لم يتحصل سوى على نقطتين فقط أمام ألافيس وليغانيس على التوالي، ربما لأنه اصطدم بمن يُطبق نفس البساطة بحذافيرها.

 

خرج سيميوني بعد التعادل الأول أمام ألافيس 1-1 مستنكراً نجاح الفريق المغمور في الخروج بنقطة من تسديدة وحيدة على المرمى(2)، قالها نفس الرجل الذي بلغ نهائي دوري الأبطال بـ7 تسديدات مقابل 33 قبلها بأشهر معدودة!(3) نفض الأرجنتيني غبار المباراة الأولى ظناً منه أن كل المشكلة كانت غياب أنتوان غريزمان، ليتعادل في المباراة التالية سلبياً أمام ليغانيس الذي سدد مرة وحيدة على مرماه أيضاً.

 

اللحظة الأسوأ في هذا الموسم كانت بلا شك حين ذاق الرجل من نفس الكأس التي أذاقها لكل من واجهه من الكبار على يد فياريال، مسدداً 23 مرة منهم 9 على المرمى والمحصلة صفر، بينما اكتفى خصمه بـ6 تسديدات منها اثنين على المرمى والمحصلة هدف الانتصار

تطلب الأمر محاولتين متتاليتين من التشولو ليدرك أنه عندما تملك جناحين مثل يانيك فيريرا كاراسكو ونيكولاس غايتان فلا يوجد أدنى مبرر لإشراك ساؤول نيغويز وكوكي على الأطراف بدلاً منهما، وأن مميزات الثنائي الأخير دفاعياً لن تُجدي أمام فرق لن تُهاجمك من الأساس، وأنه حينما تواجه الأضعف فإنه سيكون قانعاً بالتعادل ولا سبيل لك سوى إجباره على الخروج من جُحره، وهو ما لن يتحقق وأنت تحرم نفسك بيدك من حلولك الهجومية الكاسرة للتكتلات.

 

لم يجد سيميوني مُتسعاً من الوقت ليهنأ بعودة نجمه الأول غريزمان، فإذا به يُخبره ويُخبر الجميع علناً أمام الإعلام "إذا استمرينا بتلك الطريقة سنقاتل لتفادي الهبوط!"(4) ربما تكون تلك الكلمات قد أوقظت المدرب بالفعل، فمنذ تلك اللحظة شهد الفريق تطوراً أهم من النتائج، ظهر على شكل العملية الهجومية لأتلتيكو مدريد، بدا وأن سيميوني يُظهر نسخة أكثر تطوراً وشراسة مُتخلياً ولو عن جزء بسيط من تحفظه الدائم.

 

هذا الأمر قد أعطى ميزة هجومية أكبر صاحبها بعض الهشاشة الدفاعية للمنظومة، فبمقارنة الموسم الماضي بما قبله مباشرةً واللذان حقق خلالهما أتلتيكو نفس المركز الثالث، نجد أنه قد نجح بتسجيل 7 أهداف أكثر مقابل تلقي مرماه 9 أكثر، ولكن الأمر السيء هو فارق الـ10 نقاط لصالح موسم 2015-2016 الذي تواجد خلاله بالمنافسة حتى الأسبوع 37.

 

اللحظة الأسوأ في هذا الموسم كانت بلا شك حين ذاق الرجل من نفس الكأس التي أذاقها لكل من واجهه من الكبار على يد فياريال، مسدداً 23 مرة منهم 9 على المرمى والمحصلة صفر، بينما اكتفى خصمه بـ6 تسديدات منها اثنين على المرمى والمحصلة هدف الانتصار في الدقيقة 82 وسط تسهيلات جماعية من دفاع الفريق المدريدي(5).

 

  هدف فياريال في مرمى أتلتيكو مدريد

 

لحظة الحقيقة

بعد مسيرة ثابتة في دوري الأبطال شهدت تصدر المجموعة على حساب بايرن ميونيخ واجتياز باير ليفركوزن في دور الـ16 ثم تأهل حسمته ركلة جزاء وهمية على حساب ليستر سيتي الإنجليزي في ربع النهائي، اضطر سيميوني للاصطدام بكابوسه الأوروبي الأكبر للمرة الرابعة على التوالي: ريال مدريد، ولكن تلك المرة بعد 3 مواجهات متقاربة في السابق، تفنن الملكي في إهانة غريم مدينته بثلاثية نظيفة ذهاباً.

 

جاءت مباراة العودة بمفاجأة لم تكن في الحسبان، حيث نجح أتلتيكو مدريد في تسجيل هدفين خلال 16 دقيقة ألغى خلالهم الميرينغي تقريباً، سيناريو المباراة في صفه والظروف تسانده أمام ريال مدريد وهو أمر لو تعلمون عظيم.. فهو هذا الفريق الذي أوحى للجميع خلال أغلب فترات الموسم بامتلاكه لزر يجعل كل شيء في صالحه فجأة، عدد لا يُحصى من الأهداف في الدقائق الأخيرة، هدفين من تسلل لنفس اللاعب في غضون 4 دقائق، لاعب لا يُطرد مهما فعل، زر لم يتعطل تقريباً سوى في الكلاسيكو الأخير وقبله أمام سيلتا فيغو في كأس الملك.

 

تخيل أنك تُسيطر على مجريات الأمور أمام هذا الفريق الذي لا يمكنك أبداً أن تأمن شره ببداية قوية وضاغطة ساندها بعض الحظ لتُصبح على بُعد هدف وحيد من معادلة هزيمة الذهاب القاسية، ماذا تفعل الآن؟ بينما سيذهب الجميع باتجاه مواصلة المغامرة و"طرق الحديد وهو ساخن" قبل أن يُفيق العملاق الأبيض من خَدَره، قرر سيميوني العودة لجذوره الأصيلة بالتراجع أملاً في استفزاز الخصم للتقدم ومِن ثَمَّ يمارس هو لعبته المفضلة: المرتدات، ليأتيه الهدف من حيث لا يحتسب بلقطة استثنائية من بطل العالم في جمع الشتائم هذا الموسم!

 

  لقطة بنزيمة الخرافية المتسببة بهدف ريال مدريد في الإياب

 

هذا بالضبط ما كان ينقص المشهد ليكتمل، فمن أدار ظهره للفرصة السانحة لا بد وأن يُعاقب شر عقاب، ومن راهن في مثل تلك الوضعية على صلابة منظومته الدفاعية رغم أن النتيجة لا تزال في صالح الخصم كان يجب أن يُشاهد مراوغة بنزيمة لثلاثة من أفرادها على الخط! من يترك لريال مدريد فرصة الاستفاقة والعودة لأجواء اللقاء فلا يلومن إلا نفسه.

 

خرج سيميوني من جذوره قدر استطاعته استجابةً لنداء غريزمان المُبكِّر، ولكن حين احتدمت الأمور ووصلت لذروتها لم يجد الأرجنتيني ملاذاً سوى أفكاره التي لطالما كانت سر أمجاده، فلا هي احتضنته ولا ثوبه الجديد قبِل به، ليتحول الشوط الثاني إلى عرض مألوف من الألعاب القتالية، ويُسدل الستار على موسم سيميوني الخامس في أتلتيكو مدريد.

 

تقييم المحرر: 7 من 10

لأن الإسهاب في انتقاد شخص لا يعني محو تاريخه، ولا يعني أن يُسحب منه إنجاز الحفاظ هذا الفريق بين مصاف الكبار والإبقاء عليه في نصف نهائي الأبطال ووراء كبيري إسبانيا بخطوة في الليغا، ولا يعني أيضاً أنه لا يستحق الإشادة على محاولة تطوير أفكاره وإن كان لم يُخلص لها.

 

يقف التشولو أمام تحدٍ كبير في ظل عقوبة الحرمان من إجراء الانتقالات، وعلى ما يبدو أن ذلك الأمر سيمر دون خسائر جسيمة بعد نجاح النادي في الحفاظ على غريزمان وساؤول، ولكن التحدي الحقيقي سيكون بينه وبين نفسه، سيكون صراع البحث عن الذات وإيجاد شيئاً يُقدمه من خلال المُقاربة بين فكره الخاص وما يتطلبه الأمر للنهوض بهذا الفريق، فمنافسات الدوري لا تحسمها دائماً مواجهات الكبار بل عادةً ما يُتوج بها الأقل فقداناً للنقاط أمام الصغار.

 

هل سيستمر سيميوني في تطوير نسخته الهجومية؟ وهل سيستطيع علاج القصور الواضح بصلابة منظومته الدفاعية؟ هل سيتمكن من إيجاد هذا الحل الوسط بالأساس أم أن الفريق سيخرج من تلك الدائرة متحولاً إلى مسخ بين النقيضين؟ إجابة تلك الأسئلة يتوقف عليها مستقبل مغامرة المدرب بأكملها ومستقبل ناديه، وما إذا كان باقياً في موقعه أم سيضطر لإشهار إفلاسه وانتظار إقالة لوتشيانو سباليتي.

المصدر : الجزيرة