ويمبلدون 2017.. دراما ورعب وأشياء أخرى
صمتٌ ثقيلٌ يشوبه شيءٌ من الترقب يُحكِمُ قبضته على المشهد. لا يتسلل من بين أصابعه الباردة سوى صوت طقطقة، "طق.. طق.. طق"، يفصل بين الواحدة والأخرى بضع ثوان، ثم شيءٌ من الجَلَبة قبل أن يستعيد الصمت زمام الأمور.
يعزز من هذه الحالة سيميترية تحمل قدرا من الأناقة، قد تكون رتيبة لكنها توحي بأن شيئا ما لابد وأن يحدث، بخلاف هذا الشد والجذب بين الصمت وصوت الطقطقة، الذي يبدو أنه يأتي من ماض سحيق. وفي الوقت الذي بدت فيه هذه الصورة أبدية، تهشم حاجز الصمت وتخرج عن حالة السيميترية صرخة أنثوية حادة، تمزج بين الألم الشديد والهلع.. "فليُساعدني أحد.. من فضلكم"، هذا كل ما سمعه الجمهور المذهول.
"كل شيء أصبح بطيئا" كانت هذه واحدة من العبارات التي استخدمتها الأميركية "بيثاني ماتيك ساندز" في وصفها للحظة سقوطها المروع خلال مواجهة الرومانية "سورانا كريستيا" في الدور الثاني ببطولة ويمبلدون. وفي مقطع مصور قاربت مدته الدقائق العشر، بثته عبر حساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي(1) أقرت "ماتيك ساندز" بأن تلك اللحظات بدت لها "أبدية"، لكنها بالنسبة لبطولة ويمبلدون كانت مجرد البداية.
الأمر لم يقتصر على مباراة أو اثنتين، بل استشرت "عدوى" الاصابات ليصل إلى ثلاث عشرة حالة انسحاب خلال الأسبوع الأول فقط من البطولة، بينهم سبعة لاعبين انسحبوا من مباريات في الدور الأول بمنافسات فردي الرجال(2). الملفت أن حتى الملعب الرئيسي لم يسلم من هذه "العدوى"، فقد كان شاهدا على انسحاب لاعبين اثنين في مباراتين على التوالي هما السلوفاكي "مارتن كليزان" أمام الصربي "نوفاك ديوكوفيتش" قبل أن يترك الأوكراني "الكسندر دولجوبولوف" المباراة أمام السويسري "روجيه فيدرر".(3)
ولكن هذا لم يكن الشيء "الغريب" الوحيد الذي يشهده الملعب الرئيسي، فبين جنباته فازت الإسبانية "غاربيني موغوروزا" بلقب فردي السيدات ببطولة ويمبلدون للمرة الأولى في مسيرتها، ولكن هذا ليس وجه الغرابة في الأمر ولا حتى حسمها المجموعة الثانية دون أن تفوز منافستها الأميركية المخضرمة "فينوس ويليامز" بأي شوط، فكل هذه الأمور واردة؛ أن تفوز لاعبة شابة بلقب كبير وأن يكون ذلك على حساب لاعبة محنكة ربما لم تكن في أفضل حالاتها، وانما أن تفوز بلقبها الثاني في البطولات الأربع الكبرى على حساب "فينوس" بعدما فازت بالأول على حساب شقيقتها الصغرى "سيرينا" فهذا أمر لا سابق له.(4)
ومن بين أبرز المنتقدين الصربي "نوفاك ديوكوفيتش" إذ قال "لست ملمًا بصورة تامة بكل الخطوات الضرورية لاعداد الملاعب العشبية والحفاظ عليها خلال البطولة، ولكن بدأ العشب بالتآكل بالفعل ونحن لا زلنا في الأسبوع الأول".(5) لم تختلف تعليقات البريطاني "أندي موراي" كثيرًا، فقد قال "لا أعتقد أن حالة الملعب جيدة كما كانت في السنوات الماضية. هناك مناطق تآكل فيها العشب وراء الخط الخلفي وأمامه".(6) أما "فيدرر" فبصفته "ملك" ويمبلدون ومن أفضل اللاعبين على الملاعب العشبية، إن لم يكن الأفضل، فقد حلل الوضع قائلا "أعتقد أن الملاعب تظل معرضة لأشعة الشمس طوال اليوم، عندما يصبح الجو حارا للغاية. أشعر أن الملاعب أصبحت زلقة بعض الشيء بسبب العشب الميت".(7)
ورغم محاولات القائمين على رعاية الملاعب وصيانتها والدفاع عن العمل الذي يقومون به، محملين درجات الحرارة المرتفعة أو غيرها من العوامل مسؤولية الوضع، فإن هذا بدا، بالنظر إلى حالة الملاعب في الأسبوع الثاني، أنها بلا حول ولا قوة أمام هذه "اللعنة".
وإذا أضيف إلى ذلك أداءه القوي في الأدوار الثلاثة الأولى، فإن التوقعات بأن يصل إلى الدور قبل النهائي على الأقل واقعية، كما كان الحال قبل مواجهة اللوكسمبورج "جيل مولر" الذي تسبب في تحول مفاجئ للأحداث إذ أطاح باللاعب الاسباني في مباراة من خمس مجموعات قاربت الخمس ساعات. "نادال" لم يكن الضحية الوحيدة لهذه التحولات المفاجئة في الأحداث، فـ"ديوكوفيتش" هو الآخر اضطر للانسحاب في دور الثمانية إثر اصابته في الذراع. ورغم أنه لم يكن مرشحا بقوة قبل انطلاق البطولة، فإنه قدم أوراق اعتماده خلال الأدوار الأولى، لكن للسيناريو أحكامه.
دور الثمانية أيضا شهد غرق سفينة "موراي" التي كانت قد واجهت بعض العكوسات قبل انطلاق رحلتها إذ اضطر للانسحاب من مباراتين استعراضيتين لاصابة في الفخذ، لكنها أبحرت بسلاسة خلال الأدوار الأولى قبل أن تهب الرياح بما لا تشتهي في دور الثمانية أيضا عندما خسر أمام الأميركي "سام كويري".
ما أجج من هذه الرغبة، على ما يبدو، خسارته في مستهل مشواره ببطولة شتوتغارت أمام الألماني "تومي هاس" ليأتي بعدها على الأخضر واليابس، إذ فاز ببطولة هاله للمرة التاسعة في الفردي والعاشرة اجمالا دون خسارة أي مجموعة. و بدا "فيدرر" وكأنه يتغذى على آلام ضحاياه من المنافسين في المباريات، فكلما كانت معاناتهم أكبر تعملق أكثر وأكثر، لذا لم يخسر أي مجموعة خلال مشواره للفوز باللقب الثامن في نادي عموم إنجلترا والتاسع عشر في البطولات الأربع الكبرى. انهمرت دموع "فيدرر" بعدما سحق الكرواتي "مارين شيليتش" على نفس الملعب الذي دفع الكثيرين من عشاق اللاعب السويسري للبكاء بعدما سقط حرفيا ومجازا على أرضيته في الدور قبل النهائي في العام الماضي، أمام الكندي "ميلوش راونيتش"، الذي لم يتحمل "النسخة المعدلة" من "فيدرر" خلال لقائهما في دور الثمانية.
بين المباراتين عام واحد، تمكن فيه "فيدرر" من الوصول إلى التركيبة السحرية، التي جعلته أكثر اللاعبين فوزا في نادي عموم إنجلترا برصيد 91 انتصارا وتخطى حاجز العشرة آلاف ضربة إرسال ساحق خلال مسيرته(8). ليس هذا فحسب، فاللاعب، الملقب بالمايسترو" أصبح أكبر لاعب سنا يفوز باللقب في عصر الاحتراف(9)، فضلا عن أنه عزز رقمه القياسي في عدد مرات الفوز بالبطولات الأربع الكبرى.
ويبدو أن الأرقام القياسية لا تتوقف بالنسبة للاعب السويسري، إذ أنه تأهل للبطولة الختامية لموسم لاعبي التنس المحترفين للمرة الـ15، وهو إنجاز لا سابق له بعد يوم واحد من تحقيق لقب ويمبلدون، في نهاية متوقعة لسيناريو طويل استمر على مدار أسبوعين.