شعار قسم ميدان

زيدان ورونالدو وسيميوني.. عرض القهر المستمر

ميدان - ريال مدريد رونالدو كريستيانو

ما لم يكن هناك 8 مارس جديد وهو أمر مستبعد للغاية، تأهل ريال مدريد عملياً إلى نهائي دوري أبطال أوروبا قبل 90 دقيقة من نهاية منافسات المربع الذهبي على نفس الخصم الذي توج باللقب مرتين على حسابه وأقصاه بين المرتين من ربع النهائي، أتلتيكو مدريد.

 

عانى الروخيبلانكوس العديد من خيبات الأمل في مواجهة الغريم العاصمي الأكبر على المستوى الأوروبي، ولكن لم تكن أي من تلك المباريات أسوأ حالاً على صعيد الأداء من تلك أمام فريق عرف كيف يُخمد خطورة منافسه ويستفيد من كل التفاصيل المتاحة كبُرت أو صغُرت.
 

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)

 

6 دقائق.. وأربعة وثمانون!

استمرت خطة (4-3-3) المدريدية على الورق فقط، حيث قرر زين الدين زيدان مواصلة الاستعاضة عن الفكرة التقليدية للجناح معتمداً على ظهيريه داني كارفاخال ومارسيلو في التكفل بذلك، ليتحول إلى (4-3-1-2) بحيث يتواجد إيسكو كصانع لعب متحرك على كافة الجهات تحت الثنائي رونالدو وبنزيمة.

 

لمسات إيسكو 44% (35 من أصل 79) على الطرف الأيسر بعكس ما أشيع عن حلوله كجناح أيمن لتعويض غاريث بيل (هوسكورد)
لمسات إيسكو 44% (35 من أصل 79) على الطرف الأيسر بعكس ما أشيع عن حلوله كجناح أيمن لتعويض غاريث بيل (هوسكورد)

 

بداية قوية ومتقدمة لأتلتيكو مدريد جابهتها بداية مرتشعة من الملكي أسفرت عن تمريرات خاطئة في مواقع خطيرة ولكن بالمقابل عجز الضيوف عن استغلالها، ليطلق قفاز أوبلاك إشارة بداية الندم في الدقيقة السابعة بتصديه لتسديدة كارفاخال على خط الست ياردات بعد تمريرة رائعة من إيسكو، في تلك اللحظة خرج أتلتيكو تقريباً من المباراة ولم يعُد.

 

عانى سيميوني الأمرين من أزمة الظهير الأيمن بعد إصابة خوانفران وسيمي فرساليكو وقلب الدفاع خوسيه ماريا خيمينيز الذي احتل المركز اضطرارياً، حيث لجأ للدافع بلوكاس هيرنانديز وأمامه كوكي على تلك الجهة لإيقاف زحف يسار الملكي، وكانت النتيجة كما رأينا، حيث عاث مارسيلو ورونالدو فساداً في ذلك الجانب برعاية إيسكو وكروس من الوراء.

 

الخريطة الحرارية للفريقين: غزو ريال مدريد ليسار الأتلتي يواجه انحسار مد أتلتيكو على حدود منطقة جزاء الميرينغي (هوسكورد)
الخريطة الحرارية للفريقين: غزو ريال مدريد ليسار الأتلتي يواجه انحسار مد أتلتيكو على حدود منطقة جزاء الميرينغي (هوسكورد)

 

حدثت في الدقيقة العاشرة لقطة أثارت الجدل ولكنها تحمل ما هو أهم من قرار الحكم؛ بُرهان الصدأ الذي أصاب منظومة دفاع التشولو، ليس من الواضح كيف تُرك سيرجيو راموس مدافع ريال مدريد في هذا المكان وتلك المساحة الكافية للعب عرضية نادرة الحدوث منذ زمن لعبه كظهير أيمن، ولكن من الواضح للغاية كيف حصل كاسيميرو على الكرة الثانية في ذلك الموقع الأكثر خطورة نظراً لخلوه من البداية إثر خطوتين للوراء لا مبرر لهما من غودين في ظل اشتراك 3 من زملائه في اللعبة بشكل مباشر.

 

لحظة لعب العرضية الأولى من راموس: 8 لاعبين من الأتلتي داخل منطقة الجزاء، واحد في مواجهة راموس وواحد يراقب بنزيمة وواحد يراقب فاران و2 مع رونالدو، بينما لم يتخذ غودين أي قرار صائب في اللقطة فاضطر للعودة باتجاه كاسيميرو بعد فوات الأوان
لحظة لعب العرضية الأولى من راموس: 8 لاعبين من الأتلتي داخل منطقة الجزاء، واحد في مواجهة راموس وواحد يراقب بنزيمة وواحد يراقب فاران و2 مع رونالدو، بينما لم يتخذ غودين أي قرار صائب في اللقطة فاضطر للعودة باتجاه كاسيميرو بعد فوات الأوان

 

فن الإخفاء

لا تسهل الإشادة بعمل كاسيميرو في صناعة الهدف الأول لأنه لا يمكن الجزم بحقيقة نواياه، ولكن الكرة انتهت على رأس من لا يرحم في ذلك المكان أبداً، بينما يمكن ضمان حق الارتكاز البرازيلي في الثناء على نسخته الأقل تهوراً في ارتكاب المخالفات، إلى جانب دوره في منظومة وسط ريال مدريد الناجحة.

 

على الصعيد الدفاعي تفوق وسط ريال مدريد قبل خط دفاعه في تلك المواجهة، حيث نجح كاسيميرو في 4 تدخلات من أصل 5 واعتراضين ناجحين، ويجاوره من اليسار توني كروس الذي نجح في تدخلاته الثلاثة جميعاً، أما كإدارة للكرة فقد امتلك الألماني وحده 10% من استحواذ المباراة بنسبة دقة تمرير وصلت إلى 96% (100 تمريرة صحيحة من أصل 104).

 

كان لأمور مثل تلك الفضل في احتفاظ الميرينغي بـ61% من الاستحواذ رغم المراحل التي حاول خلالها زيدان التخلي عن الكرة لمنافسه طواعيةً بغية حرمانه من سلاح المرتدات، بينما على الجانب الآخر خُذل سيميوني من جانب ثنائي وسطه غابي وساؤول نيغويز خاصةً الأخير، فالأول نجح بتدخلين حاولهما فقط، بينما نجح الثاني في واحد فقط من أصل ثلاثة. معاً نجحوا في اعتراض واحد للكرة من نصيب قائد الروخيبلانكوس، وأخفق الآخر في أهم مهامه المسندة إليه بسرعة نقل الكرة إلى كاراسكو وغاميرو كما كان مخططاً له، ليستفيد وسط الملكي المتفوق كل الاستفادة من ذلك.

 

إضافةً إلى ذلك أدى سيرجيو راموس مباراة متميزة رغم قلة ظهوره الهجومي الذي تمثل بالأساس في عرضية التحضير للهدف الأول، حيث نجح في تدخلاته الخمسة جميعاً دون تهور أو انسياق إلى الأجواء العنيفة المعروفة عن طبيعة تلك المباراة، أيضاً حقق إيسكو رقماً نادراً بالنسبة لصانع ألعاب أغلب مهامه في الثلث الأخير وهو الوصول بدقة التمرير إلى 98% بتمريرة خاطئة وحيدة من أصل 60.

 

خريطة تمريرات الحاكمين إيسكو وكروس (هوسكورد)
خريطة تمريرات الحاكمين إيسكو وكروس (هوسكورد)

أخيراً وإن افتقر للمسة الحاسمة أمام المرمى كما اعتدناه مؤخراً، إلى أن تلك المباراة أفضل من سابقاتها بالنسبة لكريم بنزيمة على مختلف الأصعدة عدا اللمسة الأخيرة والتي لم يحالفه فيها التوفيق بطبيعة الحال، وهكذا كان الميرينغي يصول ويجول وحيداً في الشوط الأول بـ11 محاولة تتضمن 6 على المرمى، مقابل تسديدة وحيدة لم تمس مرمى نافاس.

 

رهانات متباينة

بالتوازي مع إقحام زيدان لمدافعه رافاييل فاران مناقضاً تصريحاته عن ضرورة التعامل معه بحرص أكبر، راهن سيميوني على نجمه يانيك فيريرا كاراسكو العائد لتوه من الإصابة فكانت النتيجة حصوله على ظل من البلجيكي فشل في الإتيان بأي شيء خلال شوط فوق المتوسط من كارفاخال الذي أصيب وحل ناتشو فيرنانديز بدلاً منه ليواصل إغلاق الجبهة المستهدفة. أما إن استثنينا تلك المرة التي انسل خلالها غاميرو بين فاران وراموس ليتلقى بينية كوكي ونجحت يقظة نافاس في القضاء عليها، فإن المدافع الفرنسي لم يخذل مدربه على الإطلاق.

 

راهن التشولو أيضاً على سد الطريق أمام مارسيلو بوجود كوكي أمام لوكاس هيرنانديز، وهو ما أتى بنتائج عكسية حيث حصل الظهير البرازيلي على حرية أكبر وساهم الأمر في المزيد من عزل أنتوان غريزمان، ليدرك ذلك الأمر في الدقيقة 58 ويحاول معالجته بإشراك نيكولاس غايتان على حساب ساؤول مع نقل كوكي إلى الوسط، بالتزامن مع إقحام فيرناندو توريس بدلاً من كيفن غاميرو في واحدة من أسوأ حالاته.

 

ركز أتلتيكو نصف محاولات هجومه على الجهة اليسرى دون جدوى فلم يكن هناك فائدةً من اجتياز كارفاخال أو ناتشو سوى عرضيات لم تشكل سوى واحدة منهم الخطورة اللازمة في الشوط الأول برأسية غودين وذلك على حساب وفاة الجهة الأخرى إكلينيكياً بـ21% فقط. بينما ركز الملكي أيضاً على اليسار المعاكس بنسبة 46% عن طريق الرباعي مارسيلو وكريستيانو وإيسكو وكروس، هذا التحميل الزائد على الحلقة الأضعف ساهم في ميل الملعب إلى تلك الجهة وبالتالي خلخلة الجانب الآخر الذي يحرسه فيلبي لويس لتأتي الأهداف الثلاثة من جهة الـ32%.

 

مناطق الهجوم: أتلتيكو (باللون الأزرق يميناً) يميل لليسار دون فائدة والميرينغي (يساراً باللون البرتقالي) أثقل لوكاس هيرنانديز ليسجل في النهاية ثلاثيته بسبب اليمين (هوسكورد)
مناطق الهجوم: أتلتيكو (باللون الأزرق يميناً) يميل لليسار دون فائدة والميرينغي (يساراً باللون البرتقالي) أثقل لوكاس هيرنانديز ليسجل في النهاية ثلاثيته بسبب اليمين (هوسكورد)

 

شهدت الدقيقة 68 سحب إيسكو بعد عمل متميز وحلول متوقع لماركو أسينسيو على حسابه، ثم إنقاذ متأخر لكاراسكو وإشراك أنخيل كوريا بدلاً منه، قبل 5 دقائق من انتصار بنزيمة على غودين وإرساله لتمريرة قطع فيليبي لويس مسارها ليضعها في قدم رونالدو، وضع الحظ بصمته على خلق الفرصة ولكنه ما كان له أن يتدخل في تلك القذيفة التي أطلقها صاروخ ماديرا. قدم الهداف التاريخي لريال مدريد وإن ضلت الطريق أحياناً فهي لا تزال تعرف أين وكيف تضع الكرة بتلك القوة.

 

أخيراً دفع زيدان بآخر خياراته الجناح لوكاس فازكيز على حساب بنزيمة ليشغل هو الجانب الأيمن وينتقل أسينسيو إلى اليسار بينما يحتل الدون العمق، وهو ما منح الملكي هدف الحسم في الدقائق الأخيرة باختراق رائع من فازكيز اجتاز خلاله غودين ليندفع سافيتش باتجاهه محاولاً إغلاق الطريق، وبينما تورط هيرنانديز مع كاسيميرو قام الأخير بتفويت رائع للكرة للدون المتمركز من ورائه، هدف حتمي من بطل الهاتريك والهداف التاريخي لدوري أبطال أوروبا.

 

لحظة تمرير فازكيز للكرة التي فوَّتها كاسيميرو، المقدمات تؤدي إلى النتائج: وجود رونالدو وكروس بتلك الحرية عنى هدفاً لا مفر منه
لحظة تمرير فازكيز للكرة التي فوَّتها كاسيميرو، المقدمات تؤدي إلى النتائج: وجود رونالدو وكروس بتلك الحرية عنى هدفاً لا مفر منه

 

إعادة البحث عن الهوية

لا شك بأن التعادلين المتاليين في بداية الليغا أمام الصاعدين حديثاً ألافيس وليغانيس قد وضعا سيميوني أمام الحقيقة القائلة بضرورة تطوير منظومته الهجومية بعد أن بات مضطراً لمواجهة من يحاكون ما وصفه بـ"بساطة كرة القدم"، ومن هنا بدأت تتبلور نسخة الأتلتي الهجومية في الليغا إلى حد أكبر ولكن على حساب تخلخل الدفاع الذي أظهرته الأهداف والفرص المدريدية داخل أخطر مواقع منطقة الجزاء.

 

وصلت الأمور لتلقيه الأسبوع الماضي خسارةً على يد فياريال تُضاهي ما فعله هو بنفسه حين أقصى بايرن ميونيخ من نصف نهائي دوري الأبطال الموسم الماضي، أتلتيكو الذي أشبع الخصوم بالدفاع المستميت عن الـ1-0 سقط على يد الغواصات بهدف من تسديدتين على المرمى (6 محاولات إجمالاً) في مباراة امتلك خلالها 23 محاولة من بينهم 9 على المرمى.

 

ولكن وإن كانت العودة في الإياب مستحيلة عملياً، وإن كان ريال مدريد قد تفنن في القضاء على أحلام جاره الأوروبية للعام الرابع على التوالي، فإن هذا الأتلتي لن يموت بتلك السهولة ولن يختفي من الساحة الأوروبية في الموسم المقبل حتى وإن خسر غريزمان أو غيره فهذا الأمر بالأصل نقطة تفوق لسيميوني في استبدال نجومه.

 

تلك التجارب والتعديلات التي واصل التشولو إجراءها على فريقه ستؤتي ثمارها الموسم المقبل حين تكون فرصته الأكبر في إصلاح الخلل، سيُقاتل سيميوني ورجاله في الإياب كما وعدوا ولكنها مهمة مستحيلة للغاية، بعدها يتجه للتفكير في الموسم الخامس على التوالي لعله يجد حلاً لتلك العقدة الأوروبية.

المصدر : الجزيرة