أرسنال وتشلسي.. هوليوود فينغر

ميدان - فينغر يفوز بكأس الاتحاد
ربما لم تكن أكبر مفاجآت الموسم أن ينجح "فينغر" في إنقاذ موسمه في النهاية، لأن السنوات الماضية حملت الكثير من الدراما للمدفعجية في الأمتار الأخيرة، التي عادة ما تشهد انتفاضة غير منطقية تنتهي باحتلال مركز مؤهل للأبطال أو الفوز بالكأس، ولكن لا شك أن المفاجأة كانت أن يتم هذا الإنقاذ على حساب أفضل فريق في إنجلترا هذا الموسم، وفي ظل غياب خط دفاع كامل أجبر "فينغر" على الاستعانة بـ"ميرتساكر" إلى جانب "هولدينغ" وخسارة "مونريال" في موقع الظهير الأيسر الذي أدى فيه أفضل مواسمه منذ قدومه إلى لندن، خاصة مع السمعة السيئة التي راكمها أرسنال في السنوات الأخيرة أمام كبار البريميرليغ.

 

ولكن السمعة السيئة لم تكن الشيء الوحيد الذي راكمه أرسنال "فينغر" في السنوات الأخيرة، بل اكتسب مع الوقت تلك الدرجة المثيرة من العشوائية التي تجعل كل من انكساراته ونجاحاته بمثابة فيلم مستقل بذاته، فيلم مغرق في التطرف لأنه لا يفضي إلا لنهايتين لا ثالث لهما؛ الأولى تتحدث عن أرسنال الذي سيعود فجأة لأمجاد الماضي، والثانية عن أرسنال الذي ذهب للماضي بالفعل، ولكن بلا رجعة.

 

المهم أن تشلسي "كونتي" كان على موعد مع واحدة من تلك اللحظات، ولكن لسوء حظه لم تكن اللحظة التي اعتادها البلوز في العقد الأخير.

 

شوط المدربين
 فينغر وكونتي من مباراة الأمس (رويترز)
 فينغر وكونتي من مباراة الأمس (رويترز)

 

دخل الإيطالي مباراته بتشكيلة كاملة مثالية، وهذا يعني أنه امتلك القدرة على التحول ما بين (3-4-3) و(1-3-2-4)، والأخيرة كانت المفضلة لأرسنال هذا الموسم قبل أن يتم تحوله الناجح لـ(3-4-3) بدوره.

 

الجديد هذه المرة أن "فينغر" نفسه امتلك نفس القدرة على التحول أثناء المباراة، وربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد، بوجود "تشامبرلين" كظهير عكسي في التشكيل، يسهم بصعوده في دفع "سانشيز" لمناطق أقرب من المرمى في العمق، وتتفوق سرعته على نظيره "موزيس" في أغلب الثنائيات دفاعًا وهجومًا، وبالطبع يمكنه التحول لجناح تقليدي عند الضرورة إذا أراد "فينغر" ترحيل فريقه بمقدار حركة واحدة مع عقارب الساعة؛ تقضي بدخول التشيلي كمهاجم ثاني إلى جانب "ويلبيك" واستقرار "أوزيل" أمام "بييرين" وعودة "مونريال" للظهير الأيسر في خط دفاع رباعي.

 

تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)

 

بالطبع من النادر أن تؤتي التغييرات التكتيكية ثمارها بهذه السرعة، ناهيك عن تغيير اضطراري لم يكن الفرنسي يملك فيه حيلة، ولكن بطريقة ما نجحت التركيبة بامتياز في لقطة الهدف الأول، ورغم أن الصعود أتى من "مونريال" نفسه وليس "تشامبرلين" إلا أنه أدى نفس الغرض، تمَركز التشيلي في العمق تاركًا الخط للظهير الإسباني، وهي للمفارقة أحد الملامح التكتيكية الرئيسية لـ(3-4-3) والتي عذب بها "كونتي" خصومه طيلة الموسم، المهم أن التشيلي كان كان يشق طريقه جهة مرمى "كورتوا" بعد ثنائية لم تكتمل مع "رامسي" ليسجل هدف المدفعجية الأول، والذي أظهرت الاعادة أنه أتى بعد لمسة يد واضحة كانت كفيلة بإلغائه، ولكنها صارت لقطة معتادة في أسوأ موسم تحكيمي تشهده القارة منذ زمن بعيد.

 

النتيجة أن "كونتي" وجد نفسه في وضعية لا يفضلها وهي وضعية المجبر على الهجوم، وهو الذي فضل انتظار الخصم في أغلب مبارياته ضد الكبار هذا الموسم، معتمدًا على قوة دفاعه وصلابته في المساحات الضيقة، وقدرته الفائقة على إطلاق لجام الثلاثي الهجومي في عكسيات سريعة.

 

العكس بالضبط هو ما حدث، وظهر دفاع الإيطالي هشًا أمام مرتدات المدفعجية فيما تبقى من الشوط، بل وحتى أثناء استحواذهم على الكرة وصعودهم لمناطقه لم يظهر بالشكل اللائق، في ظل تألق لافت لـ"تشاكا" الذي استعاد ذاكرة غلادباخ بتمريرات عمودية مباشرة كسرت خطوط البلوز الأفقية أكثر من مرة، ليكلل استفاقة متأخرة في نهاية الموسم وثنائية ناجحة مع "رامسي" في المحور بدت وكأنها الحل الأخير لمشاكل المدفعجية بعد عدة تركيبات فاشلة.

 

السويسري (تشاكا) كان أكثر من لمس الكرة من الفريقين (73) وبفارق 16 مرة عن أكثر لاعبي تشلسي، بالإضافة لكونه لم يخسرها إلا مرة واحدة طيلة المباراة  (هوسكورد)
السويسري (تشاكا) كان أكثر من لمس الكرة من الفريقين (73) وبفارق 16 مرة عن أكثر لاعبي تشلسي، بالإضافة لكونه لم يخسرها إلا مرة واحدة طيلة المباراة  (هوسكورد)

 

كل هذا منح أرسنال شوطًا رائعًا اكتسح فيه خصمه بطول الملعب وعرضه، ولولا رعونة لاعبيه أمام المرمى لاستغله في إنهاء المباراة بأكملها، وكأن مقولة "شوط اللاعبين وشوط المدربين" لم تنطبق إلا على "كونتي" وحده، الذي فضل انتظار ما بعد الاستراحة لتعديل أوضاعه، في الوقت الذي كان أرسنال قد بدأ مباراته منذ الدقيقة الأولى، وجنّبه هدف "سانشيز" الوقوع في الفخ المعتاد الذي يبدأ مع حماس البدايات و غالبًا ما ينتج عنه هدف مبكر في شباك المدفعجية من مرتدة أو كرة ثابتة، لينتهي الأمر بهم للركض خلف النتيجة طيلة المباراة.

 

سان – زيل

استمر الأمر على حاله في الشوط الثاني بعد أن كان القدر رحيمًا بـ"كونتي" في الأول، الذي ضرب فيه لاعبو أرسنال العارضة والقائمين أكثر من مرة بالإضافة لإهدارهم عدة فرص محققة للتسجيل، وقدم المدفعجية 75 دقيقة من الروعة اختفى فيها ثلاثي هجوم البلوز وثلاثي دفاعه كذلك وكان نجمه الأوحد فيها هو حارس مرماه، في ظل عجز وعقم هجومي غير معتاد من الإيطالي وفريقه، تَوَّجه "موزيس" بأسوأ مراهنة على الاطلاق حينما انطلق في محاولة يائسة للتحصل على ركلة جزاء لم تخدع "أنتوني تيلور" وانتهت باقصائه والإجهاز على آمال فريقه في العودة.

 

تسديدات الفريقين حتى الدقيقة 75 شهدت 4 على المرمى للمدفعجية بالإضافة لثلاث أخرى اصطدمت بالعارضة والقائمين مقابل واحدة فقط للبلوز  (هوسكورد)
تسديدات الفريقين حتى الدقيقة 75 شهدت 4 على المرمى للمدفعجية بالإضافة لثلاث أخرى اصطدمت بالعارضة والقائمين مقابل واحدة فقط للبلوز  (هوسكورد)

 

هنا أدرك "كوستا" أن الكأس لا تمنح لصاحب أكبر عدد من المشاحنات مع دفاع الخصم، وظهر في إحدى لقطاته التقليدية داخل الصندوق مستغلًا خطأ "هولدينغ" في تشتيت الكرة ليعيد البلوز للمباراة مرة أخرى، ولكن عادل "رامسي" سريعًا في الهجمة التالية مباشرة من أول لمسة لـ"جيرو" البديل، في إعادة لمشهد فقدان التركيز الذي صاحب البلوز في بداية المباراة مقابل العكس من المدفعجية، وكأنه تعبير عن اختلاف الدوافع والحوافز لدى الفريقين، فالأول كان يتحرر من الضغوط بمجرد وصول النتيجة للتعادل والثاني كان يعتبرها تهديدًا للموسم بأكمله.

 

بين هذا وذاك كان "سانشيز" يثبت مرة أخرى أنه أهم لاعبي أرسنال، بل وربما لم يفصله عن لقب الأفضل في الموسم إلا تحقيق فريقه للقب البريميرليغ، لأن التشيلي أضاف لقدراته الرائعة المعتادة رؤية استثنائية  مكنته من القيام بدوره ودور "أوزيل" مجتمعين في الموسم الحالي، بتفوقه على صانع الألعاب الألماني في لعبته الأساسية وهي صناعة الأهداف والفرص وتمريرات الثلث الأخير الذكية المتقنة، ليضيفها لنواحي أخرى تميزه عن زميله بالفعل كالسرعة والقدرة على المساندة الدفاعية والفاعلية الشرسة أمام المرمى، وكأنه ينصب نفسه ملكًا في لندن ويضع مستقبل الفريق بأكمله رهن بقائه من عدمه، ليضفي على موسم أرسنال "فينغر" مزيدًا من الدراما في الأيام القادمة.

 

ولأن الواقع كثيرًا ما يشابه الدراما فقد كان لها حظًا كبيرًا من مباراة الأمس؛ فبغض النظر عن أن "فينغر" اصطحب خصمه في رحلة لهوليوود كما يقول المثل الإنجليزي الشهير، تفوق فيها على الإيطالي وأبطل مفعول ابتكاره الجديد القديم (3-4-3) بمجرد استنساخه، وملقيًا مزيدًا من الشكوك حول قدرات "كونتي" في مباريات خروج المغلوب بعد أن فشل فيها لثلاث سنوات مع يوفنتوس، فإنه قد نجح كذلك في انتشال موسمه من الغرق بلقطة هوليوودية أخرى في اللحظات الأخيرة، قد تنسي مشجعي أرسنال أنهم قد شاهدوا هذا الفيلم من قبل عدة مرات باختلاف التفاصيل.

المصدر : الجزيرة

إعلان