أرسنال – مانشستر سيتي.. الملل المثير

لعلها إحدى المباريات النادرة في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم التي تفقد فيها مصطلحات كالسرعة والإثارة والحماس معناها؛ لأنها لم تنجح في توصيل المستوى الفني المطلوب في النهاية، وبدا وكأن النتيجة حصيلة لأخطاء الفريقين الكارثية، أكثر من كونها تفوق لخطوط الهجوم وصناع اللعب.
بدأ فينجر وجوارديولا مباراتهما بالتشكيلة المثالية وبلا غيابات، ربما باستثناء مشهد الارتباك المعتاد الذي تسببه تشكيلة الكتالوني ومحاولاته الدائمة للتعديل والتغيير، وبالطبع كانت الحيرة تلك المرة بخصوص الثنائي فيرناندينيو ونافاس، وكانت المفاجأة أن الأول شارك في مركزه الطبيعي، والثاني في مركز ليس بالجديد عليه.

وهي مفارقة جديرة بالذكر؛ ربما لأن الأمر الوحيد الأكيد قبل بداية المباراة كان أن فينجر سيشارك بخطة الـ (4-2-3-1) المعتادة دون تغيير وبنفس الأخطاء والثغرات المعتادة كذلك، ومن هنا بنى بيب خطته على استغلال أبرزها؛ المساحات بين بييرين ومصطفى في يمين دفاع أرسنال، فالأول غالبًا ما يستخدمه فينجر كمدافع متقدم، مستغلًا سرعته النسبية وقوته في الالتحامات لمباغتة أجنحة الخصم ومهاجميه مبكرًا، والتسبب في أكبر كم من التحولات الهجومية السريعة بعد استخلاص الكرة، وهو أمر غالبًا ما ينجح فيه الألماني، ولكنها تظل مخاطرة كبيرة في وجود بييرين بجواره؛ لأن فشلها يعني أن العكس بالضبط هو ما سيحدث، والعكس بالضبط هو ما حدث في هدف السيتي الأول المبكر.
تعليق: هدف السيتي الأول نتج عن اندفاع معتاد لمصطفى أرسل الكرة لدي بروينه الذي تزامنت تمريرته السريعة مع تحرك ساني في المساحة المتخلفة عن تقدم الأول.

تفصيلة صغيرة مهمة منحت بيب هدفه الأول، وأظهرت الحكمة خلف الدفع بدي بروينه في هذا المركز وتحرير سيلفا بالعكس، والذي منح الفرصة لفيرناندينيو للميل جهة سانشيز ومساندة نافاس في حصار الشيلي الذي لم يلمس الكرة إلا مرتين على حدود مناطق السيتي، الأمر الذي لم يمنعه من تقديم واحدة من أفضل مبارياته هذا الموسم خاصة على مستوى صناعة الفرص.


ففي جلادباخ قدم شاكا نفسه كخليفة لألونسو في مركز الـ (Deep Lying Playmaker)، صحيح أن تمريراته الطولية لم تكن بنفس السحر والدقة، ولكنه عوض ذلك بقوة بدنية هائلة جعلته مرشحًا للانسجام سريعًا في البطولة الإنجليزية وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، لأن السويسري أخطأ بخُمس تمريراته الإجمالية أمام السيتي، وإن كان ذلك طبيعيًا في مباراة لم تتجاوز فيها دقة التمرير للفريقين 79% في المجمل، فما لم يكن كذلك هو إرساله 6 تمريرات طولية خاطئة من أصل 10 محاولات.

أضف إلى ذلك غياب أوزيل شبه التام عن المباراة رغم نيله أكبر قسط من الراحة قبلها بين لاعبي الفريقين، وستدرك لماذا لمس لاعبو أرسنال الكرة 12 مرة فقط داخل منطقة جزاء الخصم طيلة المباراة، واحدة منها فقط كانت لولبيك مقابل أكثر من الضعف للاعبي السيتي.

وإذا كنت تظن ذلك نتيجة لانشغال السويسري بالمهام الدفاعية فقط فأنت مخطئ على الأغلب، فإلى جانب فشله في التسديد على مرمى الخصم أو حتى صناعة فرصة واحدة، فلقد اكتفى بخمس تدخلات أخطأ اثنين منها، واعترض الكرة مرة واحدة وشتتها مرتين ولم يفز بأي التحام هوائي في 90 دقيقة.
هنا قرر بيب العبث بمنظومته الناجحة في الشوط الأول، وبينما كان خروج سترلنج منطقيًا كون الانجليزي الدولي لم يقدم شيئًا يذكر في الشوط الأول، إلا أن الكتالوني استبدله بتوريه في وسط الملعب دافعًا دي بروينه نفسه لموقع سترلنج، وهو ما عنى أن المساحات خلف مصطفى أصبحت آمنة لحد بعيد، وأن بييرين صار بإمكانه التقدم دون قلق لأن ساني اضطر للاعتماد على مهاراته الفردية فقط، كون توريه لم يمتلك نفس حس دي بروينه في التمرير الطويل المباشر.
مراهنة جوارديولا كانت محاولة لإسكات سانشيز وتحجيمه، عن طريق الضغط على جبهته بثنائية دي بروينه ونافاس الذي تحسن كثيرًا في الشوط الثاني، وبدا أكثر ألفة مع مركزه الجديد وما يتطلب من مهام.

ولكن نجحت مجهودات مونريال وسانشيز نفسه في الحد من خطورة تلك الجبهة، خاصة بعد تراجع الشيلي للمساندة الدفاعية، وقيامه بتمويل الخط الأمامي بتمريرات طولية متقنة كادت تخطف النقاط الثلاث، ولاحقًا استثمر فينجر انتقال دي بروينه للجهة العكسية، دافعًا بأيوبي لاستغلال بطء توريه وإعادة إحياء جبهته اليسرى التي ظهرت معطلة تمامًا في الشوط الأول في وجود وولكوت.

من هنا أفشل تعملق الثنائي مراهنة جوارديولا ومنح المدفعجية الفرصة للاستمرار في الصراع، ولمصطفى الفرصة لتصحيح خطأه وتسجيل هدف التعادل من التمريرة الوحيدة المتقنة التي أرسلها أوزيل في المباراة، والتي توجت فترة من الضغط المتتالي لم تكن إلا مراهنة أخرى من فينجر نفسه، ولكنها نجحت على غير العادة.
بالطبع لم يخل الأمر من مشهد الفرص الضائعة المعتاد مع سيتيزنز هذا الموسم، ولا حتى فشل فينجر في قراءة خصومه، واعتقاده لسبب ما أنه بالقوة الكافية ليفرض عليهم أسلوب لعبه وخطته أيًا كانت، وكأن الفرنسي والكتالوني التقيا سويًا ليؤكدا على موسمهما الممل بأخطائه المتكررة، حتى وإن بدت المباراة مثيرة في ظاهرها.