شعار قسم ميدان

باريس سان جيرمان 4-0 برشلونة: ثلث مكابرة العالم!

midan - psg
الأرجنتيني أنخيل دي ماريا كان عريس اللقاء بتسجيله هدفين جميلين. (رويترز)

في مباراة تاريخية من أوناي إيمري ورجاله؛ مؤسفة من لويس إنريكي ولاعبيه، سحق باريس سان جيرمان ضيفه برشلونة برباعية نظيفة ووقف على ناصية الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا.

كلمات الإشادة لن توفي حق المنتصر بسهولة، فقد تفنَّن فريق العاصمة الفرنسية في إذلال الضيف الكتالوني، بل وكان قريباً من مضاعفة النتيجة والإتيان برقم غير مسبوق، حتى لو كان برشلونة سيئاً، لم يسبق لأحد أن قام بإخفاء البارسا تماماً بمثل تلك الطريقة في السنوات العشر الأخيرة على أقل تقدير، هذا ليس برشلونة تاتا مارتينو، ورباعية بايرن ميونيخ لا تضاهي تلك الليلة سوءاً.

كان ذلك اختصاراً هو الفارق بين مدرب قرأ منافسه بشكل جيد وأدار المباراة كما ينبغي، ومدرب قرر تجربة ما فشل مراراً وتكراراً على أمل أن ينجح هذه المرة.. الفارق بين لاعبين في قمة عطائهم الذهني قبل البدني، وخصوم كالسائرين نياماً على أرض الميدان.

حين ابتلع إيمري الأخضر واليابس..
(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين - WhoScored)
(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين – WhoScored)


بإصرار مُزرٍ على مواصلة التحضير من الوراء ومحاولة إلقاء الطوليات للأمام، كادت تلك الحيلة المُكرَّرة أن تنقلب وبالاً على برشلونة عدة مرات إزاء الضغط العالي المُتقن من باريس سان جيرمان خاصةً في ربع الساعة الأول، والكل يعلم أنه لولا كافاني لبدأ الحفل مبكراً..

سيذكر التاريخ أن فريقاً نجح بجعل برشلونة لا يسدِّد سوى مرة واحدة على مرماه طوال 90 دقيقة من اللعب، بإجمالي محاولتين فقط في الشوط الأول وأربعٍ في الشوط الثاني، ضغط منتظم ونسق يصعب فرضه أمام فريق مثل برشلونة يمتلك ثلاثي مثل MSN، ولكن باريس نجح في ذلك بثلاثية عظيمة مكونة من أدريون رابيو وماركو فيراتي وحاكم المباراة الأول بلا منازع بليز ماتويدي.

انتصار ساحق في معركة الوسط أمام فريق عجز عن مواجهة الضغط، فكانت الزيادة العددية دائماً أبداً رفيقاً لباريس في الحالات الهجومية والدفاعية، وكانوا دائماً الأقرب للكرات الثانية، هكذا كانت النسخة الحالية من برشلونة في مواجهة فريق يعرف كيف يضع الكرة تحت قدمه ويديرها على الأرض، فظهر الفارق واضحاً بين ما يفعله كل منهما والكرة في حيازته، يكفي القول أن باريس سان جيرمان امتلك الاستحواذ بنسبة 64% في أول ربع ساعة وتحت أنظار طلاب مدرسة الاستحواذ ذاتها.

(متوسط تمركز اللاعبين: فتش عن الجناح الأيمن وفدان المساحات في ظهر البارسا - WhoScored)
(متوسط تمركز اللاعبين: فتش عن الجناح الأيمن وفدان المساحات في ظهر البارسا – WhoScored)

إيمري أجاد استغلال المساحة أمام ألبا وبيكيه ووراء إنييستا للتحضير كثيراً، بينما كان سبيل الاختراق واضحاً ومعلوماً منذ فترة طويلة، وهي الجهة الأخرى التي شهدت مواجهة محسومة النتيجة بين جوليان دراكسلر وسيرجي روبرتو، لاعب الوسط المتوسط دفاعياً الذي يلعب ظهيراً بدون جناح أمامه في ظل 4-3-3 عديمة الجناح الأيمن وبالتالي يتحرك هو للأمام لأداء مهام الجناح أيضاً، أدوار تصعُب على داني ألفيس نفسه في قمة مجده ولكن اللوتشو -لويس إنريكي- لسببٍ ما قرر أن روبرتو قادرٌ عليها، فكانت النتيجة كما شاهدنا جميعاً..

(مسارات تمرير باريس تظهر كثافة أعلى على اليسار -يمين البارسا- WhoScored)
(مسارات تمرير باريس تظهر كثافة أعلى على اليسار -يمين البارسا- WhoScored)


اخترق ماتويدي ذلك الفراغ بين بيكيه وروبرتو مراراً وتكراراً بالتحرك والتمرير، ورغم ذلك أتت أغلب الصواعق من الجهة الأخرى، فهذا دي ماريا يسجل الركلة الحرة ولا ندري ما الذي حاول تير شتيجن التقاطه من الأسفل، وهذا دراكسلر يأتي من الجهة اليمني العكسية بين ألبا وأومتيتي لتسلم تمريرة فيراتي الذي افتك الكرة من شبح ميسي، وذاك دي ماريا مجدداً ولا أحد يجرؤ على الضغط عليه في تراجع جماعي غير مفهوم ليسدد من الخارج فيسجل الثالث.

كل ذلك حدث وإنريكي تحت تأثير المخدِّر الذي أجاد إيمري صناعته، فتطلب الأمر 58 دقيقة كاملة ليكتشف أنه خسر معركة الوسط وأنه قد تأخر بثلاثة أهداف لأن فريقه غير موجود بالمباراة والخصم يمتلك السيادة الكاملة، ليلبي النداء الجماهيري أخيراً ويسحب أندريه جوميز مفضلاً رافينيا على حسابه، بدوره اكتفى إيمري من 60 دقيقة مثالية لأنخيل دي ماريا فدفع بلوكاس مورا بدلاً منه لاستغلال المساحات إزاء تقدم اضطراري إضافي من البارسا.

يُضيع كافاني كثيراً، ولكن حين يتعلق الأمر بالتحرك فهو ضمن الأفضل في العالم، وأخيراً جعل ذلك التحرك يثمر في كرة الهدف الرابع حين تلقى تمريرة رابيو مخترقاً ما بين أومتيتي وبيكيه بخفة عالية. رابيو بالمناسبة تحول إلى وحش في خط الوسط، لمسة مدرب قد تغير الكثير..

لا شيء يوفي حق بليز ماتويدي عقب تلك المباراة الرائعة، دقة تمرير هي الأعلى في أرضية الميدان بنسبة 98%، تمريرة وحيدة خاطئة من أصل 42، 4 تدخلات ناجحة من أصل 6 رغم  مهامه الهجومية بالأساس و3 اعتراضات للكرة، مباراة مذهلة من لاعب الوسط الفرنسي.

100 عام من البارانويا
(الخريطة الحرارية لماتويدي - WhoScored)
(الخريطة الحرارية لماتويدي – WhoScored)


قد نفهم ما يفعله مدرب ما، قد نتفق أو نختلف لكننا نفهم غايته، قد ينصفه الحظ وقد يخونه، ولكن النوع الأصعب في المعالجة والأكثر إثارة للحنق دائماً هو ذلك المدرب الذي يتجاهل الحقائق الواضحة كالشمس والتي يعرفها القاصي والداني قبل أيام من موعد المباراة.

قاسم مشترك يجمع بين مباريات إشبيلية وريال سوسييداد وسيلتا فيجو ومانشستر سيتي وأتلتيك بيلباو ومباراة أمس: فوجئ إنريكي فيهم جميعاً بضغط الخصم العالي.

الحديث عن أنانية نيمار مفروغ منه، السؤال الحقيقي هو لماذا تذهب الكرة إليه دائماً؟ البرازيلي هو ثاني أكثر من لمس الكرة في برشلونة بـ84 مرة، فقط المدافع -نعم المدافع- جيرارد بيكيه يسبقه بـ104 مرات، إن كان هناك سر لذلك الإصرار فهو عدم توافر بدائل أخرى على ما يبدو.

(مناطق الهجمات: 49% على يسار الفريقين بين دراكسلر ونيمار - Whoscored)
(مناطق الهجمات: 49% على يسار الفريقين بين دراكسلر ونيمار – Whoscored)

ليونيل ميسي نفسه لمس الكرة 51 مرة وعلى ذكر ميسي، ماذا كان يفعل في تلك المباراة تحديداً سوى التجول بالكرة ومحاولة مراوغة هذا وذاك؟ أين ذهب الأرجنتيني الحاسم في موقف كهذا وفي ظل تراجع مردود أندريس إنييستا أيضاً أسفل شلالات الضغط الباريسي؟ والأهم.. وهو ما نفتِّش عنه منذ عدة مباريات، أين يلعب ميسي من الأساس؟ مركزه على الورق جناح أيمن، بينما نجده دائماً في العمق، لنُقدر حجم الأضرار هذا يعني أن برشلونة خسر معركة الوسط تماماً برباعي وسط يتقدمه ميسي.

(خريطة ميسي الحرارية: ما هو مركزه؟ - WhoScored)
(خريطة ميسي الحرارية: ما هو مركزه؟ – WhoScored)


بالمناسبة لويس سواريز مهاجم الفريق لمس الكرة 30 مرة بينما لمسها الحارس مارك أندريه تير شتيجن 47 مرة.. التحضير الخلفي الذي انتصر على الأمامي، والذي كاد أن يطيح بمرمى البارسا أكثر من مرة وكأن أميال المساحات العشبية الفارغة لم تكن كافية.

يصعب اختزال الأمور في أندريه جوميز، ولكن تلك الخريطة الحرارية تُظهر أشياء لا تُرى بالعين المجردة، فهو هنا يملأ الجانب الأيمن دفاعاً وهجوماً، ولكن تلك الجهة ظلت مستباحة طيلة 90 دقيقة، لم يمتلك روبرتو من يسانده كما يلزم ناهيك عن ضعفه الدفاعي بالفعل، ولم يظهر جوميز في الأمام سوى مرة واحدة ليته ما ظهر بها، هي تسديدة البلوجرانا اليتيمة على المرمى في الدقيقة 27 والتي أضاعها.

(الخريطة الحرارية لأندريه جوميز - WhoScored)
(الخريطة الحرارية لأندريه جوميز – WhoScored)

الكل ينادي بل ويتوسل لإشراك إيفان راكيتيتش فتلك مبارياته وهذا ما تميز به مع البارسا، هذا ما ميَّزه وجعله أساسياً على حساب الأسطورة تشافي هيرنانديز حينما ضربه تقدم العمر، لاعب وسط يساند ويحمي داني ألفيس وشتّان الفارق بين البرازيلي وروبرتو، ولكن حين تعطف اللوتشو أخيراً وقرر إشراكه، دفع به بدلاً من إنييستا على الجانب الأيسر، وبعد الهدف الرابع مباشرةً.

 

الأمل؟

( إنريكي اعترف بتفوق النادي الباريسي الكاسح - رويترز )
( إنريكي اعترف بتفوق النادي الباريسي الكاسح – رويترز )

دائماً ما تترك كرة القدم مساحةً للأمل، دائماً ما تقوم على الحظوظ المشتركة ولو تفاوتت النسب، ولكن أن تؤمن بحظوظ هذا الفريق المهلهل تحت تلك القيادة التي تلقت 16 محاولة منها 10 على المرمى مقابل 6 محاولات منها واحدة فقط على المرمى في قلب الأمور والفوز بفارق 5 أهداف على تلك الكتيبة المنظمة.. فالقدرة لله -عز وجل- وحده.

خرج لويس إنريكي عقب تلك المأساة بوجه متفائل أضحك المراسلة التي حاورته، معترفاً بأن الفريق لم يدخل المباراة بشكل جيد وأن باريس تفوق بشكل كاسح -وهذا واضح- صانعاً الفرص الأكثر ومدافعاً ومهاجماً بشكل أفضل فأتت النتيجة تعكس ما حدث في المباراة. كل ذلك حدث واعترف به، ولكنه أبداً لم -ولن- يخرج من متلازمة "الأنا" على صواب" التي يعانيها.

واصل اللوتشو متحدثاً عن "النسخة الأفضل من باريس سان جيرمان" وأنه "كان ينتظر تلك القوة من الخصم ولم يعتقد أنها مباراة سهلة"، وقد بدا ذلك جلياً في تحضيره لها وتعامله معها، هذا الموسم قد انتهى بكأس ملك إسبانيا وإن كنت منتشياً بسداسية أمام بدلاء ألافيس فتذكر الصاعقة التي ضربها ذلك الفريق في كامب نو، حتى الكأس مهدداً بالضياع.

إنريكي قدم كل ما في جعبته على مدار الموسمين الماضيين، لم يعد لديه ما يمنحه للبارسا سوى المزيد من العناد والمكابرة وإنكار الحقائق، ليست من عادة برشلونة إقالة المدربين في منتصف الموسم لذلك لا مبرر لاستمراره بعد نهاية هذا الموسم إلا إن حقق لقب الليجا وهو ما إن فعله لن يعود فضله إليه بل لتخبطات زيدان على الجهة الأخرى، ولكن حتى إن حدث ذلك، يجدر بها أن تكون نهاية سعيدة لرجل -باستثناء رباعية البيرنابيو- ينكشف كلما غاب ميسي، وبالأمس لم يكن الأرجنتيني حاضراً على الإطلاق.

المصدر : الجزيرة