أرسنال وتوتنهام.. بين الوهم والخيال
بـ45 دقيقة أكثر من مثالية، أمَّن أرسنال انتصاراً هاماً بكافة المقاييس على حساب توتنهام هوتسبر بهدفين دون رد ضمن منافسات الأسبوع الثاني عشر للدوري الإنجليزي، والتي أقيمت على ملعب الأول "الإمارات".
3 نقاط تعني العودة للحياة، تعني استمرار القتال على المقاعد الأوائل، تعني آمال العودة لدوري أبطال أوروبا، وتعني الفوز بالديربي على خصم لم يسبق له الخسارة أمام أرسنال في الدوري، بينما يقف ماوريسيو بوكيتينو بعد تفوقه على ريال مدريد في حيرة من أمره، بين تبعثر أوراقه تارةً أمام جوزيه مورينيو وأخرى أمام آرسين فينغر.
بمرآة واضحة من الطرفين نسخ كل منهما الرسم التكتيكي للآخر بشكل حرفي مع تباين طفيف في الأدوار، رصد خلاله فينغر نقاط قوة توتنهام في البناء من الخلف وعرضيات إريكسن واختراقات تريبييه لأداء جملته المعودة مع هاري كين، وإن كان الرجل قد تجهز لكل ذلك، بالتالي ما كان بحاجة لأكثر من بطء حركية كين الواضح وتيه ديلي ألي ليشل حركة الديوك بالكامل.
على الفور انطلق المدرب الفرنسي بضغط عالٍ أكثر من مُتقن، ليحرم الخصم من أريحية البناء الخلفي مجبراً إياه على إرسال الكرات الطولية للأمام (81 من توتنهام مقابل 70 لأرسنال)، وشتان الفارق بين أن يكون هذا خيارك باستدراج الخصم الضاغط لإرسال الطولية في المساحة، وبين أن يجبرك ضغط الخصم عليها لتكون له إما الغلبة الهوائية وإما هامش من الوقت يبقيك في غير تمركزك الصحيح بينما تتراص صفوفه كما ينبغي.
أما إيريكسن الذي كان بارقة الأمل الوحيدة كأعلى نسبة امتلاك للكرة بين اللاعبين الأماميين للفريقين (5.6% من الاستحواذ) وصاحب التمريرتين المفتاحيتين، فقد بقي وحيداً مجرداً من الحلول، محاولاً الانطلاق هنا وهناك دون أدنى جدوى، في نهاية الأمر لا يمكن لأحد أضلاع المثلث أن يقوم بذاته حال تعطل الضلعين المرافقين.
حتى تريبييه، قضى مباراته مرغماً على الخط دون أدنى فرصة للاقتراب من مواقع الخطر، بمحاولة وحيدة فاشلة للمراوغة وصفر على مستوى صناعة الفرص في إطار محاولات فك شفرة كولاسيناتش ومن ورائه مونريال، لتفتضح الأزمة الأكبر في وسط الفريق، وهي افتقار ثنائية "سيسوكو-ديمبلي" لأي نوع من أنواع الحلول في مواجهة تنظيم استثنائي من تشاكا ورامسي، ليستمر الضياع في أقبح صوره.
سواء كان هذا حلاً لإيقاف كولاسيناتش وإلقاء المزيد من الضغط على أليكسيس سانشيز، سواء كان تفكيراً هجومياً لاختراق تلك الجبهة، فإن انحراف سيسوكو اليميني المبالغ فيه قد فشل في تحقيق أي من أهدافه، مهلهلاً الوسط بشكل كامل ومجبراً ديمبلي وإريكسن على مواقف غير مريحة لهما بالمرة، فلا أحد ينتقل بالكرة إن لم يتصرف الدنماركي بهذا الصدد، ولا أحد يُغلق الفراغ الذي ينتجه ميل سيسوكو فإما ينكشف ثلاثي الدفاع وإما يتحرك ديمبلي لسد الثغرة صانعاً غيرها على اليسار.
من هنا انتقلت كرات الغانرز السريعة إلى هيكتور بيليرين على اليمين، ومن هنا خُلقت الخطورة عدة مرات في الشوط الأول، وإن كان لبعض التفاصيل القول الفصل في تحديد الفائز، فإن النتيجة الفنية العادلة هي ما انتهت إليه تلك المباراة.
بينما كان أرسنال أسرع وأكثر حركية وتنويعاً في الحلول من العرضيات الأرضية للهوائية للتسديد، مال توتنهام عدة مرات لفتح الملعب بالقطرية إلى ديفيز ومنها يطلق الأخير عرضية تسقط في أحضان دفاع أرسنال المتفوق بشكل كبير في تلك المباراة، خاصةً في ظل الموت السريري لثنائية ألي وكين.
بأي حال في تلك الوضعية كان يمكن للمباراة أن تسير ناحية التعادل السلبي أو حتى إلى صالح توتنهام باستفاقة قصيرة، إلا أنه في الوقت المناسب وقعت كرة أوزيل الثابتة لتحولها رأس موستافي ببراعة في شباك لوريس، تبين لاحقاً أن رأسه في وضعية تسلل. لاحقاً من نفس يمين الجانب الأيمن وصلت كرة متقنة إلى لاكازيت ومنها عرضية أقرب إلى التسديدة ترتطم بجسد سانشيز لتقربه من المرمى وبالكاد يجد متسعاً من الوقت لإنهائها بلمسة عالية فوق الحارس الفرنسي.
قد يكون هذا حصاداً عادلاً لتفوق أرسنال الدفاعي ونجاحه الهجومي في استغلال ثغرات الخصم، ولكنه قد يدخل أيضاً تحت بند ظروف وسيناريو المباراة، ولكنه بأي حال قد أسدل الستار على أسوأ شوط جماعي لتوتنهام هوتسبر في الموسم الحالي، منذ ذلك الحين عمد فينغر إلى قتل اللعب ومحاولة خطف الثالث انتظاراً لتقدم متوقع من الخصوم، ما لم يكن متوقعاً هو مبالغة بوكيتينو في بطء التصرف.
مكتفياً بجلسة بين الشوطين، حافظ المدرب الأرجنتيني على وفاة فريقه الإكلينيكية حتى الدقيقة 62، حين أشرك هاري وينكس الذي لم يكن أبداً من المنطق بقاءه بديلاً لكل ذلك الوقت. يبدأ توتنهام في إيجاد حل لنقل الكرة من الوسط ويحصل إريكسن على بعض الراحة حتى وإن ظلت محصلة العملية الهجومية بحال سيئ، ليرتفع عدد المحاولات من 5 بالشوط الأول إلى 9 بالثاني وإن كان ناتج التسديد على مرمى تشيك لم يتغير، بواقع كرتين في كل شوط.
استجاب فينغر لانتفاضة الديوك المؤقتة بعد 11 دقيقة مقحماً فرانسيس كوكلين لإغلاق عمق الملعب على حساب ألكساندر لاكازيت، ليرد بوكيتينو بآخر الحلول اليائسة المتأخرة، هيونغ سون مين وفيرناندو لورينتي بدلاً من الثنائي التائه ألي وكين، بعد فوات الأوان بطبيعة الحال.
من أنصفته الأرقام هو لوران كوسييلني، 3 تدخلات ناجحة بالعلامة الكاملة و11 تشتيت و4 اعتراضات، بالتقدم للأمام فقد أسهمت ستارة الضغط العالي في منع شرور ما كان منها مفر لو تُرك خط الوسط مكشوفاً، فبرغم الإجادة النسبية لآرون رامسي بـ5 تدخلات ناجحة من أصل 9، نجد المتهور غرانيت تشاكا قد تعرض للمراوغة 4 مرات أيضاً ولكن من إجمالي 5 محاولات فقط.
ما أجاد به ثنائي الوسط حقاً كان تنسيقاً استثنائياً في التقدم والتراجع، حتى وإن تعرضا للمراوغة بشكل شخصي فقد انحسرت فكرة التقدم العشوائي دون ضوابط، يتقدمهما أحد رجال المباراة الألماني مسعود أوزيل، الأكثر صناعة للفرص بـ4 تمريرات مفتاحية والذي قدم شوطاً ينسف كل الاتهامات الموجهة ضده -وهي على حق- بالتكاسل في الضغط. على الجانب الآخر يتفوق أليكسيس سانشيز صاحب التقييم الأعلى مناصفةً مع موستافي، على صعيد المراوغات بـ5 محاولات ناجحة من أصل 6، كما كان ثاني أكثر اللاعبين صناعةً للفرص مناصفةً مع بن ديفيز ظهير توتنهام.
كان ذلك وراء خروج الدفاع الذي تلقى 16 هدفاً هذا الموسم بشباك نظيفة أمام خصم يُفترض به القوة، ليمنح نفسه بارقة الأمل بأن كل شيء يمكنه أن يُصبح على ما يرام، ولكن بكل أسف من يتتبع أرسنال جيداً عبر الأعوام الماضية لن يسهل انخداعه بمثل تلك الأمور العابرة. ربما كانت واحدة من أسوأ مباريات بوكيتينو على الإطلاق، ولكن العيوب والمشاكل واضحة، هؤلاء الركائز بحاجة لاستفاقة، إن عاد وانياما ما كان الممكن حدوث مهزلة كتلك بالوسط، بعض الأخطاء ارتكبها المدرب ويسهل علاجها، بينما تبقى وصفة فينغر السحرية بحاجة للكثير من الضمانات التي لن يصدق أحد وجودها.
ببساطة إعادة إنتاج مباراة كتلك تتطلب استمرار عوامل كيقظة الثلاثي الخلفي وجودة التنسيق بين ثنائي الوسط وأن يضغط أوزيل بتلك البراعة والنشاط في كل مباراة، فكَّر بالأمر واسأل نفسك عن مدى الثقة التي يمكن أن تضعها لتراهن على تكرار ذلك، هذه هي الحصيلة التراكمية آرسين فينغر، حتى في ليلة إجادته لن يترك لك فرصة كبح جماح الخوف من القادم خاصةً وإن كنت ممن شاهدوا هذا الشريط لسنوات.