شعار قسم ميدان

غوارديولا ضد مورينيو.. فض اشتباك العناوين الخادعة

ميدان - غوارديولا بيب جوزيه مورينيو

الكثير من العناوين الضخمة التي يفجرها سباق رجلين بعينهما في البريميرليغ هذا الموسم، بلقبي دوري أبطال لكل منهما، وبواحدة من أقوى فترات صراع الغريمين برشلونة وريال مدريد، مدربان يتربعان على عرش صدارة الأكثر إنفاقًا في التاريخ بحوالي 2 مليار جنيه إسترليني مجتمعين(1).

 

تقاطعت طرق البرتغالي جوزيه مورينيو والإسباني بيب غوارديولا منذ الخطوات الأولى لكل منهما وفي نادٍ واحد، حين كان الأول مترجمًا ثم مساعدًا للمدرب والآخر نجم وسط الفريق، في قلب كتالونيا تولدت علاقة ودية سُرعان ما تحولت إلى العداء الأشهر في عالم الكرة.

 

خرج مورينيو من برشلونة مؤمنًا بأفكار مغايرة تمامًا لما شاهده بهذا النادي، واثقًا من قدرته على النجاح بطريقته الخاصة، وحين حانت لحظة العودة تدخل الهولندي يوهان كرويف في وقتٍ قاتل ليسرق منه انتصاره(2)، مرجحًا كفة ولده الفكري بيب، 9 سنوات مضت على صافرة انطلاق ما نشاهده الآن.

 

تجمع أكثر مما تفرق

الأمر يجتاز دقة تشابكهما هذا الموسم فما هي إلا نتاج لتشابك مصيرهما الدائم منذ تلك اللحظة، فحين كان هذا يخوض رحلة لإثبات الذات مع بايرن ميونيخ كان الآخر يبحث عن ذاته المفقودة في تشلسي بعد معاركه الملحمية مع غرفة ملابس ريال مدريد، وبغض النظر عن نجاحات وإخفاقات الرحلتين، خرج كل منهما بالمزيد من الشكوك والأسئلة التي لم تجد الإجابات بعد.

 

المدرب الإسباني بيب غوارديولا في فترة تدريبه لبايرن ميونخ (رويترز)
المدرب الإسباني بيب غوارديولا في فترة تدريبه لبايرن ميونخ (رويترز)

 

غادر بيب بافاريا وهو يعلم جيدًا أن بعض نجومه غير سعداء به، وهو ما لم يتوانوا عن إعلانه عقب رحيله واحدًا تلو الآخر(3،4)، بينما ودع جوزيه مدينته المحببة لندن وهو يشعر بطعنة لاعبيه في ظهره كما قالها في موسمه المأساوي نصًا "أشعر بأنه تم خيانة عملي"(5). ربما رد الفيلسوف على تلك الانتقادات بهدوء(6)، وربما لو وجهت كلمات مثل "مدرب قليل الخبرة" إلى البرتغالي لجلبنا بعض المشروبات استعدادًا للعرض، ولكن تظل الحقيقة المشتركة سواء كانا على صواب أم خطأ.. لم ينجح أحدهما بكسب الجميع أبدًا.

 

أقيل مورينيو من تشلسي وسط ظروف لا يمكن إرجاعها لإخفاقه التكتيكي وحده أبدًا، ولذلك لم يخرج باحثًا عن مجرد الانتقام فقط بل عن حقيقة كونه قادرا على العودة لذلك المستوى الذي اعتاد المنافسة به أم لا. انتظر إقالة متوقعة للهولندي لويس فان خال الذي كان جوزيه يومًا ما مساعده في برشلونة لتخلو له أخيرًا وظيفة مانشستر يونايتد.. مقعد سير أليكس فيرغسون الذي لطالما قيل إنه يحلم به.

 

وكأنهم يمنحونه المزيد من الأسباب لفعلها، أعلن مانشستر سيتي تعاقده مع غوارديولا، لتصل كل العوامل المساعدة إلى أقصى درجات التوافق إيذانًا بإعادة إحياء تلك المعركة، كبير فقد هيبته، وصغير يبحث عن إيجادها أوروبيًا، وعلى عاتق كل منهما تقع واحدة من المهمتين، لذلك قد يبدو هذا الفصل هو الأهم وربما الأخير في صراع رجلين لم تسعهما دولة كاملة ليجدا نفسيهما عالقين بالمدينة ذاتها.

 

عناوين خادعة

بالنظر لحجم إنفاقهما وقوة اسميهما في عالم التدريب، اختزلت بعض التوقعات صراع البريميرليغ بينهما حكرًا وهو ما دعمه البداية القوية بـ3 انتصارات متتالية لكل منهما، وحين التقيا من جديد كانت الغلبة لسيتي بفارق هدف سمح له أن يواصل سلسلته إلى الفوز بأول 10 مباريات متتالية في جميع المسابقات، وقعت مشكلة بسيطة للغاية فيما بعد: لم يفُز بيب بأي من مبارياته الست التالية.

 

المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو خلال أحد المؤتمرات الصحفية لفريقه مانشستر يونايتد (رويترز)
المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو خلال أحد المؤتمرات الصحفية لفريقه مانشستر يونايتد (رويترز)

 

على الجانب الآخر استفاق فريق مورينيو وانطلق محققًا 25 مباراة بلا هزيمة.. نصفهم -حرفيًا- تعادلات! 12 تعادلًا منهم 9 في أولد ترافورد أمام فرق أقل آخرها كان سوانزي سيتي، تلك اللحظة التي أعلن فيها المدرب البرتغالي يأسه من البريميرليغ واصفًا ما تبقى منه بـ"مباريات لا نريد أن نلعبها"(7)، في نهاية المطاف أنهى أحدهما في المركز الثالث والآخر في السادس، وظفر تشلسي باللقب رفقة أنتونيو كونتي مُزيدًا من أوجاع جوزيه.

 

من أهم أهداف وصول الفيلسوف إلى ملعب الاتحاد هو تغيير الواقع الأوروبي المؤسف، فالفريق لحظة إعلان تعيينه خلفًا لمانويل بيليغريني في فبراير كان قد وصل لتوه إلى أدوار دوري الأبطال الإقصائية، ولكن الرجل التشيلي أبى أن يرحل قبل أن يطبع قبلة أخيرة على جبين ناديه رافعًا سقف التحدي ببلوغ نصف النهائي، ليصبح خروج غوارديولا على يد موناكو من دور الـ16 وخسارته لتقدمه بالذهاب 5-3 بمثابة فضيحة بكل المقاييس.

 

وإلى الناحية الأخرى من جديد حاز مورينيو لقب الدوري الأوروبي والذي استمد قيمة كُبرى من حقيقة تحوله إلى بطاقة مؤهلة لدوري الأبطال، ليصل إجمال بطولاته مع الأحمر في موسمه الأول إلى ثلاثية وهو العنوان الأكثر خداعًا من بينهم جميعًا: الدرع الخيرية عديمة القيمة + كأس الرابطة الأقل شأنًا + البطولة الأوروبية المُتاحة على حساب سانت إيتيان وروستوف وأندرلخت وسيلتا فيغو وأياكس على الترتيب. أقل مركزًا ولكن أكثر ألقابًا، ليبدو أقرب إلى هدفه بخطوة من غريمه الإسباني.

 

وإن عدتم عدنا

ربما فرَّق كل شيء بين الرجلين ولكن في النهاية يجمعهما العامل المشترك الأبرز بينهما: العناد.. أحدهم يأبى الاستعلاء الإنجليزي أن يتقبل مجرد رغبته بإثبات فكره في ديارهم، لتنهال عليه الأقلام والألسنة في كل مناسبة ممكنة بالسؤال ذاته "هل ستغير من طريقتك؟" قد لا يكون بالأمر مبالغة إن قلنا إن المنظومة بأكملها تنتظر اللحظة التي يترجل فيها بيب عن فرسه وينجرف في مد الطوليات الإنجليزي الشهير، بينما يرفض هو أن ينكسر أنفه بتلك السهولة، حتى لو كلفه الأمر رباعية نظيفة أمام إيفرتون من أصل 4 تسديدات على المرمى، وحتى لو كلفه رباعية أخرى من ليستر في خضم انشغاله بخيانة عمل رانييري.

 

لحظات جدلية معتادة، مؤتمرات صحفية ساخنة، السخرية من فينغر للخروج من مأزق ما أو حتى بدون سبب، إلقاء المسؤولية على أي شيء.. التحكيم أو غيره (رويترز)
لحظات جدلية معتادة، مؤتمرات صحفية ساخنة، السخرية من فينغر للخروج من مأزق ما أو حتى بدون سبب، إلقاء المسؤولية على أي شيء.. التحكيم أو غيره (رويترز)

 

بالمرور إلى الغريم تجد أنه يمكنك النيل من أي شيء يخص مورينيو، نجاحه، فخره، شرفه، أي شيء إلا قناعاته، فمجرد حقيقة أنه الطرف الأقوى في مباراة ما لن تعني أبدًا أنه بالضرورة سيهاجم، مهما عاش من لحظات مؤذية في مسيرته كان سببها هذا الركون غير الآمن لمحاولة قتل المباراة، حتى لو سكنت رصاصة سيلتا فيغو الأخيرة شباكه ما كان ليُعيد التفكير أبدًا والدليل أنه انطلق إلى نهائي البطولة بنفس الطريقة متفاخرًا بأن "المتعة هي أن تحرم خصمك مما يريد"(8).

 

لحظات جدلية معتادة، مؤتمرات صحفية ساخنة، السخرية من فينغر للخروج من مأزق ما أو حتى بدون سبب(9)، إلقاء المسؤولية على أي شيء يتحرك في محيطه حتى سواء كان ظهيره الأيسر المصاب(10)، أو التحكيم أو غيرهما -ربما يُحسب له عدم الوصول لمرحلة لوم الرياح بعد-(11).  فقط شاهده وهو يضايق الحكم في لقاء ساوثامبتون الأخير، أي شيء يبدو لك قد تغير بهذا الرجل حقًا؟!

 

إن كان هناك ما يسعى الثنائي لإثباته، فإن الموسم الماضي لم يكن الفرصة الأفضل على ما يبدو، ولذلك تتجدد معركة إثبات الذات من جديد هذا الموسم بمبالغ أضخم وتدعيمات أقوى، حيث فتح غوارديولا خزائن ناديه لتدعيمات شاملة تأخرت كثيرًا بالخط الخلفي بالإضافة لبيرناردو سيلفا الذي لم يُظهر ما لديه بعد، على الجانب المعاكس أجرى مورينيو 3 صفقات بقيمة 165 مليون يورو، تضمنت نيمانيا ماتيتش ضالة الوسط والعلامة الفارقة حتى الآن، وروميلو لوكاكو المهاجم المنشود بعد إصابة إبراهيموفيتش، ومُدافع مرتعش حتى اللحظة هو فيكتور لينديلوف.

 

ربما تضم قائمة كل منهما نواقصَ طفيفة للغاية، إلا أنهما قائمتان بلا أعذار على الإطلاق، كل ما يريدانه قد توفر مكلفًا إياهما أكثر من 800 مليون يورو مجتمعين على مدار الأسواق منذ وصولهما. الفشل أو ما يُشابهه لن يكون مقبولًا بأي حال حين يبلغ هذا الموسم منتهاه دون أن يكون لقب البريميرليغ في يد أحدهما والآخر وصيفه على أقل تقدير.

 

على ناصية الحقيقة

وها هي البداية الرائعة تتكرر بطريقة أكثر تشابكًا، فلكل منهما 6 انتصارات وتعادل بمجموع 19 نقطة، ولهداف كل منهما نفس الرصيد بواقع 6 أهداف لكل من الثنائي لوكاكو وأغويرو، كما لم يتلقى الفريقان سوى هدفين حتى الآن مقابل تفوق طفيف لسيتي بتسجيل 22 هدفًا مقابل 21.

 

بمقارنة ما قدمه الطرفين فإن لكل منها علامته المميزة المرافقة له كمدرب (رويترز)
بمقارنة ما قدمه الطرفين فإن لكل منها علامته المميزة المرافقة له كمدرب (رويترز)

 

أشعل الثنائي بداية موسم قد لا يكون له عنوان سوى "مورينيو × غوارديولا"، وقد لا يكون عنوانًا خادعًا سواه، حتى في ظل تخبط ليفربول الواضح، وفي ظل أرسنال بوجه عام، فإن تشلسي وتوتنهام لا يزالا هنا، وبينما يمضي السماوي الأزرق في طريق الإثبات هازمًا ليفربول وتشلسي، لم يواجه غريمه الأحمر أي من الكبار بعد.

 

بمقارنة ما قدمه الطرفين تجد بعض العلامات المميزة المرافقة للمدربين، ففريق بيب يملك الاستحواذ بنسبة 62% مقابل 53% لفريق جوزيه، رغم أن الأخير لعب كل مبارياته بشكل هجومي باستثناء فترة من الشوط الثاني لمباراة ساوثامبتون، ولكنه لم يجد أبدًا في الاستحواذ ضالته لفرض النسق الهجومي بعكس الإسباني. على الجانب الآخر فريق مورينيو يسجل أكثر من ضعف ما سجله الآخر من الركلات الثابتة بـ7 أهداف مقابل 3.

 

بينما يواصلا تشارك عادتهما الواضحة بالموسم الماضي في إهدار الفرص السهلة، يبدو دفاع أزرق المدينة أفضل حالًا كثيرًا من العام الماضي -وهذا ما يجب أن يحدث بعد صرف 200 مليون يورو لتدعيمه- بشكل جماعي يوحي بأن بيب أخيرًا وجد ضالته في كيفية مواجهة حقيقة بقاء الكرة في الهواء لوقت طويل، ولكن تلك القوة الجماعية تنحسر تدريجيًا في مواقف "واحد ضد واحد" نقطة الضعف الأبرز في خط سيتي الخلفي حتى الآن.

 

على الجهة الأخرى ومن أصل 21 هدفًا سجلهم مانشستر يونايتد حتى الآن في البريميرليغ، فقط 7 أهداف جاءوا في الشوط الأول، بينهم هدفين في الدقائق الخمس الأولى وهدفين في الدقائق الأخيرة من عمر الشوط، أما عن الشوط الثاني، فقد سجل كبير المدينة 14 هدفًا بينهم 10 من الدقيقة 80 وما يليها أي قرابة نصف مجموع الأهداف عبر الشوطين. وإن كان مؤشرًا جيدًا على المثابرة والنجاح في التسجيل مهما طال أمد الانتظار، إلا أن جميع تلك الأهداف المتأخرة أتت من وضعية التقدم والخصم مُجبر على الهجوم بعنف حيث لم يعد لديه ما يخسره.

 

بصرف النظر تمامًا عن عيوب رونالد كومان مدرب إيفرتون في مباراة يونايتد، فإن مورينيو قدم في تلك الليلة -شوطها الأول تحديدًا- معزوفته الكاملة من الهجوم والضغط والتحكم بالنسق إلى أقصى درجة بأقل أضرار دفاعية ممكنة وهي بالمناسبة المباراة الوحيدة التي شهدت هدفًا مبكرًا في الدقيقة الرابعة، ولكن بإعادة كومان إلى المعادلة، هل تبدو المشكلة أن يونايتد لم يُقابل أحدًا من الكبار حتى الآن؟ لا، المشكلة أنه لم يقابل مَن يُبادره بالضغط حتى الآن، فلوحة مورينيو كانت رائعة إلا أن جانبها الآخر لم يُختبر إطلاقًا.

 

دائما ما يبادر ستي غواديولا بالضغط،  لكن تظل المساحات الفارغة وراء ظهر دفاعات الفيلسوف موجودة ما دام مدربًا
دائما ما يبادر ستي غواديولا بالضغط،  لكن تظل المساحات الفارغة وراء ظهر دفاعات الفيلسوف موجودة ما دام مدربًا
 

لا يُعتبر انقضاض ساوثامبتون فيما تبقى من الشوط الثاني بحثًا عن تعويض التأخر بهدف هو الضغط المقصود هنا، لكنها كانت فرصة مثالية ليقدم جوزيه أطروحته المغايرة التي لن تُبارحه طالما في الصدر قلب ينبض، فقد اصطف "باص" البرتغالي المحبب أمام الخصم العاجز ليؤمن الـ"واحد-صفر" بكفاءة، وهو ما يقودنا للصورة النمطية المأخوذة عن الاستثنائي في مُباريات القمة.

 

إلى جانب ليفربول وتوتنهام، فإن التعريف الأكثر دقة لـ"مَن يبادره بالضغط" السابقة هو سيتي غوارديولا على وجه التحديد، وإن لم يكن قد أرانا هذا التحضير التأميني أمام ساوثامبتون فإننا على علم تام بأنها المباراة الكافية ليضرب بكل تجاربه الهجومية عرض الحائط ويتجهز لإرساء متاريسه الدفاعية أمام خصمه الأزلي، حتى وإن أتى انتصاره الوحيد على هذا الخصم في إنجلترا نتاجًا لـ10 دقائق هجومية في كأس الرابطة.

 

بالطبع ستظل المساحات الفارغة وراء ظهر دفاعات الفيلسوف موجودة ما دام مدربًا، إضافة لتلقيه ضربة مؤلمة بإصابة ظهيره الأيسر الجديد ميندي، والذي قدم بداية مذهلة لهذا الموسم بالنسبة للاعب يتحسس خطواته الأولى في البريميرليغ وفي ظل منظومة ليس من السهل التداخل بها.

 

أمور ليست بغريبة على متتبعي مسيرة الرجلين وصراعاتهما السابقة، توحي بتجدد تلك الأيام من جديد ليس فقط في سباق يمتد على مدار الموسم بل في مواجهات مباشرة ستصبح الأكثر ترقبًا في تلك المسابقة، وإن كان بيب متقدمًا بـ8 انتصارات مقابل 4 من أصل 19 مباراة، فإن موقعة التاسع من ديسمبر التي ستحمل الرقم 20 قد يتوقف عليها مصير موسم بأكمله.

المصدر : الجزيرة