مصر 1-0 أوغندا.. لماذا ينبغي على كوبر أن يخاف؟

يمكن للمشجع المصري أن يصدق النتيجة أو أن يصدق عينيه. فالنتيجة تخبر بزيادة فرص الصعود لدور ربع النهائي لكأس أمم أفريقيا، والأداء يخبر بنسخة كروية سيئة من منتخب الفراعنة. يمكننا كذلك النظر إلى أرقام عصام الحضري قبل ظهوره الأول في مباراة مالي على أنها أرقام منتخب مصر نسخة حسن شحاتة؛ 21 مباراة متتالية بلا هزيمة. ورغم استثنائية الرقم إلا أن تذكر الأداء المصري في النسخ الثلاثة الأخيرة لمصر في أمم أفريقيا، يصيب المشجع المصري بحالة من الإحباط بسبب المستوى الذي يظهر به المنتخب مع الأرجنتيني هيكتور كوبر. وعلى المشجع أن يقرر بين الفرحة بالنتيجة أو الحزن على الحالة التي وصل إليها أعظم منتخبات القارة الأفريقية بلا منافس.
بعد نهاية الجولة الأولى حلّت مصر في المركز الثاني في المجموعة عقب تعادل مالي وفوز غانا، وأصبح الفوز في مباراة أوغندا هو السيناريو الوحيد لتجنب السقوط في دائرة حسابات النقاط والأهداف. خاصة بعد فوز غانا بـ 6 نقاط في مباريتين، وبعد الأداء القوى لمنتخب مالي وتصاعد حظوظه في المواجهة الختامية له مع أوغندا في نهاية الأسبوع، وأمله الذي لم ينتهِ برصيد نقطة واحدة حصّلها من مباراته ضد مصر. وظن المتفائلون أن كوبر ربما يستخدم أسلحته الهجومية كلها بعد الأداء المرتبك في المباراة الأولى، وبعد تصريحات الجهاز المعاون بوجود مفاجئة في التشكيل. فكان التغيير الوحيد هو الاعتماد على محمد صلاح بدلاً من عبدالله السعيد في القلب. وإشراك تريزيجيه ورمضان صبحي على الأطراف.
تشكيلة المنتخب المصري ومنتخب أوغندا – (المصدر: beIN Sports)
تظهر إحصائيات المباراة فشل لاعبي أوغندا في إتمام أي تمريرة داخل منطقة الجزاء لمنتخب مصر، وكذلك فشل كل الكرات العرضية في الوصول، حيث لمس جيوفري ماسا الكرة مرة واحدة فقط داخل الـ 18. لكن هذه الإحصائية تتغافل إحجام الخصم عن الهجوم طيلة اللقاء وضعف قدراته. وتتغافل استهلاك جزء كبير من طاقة لاعبي الارتكاز وطرفي الجنب فتحي وعبد الشافي في مهام دفاعية أثرت على مشاركتهما في بناء الهجمات. ويظهر ذلك في الخريطة الحرارية لتحركات الظهيرين الذان قلما وصلا إلى مناطق متقدمة من الملعب.
الخريطة الحرارية لتحركات عبدالشافي (أعلى) وفتحي (أسفل) – (المصدر: beIN Sports)
أما ظهيرى القلب علي جبر وأحمد حجازي فقلة معدل الأخطاء التي تظهر مع وجودهم ترجع بالأساس إلى استهلاك طاقة محوري الارتكاز في التدخل مع مهاجمي الخصم. وهو ما يظهر في عدد العرقلات التي واجهها جبر وحجازي أمام هجوم أوغندا، وهو صفر!
معدلات تواجد الكرة في المناطق المختلفة بالملعب – (المصدر: beIN Sports)
تأتي مشكلة خط الوسط في منتخب مصر بشكل أساسي من تقييد طارق حامد ومحمد النني بأدوار التأمين، مما يعني أن منتخب مصر يدافع بستة لاعبين، مما يسبب ابتعادهما عن الخط الأمامي، واستهلاك جزء كبير من التمريرات في التحضير سواء في منطقة الخلف أو الوسط. دقة التمرير لمحمد النني مع أرسنال هذا الموسم بلغت 92%، بينما توقفت عند 85% مع هيكتور كوبر. فهل يتحمل الأرجنتيني مسؤولية هذا الارتباك؟
يمكننا أن نضيف على ذلك عددًا هائلاً من التمريرات المقطوعة من طرفي اللقاء أدّت في النهاية إلى ترهل اللعب في منطقة المنتصف بنسبة 55% من مجموع التمريرات. خاصة مع قلة اعتماد منتخب مصر على الكرات الطويلة مما يعني أن الكرة بصورة بطيئة ونمطية قبل وصولها إلى الأجنحة. وهو ما تسبب في رجوع المهاجم مروان محسن في عدة مشاهد لاستلام الكرة. ولحسن الحظ أن هذا المشهد الذي تكرر، أسفر عن هدف اللقاء الوحيد.
هدف عبدالله السعيد بعد تمريرة محمد صلاح
يمتلك المنتخب المصري حاليًا واحدًا من أفضل خطوط الهجوم عبر تاريخه من حيث القدرات الفردية للاعبيه ومن حيث قوة البدلاء وتعدد الخيارات. لكنه يقدم أداء ينقصه الخطورة والقدرة على خلق الفرص. وهذه مسئولية كوبر أيضًا.
يشير رسم تواجد الكرة في مناطق الخصم إلى 18% فقط. مما قلل وصول الكرة ودفع المهاجمين إلى التراجع لمناطق منخفضة. ما يمنح الخصم الوقت الكافي للتراجع. أضف على ذلك قلة التناغم بين لاعبي المنطقة الأمامية مما يجعل فاعلية الفراعنة الهجومية منخفضة للغاية. ويجعل كرة الهدف الذي أحرزه عبدالله السعيد في الدقائق الأخيرة هي اللعبة المكتملة الوحيدة في المباراة. وعلى الرغم من اضطرار مروان محسن إلى النزول إلى وسط الملعب إلا أنه قد استثمر ذلك في فتح المساحة التي تحرك فيها كهربا، قبل تمريرته لمحمد صلاح ثم الهدف. تكرر ذلك المشهد في الشوط الأول في الكرة الأمامية التي لعبها مروان لصلاح فوضعه في موقف إنفراد بالحارس أونياجو. وتكرر مرة ثالثة في الكرة العرضية التي لعبها صلاح أمام المرمى الخالي، لكن تراجع مروان محسن الاضطراري أفقد الكرة خطورتها، فلم تجد من يسكنها الشباك.
في المؤتمر الصحفي عقب المباراة صرح كوبر بأنه لن يهاجم منتخب غانا في المباراة الأخيرة في دور المجموعات، وأنه لن يتخلى عن طريقته المعتادة. مما يدفع للتساؤل؛ ما هي طريقة كوبر المعتادة؟ والإجابة الواضحة أن المدير الفني الأرجنتيني يميل إلى كرة قدم شديدة الملل، ولا يستطيع حتى أن يؤديها بصورة صحيحة. فلا يوجد فارق حقيقي بين ما قدمته مصر أمام غانا في مباراة تصفيات كأس العالم، وبين مباراة مالي ثم مباراة أوغندا. الكثير من التحفظ والتكتل وغياب الترابط بين الوسط والهجوم.
التكتل الخلفي لم يتم اختباره حتى الآن بمواجهة خصم قوي هجوميًا. وربما يواجه الفراعنة أحد هؤلاء الخصوم قريبًا. وحينها لن تصمد هذه الدفاعات، والأقرب للتصديق هو وقوع فضيحة كروية قد تطيح بالمدير الفني المتمسك بطريقته حتى النهاية. أما الهجوم فهو يعتمد على الكفاءات الفردية لللاعبين؛ حيث سرعة صلاح والسعيد ومهارة رمضان وكهربا وقدرة مروان محسن على التمركز السليم. لكن كل هذه القدرات لم تنجح إلا في إحراز هدف وحيد من جملة واحدة صحيحة قدمتها مصر طيلة 180 دقيقة في أمم أفريقيا حتى الآن.
يعتمد الأرجنتيني على نتائجه حتى الآن، والوصف الدقيق لهذه النتائج ليس بأنها جيدة، وإنما بكونها ليست سيئة. وأن الأهمية للنتيجة لا الأداء. لكن ما يُغفل عنه عمدًا هو أن الجمهور قد يتسامح مع الخاسر الجيد، لكنه لا يتسامح مع الخاسر السيء. وهو المصير الذي يخطو إليه كوبر بثبات. ربما لم يحدث أمام غانا ولا مالي أو أوغندا، ربما يتأخر إلى دور الـ 8 أو نصف النهائي. لكنه سوف يحدث وحينها لن يجد من يدافع عنه، ولذا ينبغي على كوبر أن يخاف.