ولكنكم تحبون "البريميرليغ"

لطالما كانت علاقتنا بالإعلام معقدة للغاية، فنحن لا نكف عن اتهام الآخرين بالوقوع تحت تأثيره والانقياد لأفكاره دون تفنيد، وفي الوقت نفسه نرفض الاعتراف بوقوعنا تحت التأثير نفسه، مهما بلغت قوته؛ لأننا نشعر بأن ذلك ينتقص من استقلالنا وذكائنا وقدرتنا على تحليل الأمور، ولأننا نحب أن نظن أن مكاننا الطبيعي يقع خلف المدفع لا أمامه، وأننا سنظل "نحن" للأبد ولن نتحول إلى "هم" أبدًا، "هم" الذين يأتون من مكان خفي لا يعلمه أحد؛ ليسحرهم الإعلام ثم يرحلون دون أن نلاحظهم.
ولكن مهما كانت درجة استمتاعك بالمسابقة الإنجليزية الأشهر، فلا بد وأنك شعرت بدرجة ما من الريبة وأنت تطالع الدعاية الأسطورية للموسم الحالي الذي سيجمع أفضل مدربي العالم ولاعبيه، إذ شهد صيف انتقالاته كسر الأندية الإنجليزية لحاجز المليار باوند لأول مرة في تاريخ كرة القدم، وهو ما سيجعل تلك النسخة الأقوى على الإطلاق في تاريخ بطولات النوادي عمومًا؛ لسبب وجيه هو أن نفس الصحف والشبكات التلفزيونية كانت تتحدث منذ شهور قليلة عن "أرض الأحلام" التي لا تعني فيها الأموال أي شيء، حيث يمكن لفريق متواضع صاعد من الدرجة الثانية مثل "ليستر سيتي" الوصول لمنصات التتويج فقط إذا تحلى بالروح اللازمة وبذل الجهد الكافي.
شيء ما لم يبدُ صحيحًا في كل تلك النوبات المتتالية من الهيستيريا؛ إذ كيف يكون البريميرليغ هو الأفضل للسبب ونقيضه في الوقت نفسه؟
تحول التسويق لعملية نصب متكاملة الأركان؛ البريميرليغ سيظل الأقوى لأن صوته الأعلى ببساطة، سواءً حضرت التنافسية أو لم تحضر |
في بداية الموسم الحالي حظي كل من إشبيلية وإيفرتون بتجربة مثيرة للغاية، فحتى الجولة السادسة كان كل منهما يحتل المركز الثاني في جدول الدوري بإحدى عشرة نقطة و ثلاث عشرة نقطة على الترتيب، قبل أن يتلقيا هزيمتهما الأولى أمام بلباو وبورنماوث؛ لينطلق "توفيز" في سلسلة من النتائج السلبية التي شهدت أربعة انتصارات فقط في أربع عشرة مباراة؛ ليحتل المركز السابع في جدول المسابقة، بينما حقق أشبيلية ثمانية انتصارات في إحدى عشرة مباراة تالية؛ ليتقدم على برشلونة في جدول الترتيب بنقطة واحدة.
بالطبع احتفت الصحف البريطانية والعالمية بإنجاز إيفرتون المبكر مع كومان، ولا شك أنه احتفاء مستحق؛ لأن الـ"توفيز" لا يمتلكونشعبية كبار البريميرليغ ولا ربع مواردهم، بالإضافة إلى أنهم يمرون بظرف طارئ شهد إقالة مدربهم روبرتو مارتينيز وبيع أبرز مدافعي الفريق جون ستونز للسيتي، ولكن لسبب غامض لم يحظ إشبيلية حتى اللحظة بنسبة بسيطة من الأضواء الإعلامية نفسها رغم مروره بظروف أصعب في الصيف، من رحيل مدربه الأبرز أوناي إيمري إلى باريس مصطحبًا كريخوفياك أفضل لاعبي وسطه، إلى فقدانه كل نجومه تقريبًا بداية بإيفر بانيجا ومرورًا بجاميرو وكوكي، ورغم كل ذلك نجح في ترميم صفوفه وإبرام عدة تعاقدات مهمة وإنهاء موسم انتقالاته بصافي ربح بلغ 24 مليون يورو، وتكرر الأمر نفسه مع انتفاضات متعددة في بقاع مختلفة من القارة، حملت نيس لمقدمة جدول فرنسا والمثل للايبزيج حتى وقت قريب.
ولكن سيعد من السذاجة الظن بأن الأمر بدأ مع الموسم الحالي فقط، في الواقع فإن شعار البريميرليغ الأبرز منذ إنشائه بنسخته الجديدة في 1992، والذي يتحدث عن تنافسية لا تُضاهى ونسبة أعلى من المفاجآت والإثارة مقارنة بباقي بطولات أوروبا، في الأصل شعار دعائي أكثر منه واقعي؛ لسبب بسيط جدًا هو أن النسخة القديمة حملت أضعاف النسبة من الإثارة والتنافسية ولم تحظ بأي تقدير إعلامي أو فني من أي نوع سواءً كان من الإنجليز أو غيرهم.
فقبل عام 1992 كان ليفربول ملك إنجلترا المتوج قد خسر اللقب في 87 موسما من أصل 105، بينما خسر مانشستر يونايتد بطل ما بعد عام 1992 اللقب في عشر مناسبات فقط من أصل ثلاث وعشرين لخمسة فرق مختلفة، ولو كانت التنافسية وحدها تكفي لصارت البطولة الإنجليزية هي الأفضل بمجرد إنشائها، ولكنه السبب نفسه حرم إشبيلية ونيس ولايبزيج من اهتمام إعلامي مستحق، والسبب نفسه غالبًا ما يمنعنا كبرياؤنا من الاعتراف به، إنه قوة التسويق الإعلامي.
بالطبع لا يُلام الإنجليز بأي حال من الأحوال، بل إن تفوقهم الكاسح في هذا المجال مثير للاعجاب في الواقع؛ لأنه في الفترة التي أعقبت 1992 خسر بايرن ميونيخ لقب البوندزليغا بنفس معدل شياطين إنجلترا بالضبط؛ عشرة مواسم من ثلاثة وعشرين لصالح خمسة فرق مختلفة، ورغم ذلك جرت العادة على اعتبار ألمانيا بلد البطل الأوحد. وفي إيطاليا خسر اليوفي ثلاث عشرة نسخة لأربع فرق، بينما انقلب الوضع التقليدي في إسبانيا وتصدر برشلونة القائمة بأحد عشر لقبا مقابل اثني عشر خسرها لأربعة أندية مختلفة كذلك، بل إن القاعدة التاريخية تقول: إن العلاقة بين قيمة التنافسية والأضواء الإعلامية كانت عكسية في تلك الفترة؛ لأن الـ"ليغ 1″ الفرنسي، أقل السابقين صيتًا وشهرة، حظي بأحد عشر بطلا مختلفا، منهم سبعة على التوالي من موسم 1994 وحتى 2000 فاز كل منهم بنسخة وحيدة، ولو امتلكت فرنسا آنذاك نصف الآلة الإعلامية الإنجليزية لأصبح الدوري الخاص بها هو الأفضل في التاريخ بلا منازع.

لكن المعلومات السابقة قد تبدو مُضللة نوعًا ما؛ لأننا لا نشاهد كرة القدم في الربع الأخير من القرن الماضي، نحن نشاهدها الآن، والآن يقول: إن هوليود كرة القدم في أوروبا شهدت أربعة أبطال مختلفين في النسخ الأربع الأخيرة، أما ما يقع خارج حدود إنجلترا فلا يختلف حاله عن الصورة النمطية لما يقع خارج حدود هوليود، صحراء جرداء لا منافسة فيها ولا أداء، وبدو يذهبون للتدريبات ممتطين الجمال ليلعبوا مبارياتهم بين أروقة الأسواق الشعبية، في مسابقات لا يعلم أحد سبب إنشائها من الأصل، ففي أسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا سيطرت فرق بعينها على البطولة المحلية واكتسحتها طولًا وعرضًا بلا عناء، لدرجة بائسة وصلت للفوز بخمس نسخ أو ست من آخر (8. 5 و6 من 8)، ألا يبدو ذلك مألوفًا؟
في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تقدم بطلًا جديدًا كل موسم تقريبًا، عرفت إنجلترا بطلا وحيدا للتسعينيات هو مانشستر يونايتد، الذي لم يخسر إلا ثلاث نسخ في أحد عشر عاما منذ 1992 وحتى استفاقة أرسنال المؤقتة في مطلع الألفية، تلك الاستفاقة التي عقبها استفاقة أخرى مشابهة لتشيلسي مدعومة بأموال أبراموفيتش قبل أن يعود الشياطين؛ ليسيطروا على البطولة المحلية مرة أخرى في الفترة ما بين 2006 وحتى اعتزال سير أليكس في 2013.
سبع بطولات خسر منها الشياطين اثنتين فقط، لكن الإعلام الانجليزي لم ييأس، وانتقل عمله من التركيز على التنافسية المأسوف عليها للاحتفاء بتواجد الإنجليز في الأدوار النهائية لدوري الأبطال بشكل مستمر، واعتباره دليلًا على قوة المسابقة وتفردها عن أقرانها، مدعومًا بقصص نجاح ليفربول في 2005 وآرسنال في 2006 ومانشستر يونايتد في 2008 و2009 و2011 وأخيرًا تشيلسي في 2012.
هنا تحول التسويق لعملية نصب متكاملة الأركان؛ البريمييرليغ سيظل الأقوى؛ لأن صوته الأعلى ببساطة، سواءً حضرت التنافسية أو لم تحضر، تُوجت فرقه أوروبيًا أو اكتفت بعروض خجولة متواضعة، إذا كانت فرقه تتصارع في قاع القارة بمستويات متقاربة في التنافسية، أما إذا احتكر أحدهم اللقب المحلي فالحضور الأوروبي هو المقياس الوحيد، وهكذا تستمر اللعبة للأبد، حيث تتغير الاحتمالات والأوضاع والظروف، وتظل النتيجة على حالها؛ البريمييرليغ هو الأقوى، وحتى في أسوأ حالاته سيكون أفضل من الصحراء القاحلة خارجه؛ حيث يمكن لعامل غرف الملابس الفوز باللقب.

البريميرليغ هو الأكثر ضغطًا وازدحامًا بالمباريات، حتى لو كان يلعب في المدة الأطول على الإطلاق، وفرقه في معاناة مستمرة بسبب المشاركة في كأسين بدلًا من واحدة |
المهم أن تستمر الهيستيريا؛ لأنها ستخرس أصواتًا كثيرة تسأل أسئلة لها وجاهتها عن قوة البطولة الفعلية وما إذا كان تميزها يقع داخل الملعب أم خارجه، مثل السبب في نجاح مدرب كأنشيلوتي في الحصول عليها في موسمه الأول بسهولة نسبية، وهو الذي لا يمتلك إلا ثلاثة ألقاب دوري في جعبته، من ربع قرن تدريب شهد خسارة الـ"ليغ1″ مع باريس لصالح جيرو ورفاقه، وإذا أمكن تبرير ذلك بالصدفة فكيف يمكن تبريره لمدرب كمانشيني لم يُعرف عنه العبقرية سابقًا؟ وكيف يفشل فريق تُوج بالبريمييرليغ بلا هزيمة في الحصول على أي لقب قاري؟ وكيف كاد مورينيو أن يكرر الإنجاز نفسه في موسمه الأول؟
ولماذا عاد الحديث ليتركز على التنافسية فقط دونًا عن غيرها بعد 2013 مع تواضع العروض الأوروبية للإنجليز؟ ولماذا ظلت الليغا دوري الفريقين حتى في ظل توهج ريال مدريد وبرشلونة والأتليتي وإشبيلية أوروبيًا؟ يمكننا تسويد مجلد كامل من الأسئلة المشابهة.
بالطبع لا تعني كل تلك الأسئلة أن عليك البحث أو التفكير؛ لأن صحف إنجلترا تمتلك كل الأجوبة التي تحتاجها؛ فالبريمييرليغ هو الأكثر ضغطًا وازدحامًا بالمباريات، حتى لو كان يُلعب في المدة الأطول على الإطلاق، وفرقه في معاناة مستمرة بسبب المشاركة في كأسين بدلًا من واحدة، حتى لو كانت المرة الأخيرة التي جمع فيها أحدهم بين اللقبين منذ عشرة أعوام، وحتى لو كانت أدوارها تلعب من مباراة واحدة بدلًا من مباراتي ذهاب وإياب مثل باقي كؤوس القارة، وحتى لو كانت البطولة الإضافية تستخدم كفرصة لتجريب الشباب والبدلاء ونادرًا ما تشهد مشاركات جادة، وحتى لو كان مجموع المباريات التي لعبها أكثر الفرق استمرارًا في البطولتين مجتمعتين الموسم الماضي مثل مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد هو تسع مباريات، وهو العدد نفسه الذي اجتازه برشلونة للفوز بكأس إسبانيا.
كل هذا ولم نصل بعد للأسطورة الأكثر شيوعًا؛ إنجلترا هي البلد الأقوى بين كل هؤلاء، وصاحبة الموارد الأوفر والبيئة الأنسب للاستثمار، وهو ما يدفع مليارات الخليج وروسيا للتدفق عبر حساباتها؛ سعيًا خلف قطعة من الكعكة، وما يستحيل حدوثه في أي بلد أوروبي آخر في الوقت نفسه، وهي نظرية نصف صحيحة في أفضل تقدير؛ لأن المواطن الإنجليزي يتمتع بمعدل دخل عال فعلًا، لدرجة أنه يستطيع شراء تذكرة يُفترض أن تكون بنصف ثمنها على الأقل وفقًا لحسابات التضخم، كما أوضحت دراسة منشورة في النيو يورك تايمز.
ولكن هذا لا علاقة له بقدرة الأجانب على الاستثمار؛ لأن تكاليف كرة القدم في إنجلترا هي الأعلى في العالم؛ ما بين رواتب عبثية وأسعار جنونية للأراضي والعقارات، وحتى مع أموال البث فلا مجال للربح بأي شكل، إلا لو اعتبرت دين تشيلسي لأبراموفيتش الذي سيتخطى 1.5 مليار باوند بإنشاء الملعب الجديد استثمارًا، أو حقيقة أكبر عقود رعاية السيتي تأتي من شركات يمتلكها صاحبه أصلًا؛ أي أن الرجل يُقرض نفسه حرفيًا لتسوية سجلاته أمام قانون اللعب النظيف، والسبب خلف كل تلك المعاناة هو نفس السبب المتكرر في كل مرة؛ ليس أكثر من الرغبة في الشهرة والأضواء، والكعكة الحقيقية هنا هي كعكة الدعاية الإعلامية، وليس هناك أفضل من تعبير أبراموفيتش العبقري لتلخيص القصة برمتها، إذ يقول: "الأمر ليس متعلقًا بالاستثمار، بل بالمجد والمرح".

حتى إنجاز ليستر الملحمي لم ينجُ من ألاعيب الإنجليز الإعلامية، فأبُوا إلا أن يشاركوه إياه وينسبوا فضله كاملًا للبريمييرليغ باعتباره أحد خصوصيات المسابقة، وهو يميزها عن غيرها، مع أن الواقع والمنطق والبديهة يقولون: إن ما تمكن ليستر من فعله يُحسب على ضعف المسابقة أولًا ثم إصرار محرز ورفاقه ثانيًا، ولو تكرر في أي دوري آخر لعده المحللون فشلًا ذريعًا لكبار الفرق أكثر من كونه أي شيء آخر، خاصة أن رحلة ليستر لم تخضع لأي تخطيط أو مراحل بناء منطقية صبورة كالتي مر بها الأتليتي في إسبانيا أو لايبزيج في ألمانيا، ولكن الإنجليز اتبعوا منهج عرابهم ألفريد هارمزوورث الإعلامي؛ فالكلب الذي عض رجلًا لن يصنع الخبر، الخبر الحقيقي هو أن رجلًا قد عض كلبًا.
بالمثل تحول فشل الكبار المدوي إلى ميزة إضافية للبريمييرليغ تضيف لرصيده ولا تسحب منه؛ لأن قصة الفقراء الذين تغلبوا على أموال الكبار أكثر مبيعًا من قصة الأغنياء الذين ينفقون مالهم في هراء لا أول له ولا آخر، لأنها قصة معتادة تحدث كل يوم؛ لذا قرر المخرج حذف المشاهد التي لن تساعد على الترويج للفيلم؛ مثل مشهد تشيلسي وهو ينفق مرة ونصفا ما أنفقه ريال مدريد على الانتقالات في المواسم الخمس السابقة لتتويج ليستر، والمشهد الأهم على الإطلاق الذي ينفق فيه كل من مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد تقريبًا ما يعادل ما أنفقه ريال مدريد وبرشلونة في نفس الفترة مجتمعين، رغم كونها مشاهد تدل على خصوصية منقطعة النظير للبريمييرليغ كذلك بل ومن المستحيل مشاهدتها في أي دوري آخر، خاصة إذا أضفت لها خفة ظل فينجر وهو يصرح أنه لن يجد مهاجمًا أفضل من ولبيك في السوق، وهو الذي حظي بشرف العمل مع "إيان رايت" و"كانو" و"بيركامب" و"تييري هنري"، أو مزاح ليفربول الثقيل مع جماهيره وهو يحاول تعويض سواريز بصفقات من طراز بنتيكي وبالوتيللي؛ لأنه رغم كونها "لا تحدث إلا في إنجلترا فقط" كذلك، إلا أنها أكثر كوميدية من أن تصلح لفيلم ليستر البطولي الشرس.

يظل البريميرليغ بشكله الحالي وعقود بثه الخرافية هو أغنى مسابقة عرفتها اللعبة على الاطلاق والأكثر قابلية للتطور والوصول ليوتوبيا كرة القدم |
المصيبة أن ليستر لم يترك عذرًا لأحد؛ حيث تعثر أكثر من مرة في انتظار استفاقة لم تحدث لأي من الكبار التقليديين، لكنه نجح في الفوز باللقب بإحدى وثمانين نقطة في رصيده، وهو شيء آخر لا يحدث كل يوم؛ لأن برشلونة وبايرن ويوفنتوس، بكل ما يمتلكونه من نجوم وفوارق فنية مع منافسيهم، لم يجمعوا إلا 91 و88 و91 نقطة على الترتيب، ناهيك عن إنهاء الثعالب بفارق عشر نقاط كاملة عن الوصيف آرسنال، وهو بالصدفة ما تكرر في ألمانيا وإيطاليا بالضبط.

رغم ذلك كله، يظل البريميرليغ -بشكله الحالي وعقود بثه الخرافية- هو أغنى مسابقة عرفتها اللعبة على الإطلاق، والأكثر قابلية للتطور والوصول ليوتوبيا كرة القدم، وبالطبع الأكثر مشاهدة ومتابعة حول العالم، ولكن أضرها إعلام مراهق عاملها كما يعامل ناشئي بلده، إعلام تسرع في حكمه وادعى تفوقًا وتفردًا لم يكن واقعًا على الأقل في الماضي القريب.
حتى لو كان السبيل لذلك هو التقليل من كل ما عدا البريمييرليغ، بل واعتباره المقياس الوحيد لكفاءة أي لاعب أو مدرب أجنبي، رغم كونهم يشكلون القوام الأساسي من عناصر الجذب في الأساس ولولاهم لما حظي بمكانته الحالية من الأصل؛ مما اضطره للمبالغة في الكثير من الأحيان وابتكار الحيلة تلو الأخرى ليتشبث بمكان ربما لم يستحقه في كثير من الفترات، مقحمًا نفسه في مأزق تبرير ما يصعب تبريره، وواضعًا الكثيرين رغمًا عنهم في مكان "هم"؛ "هم" الواقفون أمام المدفع وهم يظنون أنفسهم خلفه.