أفول زمان كورونا.. لماذا سيصبح المتحور أوميكرون هو بداية نهاية الجائحة؟
مقدمة الترجمة:
رغم أن أوميكرون أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه المتحور الأكثر قدرة على الانتشار من بين كل متحورات كورونا التي شهدناها على مدار العامين الماضيين، فإن الكثيرين حول العالم يشعرون ببعض التفاؤل مصدره أن المتحور الجديد ربما يكون أقل فتكا من سابقيه. يجادل "ياشا ماونك"، الأستاذ المشارك بجامعة جون هوبكنز وزميل مجلس العلاقات الخارجية، أنه بصرف النظر عن هذه الفكرة المتفائلة، فإن أوميكرون يرسم بالفعل بدايات النهاية للجائحة، لأنه يُمثِّل اللحظة التي تواطأ فيها الجميع، حكومات وشعوبا، على اعتبار كورونا جزءا من حياتهم، وبدأوا في التكيف معه بدلا من الهرب منه.
نص الترجمة:
يبدو اليوم أن كُلَّ مَن أعرفهم تقريبا مُصابون بفيروس "كوفيد-19". في المراحل المُبكِّرة للجائحة، نجح معظم أصدقائي في تجنُّب التقاط الفيروس، ولعلَّهم كانوا أحرص كثيرا من اليوم أو محظوظين ليس إلا. على أي حال، يبدو أن حظهم السعيد قد نفد، إذ أبلغني سبعة أصدقاء مُقرَّبون مؤخرا بأن تحليلاتهم إيجابية، في حين يظُن عدد آخر بأنهم مُصابون بالفعل وإن لم يستطيعوا التحصُّل على تحليل. لحُسن الحظ، طالت جميعهم أعراض بسيطة تماما، ولا شكَّ أن السبب جزئيا هو حصولهم جميعا على اللقاح وأنهم ليسوا من الفئات المُعرَّضة للخطر.
يبدو نمط انتشار الفيروس بين أصدقائي مماثلا لما جرى في جنوب أفريقيا، حيث كُشِف لأول مرة عن "أوميكرون"، المتحوِّر الجديد لفيروس كورونا، فسرعان ما قفزت معدَّلات الإصابة في البلاد، لكن أعداد الوفيات زادت بوتيرة أبطأ كثيرا، ما يشي لنا بأن "أوميكرون" أشد تفشيًّا ولكنه أخف وطأة من سلالات كورونا السابقة. بيد أن بعض العلامات المبكِّرة في أماكن أخرى تبدو مُقلقة، حيث يظل بإمكان سلالة أقل ضراوة أن تترك وراءها ضحايا بالآلاف إن انتشرت سريعا جدا.
تكشف لنا البيانات الأوَّلية المُبهمة أننا لا نعلم على وجه اليقين حتى اللحظة مستقبل الوباء في القريب العاجل. فإما أننا مُقبِلون على عدة أشهر من المشقَّة الهيِّنة نسبيا قبل أن ينقشع أوميكرون وقد لاحظناه بالكاد، وإما أننا على وشك مجابهة ارتفاع متسارع في معدَّلات دخول المشافي والوفيات. ورغم ذلك، فإنني أراهن على أننا نقف على أعتاب نهاية الجائحة بوصفها ظاهرة اجتماعية، بغض النظر عن المسار الذي سيسلكه أوميكرون، أو أيُّ سلالات قادمة للمرض.
بداية النهاية
منذ الأيام الأولى للجائحة، اختلف الخبراء والعامة حيال مدى احتياجنا إلى التباعد الاجتماعي والإغلاقات الحكومية. ومع توالي فصول الجائحة يوما بعد يوم، أراد بعض الناس اتخاذ تدابير جذرية، في حين شعر آخرون بالقلق من كُلفة وآثار تدخُّلات من هذا النوع. ولا تزال تلك المُعضلة قائمة اليوم، غير أن السجالات المستمرة حول الكمامات وفَرض اللقاحات من عدمه قد خيَّمت على المشهد، فحجبت التحوُّل الكبير في طبيعة المعركة أثناء الأشهر الماضية.
رغم الارتفاع الفلكي في أعداد المُصابين، فإن قلة من الخبراء والسياسيِّين فقط هم الذين يقترحون اليوم اتخاذ تدابير قاسية لكبح انتشار الفيروس. لقد زالت ببساطة شهية تطبيق الإغلاقات وغيرها من التدخُّلات الاجتماعية الضخمة، وهو ما يعني أننا فعليا نُلقِي بمفاهيم مثل "كبح انتشار الفيروس" و"تسطيح منحنى الانتشار" وراء ظهورنا رويدا رويدا، وأننا نتَّجه بدرجة متزايدة، بالمقارنة مع موجات الوباء السابقة، نحو التسليم بوجود الفيروس بيننا.
وليس أدلّ على ذلك التحوُّل من سياسات إدارة بايدن الأخيرة في الولايات المتحدة، إذ تشمل خطط البيت الأبيض، طبقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، "إرسال القوات العسكرية لمساعدة المستشفيات في مواكبة القفزات في أعداد المصابين، وإرسال أجهزة التنفُّس الصناعي إلى أماكن الحاجة، واللجوء إلى قوانين أوقات الحرب لتسريع إنتاج تحليلات كورونا، وإرسال تحليلات مجانية إلى الناس الشهر القادم، وافتتاح المزيد من عيادات التطعيم". وهي كلها تدابير منطقية، غير أن جميعها تقريبا يندرج تحت باب التكيُّف؛ أي إن هدفها هو مساعدتنا على مواكبة الارتفاع في الحالات، لا الحيلولة دون وقوعها في المقام الأول.
قد تدعو الحاجة الواقعية في الأسابيع والأشهر المقبلة إلى إجراء بعض التعديلات في تلك الإستراتيجية. وإذا ما بدأ أوميكرون في إرسال أفواج من المرضى إلى المستشفيات وجعلها على حافة الانهيار، فإن السياسيِّين والمواطنين سيتجاوبون تباعا. ولكن في حين كان الهدف سابقا هو منع نشأة حالة الطوارئ من الأصل، فإن قيودا حاسمة مثل الإغلاق التام لم تعُد واردة اليوم إلا إذا وصلنا إلى حالة طوارئ واضحة بالفعل.
لدى العلماء طريقتهم الخاصة كي يُقرِّروا ما إن كانت جائحة قد انتهت، وأحد المؤشرات المهمة هو مؤشر "اجتماعي-علمي" يتلخَّص في اعتياد الناس على العيش جنبا إلى جنب مع مُسبِّب مرض ما. ووفقا لهذا التعريف، فإن الانتشار السريع في إصابات أوميكرون، الذي شقَّ طريقه عبر العشرات من البلدان المتقدِّمة ولم يُحفِّز إلا تجاوبا هزيلا، إشارة على نهاية الجائحة.
هل يعني هذا الوضع الطبيعي الجديد أن المرض بات أقل خطرا؟ أم أن الناس سيتجاهلون كوفيد حتى وهو يُواصل قتل مئات الآلاف من البشر سنويا؟
الوضع الطبيعي الجديد
هنالك سبب وجيه كي نستشرف وقوع السيناريو الأول الأكثر تفاؤلا. تصبح الفيروسات أخطر ما يكون حين تظهر في مجتمع لم تظهر فيه قط، وكلَّما كان جمعٌ ما من البشر "غِرًّا مناعيًّا" (والغِرُّ من الناس هو غيرُ المُجرِّب)*، زادت احتمالات معاناته من مغبَّة الوباء. ويشي لنا ذلك بأن الأشهر القليلة القادمة ستمنحنا حماية ملحوظة في مواجهة سلالات الفيروس القادمة مستقبلا؛ فحالما يتعرَّض قطاع عريض من مجتمعاتنا إلى أوميكرون، فإن البشر سيصبحون أقل "غَرارة مناعيًّا"، وسيُساعدنا ذلك على التعامل مع سلالات كورونا المُقبِلة بشكل أفضل دون زيادة ملحوظة في الوفيات.
بيد أن تلك ليست نتيجة مؤكَّدة، فلربما يخلق أوميكرون مناعة ضعيفة جدا أو وجيزة جدا ضد السلالات الأخرى بين صفوف مَن أصابهم، وقد يسوء حظُّنا فتظهر مستقبلا سلالة شديدة التفشي مثل أوميكرون ومُميتة مثل دِلتا في الوقت نفسه.
تطرح شدة السلالات القادمة مستقبلا أسئلة أخلاقية جسيمة، وسيعتمد (جزئيا) ما ينبغي لنا فعله تجاوبا مع موجات الفيروس المُقبِلة على طبيعة الخطر الذي سنواجهه حينئذ. وسيضع التجاوب النموذجي في الاعتبار الآثار التالية على الإصابة بكوفيد، التي تستمر لوقت طويل عند مصابين كُثُر، بما في ذلك ذوو الأعراض الخفيفة. غير أن توقّعاتي في هذا الصدد لم تعد تستند إلى أيٍّ من هذه الأشياء، إذ تبدو الولايات المتحدة الآن وقد أخذت تتأهَّب لمواجهة موجات كورونا المُقبِلة بمزيج من اللا مبالاة مع تنهيدة جماعية.
حين نشأتُ في ألمانيا، أذهلتني التقارير الإخبارية التي نقلت لنا الحياة في الأماكن الخطرة. فقد بدا لي أن سُكَّان مدينة مثل بغداد على استعداد لمواجهة الخطر فقط كي يشتروا بعض المستلزمات أو يحتسوا القهوة مع أصدقائهم، وقد تساءلْتُ حينها بمزيج من الإعجاب والفزع، كيف أمكن لأي شخص أن يَقبل على نفسه مخاطرة وجودية من أجل متعة بسيطة من مُتَع الحياة؟
بيد أن الحقيقة هي أن البشر كافة تقريبا، وعلى مدار تاريخهم المدوَّن كله، واجهوا خطر المرض أو القتل يوميا، وبدرجة تفوق بمراحل تلك التي يعايشها الآن قاطنو الدول المتقدِّمة. وتظل تلك حقيقة قائمة رغم الرعب الحقيقي الذي لمسناه على مدار العامين الماضيين. هل دوافعنا لنعيش حياتنا ونتفاعل اجتماعيا رغما عن تلك المخاطر ضربٌ من ضروب السذاجة؟ أم أنه أمرٌ مُلهِم؟ لا أعلم، لكنها سُنَّة لن تتبدَّل، بغض النظر عمَّا إن كانت أمرا جيدا أم سيئا، فالإصرار على مواصلة حياتنا ضارب بجذوره في طبيعتنا البشرية ولن يتزحزح على الأرجح.
من هُنا، فإن ربيع العام 2020 سيُخلَّد في الذاكرة بوصفه صفحة من الصفحات الاستثنائية في تاريخنا؛ فهي لحظة اخترنا فيها العزوف عن الحياة الاجتماعية لكبح انتشار أحد مُسبِّبات الأمراض الخطيرة. غير أن ما أمكن فعله لبضعة أشهر، أثبت أنه لا يُطاق إن استمر لسنوات، ناهيك بأن يستمر لعقود. أيًّا ما كان الضرر الذي سيُلحِقه بنا أوميكرون في المستقبل القريب، فالراجح هو أننا سنعيش قريبا حياة أشبه كثيرا بحياتنا في ربيع 2019 منها لحياتنا في ربيع 2020.
————————————————————
هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: نور خيري.