عشر محاضرات ستغير فكرتك عن علم النفس تماما

من المعتاد أن يُنظر إلى علم النفس على أنه فرصة مهمة جدا للتعرف إلى ذواتنا، لكن إلى جانب ذلك يظن الكثيرون أنك لكي تصل إلى تلك النقطة فستحتاج إلى الخوض في مجموعة من المواد العلمية الباردة والمملة والتي تتطلب الكثير من الحفظ وتكديس المعارف في دماغك، المعارف التي عادة ما تكون نظرية ومجردة.
إلا أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، بالطبع هناك هذا الجانب البارد الممل في تعلّم كل العلوم والفلسفات، لكن في هذا التقرير أردنا أن نُغيِّر تلك الفكرة عن علم النفس إن أمكن، حيث سيقوم الكاتب بترشيح مجموعة من المحاضرات الممتعة المتعلقة بعلم النفس، ولأن هذا العلم واسع النطاقات فإننا بالطبع لن نتمكّن من تغطية كل جوانبه، وليس ذلك هدفنا في الحقيقة، بل سنحاول فقط استخدام علم النفس لإطلاعك على جوانب غريبة حقا من ذاتك، الأمر الذي يمكن أن يُوسِّع أفقك كثيرا.
ما الذي يتحكم بك؟
دعنا مثلا نبدأ من دانيال كانيمان، متخصص علم النفس الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2002، في هذه المحاضرة الرائعة التي ألقاها عام 2008 بجامعة كاليفورنيا يتحدث عن مفهوم قلّما اهتممنا به، إنه "البديهة". هل انتبهت من قبل إلى الطريقة التي تتعامل بها تلقائيا مع العالم من حولك بداية من لقاء صديق وصولا إلى كيفية قيادة السيارة من المنزل للعمل؟ هل تعرف أن أدمغتنا عادة ما تميل إلى تسطيح الأمور لو كانت قابلة لذلك؟ حسنا، استعد لصدمة معرفية ممتعة هنا.
في النطاق نفسه تقريبا يعمل دان آريلي، متخصص علم النفس والاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك، حيث يهتم بشكل رئيسي بالكيفية التي نتصرف بها في قراراتنا المالية، على سبيل المثال: لِمَ نهتم إلى هذا الحد بهذا القميص إذا كان عرض "اثنين مع واحد مجانا" رغم أننا لا نحتاج إليه أصلا؟ لِمَ تختل قراراتنا المالية إذا قالت الشركة إن "الشحن مجانا" رغم أن فارق الشحن ليس كبيرا أصلا؟ في هذه المحاضرة يُعلِّمنا آريلي أننا كائنات تمتلك درجة من اللا عقلانية في قراراتها، لكن الأسوأ من ذلك أن تلك الحالة من اللا عقلانية يمكن توقُّعها، وتستخدمها الشركات بالفعل لجذبك إلى منتجات ربما لا تحتاج إليها أصلا.
أما مارك لويس، أستاذ علم نفس النمو من جامعة تورنتو، فهو حالة غريبة حقا، لأنه يدرس الإدمان، وهو نفسه كان مدمنا سابقا، دفعه ذلك لوجهة نظر مختلفة تماما تقول إن الإدمان ليس -بالمعنى المفهوم- مرضا، بل يُضيف أن الكثيرين ربما لا يعلمون أن معظم المدمنين يتركون الإدمان في مرحلة ما، يُفسِّر لويس ذلك بأن الإدمان أشبه بمهارة نتعلّمها، يحتاج الأمر بالطبع إلى الكثير من الوقت كي نفقد ما تعلمناه، لكنه يحدث في النهاية، ذلك لأن أدمغتنا بالأساس ذات طبيعة مرنة، يمكن أن تترك عادة كما تمكّنت من اكتسابها. إنها محاضرة عن الإدمان وتبدو مملة للوهلة الأولى، لكنها ستُعطيك فكرة مختلفة تماما عن دماغك وكيف يمكن أن تتعامل معه.
أما سونيا ليبورميرسكي من جامعة ميزوري فتضع تركيزها على نقطة عادة ما يهملها البعض وهي: هل يمكن لنا أن نشتري السعادة؟ ولِمَ -من الأساس- تنخفض سعادتنا بسرعة بعد شرائنا سيارة أو هاتفا ذكيا جديدا مثلا؟ لا تُقدِّم ليبورميرسكي الإجابة عن هذه الأسئلة فقط، بل تقترح أيضا أن أفضل حل لتجاوز تلك المشكلة هي أن نتعلّم الالتفات لما لدينا ونُقدِّره، بعد أشهر قليلة من حصولك على سيارة جديدة ستبدأ في اعتيادها، لكن التمرن على تذكير نفسك من حين لآخر بمزاياها وبأحوالك قبلها وما قدّمته لك من فوائد يُعيد شعورك بالسعادة إلى مستوى أعلى، وفي التجارب الخاصة بها كان هؤلاء الذين ذُكِّروا -من حين لآخر- بما حصلوا عليه أكثر سعادة، إنه -ببساطة- مفهوم جميل نعرفه جميعا باسم "الرضا"، تحدّثت فيه كل الديانات والفلسفات تقريبا، لكننا هنا نتحدّث عنه من جهة علم النفس.
هل حضرت جلسة أرواح من قبل؟
حسنا، لنوقف قليلا حديثنا عن الحياة، سواء كانت حلوة أو مُرّة، ونتحدث عن الموت، كيف نراه؟ وهل له دور في حياتنا؟ يقترح شيلدون سولومان، أستاذ علم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا الأميركي، أن الإنسان كائن محظوظ، أو ذكي، لأنه تمكّن من الوعي بذاته، يتسبّب ذلك في تطوير شعورين متضادين، الأول هو شعور بعظمة هذه التجربة وتفرُّدها، خاصة أننا كائنات تطوّرت لتحب الحياة، والثاني هو شعور غاية في القسوة بأننا كائنات فانية، والأسوأ من ذلك هو أننا نعرف أننا قد نموت في أية لحظة. من تلك الوجهة، فإن ثقافتنا الخاصة، بكل ما تحمل من موضوعات ورموز وطقوس ومعنى وقيمة وقناعات شخصية، وكل ما أنتجته الثقافة في العموم من فن وعلم وأدب، هي حل -أو قل رد فعل- نود من خلاله أن نُخفِّف من هذا القلق تجاه الموت.
الآن دعنا نَخُض في نطاق قلّما تسمع عنه، في هذه المحاضرة الممتعة حقا التي نعرض لها يحاول كريس فرينش، أستاذ علم النفس بجامعة لندن، أن يشرح السبب في ظن الناس الخاطئ حول ما يُسمى بـ "علم نفس الظواهر الخارقة"، فما قد تظن أنه اختيار حر منك أدّى إلى حالة من التخاطر على سبيل المثال ربما ليس كذلك، بل هو متأثر بالسياق الخاص بالحادثة. عبر الكثير من التجارب الممتعة يُعلِّمنا فرينش أُسس ما يمكن أن نسميه "التشكك المبني على المنهجية العلمية"، وكم نحتاج إلى هذا في ظروف كتلك التي نمر بها!
وفي نطاق آخر مختلف تماما يمكن لبول بلوم، أستاذ علم نفس النمو بجامعة ييل وأحد أشهر شارحي علم النفس، أن يثير انتباهك حينما يسأل: مَن نحن، أشرار أم أخيار؟ للإجابة عن هذا السؤال يذهب بلوم لعالم الأطفال في سن صغيرة جدا، قبل عام من العمر، في هذا العمر يمكن أن نستكشف علاقتنا الجوهرية بالفعل الأخلاقي، كيف يمكن أن يتصرف الأطفال إذا حكمت الظروف بوجود كيان طيّب وكيان شرير في الحكاية نفسها؟ وهل يمكن للعنصرية أن تمتلك جذورا في طفولتنا البعيدة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الحل؟
وربما يجدر بنا، في هذا السياق، أن نُشير إلى محاضرة أخرى مهمة لبول بلوم يُقدِّمها كمدخل بشكل عام إلى علم النفس في ساعة واحدة، لكنه لا يقصد تحديدا أن يُقدِّم لعلم النفس بقدر ما يقصد أن يُثير انتباهك إلى أن هذا العلم -كما نحاول أن نفعل في هذا التقرير- ليس فقط عن الأمراض النفسية أو التشخيصات العلاجية، بل هو واحد من أعقد وأمتع العلوم، المحاضرة قُدِّمت مترجمة للعربية عبر قناة "مهجة" على يوتيوب، لكن للأسف مع بعض الأخطاء في الترجمة.
من أنت حقا؟
حسنا، هل تعلم أنه في إحدى التجارب الشهيرة التي أجراها براين وانزينك من جامعة كورنيل، استهلك الخاضعون من الحساء ما قيمته 73% إضافية، فقط لأن طبق الحساء كان أكبر في الحجم؟ في إحدى التجارب الأخرى حصل الحاضرون إلى السينما على علب بها فشار أُنتج قبل خمسة أيام كاملة، كان باردا وجامدا وذا طعم مختلف وغير سهل للأكل، رغم ذلك -وحتّى مع التأفف الأوّلي من طعمه- أكل 60% من هؤلاء الخاضعين للتجربة من الفشار ما هو أكثر من الكمية الطبيعية وأنهوا العلبة في كل مرة، يرى براين وازنيك أننا نفهم الجوع بشكل خاطئ، فهو ليس فقط "الحاجة إلى الأكل"، وإنما أيضا هو السياق المرتبط بهذا الأمر، هذه المحاضرة ستُغيّر فكرتك عن ذاتك لا شك، لأنها ببساطة تربطك بأكثر جوانبك غموضا.
أما روبرت سابولسكي، أستاذ البيولوجيا وعلم الأعصاب من جامعة ستانفورد، فيحاول أن يُقدِّم لنا إجابة معقدة عن سؤال آخر مهم يقول: ما الذي يجعلنا بشرا؟ ما الأشياء التي نختلف فيها عن أقرب أقربائنا من عالم الحيوان؟ في عالم الحيوان على سبيل المثال يمكن أن تجد سلوكيات مثل العنصرية، التعاطف، الإيثار، يمكن أن تجد أشكالا من الحروب وأشكالا من اللغة، وتفاهما يشبه إلى حدٍّ كبير ما نعيش فيه، في هذه المحاضرة يجمع سابولسكي دلائل من علم النفس والأعصاب والبيولوجيا ودراسة الرئيسيات ليصل بنا إلى فكرة مثيرة جدا للاهتمام عن طبيعتنا البشرية.
هناك الكثير من المحاضرات الممتعة في الحقيقة والتي يمكن أن نضعها في تقرير كهذا، لم نتطرق إلى الكثير من الجوانب المثيرة لهذا العلم، وما قمنا بترشيحه هنا ليس أكثر من محاولة لإمتاعك بهذا العالم البديع، قد تكون بعض الأفكار المعروضة في هذه المحاضرات محل نقاش أو جدل بحثي، لكن الفكرة أن تتعلّم عما يحاول العلماء في هذا النطاق فعله.
هذه الترشيحات مُقدِّمة أو مادة مُكمِّلة لتقريرنا السابق الذي يُقدِّم لعلم النفس، إذا أردت أن تدخل بعمق أكبر إلى هذا النطاق، والذي يستحق بالفعل أن تُجرِّب الخوض فيه، ولو حتى لمستوى السنة الأولى الجامعية، بالطبع ستلاحظ أن كل الإنتاج الجيد في هذا النطاق تقريبا باللغة الإنجليزية (كانت ترشيحاتنا هنا أو في التقرير السابق أو عبر الإنترنت في العموم)، لذلك عليك أن تُتقنها قدر إمكانك لكي تتمكّن من الولوج إلى هذا العالم الواسع. التقرير السابق من هنا.