شعار قسم ميدان

توسع أفقك وتكشف لك زوايا خفية.. كتب ومساقات تشرح لك تاريخ العلم

إذا قُدِّم العلم بطريقة جيدة، فإنه عادة ما يكون ممتعا للجمهور، لكن لو تأملت قليلا في أعمال أشهر كُتِّاب العلوم، مثل براين جرين أو نيل ديجراس تايسون أو جون جريبين أو بول ديفيس، لوجدت أن جزءا كبيرا من المتعة يأتي في سياق حكاياتهم عن تاريخ نظرية أو حقيقة علمية ما، في الواقع فإن كل كاتب محترف يعرف جيدا أن دفع القرّاء إلى السفر في الزمن وصولا إلى جذور اكتشاف ما له تأثير مهم على قدر اهتمامهم.

أما القراءة في تاريخ العلم نفسه فإنها -بجانب قدر المتعة الذي تُقدِّمه- ملهمة، تُوسِّع كثيرا من أُفقك وتعطيك وجهة نظر عن المكتشفات العلمية من زاوية مختلفة تماما، إذ يمكن أن تلاحظ كيف بُنيت الأفكار التي وصلنا إليها اليوم عبر التاريخ، أما لو كنت مهتما بفلسفة العلم فإن القراءة عن تاريخه لا شك ضرورية للغاية، وهي ما يستند إليه الفلاسفة لتفسير تطور المعرفة العلمية وآلية الحصول عليها. (يُكمل هذا التقرير آخر نُشِر قبل فترة في "ميدان" وهو: "خمسة كتب تقدم لك فلسفة العلم").

ولأنه من النادر في المحتوى العربي أن تجد ترشيحات كتب في فلسفة العلم، ناهيك بأن تجد الكتب نفسها، قررنا في "ميدان" أن نُقدِّم تقريرا يضم مجموعة من الأعمال المهمة في تاريخ العلم، حرص الكاتب أن يكون معظمها مبسطا قدر الإمكان ويخدم قارئا مبتدئا يرغب فقط في الاستمتاع، كذلك يمكن لك أن تجد معظمها بسهولة عبر بحث قصير في الإنترنت.

قصة العلم

كتاب قصة العلم

دعنا نبدأ مع أصغر هذه الترشيحات وأحد أبسط الكتب عن تاريخ العلم، ويأتي فقط في نحو 300 صفحة، إنه كتاب "قصة العلم" من تأليف جايمس جيرالد كراوثر، وهو أحد أشهر الكُتّاب للجمهور في نطاق العلوم ومن مؤسّسي مهنة الصحافة العلمية، عاصَر الثورة العلمية خلال القرن العشرين كله وقدَّم هذا الكتاب في عام 1969، وفي هذا الكتاب يمكن أن تجد ملاحظتين أساسيتين؛ الأولى هي سلاسة الأسلوب الخاص بالكاتب، فهو يربط تاريخ العلم بسياقات واقعية من حياة الناس بأسلوب ممتع، والثانية هي جودة الترجمة.

أضف إلى ذلك أن الكتاب يأتي في 25 فصلا، يعني ذلك عددا قليلا من الصفحات لكل فصل، الأمر الذي يجعله أشبه ما يكون بتجميعة مقالات مبسطة، وهو ما يمكن أن يدفع الملل بقوة خلال سيرك في مادة الكتاب، والتي تبدأ في تسعة فصول مخصصة لنشأة العلم وتاريخه في العصور القديمة، بعد ذلك يخصص عشرة فصول للقفزة العلمية التي حدثت في عصرَيْ جاليليو ونيوتن، ثم في ستة فصول إضافية يتحدث عن العلم المعاصر، وهنا يمكن أن تلتقي بالنسبية والكوانتم وصعود البشر للفضاء.

مختصر تاريخ العلم

كتاب مختصر تاريخ العلم

بالطريقة نفسها يمكن أن تنظر إلى كتاب آخر صدرت ترجمته العربية حديثا، والكتاب نفسه من إصدار عام 2012، وهو "مختصر تاريخ العلم" من تأليف ويليام بينوم، مؤرخ شهير في نطاق العلوم الطبية عمل بكلية لندن الملكية، الكتاب أكبر من سابقه، ويأتي في نحو 400 صفحة، لكنه يشبه كتاب "قصة العلم" في آلية عرضه، فهو أولا يُقدِّم مادته في أربعين فصلا صغيرا، الأمر الذي سيُسهِّل عليك القراءة بصورة لا تتصورها، كما أنه مُقدَّم للعامة بأسلوب حكائي سلس ومبسط جدا، حتى إن المراهقين في سن صغيرة تصل إلى 15 عاما يمكن أن يبدؤوا بالخوض فيه. قرأ الكاتب في النسخة الإنجليزية، لذلك لا يمكنه إعطاء تعليق عن ترجمة أحمد الزبيدي للكتاب.

كذلك فإن إحدى مزايا الكتاب هي قدرته على التجوُّل في حقول العلم الرئيسية وكأنه يتجول بين بقاع الأرض في رحلة للكشافة، فيبدأ مع البابليين القدماء، ثم يسافر بك للهند والصين، ثم يرجع إلى مصر ويُحدِّثك عن الرياضيات والفلك، ثم إلى أبقراط والطب، بعد ذلك عن المنهجية العلمية في التفكير والتي أسس لها أرسطو، ثم ينتقل إلى حديث ثري عن منجزات الحضارة الإسلامية، ثم عبر قفزة سريعة تجد نفسك مع كيميائيي القرون الوسطى تحاول أن تحصل على ذهب من التراب، وهكذا يتطور تاريخ العلم في الكتاب في صورة قفزات ممتعة، وعناوين مبتكرة جدا، بين الفصول بين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، مع اهتمام خاص جدا -وممتع في الحقيقة- بالمنهجية العلمية ذاتها.

جون جريبين الرائع

كتاب تاريخ العلم

دعنا الآن ننطلق إلى نقطة أعمق قليلا، ليس على مستوى التعقيد ولكن على مستوى التوسع، فكتاب تاريخ العلم، لجون جريبين الحاصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية وأحد أشهر مبسطي العلوم في العالم، تأتي ترجمته العربية في جزأين في نحو 800 صفحة كاملة، يهدف الكاتب خلالها -بحد تعبيره- إلى تقديم إلمامة كاملة وسريعة عن العلم الذي انطلق بنا من فهم أن الأرض ليست مركز الكون، وأن البشر ليسوا استثناء داخل المملكة الحيوانية، ووصل بنا إلى نظرية الانفجار العظيم، ثم إلى خريطة كاملة للجينوم البشري، على مدى نحو 450 سنة فقط!

يبدأ الكتاب من نهاية عصور الظلام الأوروبي 1543، وصولا إلى عام 2001، وخلال تلك الفترة يشرح بدرجة من التفصيل، وبأسلوبه الروائي الشائق المعتاد لبدايات علم الفلك، في الفترة التي سبقت جاليليو، مرورا بالمنجزات الأولى لعلمَيْ الكيمياء والبيولوجيا في تلك الفترة، مع اهتمام خاص بالآباء المؤسسين للعلوم الحديثة مثل ديكارت وجاسندي وهوينجز وبويل، وغيرهم من الأسماء التي قلما تسمع أو تقرأ عنها لكن لها دور فاعل في تاريخ العلم، ثم ينتقل بعد ذلك إلى العلم الحديث. لو كنت تمتلك الصبر لتحمُّل طوله، فهذا هو أفضل الترشيحات بتقريرنا، خاصة أنه يأتي بترجمة احترافية حقا، ويمكن بسهولة أن تجد له صورة إلكترونية عبر الإنترنت.

كتاب

يصدر هذا الكتاب ضمن واحدة من أفضل سلاسل الكتب في العالم العربي، وهي عالم المعرفة، جدير بالذكر أنها كذلك أصدرت كتابا آخر في تاريخ العلوم الإسلامية بشكل خاص وهو "العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية" من تأليف دونالد هيل، وهو كتاب يقف على الحافة بين التبسيط والتعقيد بحيث يسمح لشخص لا يعرف الكثير عن العلوم بأن يفهم ما وصل إليه المسلمون في أوج حضارتهم، وكيف ساهموا في خدمة تاريخ العلم ودفعه للأمام.

كتاب

ولمن أراد التبحر بشكل أكبر في تاريخ العلوم العربية يمكن له الاطلاع على "موسوعة تاريخ العلوم العربية" الضخمة من إعداد رشدي راشد وآخرين، وهي بالطبع متقدمة على قارئ مبتدئ، لكن النهم لتاريخ العلم في منطقتنا العربية لا بد أنه سيجد بها مراده، تأتي الموسوعة في ثلاثة أجزاء، الأول يهتم بعلم الفلك النظري والتطبيقي، والثاني يهتم بالرياضيات والعلوم الفيزيائية، والثالث يهتم بالتكنولوجيا والكيمياء والبيولوجيا.

العلم وأزمنته

دعنا الآن ننتقل إلى مستوى آخر في تاريخ العلم، فكتاب "العلم وأزمنته" هو مرجع مهيب مكوّن من 7 مجلدات ضخمة تشرح تاريخ العلم بداية من سنة 2000 قبل الميلاد حتّى الآن، لكن الكتاب يهتم بشرح تاريخ العلم في سياق الدلالات الاجتماعية للكشوف العلمية، وهو توجُّه ظهر في السنوات الثلاثين السابقة يحاول أن يتحدث عن العلم، ليس ككيان منفصل عن المجتمع وعن مخترعيه، بل كنتيجة لكل الظروف المحيطة بنشأته، ومؤثرا في تطورها، بغض النظر عن عقلانية العملية العلمية من عدمها.

بالتالي فإن الكتاب يُركِّز بشكل واسع، بجانب تحدُّثه عن الكشوف والنظريات العلمية، على الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرافقة لها، أو التي تأثرت بوجودها، لذلك فهو يبدأ كل فصل وكل موضوع داخله بنظرة شاملة تختص بشرح وضع المجتمع وقت الاكتشاف العلمي، ثم ينتقل إلى خلفية هذا الاكتشاف، ثم بعد ذلك يتحدث عن تأثُّره في تطور المجتمع بعد خروجه للنور، وهو بذلك يضع أمامك صورة كاملة غاية في الوضوح والبساطة.

لغة الكتاب سهلة وممكنة لمبتدئ يتخبط بين موضوعات الفلسفة والعلم المشتركة، وترجمته كذلك، وإحدى أهم مزاياه هي أنه في نهاية كل مقال يضع لك ترشيحات رصينة لقراءات مستفيضة، ويعيبه فقط حجمه الضخم، والذي لن تعتبره عيبا إن كنت مولعا بالتعرف إلى تاريخ العلم، ويعيبه كذلك أن الذي صدر مترجما من المجلدات السبعة هو الأول فقط إلى الآن، لكن ما زال بإمكانك الحصول على المجلدات السبعة الإنجليزية عبر بحث قصير في الإنترنت، هذا مرجع لا يمكن تفويته لكل مهتم بفلسفة أو علم اجتماع أو تاريخ العلم على حدٍّ سواء.

مساق واحد أخير

في نهاية رحلتنا مع تاريخ العلم دعنا نترك الكتب جانبا ونهتم بالتركيز على مساق واحد ممتع ومبسط جدا، وهو "مساق مكثف في تاريخ العلم" (Crash Course History of Science) من القناة الرائعة "كراش كورس" على يوتيوب، هناك عدد من المزايا التي تجعل من هذا المساق تحفة فنية مبسطة ورائعة للجميع.

أولها، أسلوب المقدم نفسه، حيث يمتلك هانك جرين أسلوبا غاية في البساطة والسلاسة، وثانيها، أن المساق يأتي في حلقات صغيرة مدة الواحدة نحو 10 دقائق كاملة للحلقة الواحدة، وتمتد إلى 46 حلقة، يساعدك ذلك على تخطي الحلقات واحدة تلو الأخرى دون ملل، وثالثها، منهجية المساق نفسه، فهو بالأساس مُقدَّم لطلبة التعيين المتقدم، أي مستوى طلبة الثانوية العامة الراغبين في التعرف إلى مواد جامعية، الأمر الذي يسهل مادته كثيرا.

مثل ما سبق من الكتب، يبدأ المساق من حديث قصير عن العلوم في الحضارات القديمة مع إطلالة خاصة على الحضارة العربية الإسلامية، ينطلق بعد ذلك للخطوات الأولى في الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا، والطب بشكل خاص، ثم ينطلق مرورا بالعلوم الحديثة في القرن العشرين ويصل إلى ثورة الحوسبة والتكنولوجيا الحيوية وما نراه الآن من منجزات فريدة. إذا كنت تمل من الكتب، فإن هذا المساق -في نحو 10 ساعات بالمجمل- هو لا شك هدفك الأساسي.

حسنا، وصلنا إلى نهاية رحلتنا مع تاريخ العلم، النطاق الذي يبدو للوهلة الأولى باردا ومعقدا، لكن ما إن تمضي قليلا فيه حتّى تبدأ في الاستمتاع والتأمل في آنٍ واحد، خاصة حينما تتعلم أن الأمر لم يكن بالسلاسة البادية للوهلة الأولى، بل كانت رحلة شاقة مشحونة دائما بالصراع بين التقليدي والجديد، وهو كذلك دائما.

المصدر : الجزيرة