شعار قسم ميدان

خمسة كتب تُقدِّم لك العلاج المعرفي السلوكي ببساطة

على الرغم من شهرته عالميا، فإن العلاج المعرفي السلوكي لا يجد الكثير من الاهتمام بين القُرّاء العرب، ربما لأنه بالأساس نوع من العلاج، وبالتالي سيكون من الضروري للمرضى فقط أن يتعرفوا عليه، وقد يخشى أحدهم أن يُظهِر اهتماما به فيظن الناس أنه مريض نفسي، الأمر الذي يُعَدُّ -للأسف شديد- وصمة عار في مجتمعاتنا.

 

لكنك لو تأملت قليلا لوجدت أن العلاج المعرفي السلوكي أكبر من مجرد علاج، بل هو أقرب ما يكون لآلية، مدعومة تجريبيا وليست علوما زائفة، يمكن أن تُحسِّن حياتنا، تعتمد على فلسفة قديمة جدا تقول على لسان إبيكتيتوس الرواقي: "إن كل ما يحدث للناس من انفعال ليس من جرّاء الأشياء وإنما من جرّاء فكرهم عن الأشياء"، لهذا السبب قرّرنا في القسم العلمي بـ "ميدان" أن نُقدِّم لك مجموعة من الكتب التي يمكن أن تساعدك على فهم هذه المدرسة من العلوم النفسية.

كالعادة، تعتمد الكتاب عدة شروط أساسية، منها بساطة الشرح ومناسبته لقارئ عام في معظم الكتب، كذلك الإتاحة بحيث يمكن أن تجد الكتاب بسهولة مع بحث قصير على الشبكة العنكبوتية، وأخيرا أن يحتوي بعضها على تمارين عملية يمكن أن تُنفِّذها في حالات القلق أو الإحباط، أو الغضب أو الضيق، وأن يعرض عليك البعض الآخر خطط العلاج وآلياته وجلسات العلاج، بحيث يمكن أن تتقدّم مستقبلا في هذا النطاق.

 

عنوان ميدان

كتاب "الأفكار والمشاعر

الآن دعنا من المقدمات الطويلة ولنبدأ مع كتاب "الأفكار والمشاعر: السيطرة على حالاتك المزاجية وعلى حياتك" من تأليف ماثيو ماكاي ومارثا ديفيز وباتريك فانينج، ظهر هذا الكتاب في الثمانينيات من القرن الماضي وما زال إلى الآن يجد الكثير من الاهتمام بين القُرّاء، والسبب في ذلك هو أن الكتاب مُقدَّم للعامة وليس للمتخصصين، ويُقدِّم برامج علاجية يمكن أن تُنفِّذها بنفسك ببساطة.

 

يبدأ الكتاب بخطة مبسطة يمكن أن تتبعها بحسب حالتك، سواء كنت قلقا مثلا أو غاضبا أو خائفا من أمر ما، لكن كل الخطط تبدأ من الفصل الثاني عادة والذي يتحدث عن مفهوم الأفكار التلقائية والمعتقدات الجوهرية، وهي موضوعات أساسية في هذا النطاق، ينتقل بعد ذلك إلى كيفية تغيير نمط التفكير المحدود، بعد ذلك يتفرّع الكتاب في بعض تقنيات العلاج المعرفي السلوكي مثل التعامل مع الأفكار المؤرقة وتمارين الاسترخاء، والغمر والتكيّف التخيّلي والتعرّض للمثير، إلخ، وتدور جميعها على مخطط الفصل الأول.

 

بجانب بساطته، فأهم ما يحتوي عليه الكتاب هو الجداول والخطط والأمثلة العملية الكثيرة، يعطي ذلك لمادته طابعا عمليا مثيرا للاهتمام ويُشركك في تطبيق آليات العلاج السلوكي، لكن في كل الأحوال تعامل مع الكتاب كدليل إرشادي، بمعنى أن فشل إحدى الخطط المذكورة فيه لا يعني أنها -في ذاتها- فاشلة، لكن كل ما هنالك أنها بالأساس تقنيات يمارسها متخصصون، إلا أنه يمكن لك الاستفادة منها بقوة.

 

عنوان ميدان

100 نقطة أساسية وتكنيك"

في السياق نفسه، ونقصد هنا تلك الكتب المبسطة والتي تعتمد بالأساس على توضيح العلاج المعرفي السلوكي في صورة نقاط سريعة واضحة مع الكثير من الأمثلة العملية وخطط التدريب، يمكن أن نضع كتابا صدر حديثا عن المكتبة الأنجلو مصرية، وهو "العلاج المعرفي السلوكي.. 100 نقطة أساسية وتكنيك"، الكتاب من تأليف مايكل نينا وويندي رايدن.

 

الكتاب يستهدف بالأساس المتدربين المبتدئين ليكونوا معالجين نفسيين، لكنه رغم ذلك سيُفيدك في فهم الكثير من جوانب العلاج المعرفي السلوكي، خاصة تلك التي لاقت دعما تجريبيا كبيرا خلال العقود القليلة الفائتة، ومع الترجمة الجيدة سيكون الكتاب لا شك فرصة جيدة للتعرف إلى العلاج المعرفي السلوكي.

 

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء، الأول يُعرّفك إلى نظرية هذه الطريقة العلاجية في 11 نقطة، ثم في عدد متساوٍ من النقاط يُعرّفك بأهم الأخطاء في فهم العلاج المعرفي السلوكي، وهي -كما نعتقد- أهم نقاط هذا الكتاب على بساطتها، بعد ذلك يبدأ الكتاب في عرض تقنيات التدريب على اكتشاف الأفكار التلقائية والمعتقدات الجوهرية والرد عليها، كذلك الواجبات المنزلية وكيفية تغييرها.

 

عنوان ميدان

علاج النفسي المعرفي السلوكي

جميل جدا، في تلك النقطة دعنا ننتقل إلى كتاب أكثر دسامة وتفصيلا، لمؤلف عربي اشتهر بالكتابة الثرية في هذا النطاق وكان من أوائل الذين اهتموا بالعلاج المعرفي السلوكي، وهو الدكتور عبد الستار إبراهيم، الحاصل على الدكتوراه في علم النفس من جامعة القاهرة سنة 1957، والكتاب هو "العلاج المعرفي السلوكي الحديث.. أساليبه وميادين تطبيقه"، وصدرت طبعته الخامسة من الهيئة المصرية العامة للكتاب في 2011.

 

الكتاب دسم يأتي في نحو 450 صفحة، لكنه ذو أسلوب سلس، ومُقدَّم لنطاق واسع من القُرّاء، بشكل أساسي من المتخصصين والطلاب، لكنه مُعَدٌّ للقارئ العام كذلك، حيث يبدأ بفصلين تعريفيين لهما علاقة بمعنى الاضطراب النفسي وتاريخ العلاج النفسي بشكل عام، ثم بعد تهيئة الأجواء، ينطلق بك للتعريف بمدارس العلاج النفسي الحديثة ثم التركيز على العلاج المعرفي السلوكي نفسه.

 

عند ذلك الحد ينتهي التنظير ويبدأ الكاتب بشروحات مفصلة لأهم تقنيات العلاج المعرفي السلوكي، مثل العلاج بالطريقة المتدرجة، أو الاسترخاء، أو التدعيم، أو أسس التفكير العقلاني، أو العلاج الذاتي، الأمر الذي سيكون مفيدا جدا لك بشكل عام، ثم بعد ذلك ينطلق للحديث عن علاج حالات مرضية بعينها، مثل القلق والذهان واضطرابات الطفولة.

 

عنوان ميدان

علاج النفسي المعرفي السلوكي

في السياق نفسه، يمكن أن نتعامل مع كتاب آخر مهم وهو "العلاج المعرفي السلوكي المعاصر.. الحلول النفسية لمشكلات الصحة العقلية"، من تأليف ستيفان جي. هوفمان الأخصائي النفسي الإكلينيكي من قسم علم النفس وعلوم الدماغ بجامعة بوسطن، الكتاب أيضا حديث بعض الشيء، صادر في 2011.

 

الكتاب دسم، مُقدَّم بالأساس للطلبة والأطباء في البرامج التدريبية الخاصة بالعلاج المعرفي السلوكي الذاتي، لكنه كذلك مُقدَّم للعامة بهدف واحد فقط وهو إطلاعهم على الخطط العلاجية في العلاج المعرفي السلوكي، بحيث يمكن لهم فهم ما سيخوضونه إذا قرّروا الانضمام لأيٍّ منها، الكتاب جيد حقا في تلك النقطة، فهو يُعرِّفك بما سيحدث في الجلسات العلاجية مع كيفية التقييم وأسبابه وأهدافه، إلا أنه في النهاية لا يهدف ليكون دليلا للعلاج الذاتي.

 

ميزة الكتاب أنه واضح ومباشر ويستخدم الدراسات الأساسية في هذا النطاق كمصادر في كل صفحة، فصوله الأولى رائعة، تُقدِّم أساسيات العلاج المعرفي وتصنع نموذجا أساسيا، في شكل تصميم بسيط، ثم تستخدمه في كل حالة بعد ذلك على حِدة في الفصول التالية التي تمتد عبر 250 صفحة، فائدة الكتاب الأساسية هي أنه يضع القارئ في هذا النطاق على طريق فهم أكثر تخصُّصا، ويمكن أن تستخدمه كنقطة انطلاق لخطوات قادمة مهمة.

 

عنوان ميدان

"العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية"

من العلاج المعرفي السلوكي المعاصر دعنا ننطلق إلى أحد أهم المؤلفات في هذا العلم، وهو كتاب "العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية" لآرون بيك، الذي يعتبر -مع آخرين- مؤسس العلاج المعرفي السلوكي، ينال هذا الكتاب الكثير من الاهتمام لأنه يعرض بسلاسة شديدة جدا للأفكار التي دارت في عقل بيك قبل أن يصل إلى تلك النقطة التي انفصل فيها عن التحليل النفسي ناحية هذا العلاج الجديد.

 

الكتاب بسيط، وهو ممكن جدا لقارئ عام، وأهم مزاياه أنه يأخذك من الصفر إلى العمق، وهو -على قِدم إصداره (السبعينيات)- ضروري لتحقيق فهم أفضل للأسس المعرفية التي نشأ منها هذا النطاق، ومع ترجمة جيدة جدا من الدكتور عادل مصطفى فإن قراءة كتاب بيك هي فرصة ممتعة حقا.

 

يبدأ الكتاب من تاريخ بيك مع العلاج النفسي، والنقطة التي توصّل فيها إلى العلاج المعرفي، ينتقل بعد ذلك ليشرح منظومتنا المعرفية وكيف تتلقّى الأفكار وتفصل بينها، أو بمعنى أوضح: كيف نؤسس معنى للأشياء؟ ثم من تلك النقطة ينتقل إلى عدة فصول مهمة يستخدم خلالها ما سبق لتأسيس ما يعنيه الحزن والغضب والقلق والانشراح، ويستخدم تلك التعريفات ليعرف ما يعنيه الاضطراب النفسي، ثم يشرع في التخصص ليُقدِّم العلاج المعرفي الخاص بكل مرض بعينه.

 

عنوان ميدان

"العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية"

في كل الكتب السابقة، هناك شيء أساسي مشترك، وهو الأمثلة من الحياة العامة، فتجدها جميعا تتحدث عن شاب أو فتاة متخيّلين وتشرح حالة كل مريض بأسلوب قصصي جميل، وهو ما يُسهِّل هذه المواد على قارئ عام أو متخصص، لكن لا شك أن أحد أهم الكتب التي تتخصص في ضرب تلك الأمثلة، في شكل حوارات بين المعالج والمريض، هو كتاب "العلاج المعرفي.. الأسس والأبعاد" لجوديث بيك، ابنة آرون بيك.

 

الكتاب دسم، يأتي في أكثر من 500 صفحة، وهو بالأساس يُستخدم لتدريب المعالجين المبتدئين، وهو أحد أشهر مراجع هذا النطاق، لذلك لم نضعه في قائمتنا للترشيحات وآثرنا أن يكون ترشيحا جانبيا، حيث سيكون المرور بين تلك الجلسات فرصة لتأمل أكثر عمقا لهذا النطاق مع توضيحات مهمة جدا، لكن أجمل ما في هذا الكتاب هو أن المترجم -الدكتور طلعت مطر- قام بترجمة الحوارات بين المريض والمعالج باللغة العامية المصرية، الأمر الذي أعطى درجة من الواقعية للحوارات بحيث تشعر وكأنك جالس معهما.

 

حسنا، انتهت رحلتنا مع كتب العلاج المعرفي السلوكي، يعِدك الكاتب أن تُقدِّم لك تلك الترشيحات جرعة دسمة، لكنها ممتعة ومفيدة في آنٍ واحد، من المعارف التي ستفتح أفقك على عالم جديد مختلف حقا تتعرف فيه إلى ذاتك بصورة أعمق، بالطبع قد تكون هناك كتب أفضل، لكن قراءات كاتب التقرير في هذه المجموعة كانت حقا مفيدة وممتعة.

 

يوما بعد يوم، يجد العلاج المعرفي السلوكي اهتماما في الوطن العربي، نجاحات هذا النطاق العلاجي مُبشِّرة عالميا وأصبحت أساسية في العلاج النفسي، بل وأصبح العلاج المعرفي السلوكي ترشيحا أساسيا في كتب العلاج النفسي بجانب الدواء أو بشكل منفرد، ونأمل -إلى جانب ذلك- أن تنتشر القراءة في هذا النطاق بشكل عام، لأن ذلك لا يُحسِّن من حياتنا فقط، بل يجعلنا أيضا أكثر قدرة على فهم المرضى والتعامل معهم، وهو ما يُحسِّن حياتهم بالتبعية.