اكتشاف علمي جديد بأيادي علماء مصريين، يعود لحقبة تاريخية هامة امتدت قبل 66 إلى 100 مليون سنة من تاريخ قارة أفريقيا. تعرف على الديناصور المصري “المنصوراصور”.
لكي نجيب عن هذا السؤال الهام دعنا نبدأ بالنمو Development، لطالما اقتنع البيولوجيون التطوريون أن السر يكمن هناك، فرغم تنوعنا فإن أجنتنا جميعا بشرا و أسماكا و دجاجا… تتشابه إلى حد كبير(ب). نعرف أنه في أثناء تطور الجنين من بويضة مخصبة Zygote إلى كائن مكتمل تبدأ الصفات الجينية Genotype (تلك الصفات المحملة على تتابع الجينات في الحمض النووي) بترجمة ذاتها إلى صفات ظاهرية Phenotype، تلك التي ترثها عن أبيك و أمك، لون العينين، شكل اليد، الشعر، اتساع العين… إلخ، كل شيء.
تهتم أبحاث البيولوجيا النمائية بدراسة Developmental Biology تلك المرحلة الثورية من نمونا، فالعملية المدهشة التي تشمل تمييز تلك النطفة الصغيرة لعدد محدد من الأعضاء بتفاصيل متباينة تماما في فترة قصيرة، تحتل قيمة جوهرية في البيولوجيا، حيث ما زال السؤال الكبير مطروحًا: كيف يعرف الجين أننا نحتاج لوضع أذن هنا وعين هناك وأصابع قدم في الجهة الأخرى؟ من يعطيه الأمر؟
حينما نتحدث عن الجينات، فالمعتاد هو أن نتصور أنها تتابع محدد لوحدات الحمض النووي المسؤولة عن تكوين بروتين ما لصفة محددة في جسم الكائن، كلون العينين والشعر وشكل الأنف وطول الرقبة مثلا، أما الجينات التنظيمية النمائية2 Developmental Regulatory Genes فهي غير مسؤولة عن تلك الصفات ولكنها تلعب دور واضع الخطّة العامة المسؤول عن عملية نمو جسم الجنين إلى أن يصير كائنا مكتملا، يشبه الأمر أن يكون لدينا فيلم مكون من 250 مشهدا، تلعب الجينات التنظيمية دور المخرج الذي يقول: "ضع هذا المشهد هنا، وهذا هناك، ليكن مشهد السيارة في الدقيقة الـ50 "، تقوم تلك الجينات بتفعيل أو تثبيط الجينات الأكثر تخصصا في المستويات الأدنى في أماكن محددة ومواعيد محددة، كأن تخبر جين تكوين الأنف عن مكان وموعد البدء في إنشاء أنف في الجنين، بعدد محدد، أنف واحد مثلا.
في الرسم التوضيحي التالي مقارنة بين بعض الأنواع من الكائنات من حيث الجينات الناحتة HOX، توجد نفس الجينات في أنواع مختلفة لكنها مسؤولة فقط عن التحكم في خريطة محور الجسم، فهي تقول: "ضع رأسا هنا وذيلا هناك"، فيُنفذ الأمر في الأسماك بطريقة وفي الفأر بطريقة أخرى، لكنه الأمر نفسه من نفس الجين.
على اليمين، ذبابة فاكهة بقرون استشعار طبيعية. إلى اليسار، ذبابة فاكهة بأقدام موضع قرون الاستشعار.
لا. خرجت بعيون ذبابات فاكهة، يوضح ذلك لنا الفكرة الرئيسة والمدهشة للجينات التنظيمية النمائية، فهي لا تأمر بصنع عين فأر، وهي ليست حصرية للفئران أساسا، حيث لا علاقة لها بتصميم العين، إنما وظيفتها فقط هي أمر أكثر عمومية بصنع عين فقط، ثم تصنع الجينات الأكثر تخصصا العين التي تعرف كيف تصنعها، عين ذبابة الفاكهة. لا تنقسم الجينات هنا لآمر ومنفذ فقط، بل تتدرج إلى مستويات من الجينات كلما ازداد تعقد الكائن الحي، كأن يأمر جين تنظيمي بتصميم عين هناك، ثم في مستوى أقل يصمم جين تنظيمي آخر عينا بشرية، ثم يضيف جين أخير اللون الأزرق مع باقي الصفات… إلخ.
لقد ورثت معظم الكائنات الموجودة الآن على الأرض كالإنسان، الذباب، الفئران، الأسماك… الخ، نفس نوع الجينات المتماثلة من أسلافها. وحافظت تلك الكائنات -رغم اختلافها الظاهر- على أدوات وراثية رئيسة عدة genetic toolkit صاحبة الصيغة أو الخطة العامة على مدى زمني يصل إلى 600 مليون سنة. من وجهة النظر تلك، يظهر كل التنوع في المحتوى البيولوجي على هذا الكوكب كتكرار للنوع نفسه من الأوامر بالنوع نفسه من الوحدات لكن بصور متعددة، دعنا الآن نحصل على ديناصور من دجاجة!
محاولة إظهار أسنان في أجنة الدجاج سابقة لتلك التجربة، حيث حاول الكثير من الباحثين نقل الجينات التنظيمية المسؤولة عن إظهار الأسنان من الفأر إلى جنين الدجاجة ونجحت تجارب عدة، لكن تلك كانت المرة الأولى التي تتمكن فيها دجاجة من استحضار (تفعيل) نفس الجين الذي كان مُفعلا من قبل عند أسلافها من الديناصورات، لقد تمكن العلماء من فهم آلية عمل تلك الطفرة وأعيدت التجربة مرات أخرى لتخليق دجاجة بأسنان، تجارب أخرى نجحت مع ثعابين ظهرت بأقدام وأسماك كهف عمياء ولدت بعينين.
في تلك النقطة، ومؤخرا، دخلت تقنيات التحرير الجيني5 CRISPR-Cas9 للعبة كي تساعدنا في فهم آليات التكيف التطوري للكائنات الحية، حيث نجح الباحثون في تعديل أقدام أجنة الدجاج، وأطرافها، ووجوهها، عبر تقنيات CRISPR-Cas9 لكي تصبح أكثر شبها بأسلافها من الديناصورات، تلك التي كانت موجودة منذ ما يقرب من 150 مليون سنة، وذلك عن طريق العمل على فهم تطفُّر الجينات التنظيمية المسؤولة عن تشكل أجسام تلك الكائنات. نعم، لقد أعدنا الديناصور من جديد، ليس عبر استنساخه في المعمل، لكن عبر إرجاع الدجاجة لأصلها، لديناصورها الذي تطورت عنه، ياللعجب!
هنا يظهر الدور الهام الذي يلعبه التطور النمائي Evolutionary Development، المشهور في أوساط العلم الشعبي بلقب الـEVO-DEVO، فهو يساعدنا على تحقيق فهم أفضل للأحداث الجزيئية المسؤولة عن الكثير من التحولات المذهلة في السجل الأحفوري، كظهور فصوص كاملة في جسم الحشرات أو تحول الجلوبين إلى ميوجلوبين و هيموجلوبين عبر عملية تكرار Duplication، أو شرح أسباب سرعة تطور أجزاء محددة في الجسم مقارنة بباقي الأجزاء Allometry كحالة نمو أطراف الخفاش، يحقق لنا التطور النمائي عبر الأبحاث المقارنة للجينات التنظيمية فهم أفضل للتاريخ التطوري ذاته والقيود البيولوجية التي فُرضت على مجراه.
——————————————————————
(أ)- بالطبع تبقى الأبحاث المقارنة بين المحتويات الجينية للأنواع المختلفة محل صعوبة، بمعنى أن هناك معايير عدة يمكن لنا الاعتماد عليها لتقييم التشابهات أو الاختلافات بين نوعين، تضم تلك المعايير أمورا كحجم الجينوم والطول وعدد الجينات أو الكروموسومات.
(ب)- يجب هنا توضيح أن تلك التصاميم الشهيرة لنمو أجنة عدد من الحيوانات والإنسان هي محل جدل، فأول من صممها ارنست هيكل قام بتزييفها، إلا أننا هنا ونحن نتحدث عن درجة التشابه بين الأجنة لا نحاول أن نناقش فكرة أن الجنين يلخص نسله ontogeny recapitulates phylogeny