شعار قسم ميدان

رغم التباطؤ الاقتصادي.. كيف حققت الشركات العربية الناشئة أرقاما قياسية في النصف الأول من عام 2022؟

منذ بداية عام 2022 والجميع يخفض من مستوى توقعاته لكل شيء. بدأ العام بموجة تضخم كبيرة ناتجة عن أزمة سلاسل التوريد في تلبية طلبات الأسواق المتزايدة بعد تراجع الجائحة، مما أدى إلى موجة غلاء كبرى في الأسعار، ثم لم يلبث أن تعرَّض الاقتصاد العالمي لضربة أخرى باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية فبراير/شباط، مما زاد من وتيرة النتائج السلبية التي طالت كل شيء تقريبا.

كانت الاستثمارات العالمية في الشركات الناشئة العاملة في القطاعات كافة أحد أكثر الأنشطة الاقتصادية التي تعرَّضت للنتائج السلبية للتباطؤ الاقتصادي العالمي، حيث شهد العالم عزوفا من طرف صناديق الاستثمار الجريء عن تمويل الشركات الناشئة، خوفا من المزيد من التقلبات في الأسواق، واحتمالية تعرُّض هذه الشركات لمخاطر الإفلاس أو الانهيار مع انكماشات الأسواق وارتفاعات الأسعار. (1)

ومع ذلك، شهدت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) خلال النصف الأول من العام الحالي نموا لافتا، بالتأكيد يتجاوز بكثير سقف التوقعات التي وُضعت له منذ بداية العام.

أين كنا في عام 2021؟

في عام 2021، جمعت الشركات العربية الناشئة استثمارات جريئة (استثمارات تضخها صناديق استثمار متخصصة في تمويل المشاريع التقنية الناشئة عالية المخاطرة) تُقدَّر بنحو مليارَيْ دولار، وهو ما اعتُبر أكبر معدل تمويلات حصلت عليه الشركات الناشئة في المنطقة على مدار السنوات الماضية. توزَّعت هذه التمويلات على قرابة 400 شركة ناشئة تغطي جميع دول المنطقة، وتعمل في قطاعات وأسواق مختلفة.

تصدَّر المشهد خمس شركات ناشئة حصدت تمويلات عملاقة (Mega Deals)، أي تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار، على رأسها شركة "كيتوبي" (Kitopi) الإماراتية للمطابخ السحابية، وشركة "يونيفونيك" (Unifonic) السعودية للخدمات السحابية، و"حالا" المصرية (Halan)، و"تمارا" السعودية (Tamara) للتقنية المالية، ثم شركة النقل التشاركي المصرية التي يقع مقرها في الإمارات "سويفل" (SWVL) التي سُجِّلت في بورصة ناسداك بوصفها شركة عالمية. حصدت هذه الشركات الخمس بمفردها نحو نصف التمويلات التي حصلت عليها كل الشركات الناشئة في المنطقة.

على مستوى الدول، جاءت الإمارات في المركز الأول من حيث قيمة وعدد صفقات التمويل، ثم السعودية في المركز الثاني، فمصر في المركز الثالث. وتنوَّعت القطاعات التي حصدت فيها الشركات الناشئة في المنطقة تمويلات كبيرة، في مقدمتها التكنولوجيا الغذائية، ثم التقنية المالية (فنتك)، ثم التجارة الإلكترونية وخدمات النقل والتوصيل. هذا النشاط الكبير في حركة التمويلات والصفقات في عام 2021 رفع عدد الشركات العربية الناشئة التي تجاوزت قيمتها المليار دولار إلى 6 شركات في مصر والسعودية والإمارات، لتنال لقب "يونيكورن" (Unicorn). (2)

النصف الأول من 2022

 

في النصف الأول من عام 2022، أي في الأشهر الستة الأولى الممتدة من يناير/كانون الثاني حتى يونيو/حزيران، حصدت الشركات العربية الناشئة استثمارات قيمتها تتراوح ما بين 1.7-1.8 مليار دولار، موزَّعة على نحو 332 صفقة. هذا الرقم من الاستثمارات في الأشهر الستة الأولى يقترب من إجمالي الاستثمارات التي حصلت عليها الشركات الناشئة في المنطقة في عام 2021 بالكامل.

تصدَّرت الإمارات المركز الأول في صفقات الاستثمار، حيث جذبت 37.2% من إجمالي قيمة الصفقات، بما يُقدَّر بنحو 645 مليون دولار خلال النصف الأول من العام. جاءت السعودية في المركز الثاني، حيث استحوذت على 32.4% من إجمالي صفقات الاستثمار في الشركات الناشئة في المنطقة، بما يعادل 561 مليون دولار. في المركز الثالث جاءت الشركات المصرية الناشئة التي جمعت تمويلات إجمالي قيمتها 269 مليون دولار.

كان شهر فبراير/شباط هو الشهر الذي شهد القدر الأكبر من إجمالي صفقات التمويل، حيث حصدت الشركات الناشئة العربية في ذلك الشهر نحو 360 مليون دولار، ثم شهر إبريل/نيسان الذي بلغت صفقات التمويل فيه نحو 286 مليون دولار. وبحسب الأرقام، فإن الربع الأول من العام كان هو الأفضل من حيث عدد صفقات التمويل وقيمتها، بينما ظهر بعض التراجع في الربع الثاني، مع تفاقم موجة التضخم العالمي واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت تأثيراتها في الظهور مع الربع الثاني، وأبرزها تباطؤ الأسواق وجهات الاستثمار في تمويل المزيد من المشاريع الناشئة بالوتيرة نفسها التي بدأت بها العام. (3)

صفقات ضخمة

جمعت "مزارع بيور هارفست الذكية" ومقرها الإمارات أكبر تمويل في النصف الأول من العام 2022 بقيمة 180 مليون دولار  (مواقع التواصل)

من بين 332 صفقة تمويل لشركات عربية ناشئة شهدها النصف الأول من عام 2022، جاءت 3 صفقات بالتحديد على رأس القائمة يمكن أن يُطلَق عليها "صفقات ضخمة" (Mega Deals) حصدتها 3 شركات ناشئة تركزت في كلٍّ من الإمارات والسعودية والبحرين. هذه الصفقات الثلاثة قُدِّرت بمفردها بنحو 460 مليون دولار، أي ما يوازي ربع إجمالي صفقات التمويل التي حصدتها الشركات العربية الناشئة خلال النصف الأول من العام.

جاءت شركة "مزارع بيور هارفست الذكية" (Pure Harvest Smart Farms) على قمة الشركات العربية الناشئة حصدا للتمويلات خلال النصف الأول من عام 2022، وهي شركة إماراتية ناشئة متخصصة في التكنولوجيا الزراعية عبر تطوير مزارع ذكية صديقة للبيئة. جمعت الشركة تمويلا بقيمة 180 مليون دولار، ليرتفع إجمالي التمويلات التي حصلت عليها الشركة من عدة جولات تمويلية سابقة إلى 387 مليون دولار، وتتحوَّل إلى واحدة من أكبر الشركات الناشئة حصدا للتمويلات على مر السنوات الماضية.

الصفقة الثانية الكبيرة التي شهدتها المنطقة كانت صفقة تمويلية ضخمة حصدتها شركة "فودكس" (Foodics) السعودية المتخصصة في تطوير أنظمة إدارة سحابية للمطاعم وشركات التغذية، حيث جمعت تمويلا جديدا بقيمة 170 مليون دولار. هذه الصفقة رفعت إجمالي التمويلات التي حصلت عليها الشركة السعودية إلى قرابة 200 مليون دولار، ساعدتها على إطلاق حملة توسُّع إقليمية كبيرة إلى مصر والأردن ودول خليجية.

أما الصفقة الثالثة من حيث الضخامة فكانت من نصيب منصة "رين" (Rain) البحرينية لتداول العملات المشفرة، حيث حصدت تمويلا بقيمة 110 مليون دولار في يناير/كانون الثاني من مطلع عام 2022 بوصفه أكبر تمويل تشهده منصة عربية رسمية لتداول العملات المشفرة، بعد أن أخذت موافقة من البنك المركزي البحريني، وأعلن عن دعمها بواسطة بورصة "Coinbase" العالمية لتداول العملات الرقمية، لتصبح المنصة العربية الأولى المتخصصة في هذا المجال، التي يتركز معظم متداوليها حتى الآن في دول الخليج بالتحديد. (4، 5، 6)

استحواذات واندماجات

استحوذت "سنونو" القطرية على "أكيد" (Akeed) العُمانية بصفقة قُدِّرت بنحو 10 ملايين دولار  (مواقع التواصل)

بحسب منصة "ماغنيت" (Magnitt)، شهدت أيضا ساحة الشركات الناشئة العربية خلال النصف الأول من عام 2022 عددا من صفقات الاستحواذ والاندماج تُقدَّر بنحو 12 صفقة كبيرة، إلى جانب عدد آخر من الصفقات الفرعية الصغيرة غير مُعلنة القيمة. ويأتي في مقدمة صفقات الاستحواذ التي شهدتها المنطقة خلال هذا العام خبر استحواذ منصة "فودكس" (Foodics) السعودية على شركة "Posrocket" الأردنية للخدمات السحابية بقيمة غير مُعلنة، وذلك لتعزيز حضور "فودكس" في السوق الأردني.

أما منصة "سنونو" القطرية المتخصصة في توصيل الطلبات، وهي واحدة من أهم وأكبر الشركات الناشئة في قطر وأسرعها نموا، فقد أعلنت عن استحواذها على تطبيق "أكيد" (Akeed) العُماني لتوصيل الطلبات في سلطنة عمان مقابل 10 ملايين دولار، واعتُبرت واحدة من أكبر صفقات الاستحواذ التي شهدتها المنطقة العربية خلال النصف الأول من العام. الاستحواذ يتيح لسنونو القطرية التوسُّع خارج قطر، بوصفها أول شركة قطرية ناشئة تتوسع خارج البلاد، وهو أيضا يُعَدُّ أول تخارج لشركة ناشئة عُمانية.

كما استحوذت منصة "ساري" (Sary) السعودية، إحدى أهم الشركات الناشئة في السعودية وأكثرها نموا ونشاطا في مجال التجارة الإلكترونية، والمدعومة من الصندوق السيادي السعودي، استحوذت على حصة 100% من منصة "مورّد" المصرية من خلال صفقة لم يُعلَن عن قيمتها، وذلك لبدء خططها للتوسُّع الإقليمي في السوق المصري الذي يُعَدُّ من أكثر الأسواق نشاطا في التجارة الإلكترونية والتوصيل في المنطقة.

كما لم يخلُ هذا العام من خبر استحواذ عالمي على منصة عربية، حيث أعلنت منصة "Footballco" العالمية المتخصصة في الإعلام الرقمي الرياضي استحواذها على منصة "كووورة" (Kooora) البحرينية الشهيرة بصفقة كبيرة قُدِّرت بـ 25 مليون دولار، في واحدة من أكبر صفقات الاستحواذ على منصة لإنتاج المحتوى الرياضي في المنطقة العربية. (7، 8، 9)

حصان السعودية الأسود

ورغم أن السعودية كانت قد حقَّقت نموا هائلا في قطاع الاستثمار الجريء في عام 2021، فمن الواضح أن المملكة تستمر في طريقها كحصان أسود سريع النمو خلال عام 2022، حيث حصدت بمفردها خلال النصف الأول من عام 2022 تمويلات قياسية بإجمالي 561 مليون دولار، صعودا من 370 مليون دولار حقَّقتها في النصف الأول من العام الماضي.

بهذا المعدل السريع من النمو، سواء في قيمة التمويلات أو عدد الصفقات، احتلَّت السعودية المركز الثاني بعد الإمارات بوصفها أكبر سوق للاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) متجاوزة مصر التي انتقلت إلى المركز الثالث، بعد أن ظلَّت مستمرة عدة سنوات مستقرة في المركز الثاني لسوق الاستثمار الجريء في المنطقة.

خلال النصف الأول من عام 2022، احتل قطاع الأغذية والمشروبات المرتبة الأولى لأكبر الاستثمارات الجريئة في المملكة، حيث حصد أعلى جولة استثمارية على الإطلاق عبر شركة "فودكس"، بينما حصد قطاع التقنية المالية "فنتك" (Fintech) في السعودية أعلى قدر من صفقات التمويل لشركاته الناشئة. هذه الجولات مدعومة بعدد قياسي من المستثمرين، سواء على شكل صناديق استثمار جريء، أو مستثمرين ملائكة، بلغ 88 مستثمرا في النصف الأول من العام. (10)

في النهاية، كان النصف الأول من عام 2022 واعدا للغاية بالنسبة للشركات العربية الناشئة رغم كل المشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وهو ما يرفع التوقعات الإيجابية بخصوص النصف الثاني من العام بأن يكون عامرا بالمزيد من الفرص للشركات الناشئة العاملة في جميع القطاعات لحصد المزيد من صفقات التمويل والاستحواذ والتوسُّع في المزيد من الأسواق.

_______________________________________________

المصادر:

  1. الأيام السعيدة ولَّت.. كيف يؤثر التضخم والحرب على تمويل الشركات الناشئة؟
  2. عام الاستثمارات الضخمة.. كيف حصدت الشركات العربية الناشئة أكثر من ملياري دولار خلال 2021؟
  3. MENA H1 2022 Venture Investment Report
  4. مزارع بيور هارفست سمارت الإماراتية للتقنية الزراعية تحصد تمويلا ضخما بقيمة 180 مليون دولار
  5. Saudi fintech firm FOODICS raises $170 million from investors
  6. 6Leading crypto firm ‘Rain Financial’ raises $110 million in Series B funding
  7. MENA Exits 2022: Mission Acquisition
  8. سنونو القطرية الناشئة لتوصيل الطلبات تستحوذ على أكيد العُمانية بصفقة قدرها 10 ملايين دولار
  9. Footballco acquires Kooora in ‘US$25m’ deal
  10. تقرير الاستثمار الجريء في المملكة العربية السعودية للنصف الأول من عام 2022
المصدر : الجزيرة