تعرف على الشركات العربية المميزة في الإعلام الترفيهي والتعليمي
طغت أدوات الإعلام الجديد على الحياة لدرجة أجبرت الإعلام التقليدي على مسايرتها بدلا من العكس، حيث أصبح لكل مؤسسة إعلامية وتعليمية وترفيهية منافذ على أذرع الإعلام الجديدة سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة، وأصبح الكل قادرا على إنتاج المحتوى الذي يريده بالكيفية التي يريدها بدلا من استهلاك ما يُفرض عليه. النتيجة التي نعيشها اليوم أن شبكة الإنترنت تعج بموسوعات رقمية، ومنصّات تعليمية، ومحتويات مرئية غرضها الترفيه أو التعليم أو الإعلام أو مشاركة الأفكار، وغيرها من المجالات.
العالم العربي ليس بعيدا عن هذه الموجـة الهائلة من الإعلام الجديد، ففي السنوات الأخيرة شهدت المنطقة العربية عددا من الشركات الريادية التي تخصصت في إنتاج محتوى رقمي مميز نال انتشارا واسعا بين المستخدمين في مجالات مختلفة، منها الترفيهي، ومنها التعليمي، ومنها المعلوماتي. كانت النتيجة وصول هذه الشركات الناشئة إلى مرتبة متقدمة من التميّز في قيمتها التعبيـرية التي انعكست على قيمتها المادية أيضا.
في هذا التقرير نستعرض خمس تجارب عربية ريادية ناجحة في مجال الإعلام الترفيهي والتعليمي، تم تسليط الضوء على هذه التجارب بشكل مفصّـل عبر برنامج روّاد الأعمال الذي يبث على قناة الجزيرة أسبوعيا، حيث يتم استعراض أبرز التجارب الريادية في العالم العربي. متوسط مدة الحلقة 24 دقيقة، يشرح من خلالها المؤسسون كيف جاءتهم الفكـرة ومراحل تطوّرها، وأبرز العقبات والمشكلات والنجاحات التي مرّوا بها خلال مشوارهم الريادي.
عندما اجتمع الروّاد الأردنيون الخمسة: محمد عصفور، وائل عتيلي، وفاء النابلسي، فراس العتيبي، شاهر العتيبي لتأسيس شركتهم الأولى في عام 2005 قرروا أن تكون باسم "ثيـنك أرابيا" (Think Arabia)، حيث تضم تحتها ست شركات من ضمنها شركة "خرابيش" برأس مال إجمالي يوازي 400 ألف دولار تقريبا. كان المجال المستهدف للشركة هو مجال الدعاية الرقمية وإدارة الحملات على الإنترنت، لاحقا، بعد عامين من تأسيس الشركة قرر المؤسسون التركيز على "خرابيش" كمنتج أساسي من منتجات الشركة.
كان سبب التركيز على "خرابيش" هو بدء ظهـور تنوّع واسع في المحتوى المرئي في تلك الفتــرة، وتوقّع أصحاب الشركة أن ثمة موجـة ضخمة قادمة ستغيّر كل القواعد الإعلامية وصناعة الترفيه مع تمدد شبكة الإنترنت عربيا وبدء ظهـور التطبيقات الذكيـة، والاعتماد بشكل أكبر على المحتوى المرئي في اجتذاب الإعلانات والدعاية عبر الإنترنت، ما جعل التركيز ينصب على "خرابيش" لتحقيق هذه الأهداف.
في عام 2010 حصلت الشركة على جولتها التمويلية الأولى بقيمة مليون دولار، بعدها بعامين احتلت "خرابيش" المرتبة الرابعـة عربيا كأكثر القنوات مشاهدة على يوتيـوب، إلى أن وصلت إلى ذروة نجاحها عندما أعلنت في عام 2016 عن تخطي حاجز المليار مشاهدة لكافة مقاطعها التي تم إنتاجها، الأمر الذي جعلها تتأهل للحصول على جولة تمويلية ثانيـة في عام 2016 بقيمة 5 ملايين دولار من شركة "ومضة كابيتال".
اليوم تعتبر "خرابيش" واحدة من أكبر المؤسسات العربية الإعلامية التي تقدم محتوى مرئيا على شبكة الإنترنت من خلال قنوات متعددة، وتجاوز عدد الفيديوهات التي أنتجتها أكثر من 10 آلاف فيديو منذ تأسيسها، بمشاهدات شهـرية تقدر بـ 82 مليون مشاهدة. كما يتابع قنواتها المختلفة حوالي 4.6 مليون مشترك، وتعتبر القناة العربية الأولى التي حصلت على شهادة مصادقة من موقع يوتيـوب في المنطقة العربية، فضلا عن شراكات إستراتيجية مع شركات مثل "زين" للاتصالات و"سامسونغ" و"هواوي" و"كيت كات" وغيرها. (1)
في عام 1989 أنفق وليد تحبسم 150 دولارا جزءا منها كرسوم لتسجيل شركته قانونيا، والجزء الآخر كان فاتورة العشـاء مع أول زبون محتمـل لمشروعه، عاد عليه بمبلغ يوازي 35 ألف دولار، وهو ما اعتبر الانطلاقة الحقيقية لـ "المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا" في الأردن.
لاحقًا، انضم إلى وليد تحبسم كل من محمد نصار وعلي السعدي، وأطلقت الشركة المنظومة العربية الأولى للتعليم الإلكتروني تحت مسمى "إيديو ويف" (Edu Wave) التي حققت نجاحا كبيرا في زمن قياسي على المستوى المحلي، وصل ذروته عندما اعتمدت وزارة التعليم الأردنية تلك المنظومة في 3200 مدرسة، لتصل خدمـاتها إلى مليون ومئتي ألف مستخدم داخل الأردن.
في نهاية التسعينيات قررت الشركة التوقف عن الإنتاج والتعاقد وتكثيف كل مواردها لتطوير منظومتها البرمجية بشكل كامل وتحسينها بما يواكب تطورات العصر، وهي التي اعتبرت نقطة كبرى في مسار الشركة، حيث ساعدت في المزيد من انتشارها الإقليمي، وافتتاح مكاتب لها في مصر والسعودية والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
في عام 2011 تم تطبيق منظومة "المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا" (ITG) في المملكة العربية السعودية، كما تم تطبيقها أيضا في ولاية نيوجيرسي الأميركية لتطبيقها في مدارسها، وأيضا تم تزويد ولاية أوكلاهوها ببرمجيات تعليمية يتم تطبيقها على 1800 مدرسة، لتصبح الولاية الأميركية الثانية التي تعتمد على "المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا" (ITG) في منظومتها التعليمية.
اليوم يتم تطبيق منظومة "المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا" (ITG) على أكثر من أربعين ألف مدرسة حول العالم، ووصل عدد مستخدميها إلى 15 مليون مستخدم، وتم تكريم الشركة بمجموعة جوائز عالمية، منها خمس جوائز من الأمم المتحدة. (2)
"أعتقد بلا مبالغة أن الكثير من المشكلات في عالمنا العربي سببها ضعف جودة التعليم النظامي، كان أمامنا تحد كبير لإقناع أنفسنا بهذا المجال، لأن مجال التعليم بشكل عام لا يعتبر من أكثر المشاريع ربحا بالمقارنة بالقطاعات الأخرى"
عندما اجتمع السعـوديّان فؤاد الفرحـان وسامي الحصين في إحدى الأيام ليتحدثـا بشكل عام عن المشروعات الناشئة وما يمكن أن يفعــلاه بتطويع خبرتهما الواسعة في مجالات البرمجة والمعلومات، كان الاتفاق الأوّلي أن العالم كله يسير في قطاعات التعليم والصحة، وهو الذي جعلهما يختاران القطاع الأصعب "التعليم" لبدء مشروعهما الريادي فيه باستهداف فكـرة التعليم عن بعد "MOOC" الذي بلغ أوج تألقه في بدايات العقد الحالي.
في عام 2013 انطلقت منصّة "رواق" كمنصّة تعليمية توفر المقررات الدراسية عالية الجودة للطلاب العرب من المحيط إلى الخليج، يقوم بتقديم هذه المواد مجموعة من الأكاديميين والمدرّسين المتخصصين بشكل يعتمد على أحدث المعلومـات التي يتم تدريسها في الجامعات العالمية لمواكبة التطوّر العالمي، بحيث تمثل المنصّـة في النهاية تعليما موازيا متكاملا لمئات الآلاف من الطلاب.
بعد عام ونصف فقط من إطلاق المنصة اعتبرت كواحدة من أكبر المنصـات في المنطقة العربية التي تقدم التعليم الإلكتروني بشكل مجاني في مختلف المجالات والتخصصات، حيث تستهدف أربع فئات أساسية: طلاب الجامعات، الباحثون عن العمل، الموظفون، الباحثون عن المعـرفة العامة. بلغ عدد المستفيدين من المنصة من فئة الطلبة حوالي نصف مليون طالب وطالبة، بينمـا بلغ عدد الملتحقين بمقررات "رواق" ما يزيد عن مليونين و300 ألف مسجّل.
استطاعت المنصّة في عقد شراكات مع شركاء أكاديميين مميزين مثل "سيسكـو" و"مايكروسوفت" و"المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم"، وغيرها من المنظمـات ذات البُعد الإقليمي والدولي، وتعمل المنصة من مقرّين أساسيين أحدهما في الرياض والآخر في جدّة بقوة 15 موظفا، إلى جانب 300 سفيـر لها حول العالم.
تستهدف المنصة التعليمية "رواق" الحصول على استثمـارات مستقبلية تساعدها في تطوير خططها للتوسّع في تقديم المزيد من الخدمات التعليمية للباحثين عن التعليم والمعرفة وتنمية المهارات، بعد أن حققت في السنوات الأخيرة نموا واسعا في مجال التعليم الرقمي في المنطقـة جعل قيمة المنصة تصل إلى حوالي 25 مليون ريال سعودي كما يراها الشريكان المؤسسان. (3)
بمبلغ 1500 دولار فقط قرر الشاب الأردني محمد جبر بدء مشروع ريادي يركز على تطوير المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية، وهو إنشاء موقع إلكتـروني موسوعي يضم محتويات من تصنيفات مختلفة يسمح بالتعديل المباشر على المقالات المنشورة. كانت الفكـرة وليدة جلسـة على المقهـى بين محمد جبر وزميله رامي القواسمي، وبالفعل تم تطبيقهـا كمشروع جامعي في عام 2011، وحازت دعمًا حكوميًا بحصوله على جائزة الملكة رانيا للأفكار الإبداعية.
بقدوم عام 2012 ودخول رامي القواسمي كشريك مؤسس بمبلغ لا يتجاوز عشرين ألف دولار ظهـر "موضوع دوت كوم" كموسوعة عربية رائدة بشكل سريع، حققت نقلة واسعة في المحتوى، ما جعل الموقع يحقق زيارات تجاوزت سقف 14 مليونا في عام 2014، أدّى إلى بدء توافد المعلنين على الموقع، مثل شركة "دي إم إس" (DMS) التي تعاقدت مع "موضوع دوت كوم" لبيع الإعلانات حصريا في المنطقة العربية.
في عام 2015 حصلت الشركة على جولة تمويلية من طرف شركة (Equi trust) التي يقع مقرها في دبي بقيمة مليون ونصف دولار، الأمر الذي ساعد على زيادة نشاط الموقع وارتفاع كمية الإنتاج اليومي من المقالات إلى قرابة مئة ألف مقال، وتم تصنيفه وفقا لإحصائيات شركة (Effect Major) كأكبـر موقع عربي في العالم، حيث يستقبل نحو 24 مليون زائر شهريا.
اليوم يعمل في الموسوعة حوالي 25 كاتبا براتب ثابت، إلى جانب أكثر من 300 كاتب بنظـام القطعـة، ويحتوي على عدد كبير من المقالات في كافة المواضيع العلمية والاجتماعية والدينية والسياسية، إلى جانب مقاطع مرئية وصوتية مختلفة تقدّم محتوى مناسب لمحبّي المشاهدة والاستماع. (4)
"ريادة الأعمال كلها مغامرة، وحب المغامرة جزء من حياة رائد الأعمال، يبحث عن الأشياء المختلفة وينفذها، وإلا إذا قام بتنفيذ نفس ما يفعله الآخرون فسوف يحصل على نفس النتائج"
(قسورة الخطيب)
عندما تخرّج قسورة الخطيب في كلية الهندسة جامعة الملك عبد العزيز قسم هندسة الكمبيوتر التحق بعمـل في شركة "بروكتر آند جامبل" (P&G) في قسم التصنيع، خلال عمله في الشركة تلقى دورة تدريبية في مجال التسويق والإعلان، وكان هذا أول لقاء بينه وبين هذا المجال وكان بمنزلة حب من أول نظرة، فهذا هو المجال الذي قرر أن يعمـل فيه مدى الحياة.
في عام 2010 بدأ رائد الأعمال السعودي قسورة الخطيب برفقة عدد من الروّاد في إطلاق شركة "يوتيـرن" التي تستهدف تقديم المحتوى المرئي على منصّات الإعلام الجديد وتوجيـهه إلى ملايين من العرب، خصوصا في السعودية والخليج. حققت الشركة نجاحا كبيرا في زمن قياسي، حيث أطلقت في عام 2011 أول قناتين على يوتيوب وهما "على الطاير" و "إيش اللي" اللذان حققا نجاحا كبيرا استطـاعت الشركة بعده في حصد عقد رعاية بقيمة مليون ريال من شركة "موبايلي" السعـودية في عام 2012.
خلال ست سنوات استطـاعت "يوتيرن" أن تقدم برامج متنوّعة عبر عدد كبير من قنواتها اليوتيـوبية نجحت في تحقيق حوالي ملياري مشاهدة بشكل إجمالي، وأكثر من 30 مليون متابع نظـامي |
في عام 2013 قامت "يوتيـرن" بعقد شراكة مع كل من "يوتيوب" و"ياهو!"، كان من نتائجها بدء سلسلة شراكات أخرى مع صنّاع محتوى محليين مثل "تكي" و"الفئة الفالة"، والاستمرار في تقديم محتوى مميز ومتنوّع قاد إلى تصنيفها كأفضل شركة للإعلام الجديد في عام 2014 من قبل الفاينانشيال تايمز.
كان عام 2015 عامًا رائدًا في مسيرة "يوتيرن"، حيث تسلّمت جائزة قمة روّاد التواصل الاجتماعي العرب من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لفئة ريادة الأعمال والإعلام الرقمي، تلاها حصول الشركة على تمويل كبير بقيمة 10 ملايين دولار من شركة (Leap Ventures) للاستثمار، وفي عام 2016 حصلت الشركة على المركز الثاني في قائمة فوربس الشرق الأوسط لأفضل الشركات الناشئة الواعدة في السعودية.
خلال ست سنوات استطاعت "يوتيرن" أن تقدم برامج متنوّعة عبر عدد كبير من قنواتها اليوتيـوبية نجحت في تحقيق حوالي ملياري مشاهدة بشكل إجمالي، وأكثر من 100 مليون مشاهدة شهـرية، وأكثر من 30 مليون متابع نظامي، إلى جانب اشتراكها في إنتاج وتمويل برامج أخرى متنوّعة دون أن تملكها وفق شراكات إنتاجية، لتصبح واحدة من أكبر شركات المحتوى المرئي في العالم العربي.
هذه النماذج الريادية تعتبر أمثلة واقعية تعكس ما يمكن تحقيقـه في مجال الإعلام الجديد على المستوى العربي تحديدا، خصوصا أن هذه النوعية من الإعلام والترفيـه والتعليم الحر غير المقيّد بأنماط تقليدية في التفكير والطرح هي في النهاية موضع رهانات كبرى لإحداث نقلة نوعيـة في عقل الإنسان العربي وقدراته لمواجهة تطورات العصر المتسارعة.