“وحيد، ومفلس، وعديم الخبرة؟ ممتاز! أنت تتمتع الآن بأفضل الحظوظ لتحقق نجاحاً يجلب لك الثراء!”، فإذا لم يكن لديك ما تخسره،ستكون أكثر جرأة..أكثر إبداعاً..أكثر تقبّلاً للفشل،وأكثر إصراراً على خوض التجربة.
المشكلة أن النجاح في أي شيء -لا سيّما في عالم الأعمال- ليس له وصفة محددة. كل تجربة ناجحة أو فاشلة خاضها شخص ما في سعيه لتأسيس مشروع أو شركة، تثبت -تماماً- أنه لا توجد وصفات ثابتة يسير عليها الجميع للوصول إلى نفس النتيجة. نحن هنا بصدد عالم مُختلف كلياً عن قوانين الفيزياء. ومع ذلك، يمكن القول إن هناك أرضيّات مُشتركة يمكن الاعتماد عليها ولو جزئياً. اتفاق ضمني عام على مجموعة قواعد، يمكن استلهامها من قصص الناجحين في هذا المجال؛ للاسترشاد بها على الأقل.
الكتاب الذي أصدره موريتا كان يشدد على أن الدرجات المدرسيّة لا علاقة لها بتنمية مهارات الأعمال لدى الطلاب، وأن النجاح في هذا المجال لا علاقة له بالمدرسة. وعاد ليدرج هذه النصائح في كتاب كبير شهير بعنوان "صُنع في اليابان"(10) (Made in Japan).
أكيتو موريتا ولد في بدايات القرن العشرين، ينحدر لأسرة يابانيـة مخضرمة في عالم التجارة والعمـل الخاص، فتعلم مبادئ التجارة والتسويق من عائلته، وإن كان قد أظهر اهتماماً استثنائياً بالتقنية والفيزياء تحديداً، وحصل على درجة أكاديمية فيهما، وبدا واضحاً أن جُل اهتماماته في مجال الصوتيات. (1)
ولكن هذه الاهتمامات تبددت تماماً باندلاع الحرب العالمية الثانية؛ فتم تجنيده في البحرية اليابانية حتى انتهت الحرب بدمار هائل غمر البلاد عن بكـرة أبيها. بعد انتهاء الحرب بعام واحد، قام بالتعاون مع صديق له في افتتاح شركة صغيـرة أسماها (طوكيو للاتصالات والهندسة) برأس مال متوسط، وكان هدف الشركة هو إنتاج أية أدوات تقنية بجودة عالية بقدر الإمكان.
في بداية الخمسينيات كانت الشركة تنتج مجموعة منتجات جيدة، خصوصاً عندما نجحت في تطوير شريط التسجيل المغناطيسي؛ لتظهر آلات التسجيل عبر الأشرطة، وبمرور الوقت استطاعت الشركة إنتاج واحد من أعظم المنتجات العصرية التي قلبت نمط الحياة كلها، وهو جهاز الووكمان.. جهاز صغير بحجم اليد، يمكنه التسجيل وإذاعة الراديو في نفس الوقت.
الجهاز حقق نجاحاً مدويا، فقرر موريتا تحويل اسم الشركة إلى (سوني) لتكون علامة تجارية أكثر سهولة، ويمكن لجميع دول العالم التعامل معها، بعد أن خرجت من إطار الشركة المحلية إلى الشركة العالمية.
في الستينيات، تم طرح سوني في البورصة، وتوسّعت في منتجاتها بشكل كبير؛ لتشمل التلفزيونات والراديوهات وأجهزة مختلفة، وقامت بالاستحواذ على شركات كبيرة حول العالم؛ لتصبح واحدة من عمالقة التصنيع التقني عالمياً.
استمر موريتا كمدير تنفيذي لسوني منذ تأسيسها عام 1946 حتى رحيله عام 1994، تاركاً سوني بقيمة سوقية وصلت إلى 40 مليار دولار. اليوم سوني لديها أكثر من 100 ألف موظف حول العالم، وتحقق إيرادات سنوية تقدر بمئات المليارات، وتعتبر واحدة من أهم أعمدة الاقتصاد الياباني.. (2، 3) شخص كهذا، من المهم أن تضع نصيحته (عن الدرجات الدراسية) في اعتبارك..
مسيرة أكاديمية متميزة، جعلته يقفز مباشرة إلى مسيرة وظيفية ليست أقل تميزا. بدأ العمل في شركات دولية كمحلل مالي، ثم عمل مديراً لتطوير البحوث في شركة "أي تي آند تي" (AT&T) العالمية، ثم تم تعيينه نائباً لرئيس شركة كولومبيا.
باختصار، مسيرة تعليمية أكاديمية مميزة، ومسيرة وظيفية مميزة أيضاً؛ حتى جاء منتصف التسعينيات، وهو في الثلاثينات من عمـره؛ فقــرر أن يسلك طريقاً آخر هو البدء في عمله الخاص، فأسس شركة على الإنترنت بيعت فوراً بعد تأسيسها بعدة أشهر بمبلغ 38 مليون دولار.
في نهاية التسعينيات قرر أن يدخل العمل الخاص مرة أخرى، فقام بتأسيس شركة للعمل على حلول البرمجيات؛ ولكنها لم تحز شهرة واسعة. حتى جاء العام 2007 الذي شهد تأسيس شركة "زينغا" (Zynga) الشهيرة المتخصصة في برمجة الألعاب عبر الإنترنت.
الشركة ظهـرت في وقت كانت سرعة الإعلام الاجتماعي تتمدد بشكل لافت، فقامت بتطوير ألعابها لكي تناسب التوسّع الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي، وارتبطت بهذه الشبكات وقدمت ألعابا "أونلاين" شيّقة؛ يتم لعبها مباشرة عبر هذه المواقع، مثل "زينغا بوكر" (Zynga Poker) و"حروب المافيا" (Mafia Wars) و"فرونتير فِل" (FrontierVille) و"فارم فِل" (FarmVille) وغيرها.
زينغا اليوم تحقق إيرادات سنوية مليارية ضخمة؛ بينما زاد إجمالي ثروة مؤسسها عن المليار دولار. الرجل اهتم تماماً بحياته الدراسية والوظيفية، وانتقل منهما إلى تأسيس عمله الخاص الذي أثبت -أيضاً- فيه براعة كبيرة جعلته صاحب واحدة من أشهر شركات الألعاب عبر الإنترنت، وواحد من أغنى أغنياء العالم. (4)
في العام 2013 -بعد تصريحه بعام واحد- انهارت ثـروة باتيستا بشكل هائل؛ حيث تقلصت في عام واحد من 30 مليار دولار إلى 3 مليارات؛ وظلت تتناقص دورياً بسبب الديون والمتطلبات الهائلة التي يسددها، ما جعله يبدأ في بيع أملاكه من اليخوت والسيارات الفاخرة؛ حتى يقال إن ثروته وصلت إلى 200 مليون دولار، وما زالت تتناقص حتى اليوم.(5، 6) باختصار، الرجل يجسّد نموذج رجل الأعمال المتميز الذي يصعد إلى القمة، ثم يرتكب خطأ قاتلاً؛ فيهوي متدحرجا إلى القاع.
درس باتيستا هندسة المعادن في جامعة آخن الألمانية، وأعجب بهذا المجال بشدة، ومع ذلك اضطر للعمل مبكراً ليوفر مصروفاته الشخصية، فعمـل في مجال بيع وثائق التأمين كمندوب للمبيعات. في السبعينيات، بدأت الأخبار تشير إلى أن البرازيل تعج بتجارة مزدهرة للذهب والمعادن، فغادر ألمانيا إلى موطنه الأصلي مرة أخرى، وبدأ يعمـل في مجال مبيعات المعادن كوسيط، وهو الأمر الذي جعله يجمع رأس مال جيد بسبب قدراته العالية في التسويق.
في منتصف العشرينات من عمره، كان باتيستا قد أسس شركة رسمية صغيرة لتجارة الذهب، وقد استطاعت على صغرها تحقيق مبيعات هائلة، لدرجة أن صافي الأرباح في أقل من عامين تجاوز الـ6 ملايين دولار. في بداية الثلاثينات من عمره، كان باتيستا قد أسس مجموعة "إي بي إكس" (EBX) لتعدين الذهب، وكان هو مديرها التنفيذي. وخلال سنوات طويلة، استطاع الرجل حصد صفقات عديدة للتنقيب عن الذهب في العديد من المناجم حول العالم؛ حتى تضخمت ثروته بشكل كبير وصل إلى قرابة العشرين مليار دولار في العام 2000.
في العشـر سنوات االلاحقة، استمرّ توسّع باتيستا؛ حيث قام بإنشاء 5 شركات عملاقة للتعدين والطاقة والبترول والصناعات البحرية، أدت إلى وصول ثروته في العام 2010 لأكثر من 30 مليار دولار. ويبدو أن هذا الرقم هو الذي جعله يتجاهل تحذيرات مستشاريه ومساعديه بأن صناعة التعدين على وشك الانكماش خلال السنوات المقبلة. بعد هذا التاريخ، حدثت المأساة بانهيار صناعة التعدين بشكل حاد، الأمر الذي أصاب كافة شركات باتيستا بضربات قاتلة جعلته يخسر ثروته كلها في عام واحد فقط، وتتهاوي من 30 مليار دولار إلى 200 مليون دولار. هذه الخسارة تعتبر من أفدح الخسارات على الإطلاق في تاريخ الأعمال حتى الآن.
ما زالت أخبار الحجز على ممتلكاته تتوالى حتى هذه اللحظة. وما زالت قصة إيك باتيستا تعتبر واحدة من أشهر التجارب التي يتجاهل فيها رجل الأعمال الناجح الاستماع إلى أهل الخبرة وآراء المستشارين، ويعتمد على قراراته الفردية؛ بناءً على إنجازات كبيـرة قام بها على مدار حياته.
لم يكن دومينيك يملك مالا كافيا لشراء واحدة؛ إلا أنه قرر أن لا يستسلم وأرسل رسالة إلى الشركة يخبرهم أنه لا يملك ثمن شراء عجلة من هذه العجلات؛ ولكنه يستطيع أن يبيع الكثير منها في السوق الإنجليزي، مقابل أن يرسلوا له واحدة مجانية.. رفضت الشركة هذا العرض الصبياني؛ ولكنهم أخبروه أنه يمكنه شراء 5 عجلات، وستتكفل الشركة بمنحه دراجة سادسة هدية. لم يكذب الفتى خبراً، وقام بجمع المبلغ وأرسله إليهم، وأصبح لديه 6 عجلات ممتازة.
دومينيك ماكفي -على يمين الصورة- |
في أسبوع واحد فقط، قام ببيع العجلات الست، الأمر الذي جعله يتواصل مع الشركة مرة أخرى، فأرسلوا له 10 دراجات إضافية، قام ببيعها سريعاً أيضاً. بدأ يستخدم البيع عبر الإنترنت، والهواتف، ووزّع منشورات دعائية في الشوارع لبيع الدرّاجات، وأسس موقعاً على الإنترنت.
مرت عدة سنوات على هذا الحال، دومينيك يشتري العجلات، ويقوم ببيعها ويحصل على عمولة. كل هذا من منزله؛ دون أن يضطر لتأجير أي منزل أو يقترض أو يدفع أي مصروفات. تصله الدراجة، يحتفظ بها، يسوّقها، يبيعها، يجني أرباحاً. حتى وصلت مبيعاته إلى 7 ملايين درّاجة، وكوّن ثـروة كبيرة وهو ما زال في عمر المراهقة لم يتجاوز الـ18 عاماً.
هنا ارتكب دومينك خطأ قاتلاً؛ إذ تخلى عن هذا المسار، وقرر أن يُنشئ فرقة موسيقية باسمه؛ لأنه يعتقد أنه بارع في الموسيقى؛ إضافة إلى كونه شغوفا بها؛ إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً، ولم يحقق أي نجاح يُذكر فيها. نجح في حصد ثروة وشهرة من تجارة عادية (بيع العجلات)، وعندما قرر أن يحوّل شغفه بحب الموسيقى إلى عمل، فشل فيه! (7)
من مواليد الأربعينيات، في شيكاغو، لعائلة مفككـة. أصيب في طفولته بالتهاب رئوي خطير، جعل والدته تضطـر للتخلي عنه ونقله إلى منزل خالته؛ لأنها لم تكن تملك القدرة على متابعة مرضه ومصاريف علاجه. لاحقاً، التحق بجامعة إلينوي؛ لتصاب والدته بالسرطان، ما نتج عنه رسوبه في الجامعة. بدأ من جديد والتحق بجامعة شيكاغو، وتخصص في مجال الرياضيات والفيزياء؛ إلا أنه رسب مجدداً، ولم يستطع الاستمرار في الدراسة النظامية، فخرج منها وقرر أن يتعلم برمجة الحواسيب الآلية بشكل ذاتي، وكانت قد بدأت بوادرها في الظهور في السبعينيات من القرن العشرين.
التحق بوظيفة في شركة برمجيات ناشئة، واستمر في العمل بها عدة سنوات؛ حتى قرر -وهو في منتصف الثلاثينات من عمره- أن ينشئ شركة برمجة مع عدد من أصدقائه، يقوم هو بإنتاج وتسويق المنتجات البرمجية بعد أن وصل إلى قدر كبير من الخبرة. وخلال سنوات، قدّم لاري أول نسخة من البرنامج الذي تنتجه شركته، وهو برنامج (أوراكل). الاسم الذي يعرفه الجميع الآن، والذي لفت الأنظار سريعاً، وبدأت موجات شرائه تزداد بشكل كبير، فتوسعت الأرباح، وتوسّعت منتجات الشركة في العديد من المجالات التقنية.
وبدأ اسم (لاري أليسون) يأخذ بريقاً خاصاً كالذي كان يحيط بستيف جوبز وبيل غيتس في فترة الثمانينيات؛ خصوصاً عندما تم طرح أسهم الشركة في البورصة، وأصبحت -بشكل سريع- واحدة من أضخم الشركات التقنية في الولايات المتحدة.
اليوم لاري إليسون من ضمن أغنى 10 أشخاص في العالم؛ حيث تقدر ثروته بـ55 مليار دولار بحسب تصنيف الفوربس 2017، ويعمل في أوراكل حوالي 136 ألف موظف، وتحقق أرباحاً سنوية بمليارات الدولارات. من الصعب تصديق أن هذا كله بدأ على يد شاب ثلاثيني لم يكمل تعليمه؛ ولكن هذه هي الحقيقة. (8، 9)