شعار قسم ميدان

كيف تقيس نجاح منتجك قبل طرحه في الأسواق؟

midan - man
ثمة لحظـات "إيـرويكا" في عالم الأعمال والبيزنس أيضاً؛ تلك اللحظة البديعة التي خلدها التاريخ، بترديد "أرخميدس" لكلمة (وجدتها، وجدتها) عندما توصّل لنظرية الطفو. هناك لحظات كثيرة من الـ"وجدتها، وجدتها" ستمرّ عليك في عالم الأعمال، يجب أن تحترس منها بنفسك مقدار ترحيبك بها.

السبب أن الأفكـار -في حد ذاتها- ليست ذات قيمة كبرى في عالم الأعمال. الأفكار مهمّة، ولكنها ليست الأهم. هذه النقطة أشرنا لها فى الكثير من التقارير مُسبقاً، ويمكنك اعتبارها قاعدة أصولية. الفكـرة العظيمة ليست هي المفتاح؛ المفتـاح هو التنفيذ العظيم.

ومع ذلك، الفكـرة في عالم الأعمال إما سوف تكلّفك خسائر فادحة، أو ستعود عليك بمكاسب كبرى. لذلك، كل فكـرة تمر في رأسك يجب أن توضع في عملية فحص وتدقيق ودراسة تفصيلية قبل تنفيذها. تذكر دائماً أن الخروج بفكرة وتطبيقها فى عالم البيزنس قد تكون تكلفتها أكبر من العائد من ورائها إذا فشلت.

إذا لم تقم باختبار فكـرتك بشكل كافٍ قبل طرحها في السوق، فغالباً سوف تندم لاحقاً (بيكساباي)
إذا لم تقم باختبار فكـرتك بشكل كافٍ قبل طرحها في السوق، فغالباً سوف تندم لاحقاً (بيكساباي)

هنا نجد أنفسنا أمام معضلة. الشركات الناشئة اليوم -وأكثر من أي عصر مضى- مُطالبة دائماً بإظهار منتجات جديدة بوتيرة أسرع طوال الوقت للظهور أمام الأضواء أو -على الاقل- البقاء في محل المنافسة. الأمر الذي يجعل الكثير من الرياديين والشركات "تستعجل" في تنفيذ الأفكار قبل دراستها بشكل كافٍ؛ فتكون النتيجة غير متوقّعة.

خذها كقاعدة في عالم الأعمال: إذا لم تقم باختبار فكـرتك بشكل كافٍ قبل طرحها في السوق، فغالباً سوف تندم لاحقاً.
 

السؤال: كيف تقوم باختبار فكـرتك، وتقييمها؛ هل هي صالحة للتنفيذ أم لا؟ والأهم؛ هل ستعود علينا بمكاسب، أم ستكلفنا خسائر في المقابل؟ إليك بعض الخطوات الواضحة لقياس الفكـرة قبل تنفيذها، مُستقاة من مقالات مختلفة في كتاب "إبداع ابتكارات خارقة":


أولاً: هل الفكـرة مناسبة للتوقيت الحالي؟
 أحياناً، تبدو الفكرة مناسبة للغاية، ولكن التوقيت غير المناسب. تقلبات السوق، ومدى استجابة العمـلاء قد لا ترقى لما تعتقده
 أحياناً، تبدو الفكرة مناسبة للغاية، ولكن التوقيت غير المناسب. تقلبات السوق، ومدى استجابة العمـلاء قد لا ترقى لما تعتقده
 

أحياناً، تبدو الفكرة مناسبة للغاية للتطبيق، ولكن التوقيت غير مناسب. تقلبات السوق، ومدى استجابة العمـلاء أنفسهم للمنتج الجديد قد لا ترقى لما تعتقده.
 

توقيت" تنفيذ الفكرة وطرحها بدون مراعاة الذوق العام للمستلهك حينئذ، جعلها فكـرة فاشلة.

في أوائل التسعينيات، ظهـرت فكـرة تقديم مشروب غازي عديم اللون في سوق المشروبات الغازية. بدا واضحاً أن الفكـرة -من بعيد- ستحقق نجاحاً جيداً في الأسواق، وأشارت العديد من توقعات السوق إلى أن مشروبا بهذه المواصفات سيلقى قبولاً جيداً. وهو الأمر الذي اتخذته بالفعل شركة بيبسي؛ فقامت بإنتاج مشروب عديم اللون يجمع ما بين مشروب الكولا من ناحية، والصودا بالليمون من ناحية أخرى.

النتيجة: حقق المشروب فشلاً مدوياً. والسبب أن المستهلكين أنفسهم في الأسواق لم يكن لهم تجربة مثيرة مع هذا المنتج، لم يستوعبوه في وقت كانت فيه كل المشروبات الغازية لها نكهـة معينة، والذوق العام يميل إلى النكهــات الخاصة.

الفكـرة ذاتها كانت جيدة ومدروسة بشكل فعّال؛ ولكن "توقيت" تنفيذ الفكرة وطرحها بدون مراعاة الذوق العام للمستلهك حينئذ، جعلها فكـرة فاشلة كبّدت الشركة ملايين الدولارات.


ثانيـاً: اختبار الفكـرة أكثر من مـرة "داخلياً"
اختبار المنتج مسبقا، جعل شركة كوداك تتنبّه إلى الكثير من الأمور الفعّالة التي كانت حتماً ستضايق العملاء  (بيكسلز)
اختبار المنتج مسبقا، جعل شركة كوداك تتنبّه إلى الكثير من الأمور الفعّالة التي كانت حتماً ستضايق العملاء  (بيكسلز)

من المفترض أنك بمجرد أن تضع الفكـرة في إطار النموذج الأوّلي، أن تقوم بتجربتها عدة مرات قبل طرحها في السوق مباشرة. أن تقوم بتطوير هذا النموذج الأوّلي عدة مرات؛ ليصل إلى أفضل صورة ممكنة يمكن بعدها طرح المنتج في الأسواق.

أحياناً الأفكار تكون مخادعة. تعتقد أن السوق سيرحّب بفكـرتك وسيعطيها أولوية قصوى؛ لتجد أن السوق لم يتجاوب معها.

في أواخر التسعينيات، قامت شركة كوداك العالمية للتصوير بالبدء في إنتاج أول آلات التصوير الرقمية الخاصة بها. كانت فكرة جديدة، وكانت كل الإشارات تقول إنها ستلقى نجاحاً باهراً -وهو ما تحقق بالفعل-.. عندما بدأت الشركة في تصنيع أولى هذه النماذج، لم تطرحها في السوق مباشرة؛ وإنما أخضعتها للتجارب المتخصصة.

اختبار المنتج، جعل الشركة تتنبّه إلى الكثير من الأمور الفعّالة التي كانت حتماً ستضايق العملاء، وربما تجعلهم يهتمون بأي منتجات منافسة لكوداك. مثل الارتباك في التعرف على أزرار التصوير المختلفة، تساءل عدد من المستهلكين الذين يجرّبون الكاميرا عن مكان الفيلم. تساءل الآخرون عن كيفية معرفة ما تبقى من ذاكرة الفيلم، إلخ.

كان اختبار هذه الفكـرة يعتبر كنزاً حقيقياً، أتاح لكوداك معرفة ما ينبغي تطويره، وما ينبغي تعديله وحذفه، أو الإبقاء عليه. كل هذا قبل طرح المنتج في الأسواق فعلياً.


ثالثاً: اختبار الفكــرة أكثر من مرة "خارجيـاً"
شركة ستيلكاس لصناعة الأدوات المكتبية، قامت بإنتاج الكرسي المكتبي الدوّار  وقدمت له 16 نموذجاً أوّلياً تم دراستها جميعاً على المستوى الداخلي 
شركة ستيلكاس لصناعة الأدوات المكتبية، قامت بإنتاج الكرسي المكتبي الدوّار  وقدمت له 16 نموذجاً أوّلياً تم دراستها جميعاً على المستوى الداخلي 
 

أحياناً الأفكار تكون مخادعة. تعتقد أن السوق سيرحّب بفكـرتك وسيعطيها أولوية قصوى، تبدأ في إنتاج النماذج الأولى من الفكـرة. تبدأ في دراسة هذه النماذج وتطويرها داخلياً قبل عرضها في الأسواق. ثم تقرر عرضها بالفعل؛ لتجد أن السوق لم يتجاوب معها بالشكل الكافي. ربما تجاوب معها سلبياً أيضاً!
 

شركة  ستيلكاس (Steelcase لصناعة الأدوات المكتبية)، قامت بإنتاج الكرسي المكتبي الدوّار Leap، وقدمت له 16 نموذجاً أوّلياً تم دراستها جميعاً على المستوى الداخلي. اختبار المنتج داخلياً جعله أكثر تطوّراً، وأضاف العديد من التقنيات إليه.

بعد ذلك، تم طرح المنتج للتجربة خارجياً؛ حيث تم عرض الكرسي واختباره في دار للمكفـوفين، بهدف معرفة آراء المستخدمين بخصوص تجربة المقعد. فخلصت التجارب إلى أنه من المهم أن يتم تخصيص بعض المقاعد التي سوف يتم إنتاجها ببعض المميزات التي تجعل التحكم في ارتفاعه وانخفاضه ودورانه عبر القدم؛ لأنه من الصعب التحكم في هذه الخصائص باليد؛ بالنسبة للمكفوفين.
 

هذه الملحوظة لم تكن ستيلكاس لتنتبه إليها أبداً، إلا بعد القيام بتجربة المنتج لدى شرائح من المستهلكين الخارجيين.


رابعاً: انتبه إلى الأفكار الجانبية التي قد لا تلقي لها بالاً

undefined

أحياناً، ومع حماسك لتنفيذ فكـرة معينة، قد تطرأ فكـرة جانبية هامشيّة قد لا تبدو بهذه الأهميّة بالنسة لك في البداية. هذه الأفكار الهامشية الجانبية قم بإعطائها بعض العناية واختبر قابليتها للتنفيذ، ولا تتعامل معها باستخفاف. ربما تكون هي السبب في نجاح المنتج كله أكثر من الفكـرة الرئيسة نفسها.

شركة "بيرسدورف" الألمانية، ظهرت لها فكـرة متميزة لإنتاج كريم  للجسد يقاوم البقع الداكنة التي تصيب البشرة لدى المسنين وذوي الحساسية، ويعمل على إخفائها. فكـرة جيدة مناسبة، لها سوق ممتاز، وبدأت بالفعل تجربة المنتج واختباره.

أثناء الاختبارات الأوّلية ظهـرت ملحوظات هامشية عديدة من المستهلكين الذين خضعوا للتجربة أن المنتج سيكون أفضل لو كان مُرطّباً للبشرة أيضاً. كثير من الملحوظات جاءت بهذا الخصوص؛ مما جعل الشركة تضع تركيبة تضمن أن يكون الكـريم مُرطّباً أيضاً، إلى جانب دوره الأساسي في إخفاء البقع الداكنة. هذه الفكـرة البسيطة -الجانبية- ساعدت لاحقاً في انتشار المنتج، وتحقيق واحد من أكبر نجاحات الشركة في العام 2002.

المنتج لم يكن يستهدف أصلاً ترطيب البشرة، ولكن الاستماع إلى الآراء جعل المنتج يخطو هذه الخطوة ويرفع من إمكانياته التي يقدمها، ويوفّـر ما يبحث عنه الناس بالضبط.


خامساً: لا تقع في حبّ فكـرتك!
أحياناً، تقع في غرام فكـرتك. هذا الغرام قد يورثك العناد، والرغبة الكاملة في تنفيذ الفكـرة كما هي دون أن تستشير الآخرين
أحياناً، تقع في غرام فكـرتك. هذا الغرام قد يورثك العناد، والرغبة الكاملة في تنفيذ الفكـرة كما هي دون أن تستشير الآخرين
 

أحياناً، تقع في غرام فكـرتك. هذا الغرام قد يورثك العناد، والرغبة الكاملة في تنفيذ الفكـرة كما هي دون أن تستشير الآخرين، ودون حتى أن تجرّب لها نماذج أوّلية. هكذا فقط، أنت عاشق للفكـرة وسوف تقوم بها دون أي محاولات لدراستها بشكل كافٍ !

في العام 1992، قامت شركة بوست سيريالز الغذائية بإنتاج حبوب للإفطار تحت مسمى: جيمي كريكيت وشنج ستارز. كانت هذه التسمية من المدير التنفيذي للشركة الذي صمّم على تسمية المنتج باسم المُطرب "جيمي كريكت"، وهي فلسفة تسويقية جيدة ومعروفة.

لكن غير الجيد هنا أن هذا المُطرب أشهر أغانيه "عندما نتمنى أمام نجمة (When You wish upon a star)" هي إنتاج العام 1940. أغنية قديمة للغاية، لم يكن لدى الأطفال في جيل الثمانينيات والتسعينيات أدنى معرفة بهذه الأغنية، في الوقت الذي يتم إنتاج الكثير من الأغاني العصرية المواكبة لجيل هؤلاء الأطفال؛ وبالتالي حقق المنتج نتائج سلبية تماماً في السوق. فقط؛ لأن المدير التنفيذي لم يكن مهتماً بسماع الآراء حولها؛ بل كان واقعاً في غرام الفكـرة. المدير التنفيذي كان يحب "جيمي كريكت"، ويحاول أن يُجبر السوق أن يحب جيمي كريكت!
 

سادساً: هل السوق أصلاً متعطّش لتجربة شيء جديد؟

أحياناً تظهر أفكار مميزة في رأسك، قد تكون بالفعل قابلة للنجاح؛ ولكن تفاعل السوق معها يكون محدوداً. كأنك تقدم طعاما شهيا إلى شخص شبعان انتهى لتوّه من الأكل. أو تقدم شراباً لذيذاً لشخص امتلأ من الميـاه فلم يعد يفكّـر أصلاً في الشرب.
 

من المهم أن تضمن أن السوق به ثغرة لمنتجك، وأن منتجك سيجد تلاؤماً لا بأس به في سياق حركة السوق الحالي. تذكــر النقطة الأولى التي ذكـرناها في هذا التقرير بخصوص "التوقيت المناسب". 

الأمر أشبه بالوقت الذي أطلقت فيه إحدى شركات الألعاب أداة للتحكم في ألعاب الفيديو بقبضتي اليد، تقدم أداءً رائعاً. ولكن المدهش أن السوق لم يتعامل بترحاب مع هذا المنتج -رغم روعته- لأنه كان قد تشرّب بشكل كبير لأداة اللعب المعروفة باسم جوي ستيك (joy stick)، والتي كانت تعتبر النموذج السائد للعب ألعاب الفيديو وقتئذ. السوق -ببساطة- لم يكن مستعداً للذهاب إلى أداة أخرى في ذلك الوقت الذي أثبتت فيه الـجوي ستيك كفاءتها وفعاليتها للتحكم في ألعاب الفيديو. وإن كان قد استوعب هذه الأداة الجديدة لاحقاً.

مرة أخرى نعود إلى منهجية التجريب والقياس للمنتج قبل طرحه في السوق؛ لأنها هي المنجاة الحقيقية من أي فشل.


سابعاً: ركّز بشكل كامل على التبسيــط

undefined

 

التبسيط هو أهم شيء. التبسيط إلى الحد الأدنى الذي يجعل المستخدم العادي التلقائي يهتم بمنتجك، مهما كان تعقيــده التصنيعي أو أبعاده الأخرى.

يظل التبسيط هو القاعدة الأساسية، كلما كان المنتج أكثر سهولة للاستخدام بواسطة المستخدم العادي، كلما كان ذلك أفضل لانتشاره ونجاحه

عندما تبدأ في اختبار النموذج الأوّلي لفكـرتك، عليك أن تستهدف بشكل أساسي الأشخاص الذين لا يعرفون أي شيء على الإطلاق بخصوص هذا المنتج. تقول قاعدة تسويقية مهمة:
الأشخاص الذين لا يملكون أي خبرة بمنتج ما، ولم يستخدموه مسبقاً أبداً، هم عادة أفضل الأشخاص في تقدير كيفية استخدامه والوقت المطلوب لتفهمه؛ بل وإبراز عيوبه الأساسية "المرتبطة بالاستخدام المبدئي" في زمن قياسي.

على سبيل المثال، لو كان مُنتجك هو هاتف نقّال جديد -مثلاً-.. فإن الأشخاص الذين لا يملكون أدنى معرفة مسبقة باستخدام الهواتف النقالة، هم أفضل من يمكنهم الإدلاء بآرائهم بخصوص المنتج وكيفية استخدامه والمشاكل التي واجهتهم.

طبعا الأمر يختلف بحسب السوق ونوعية المنتج الذي تعمل عليه؛ لأن بعض المنتجات تكون متخصصة للغاية. ومع ذلك، يظل التبسيط هو القاعدة الأساسية. كلما كان المنتج أكثر سهولة للاستخدام بواسطة المستخدم العادي، كلما كان ذلك أفضل لانتشاره ونجاحه.

أخيراً، تذكر دائماً أن أهم عنصر فعّال في نجاح فكـرة أي منتج أو خدمة، هو إخضاعها لعدد من المعايير المتعلقة بالسوق، وبالتوقيت، وبالخصائص. والعنصر الأهم: تجربة الفكـرة بخلق عدد من النماذج الأوّلية، وتطويرها بشكل مستمر، قبل لحظة إطـلاقها في الأسواق.

المصدر : الجزيرة