من بنى الأهرامات.. المهندسون أم الفراعنة؟
هذا السؤال ليس سؤالا يطرحه "ميدان"، بل هو سؤال مُلهم طرحه رجل الأعمال الراحل "فيلكس دينيس" في سيرته الذاتية (1)، عندما كان يتعرّض لمفهوم توظيف ذوي الكفاءة في شركاته، وكيفية إدارة المواهب. إلا أنه يبقى سؤالاً مثيراً للاهتمام بالفعل: من الذي بنى الأهرامات: الفـرعون نفسه أم المهندسون والعمّال ذوي الكفاءة؟ والسؤال المُكمّل: من الذي ينال المجد في النهاية ويخلّده التاريخ، الفـرعون نفسه أم المهندسون والعمّال؟
من أهم وأخطر الأمور التي يجب أن يولّيها روّاد الأعمال جُل اهتمامهم هو تكوين فريق مميّز من الموظفين، قائم بشكل أساسي على الموهبة والخبرة. لا بديل عن الموهبة والخبـرة في إنجاح أي مؤسسة من أي نوع، لا سيّما المؤسسات الصغيرة التي تحتاج إلى "الإبداع" لتحقيق نجاحات سريعة، كبديل عن النظام المؤسسي الذي قد يكون غير متوافر بعد في أروقتها.
إذا افترضنا أن المدير التنفيذي المؤسس للمشروع هو الفرعون، فالواقع أن دوره أصلاً ليس المشاركة – بنفسه – في بناء الهرم. إنما دوره هو بناء فريق عمل متميز يضم المهارات والكفاءات والخبرات التي تمكّنهم بشكل أساسي من تشييده. هنا أستعرض معك بعض الخطوات التي جاءت في كتاب (تحفيز الموظفين لأداء أفضل Motivating People for Improved Performance) يمكن من خلالها إدارة فريق عمل في شركتك الناشئة بشكل يحقق أعلى معدل من التميز والنشاط والكفاءة والقدرة على البناء.
ربما واحدة من أهم القواعد الأساسية الثابتة التي تجعل فريق العمل في أي منشأة شعلة من النشاط والتميز، هي أن يُشارك المدير التنفيـذي فريقه رؤية الهدف المتعلق بالأنشطة التي يمارسونها. هذا الأمر يجعل كل فرد في الفريق يشعر بمسؤولية أكبر لضرورة إنجاز العمل على أكمل وجه، ويبعد تماماً شبح الروتين.
لا يوجد شيء يثير حماس الموظفين أكثر من شعورهم بأن العمل الذين يقومون به – كلٌ في تخصصه – يساعد الشركة في تحقيق أهدافها ويسهم في نجاح العمل تجارياً. والعكس، لا يوجد أسوأ من أن ينعزل كل موظف في قطاعه الصغير يمارس عمله الروتيني المُعتاد دون أن يعرف أثر هذا العمـل بشكل إجمالي على الشركة.
شركة إيثيكون إندو (Ethicon Endo) الطبية المتخصصة في الجراحة في ولاية سينسيناتي الأميركية، تقدم ورشاً تدريبية ومحاضرات لعمّال التعبئة والتغليف وتعقيم المنتجات الطبية تساعدهم في فهم أهمية ما يقومون به، ومدى تأثيره على تنامي منتجات الشركة في السوق في أوقات معينة وبنوعيات معينة. الأمر الذي يجعل عامل التغليف يفهم ما يقوم به جيداً من ناحية، ويرى تأثيره على الشركة ككل من ناحية أخرى.
بشكل مستمر، ساعد فريقك في أن يقوموا بالوصول إلى الأهداف، مع إشعارهم الدائم أن تحقيق هذه الأهداف هو "الحد الأدنى" الذي تتوقعه منهم، وأنك دائماً تتوقع منهم أكثر بكثير. دائماً اجعل على لسانك جملة: أنا متأكد أنك ستحقق أكثر مما أطلبه منك. هذه الجملة أثرها في قلوب الموظفين لا يمكن وصف مداه.
بعكس الشائع لدى الكثير من المدراء، الموظف عادة لا يميل إلى أن يتم إملاؤه بنمط معين أو كيفية محددة لتأدية واجباته الوظيفية. فقط يكفي الموظف أن يعرف ما هو ضروري ليفهم طبيعة عمله جيداً، ثم يُترك وشأنه.
من المهم جداً أن تضع الشركات الناشئة المتميزة معايير عمل واضحة، ولكنها في نفس الوقت تكون مرنة فيما يخص كيفية إنجازها، وتفتح المجال للموظفين – بكافة اختصاصتهم – للإبداع الشخصي والارتقاء بهذه المعايير وفقاً لشخصياتهم وطبيعة أعمالهم.
خذ مثالا؛ إذا كنت مديراً لفريق مبيعات. دورك هنا أن تشرح كافة الاستراتيجيات والطرق والأدوات التي تجعل كل فرد من أفراد الفريق متفهماً للدور الذي يقوم به. ولكن هذا لا يعني أن تُملي عليهم الطريقة التي يجب أن يعملوا بها. قد يكون أحد أفراد المبيعات لديه القدرة على البيع والتسويق من خلال بناء العلاقات، بينما الآخر لديه كفاءة كبيرة في استخدام التقنية، في الوقت الذي يقوم فيه الثالث بزيادة مبيعاته عن طريق استخدام مهاراته الشخصية في التواصل.
باختصار، لا تحجر على مهارات فريقك، واترك لكل منهم مساحة واسعة لاستخدام خبراته وكفاءاته بعد أن تطعّمهم بالأساسيات الوظيفية الضرورية، وتشرح لهم بوضوح "الهدف العام" الذي تتحركّون إليه. ومقولة إدارية شهيرة وعظيمة تلخص هذه النقطة:
"إذا قمت بتوحيد الهدف لفريقك، فأنت لست مرغماً على توحيـد كيفيـة الوصول إليه. اتركهم يصلون إليه بإبداعاتهم، وراقب أنت من بعيـد."
المدير يجب أن يكون دائماً في ميدان المعركة. ليس المطلوب منك أن تقوم بأداء أعمـال معيّنة وسط الفريق – وإن كان هذا أفضل أصلاً -، إلا أنه على الأقل الحد الأدنى المطلوب منك أن تكون متواجداً بين أعضاء الفريق تألفهم ويألفونك. لا يشعرون بأن مـرورك في محطة العمل هو أمر استثنائي. من الضروري أن تشعرهم بأنك عضـو من الفريق حتى لو كان لديك بعض الخصوصية.
"إذا لم تكن تمضِ 10 % على الأقل من وقتك اليومي في التحدث إلى فريق العمل لديك، فتأكد أن الفريق غير راضٍ، وأن هناك مشكلات إدارية وتنظيميّة في الأفق."
هذه القاعدة وضعها "روبرت ليفيرينغ" الذي يعمل على التجميع السنوي لأفضل 100 شركة في الولايات المتحدة، يوضّح فيها ضرورة أن يكون هناك نسبة واضحة ثابتة من تواجد المدراء في بيئات الأعمال.
إحدى الشركات في الولايات المتحدة تسمى "ستيليكس" تقوم بصناعة الكراسي كانت تمرّ بمرحلة من التعثر استدعت تعيين مدير تنفيذي جديد لديها. كانت أول خطوة قام بها المدير التنفيذي الجديد "بروس ماكلينهام"، هو أنه أمر بنقل مكتبه الخاص في المبنى الإداري للشركة إلى أحد الأدوار داخل المصنع ذاته. وعندما سألوه عن السبب، كانت إجابته:
لأنني في الأساس مدير مصنع، ولست مدير مكتب.. أنا أذهب دائماً حيثما يتواجد الزبون، وأنا أنظـر إلى الموظفين داخل الشركة باعتبارهم زبائن يجب إرضاؤهم لمصلحة الشركة!"
بشكل عام، من المكروه في عالم الإدارة أن يتدخل المدير في كل صغيرة وكبيرة في العمل، لأن التدخل عادة يضايق عدد كبير من الموظفين، ويجعلهم يشعرون دائماً بأنهم مُحاصرين بما تمليه عليهم الإدارة فقط، مما يقلل من معدل الرضا الوظيفي بشكل كبير.
لذلك، من الضروري أن تضع الشخص الصحيح في المكان الصحيح. بعض الموظفين مثلاً لديهم قدرة فطرية واستمتاع ذاتي باتخاذ القرارات، بينما موظف آخر أكثر ما يخشاه هو أن يضطـر إلى اتخاذ قرار ما. لذلك من المهم أن تقوم بتوزيع الموظفين بناءً على خبراتهم ومهاراتهم أولاً، وما تستشفّه فيهم من قدرتهم على التعامل مع مناصبهم نفسياً أيضاً. بعض الأشخاص يتوقّون لاتخاذ قرارات فورية، يمكنك توظيفهم في مناصب مناسبة لهم. بعض الأشخاص يميلون للأعمال المكتبية والمعاملات. بعضهم لا يرتاح سوى عبر العمل بالكمبيوتر ورصد البيانات.
المهم أن تعرف ميولهم جيداً من خلال دراسة شخصياتهم، ومن ثم تحكم بالمكان المناسب للعمل فيه. الأمر ليس خاضعاً فقط للقدرات المهنية والوظيفية، بل أيضاً خاضع للميول النفسية وطبائع الشخصيات.
ثمة خطأ شائع أن النجاح في الشركات الناشئة يكون بطيئاً بسبب نقص الموارد وقلة الإمكانيات. هذا صحيح إلى حد كبير، ولكنه لا يمنع أبداً من اهتمامك كمدير تنفيذي في توفير أكبر قدر من الأدوات يمكن توفيره للموظفين، لترقية أعمالهم وانجازها بشكل أسرع.
دراسة أجرتها مؤسسة غالوب (Gallup) العالمية للإحصائيات، تقول إن من أهم الأمور التي تزيد من انتاجية الموظفين في أي منشأة هو توافر الأدوات والمواد التي يحتاجونها لإنجاز عملهم المباشر. لذلك، من المهم أن توفّر ما تستطيع من موارد وأدوات للموظفين للقيام بأعمالهم – بقدر المستطاع -. إذا كان أحد الموظفين يحتاج تحديثاً لنظام برمجي يساعده في القيام بعمله بفاعلية، لا تتردد في دراسة الأمر والبدء في تحقيق مطلبـه. كافِح من أجل مساعدته للحصول على هذا التحديث.
الشكـر هنا لا يكلف بالضرورة الكثير من المال. صحيح أن الدعم المادي بالحوافز والمكافآت من أكثر الأمور أهمية لتنشيط الموظفين، وحثهم على الاستمرار في النجاح والتميز، إلا أنه أيضاً من الضروري أن تكون بيئة العمل عامرة بالشكر المعنوي.
بعض الشركات تشجع الموظفين في قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مكان ترفيهي مميز. شركات أخرى تمنح الموظفين قسائم شراء إضافية من متاجر متميزة. بعض الشركات تنظّم برامج إجازات جيدة جداً لموظفّيها الأفضل في الإنتاج. المعنى أنه من الضروري أن يكون هناك منظومة تحفيز جيدة مهما كانت الشركة صغيرة الحجم.
الأمر الأساسي في الموضوع هو السرعة. بمجرد أن يقوم الموظف بإنجاز عمله بشكل مميز، من المهم أن يتم إعطاؤه مكافأة مادية أو معنوية فوراً حتى لو كانت المكافأة ليست كبيرة، إلا أن أثرها داخل الموظف يكون طويل المدى. لا يمكنك أن تتخيل كم تترك المكافآت المادية والمعنوية من أثر إيجابي داخل الموظف.
في بعض الشركات يقوم المدراء بتخصيص يوم في الشهر للطبخ للموظفين. شركة ليغو الأميركية تجبر موظفيها في أحد الأيام بركوب الدرّاجات. شركة بين آند جيريز (ben and jerry’s) كـل موظّف يُمنح عبوتين آيس كريم مجاناً لأسرته يومياً بعد انتهاء الدوام! (2)
إحدى الشركات تقوم الإدارة فيها بإرسال باقة زهور إلى الموظف المنهمك في العمل دون أن يعرف من أرسلها. شركة أخرى تقوم بوضع إطار على الحائط أمام الموظف، يمكنه من جمع هواياته واهتماماته خارج إطار العمل. ناهيك عن شركات تفاجئ موظفيها بقطعة شوكولاتة لذيذة في انتظاره صباحاً!
من المهم أن تكون بيئة العمل عامرة بالمرح بقدر الإمكانيات المتاحة. والأهم أن تكون عناصر المرح في العمل تدعو إلى الانتاج بشكل أفضل، وليس إلى التراخي والكسل أو التحوّل بشكل كامل إلى الترفيه على حساب جودة العمل. أو كما قال أحد المدراء التنفيذيين لشركة بوينغ العمـلاقة أن شعار الشركة هو: "كن مرحاً، وحقق ربحاً إضافياً أيضاً."
تذكـر دائماً أن بناة الأهرام كانوا عمّالا وموظفين ومهندسين مبدعين وليس الفرعون نفسه. الفرعون لم يكن سوى مُشرف ذكـي يتابع العاملين لديه، ويحرص على إيكال الأعمال لذوي الكفاءات والمواهب الذين يمكنهم خلق نظـام مبدع قادر على إنشاء هرم أسطوري يتحدث عن روعته وعظمته الجميع. الإدارة الصحيحة للمواهب والكفاءات هي المفتاح الوحيد لتحقيق إنجازات كبرى لشركتك الناشئة في زمن قياسي.