جولة في "كواليس" مجموعة من الشركات العالمية
ولكن الجميع عادة لا يفكّــرون في – ما وراء الكواليس – لهذه الشركات والمؤسسات على اختلاف أنشطتها. الطبيعة الإدارية والإنسانية والاجتماعية التي تغلف نشاطات هذه الشركة بعيداً عن الأضواء. طريقة التواصل بين الموظفين بعضهم ببعض، والمدراء.. وحتى طريقة التفكيـر العامة التي جعلت هذه الشركات تصل إلى ما وصلت اليه من نجاح وتميّز..
ديف هيمساث، كاتب ومؤلف أمريكي قام بإجراء جولة كبيرة في كافة أنحاء الولايات المتحدة لرصد تجارب الشركات المختلفة في كافة المجالات الصناعية والتجارية، مركزاً على التفاصيل التي تجري فيما وراء الكواليس لهذه الشركات، وقام بتدوينها في كتاب بعنوان ( 301 طريقة للمرح في العمل )..
هذا الكتاب يعتبر من أهم الكتب التي صدرت في مجال بيئات الأعمال، يستعرض الكثير من المواقف التي قد تبدو طريفة ومدهشة بالنسبة للكثيرين، إلا أنها أيضاً – هذه المواقف – تعتبر كاشفة تماماً بخصوص جانباً من جوانب نجاح هذه الشركات، هنا، نعتمد على قراءة هذا الكتاب في عمل جولة سريعة على بعض من المواقف التي تحدث داخل العديد من الشركات العالمية والتي تكون في الخفاء بالنسبة لنا.. أو " ما وراء الكواليس " كما يطلق عليه السينمـائيّون.
شركة للخدمات القانونية اسمها Raleigh، تقع في ولاية نورث كارولينا. هذه الشركة كانت قد أجرت استطلاعاً بين موظفيها بخصوص أفضل النواحي الأدبية التي يفضلون القراءة بها، فكانت الأغلبية أن لديهم شغف بقراءة مسرحيات شكسبير.
النتيجة أن الشركة قامت بتوزيع كتب ومسرحيات شكسبير مجاناً على جميع الموظفين، وقامت باستدعاء محاضر متخصص في أعمال شكسبير لإلقاء محاضرة عن شكسبير ومسرحياته؛ الأمر الذي قابله كافة موظفي الشركة بالاستحسان.
مجموعة برونسون للرعاية الطبية Bronson Healthcare Group، تعتبر واحدة من أفضل الشركات العالمية في هذا المجال، هذه الشركة تقوم بإجراء إداري بسيط للغاية ولكن مردوده المعنوي مهم جداً بالنسبة للموظفين.
وهو أن يلتزم كل مدير من مدراءها في كافة الأقسام بإرسال 12 رسالة تقدير إلى أفضل الموظفين الذين حققوا إنجازات جيدة خلال 3 أشهر، ويكون كل مدير ملتزم برفع هذه الرسائل إلى الإدارة العليا كدليل لهم أنه ملتزم بعملية تقدير آداء الموظفين، وإلا تعرّض المدير إلى العقوبة.
في شركة مجموعة أتلانتا للاستشارات، كان مفهوم (تحفيز الموظفين) أمراً مهماً جداً بالنسبة لأحد مدراءها التنفيذيين؛ الذي قرر أن يتبع عادة شخصية غريبة نوعاً لإلزام نفسه بتقدير العاملين، كان يقوم بوضع خمس عملات معدنية صغيرة في جيبه، ثم يقرر وضع أحد الموظفين لديه تحت المراقبة لرصد آداءه ومستواه طوال اليوم وفقاً لمعايير محددة. ومن ثم يقوم بنقل تلك العملات في جيبه بشكل تدريجي إلى الجيب الآخر، كلما لاحظ أن هذا الموظف يؤدي مهمة بشكل جيد أو يتمتع بمهارات خاصة.
في نهاية اليوم ينظر إلى عدد العملات التي نقلها من جيبه إلى الجيب الآخر، وبالتالي يمنح الموظف تقييما من خمس درجات. تصرّف شخصي بسيط، ولكنه استطـاع أن يحافظ على نظامه كمدير في تقييم آداء الموظفين بشكل يومي.
إدارة الشركة طلبت من كافة الموظفين في كل الأقسام تحديد أبرز الأعمال والمهام التي يعتبرونها مملة وروتينية للغاية ويشعرون بالضيق أثناء تأديتها، ومع ذلك لا غنى عن وجودها في إجراءات العمل. يقومون بكتابة هذه الأعمال بشكل مفصّـل ويرسلونها للإدارة.
ثم قامت الشركة بإسناد هذه الأعمال الروتينية المملة إلى مقاولين Outsource من خارج الشركة لإنجازها، بحيث يركز الموظفون والعمّال لديها على الأعمال المهمة والإبداعية والممتعة فقط دون تبديد أوقاتهم في أعمال مملة أو بغيضة بالنسبة لهم.
في الثمانينيات والتسعينات، كانت وظيفة (استقبال المكالمات) التي تعتبر أهم ركن في قسم خدمة العمـلاء، تعتبر واحدة من أكثر الوظائف التي تشهد معدلات مرتفعة جداً في تقديم الاستقالات وذكـر الكتاب أن معدل الاستقالات من هذه الوظيفة تحديداً كان يصل إلى 35 % في بعض المراحل، ما يعادل ضعف معدل الاستقالات في وظائف أخرى.
السبب الأساسي لهذا النفور الهائل من هذه الوظيفة تحديداً هو ضرورة أن يلتزم الموظف بإطار محدد من الحديث مع العميل في وقت محدد تحت مراقبة صارمة، تحدد له كل العبارات التي يجب أن يقولها للعميل في كافة المواقف. هذه القاعدة تجاوزتها شركة Zappos.com، التي أصبحت الآن جزءاً من شــركة (أمازون).
في شركة Zappos.com لم يكن هناك نظام رقابة صارم ومزعج كالذي يطبق في معظم مراكز خدمة العملاء في العالم – وقتئذ -.. الموظف يُمكنه ببساطة شديدة ان يستغرق في مكالمة طويلة مع العميل، بلا أي رقيب أو حسيب أو حتى نص مسبق يلتزم به، وعلى الرغم من كون هذا الاجراء يعد كارثيـاً بالنسبة للمسؤولين في مجال خدمة العملاء، إلا أن النتيجة كانت مبهــرة على عدد الاستقــالات من الشــركة التي قلت إلى أدنى مستوياتها.. لمجرد شعور الموظف بالحرية في الحديث.
أما شركة Jet Blue الأمريكية للطيران، فقد قررت في التسعينات اتخاذ إجراء غريب جداً في هذه الفترة، هو أن يعمل كافة موظفيها في قسم " خدمة العمـلاء " من المنزل!، بعد تطبيق هذا الإجراء، كانت المفاجأة أن خدمة العمـلاء التي تقدمها الشركة قد ارتفع مستواها بشكل قياسي، شملت التفاعل مع العملاء والانتاجية والرضا الوظيفي، وحتى معدلات طلبات الاستقالة من الشركة.
هذا الأسلوب – العمل في مجال خدمة العملاء من المنزل – انتهجته شركات أخرى كبرى حول العالم، بهدف الاستفادة من مستوى الانتاجية العالي الذي يحققه الموظفون من العمل في منازلهم، وايضاً خفض تكاليف التوظيف وتقليل العبء المالي والإداري الكبير المُلقى على الشركة في توفير مكاتب وادوات ومعدات خاصة لهذا القطاع.
بنك أوف أمريكا، واحد من أضخم بنوك العالم.. قام فرعه في سان فرانسيسكو بتنظيم مسابقة مرحة اسمها (تحدي يوم الضحك Laugh Day Challange)، حيث يحاول كل موظف في ذلك اليوم بإضحـاك بقية زملاءه من خلال إلقاء النكات أو تنظيـم عرض Stand Up داخل بيئة العمل، والفائز الذي يستطيع بإثارة الضحك بأكبر قدر ممكن بين زملاءه، يحصل على هدية متواضعة – ساخرة أيضاً عبارة عن مجموعة من الكتيّبات التي تحتوي أفضل النكات والطرائف.
أما فندق Hayatt شيكـاغو، يقوم المدير التنفيذي بتنظيم اجتماع سنوي مع كافة الموظفين في الفندق، ويتولى خدمتهم بنفسه وتقديم الوجبات والمشروبات لهم، ويلعب دور النادل.. وفي نهاية اليوم يتم عقد احتفال، يقوم بتوزيع مجموعة من الجوائز المالية والمعنوية على أفضل الموظفين خلال العام.
وهو تصرّف شبيه لما تقوم بيه شركة Advanta Corporation الواقعة في ولاية بنسلفانيا، حيث يقوم المدراء التنفيذيون بتخصيص يوم يقومون فيه بارتداء ملابس الطبخ، وتولي المسئولية الكاملة عن طبخ الوجبات في هذا اليوم وتقديمها للموظفين وعائلاتهم.
شركة أمريكية اسمها Quick Solutions، بعد تعيين الموظف مباشرة، تقوم خلال الاسبوع الأول من العمل بإرسال " صندوق مليء بالمواد الغذائية إلى منزله ".. الامر الذي يجعل عائلة الموظف نفسها تشعر بالسعادة لانتمائه لهذه الشركة.
الأيام الأولى للموظفين الجدد في فيسبوك، يقوم فيها مارك زوكربيرغ بأخذهم إلى جولة في احدى الغابات الساحرة، يقوم فيها الرئيس التنفيذي للشركة الضخمة " بكسر الجليد " مع موظفيه. بينما أول يوم عمل في " لينكيد إن " يحصل الموظف على حقيبة كبيرة مليئة بالهدايا، ونسخة من كتاب قام بتأليفه مؤسس الشركة!
في جوجل، أول يوم في العمل يتم توزيع غطاء رأس على الموظف الجديد يحمل اسم (Noogler) بمعنى أنه موظف جديد في الشركة، أما جاك دورسي " أحد مؤسسي تويتر " فقد اعتاد على اصطحاب الموظفين الجدد في جولة لزيارة تمثال غاندي..
بالنسبة لموظفي أبل الجدد يحصلون على أحدث منتجات الشركة مجاناً في اليوم الأول، بينما تمنح مايكروسوفت موظفيها الجدد حقيبة مليئة بالحلوى، وتنظم (About.me) جولة سياحية لمقر الشركة وحفلات كبيرة للموظفين الجدد الذين أصلاً يعملون في الشركة عن بعد.
شركة بيجاسس برسونال فيتنس للألعاب الرياضية في دالاس، تنتهج منهجيـة متميزة فيما يخص تحفيز العاملين لديها. ببساطة، تعرض الشركة أمام العاملين مجموعة من الخيارات التي يمكن تقديمها كحوافز لهم، وهم الذين يحددون الأنسب لهم، على أن تتراوح قيمة هذه الحوافز ما بين 25 إلى 200 دولار، وفقاً لتحقيق أهداف أسبوعية مقررة في العمل.
بعض الموظفين اختار ان يأخذ الحوافز على شكل مبلغ مالي، وبعضهم يختار أن تكوم الحوافز عبارة عن تذاكر لحضور حفلة غنائية، وبعضهم يطلب تذاكر لتأجير سيارات أجرة، وبعضهم يطلب ان يوضع الحافز بالتراكم لدعم برنامج عطلته الصيفية في نهاية العام، إلخ.. يقـول رئيس الشـركة: الموظفـون على دراية أكثر مني بما يحفـزهم.. دوري فقط يقتصـر على سؤالهم!
شركة دلتا الأمريكية للطيران تعتبر من مشاهير شركات الطيران فى الولايات المتحدة، وأيضاً لها الكثير من القصص المدهشة فيما يخص نظام الادارة داخلها، يكفي أن تعرف ان آخر إضـراب شهدته هذه الشركة المميزة كان في العام 1942، أي أنها لم تشهد إضرابا منذ حوالي 75 عاماً.. كلمة إضراب عمّـالي غير معروف أصلاً لدى أجيال من العاملين في هذه الشركة.
هذه الشركة تتميز بأنها تمنح موظفيها (الشعور العائلي) الذي يجعل كل موظف يشعر كأنه في منزله وليس في مكان عمل. كما أنها طوال تاريخها لم تقم هذه الشركة بفصـل عامل واحد من عمّـالها حتى في لحظات الكساد في مواسم الطيران.
حتى أن أحد رؤساء هذه الشركة قال في تصريح له انه دائماً يكون حريص على تنظيف سجاد المكتب الخاص به شهرياً ذلك لأنه دائماً يستقبل العمال والميكانيكيين والطيارين والموظفين في مكتبه في أي وقت، دون أن يكونوا في حاجة للمرور على أي سكرتارية أو ترتيب أية مواعيد مُسبقة الا نادراً.
من مواقف هذه الشركة أن أحد العمّال وجد أن الشيك الذي تلقّاه مقابل دورية ليلية ينقص من الأجر المستحق 38 دولاراً بالضبط. فقام برفع شكوى لمديره الذي لم يستطع حل المشكلة سريعاً، فتوجه إلى رئيس الشركة ونقل اليه الشكوى، بعد مرور أيام، تم إرسال بقية المبلغ إلى العامل المتضرر، ثم تم إطلاق مشروع لتغيير سياسة الاجور بالكامل داخل الشركة ورفع مرتبات الموظفين الذين يعملون بساعات عمل اضافية.
شركة Cognex التي تعتبر من اهم الشركات الأمريكية في مجال صناعة البرمجيات والآليات، يدور في أروقتها أمور مدهشة هي مزيج من المرح والادارة الذكية والابداع في التواصل مع الموظفين.
من بين هذه الأساليب ان الشركة لديها نشيد خاص يتعلمه كل موظف جديد، ويتم ترديده في كافة الاجتماعات او الاحداث الكبرى التي تشهدها الشركة. فضلاً عن وجود تحية خاصة لموظفي الشركة، بأن يقوم الموظف بوضع يده اليمنى عموديا على أنفه، ويردد عبارة: نحافظ على ما وصلنا اليه من نجاح، وننميه إلى الأفضل.
كما تقدم الشركة مجموعة ضخمة من الحوافز للموظفين الذين فاقوا التوقعات في الآداء والانضباط. أما الموظف الذي يتجاوز مدة الخمس سنوات في العمل في الشركة فيحصل على دبّوس خاص مرتفع السعر، أو رحلات مجانية تماماً هو وأسرته إلى اي مكان داخل او خارج امريكا.
الشركة تنظم أيضاً " رحلات " إلى دور السينما والمسارح مرتين شهرياً لكل موظف وعائلته، كما تتيح للموظف فرصة تغيير ديكور بيئة العمل الخاصة به وفقاً لمعايير وميزانية معينة كل فترة، والحق في اخذ فترات راحة يقومون بممارسة الرياضة فيها أثناء دوام العمل، ومن أكثر الطرائف المتبعة في هذه الشركة، هو مفاجأة الموظف في صباح أحد الايام بأن اليوم سيكون عطلة، ويمنحونه 100 دولار وحقيبة بها مستلزمات الشاطئ وكرة شمسية، ثم يضعون الموظف في حافلة تنطلق إلى الشاطئ.. هكذا ودون سابق انذار!
شركة المطاعم الأمريكية (ماكارونيجريل Macaroni Grill)، قامت بتقديم خدمة غريبة نوعاً لجذب المزيد من الزبائن الجدد، وهي أنها تقوم بتعليم العمـلاء كيف يعدّون الطعام الذي ينتجه المطعم بأنفسهم في المنزل، المطعم يعرض دروساً في الطهي للعمـلاء بأشكال مختلفة، وذلك بهدف تحسين مهارات الطهي لديهم. كانت هذه الخطوة سبباً في جعل المزيد من العمـلاء يتعرفون على المطعم بشكل كبير، ويعترفون بقيمته الاجتماعية أيضاً لأنه يقدم لهم المنتج والطريقة أيضاً!
أما شركة National Discount Brokers هي شركة خدمات مالية مقرّها في ولاية نيوجرسي. هذه الشركة انتهجت منهجاً مختلفاً عن المعتاد بخصوص شركات الخدمات المالية التي تكون شديدة الرسمية في التعامل مع العملاء والمستثمـرين.
استحدثت الشركة في نظام بريدها الصوتي اضافات مثيرة للدهشة، حيث يمكن للعميـل الذي يتصل بالرقم المجاني لخدمة العمـلاء أن يستمع إلى قائمة من الخدمات التي تقدمها الشركة. ومن ضمن هذه الخدمات، انه إذا كنت تريد أن تستمع إلى صوت (البط)، فعليك ان تضغط رقماً محدداً، هذه الطريقة التي قد يعتبرها البعض نوعاً من السخافة، ساهمت في رفع عدد المكالمات الواردة من 5 آلاف مكالمة يومياً إلى أكثر من 30 ألف مكالمة يومية، وانتشار الآراء الإيجابية عن الشركة باعتبارها شركة مرحة ولطيفة وموثوق فيها.
كل شركة في العالم يتم تأسيسها يكون غرضها الأول والأخير هو تحقيق النجاح في مجال عملها. ولكن دائماً هناك عدد قليل جداً من هذه الشركات هو الذي يستطيع جذب الانظار إليه ببعض الأمور التي تكون عادة بسيطة للغاية، ومع ذلك يكون أثرها كبيراً، الواقع يؤكد دائماً الأفكار البسيطة وآليات العمــل التي تركز على العفوية والترفيه والمرح، غالباً ما يكون أثرها أكثر وقعاً واستدامة، والأهم: أكثر انتاجية للشركة أيضاً.
ما يجب أن يعرفه كل ريادي أعمال أو صاحب مشروع تجاري هو أن زمن العمل التقليدي الذي يبدأ في التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً قد انتهى بغير رجعة. العصر الذي نعيشه متسارع للغاية، كل فرد منا أصبح أكثر انشغالاً بحياته ومشاكله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد مخرجاً إبداعياً لشركتك إلا إذا قمت بتوفير بيئة مرحة وممتعة في كل تفصيلة من تفاصيل العمل.
هذا هو القانون الذي تعمل به كافة المؤسسات الريادية الآن. الإدارة التقليدية الجافة انتهت إلى غير رجعة!