البدايات هي الأصعب.. كيف تدير الشهور الأولى لمشروعك الناشئ؟

لحظـة إقلاع الطائرة هي الأصعب قطعًا، اليوم الأوّل لبدء اتباع حمية غذائية هو أكثر الأيام طولاً ومشقة بالنسبة إليك، التجربة الأولى لقيادة السيارة تبدو كذلك صعبة ومعقّدة، الأمر ذاته ينطبق على تأسيس الشركات، فلحظـة إطلاق مشروعك الناشئ هي المرحلة الأكثر صعوبة بلا شك، ولا يمكن مقارنتها بأي مرحلة أخرى من مراحل نمو مشروعك لاحقًا. الثلاثة شهـور الأولى من إطلاق مشروعك الناشئ تعدل تماما الدقائق الأولى من إقلاع الطائرة، الذي يتطلب بذل جهد خاص وتركيز عالٍ وصبر وتماسك أعصاب، واتّباع إرشادات ثابتة معروفة تؤدي إلى إقلاع آمن، وهو ما نفعله هنا؛ الإشارة إلى بعض الخطوات التي ينبغي أن توليها اهتمامًا خاصًا في المائة يوم الأولى، حتى تضمن "إقلاعًا آمنًا" لمشروعك الخاص.

"في أول 100 يوم من إطلاق مشروعنا الخاص، الهدف الأول والأخير هو أن نخبر الناس بأننا موجودون.. لا أكثر ولا أقل"
– داميان جينسكي، رائد أعمال أميركي.
في الشهور الأولى لميلاد الشركة الناشئة، كـل مكان يمكن أن يعرّف (الآخرين) بك يجب أن تحجز فيه موطئ قدم، سواءً كان هؤلاء الآخرون عمــلاء أو مزوّدين أو موزّعين، أو حتى مهتمين بالشراكة والاستثمار.
أطلق موقعا ًإلكترونيا، وتطبيقاً ذكياً، وموّل حملات على السوشيال ميديا، وأبدع علامة تجارية مميزة، وقدّم عروضاً مغرية، واطبع أدلة إعلانية، وأطلق سيلاً من الاتصالات مع كل من ترى التواصل معه مهما. فمثلاً.. في العام 2006 أرسل متجر ASOS الإلكتروني 400 ألف دليل بيع وشراء مجانًا إلى الزبائن المحتملين، ما نتج عنه انتعاش كبير في حركة إقبال العمـلاء.
وفي العام 2007 مع تأسيس شركة تويتر للتدوين المصغّـر، استهدفت الشركة كافة التجمّعات التي تهم المدوّنين، وكافة الـ events التي يحتمل وجودهم فيها، والتي كانت سببًا في إحداث نقلة كبيرة من 20 ألف تغريدة يوميًا إلى 60 ألف تغريدة بعد شهور قليلة من إطلاق الموقع.
الناس عادة يُعجبـــون بالضجيج المحيط بمشــروع ما، ربما أكثر من إعجــابهم بالمنتج أو الخدمة ذاتها.. هذه القاعدة شديدة الشهــرة في عالم التســويق، وتجـــعل الآلاف يهتمّــون بمنتج أو فكــرة مشروع أو شركة ناشئة، فقــط من خلال ترويج مختلف ومميــّز لها طوال الوقت، كلما زاد الضجيج زاد عدد المستهلكين المحيطين بمشروعك، واستطعت أن تلتقط شريحة أكبر من العملاء، والتقاط العمـلاء بشكل سريع في بداية مشروعك هو إشارة واضحة أنك بالفعل تجتاز مرحلة الخطر.
جاك ويلش، المدير التنفيذي السابق لجنرال إليكترك، يقول: "إذا لم يكن لديك مزيــة تنافسيــة.. فلا تدخل المنافسة!" if you don’t have a competitive advantage, don’t compete
لا يمكـن لشركة جديدة ناشئة أن تظهــر في مجال ما -أي مجال- إلا ولها منافسون حاضرون في الواقع، ولهم تاريخ في السوق، وثقة لدى المستخدم، العميل لديه شغف تلقائي تجاه أي منتج أو خدمة جديدة، والميزة التنافسية الأهم التي يجب أن يتميز بها مشروعك الناشئ الوليد لجذب نظر العملاء، هي أن تقدم منتجًا عالي الجودة بسعر معقول.

الهدف في الشهور الأولى هو (لفت نظر العميل) أولاً.. ثم -لاحقاً- استهداف المال الذي في جيبه. الغزلان تستلقي بجانب الذئاب أحياناً. الحكيم الاستراتيجي الصيني (صن تسـو) مؤلف كتاب "فن الحرب"، له مقولة استراتيجية مأثورة وشهيرة، تقول: "إن كان صديقك قريباً، فاجعل منافسك أقرب" وهي المقولة التي تنطبق أكثر ما يمكن على عالم البيزنس وتأسيس الشركات الناشئة، التي عبّـر عنها بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت بتعبير آخر أكثر قوة، قائلاً: "أحياناً، يجب على الغزلان أن تستلقي بجـانب الذئاب".
عندما تبدأ شركتك الناشئة ستجد أن الساحة مليئة بالذئاب التي تحتل أماكنها في السوق، والطبيعي هنا أن تقترب من هذه الذئاب أكثر، وتمد جسور العلاقات بينك وبينهم، وليس إشعال العداء غير المبرر، وجود منافس قوي في السوق ليس خطرًا بقدر ما هو دافع يدفعك إلى تطوير شركتك الناشئة بشكل أسرع، بل إن الحرص على علاقة جيدة مع منافسيك يجعل المنافس نفسه يتعامل معك باهتمام، وربما يتعــاون معـــك في مرحلة ما.
أوضح مثال على "اجعل منافسك أقرب"، ما حدث بين شركتي "مايكروسوفت" و "أبل" المتنافستين، عندما استثمرت مايكروسوفت في العام 1997، نحو150 مليون دولار في أسهم شركة أبل المنافسة لها، لتنقذها من أزمة طاحنة وتخرج كلتا الشركتين -المتنافستين- بصفقة رابحة. ما جعل كثيرين يصفون العلاقة بين الشركتين المتنافستين -حتى الآن- بأنها علاقة حب وكراهية متبادلة "A love-hate relationship"
اسع إلى تكوين علاقات مع الجميع طوال الوقت، وأبقِ منافسيك على مقربة منك، خصوصاً في الأيام الأولى لشركتك الناشئة، المنافسة هي أكثر شيء يجعلك دائمًا على اطلاع دائم على ما هو جديد في الساحة، بل ربما هذا التقارب ينقذك لاحقا عندما تقع في أزمة ما، أو حتى عندما تقــرر أن تستقطـب بعض العاملين لدى منافسك للعمل لمصلحتك في مرحلة ما، هذا هو عالم البيزنس، وهذه هي قواعده!

أهم ما يجب أن تركّز فيه خلال المائة يوم الأولى من إطلاق مشروعك الريادي، هو التركيز بشكل كامل على ضبط حركة التدفقات النقدية، أو بمعنى آخر: الميزانية، ففي هذه الشهور ينبغي لكل قرش أن يصرف في المكان الصحيح.
في الفتـرة المبكرة لبداية المشروع، عادة تكون حركة النفقات تقوم على مبدأ واحد: الاقتصاد في الإنفاق، وتوجيه رأس المال لكل نشاط يجذب المستهلكين، وهو ما عبّـر عنه بشكل مركّـز فيليكس دينيس في كتابه "88 خطوة لتحقيق النجاح وتصبح ثريًا":
– أبق المرتّبات منخفضة إلى الحد الأدنى
– لا توقع عقود إيجار طويلة الأجل
– لا تصرف على أي كماليات في المكتب والأثاث
– ادفع الرواتب في موعدها تماما حتى لو على حسابك الخاص
– تعوّد على التقشف في هذه الشهـور الثلاثة تحديدًا.
التدفق النقدي هو شريان حيـاة مشروعك الخاص، ومن الضروري أن تخطط دائماً (للأسوأ) في بدايات مشروعك، في الوقت الذي تأمل فيه الأفضل.

عندما تبدأ مشــروعك الناشئ، غالباً ستجد معظم المحيطين بــك قلقيــن، وربما بعضهم غير مقتنع.. من أهم أدوارك مؤسِّسًا للمشــروع في هذه الفترة أن تحفّز كلَّ من عــاونك، سواءً شركــاء أم موظفّون، بأن تعدهم أن القادم أفضــل بكثير، وأنك تثق تماماً في أن الشركة ستحقق منجــزات عظيمة خلال الفتــرة المقبلة ستنعكس على الجميع بمكافآت سخيّة.
هذا الوعد ليس توريطــاً لك بقدر ما هو التزام، فمؤسس المشروع عندما يعد شركاءه ومعــاونيــه بمكــافآت سخية فيما بعد، هو في الواقع يضع على نفسه التزاما صارمًا بضرورة إنجــاح المشروع ليس فقط لمصلحته الشخصية، ولكــن إحقاقًا لكلمته لمعاونيه وشركائه بمكافآت مميــزة فيما بعد.
العامل أو الموظف لن يعمل في شركة ناشئة من الصفــر، إلا إذا تلقّى وعودًا بشكــل أو بآخر بتحسّن الأوضاع؛ لأن قلقه من فكــرة أنها شركة صغيــرة ناشئة ربمــا يدفعه للامتناع عن العمل فيها، والبحث عن شركات أخرى أكثر استقراراً توفّــر له مميزات مادية مستقــرة ومستمرّة.
الوعد بانفراج الأزمات والوصــول إلى أفضل الأوضاع الممكنــة وتجاوز هذه المرحلة الصعبة وتحفيـز الآخرين للعمـل معــك بقدر ما يستطيعون؛ أمر شديد الأهمية في المائة يوم الأولى من تأسيس الشركة.

تابع كل التفاصيل بنفسك في المائة يوم الأولى، حل المشكلات، تواصل مع أكبر مساعديك إلى أصغر موظف أو عامل الشاي، لا تتــرك تفصيلة صغيرة أو كبيرة إلا وضعت نفسك بها، للدفع أو الحل، أو التطوير.
في الشهور الثلاثة الأولى يجب أن تكون في الصفوف الأولى لكل شيء في إدارة الشركة وعمــلها، وأن يراك الجميع حاضرًا طوال الوقت، سواءً في مشكلة فنية في المنتج أم في الخدمة التي تقدمها، مرورًا بدفع فواتير الكهرباء، وليس انتهاء بالجلوس مع أحد الموظفين لحل مشكلتــه النفسية التي تعيقه عن التركيــز في العمل. حتى (التفويض) رغم أهمّيته، حاول أن تقلل منه بقدر الإمكان وأن تتصدّر المشهد دائماً، وألا تفوّض الأعمال – حتى الكمالية – للآخرين، كن موجودا في الصفوف الأولى على كل الجبهات.
باختصار: الثلاثة أشهر الأولى من إطلاق شركتك الناشئة، أنت في المعركة طوال الوقت، تركز في أدق التفاصيل وأصغرها، دائم الحضور، دائم التواصل مع الموظفين، دائم الاطّــلاع على كل المستجدات لحظة بلحظة.
روّاد الاعمال يعُدون الصبـــر أحد أهم مفاتيح نمو الشركة الناشئة، وهذا صحيح بلا شك.. لكن يجب أن تتذكر أن الشركة الناشئة التي أسستَها فرصُ اختفائها وفشلها أكبر بكثير من فرص استمرارها، خصوصاً إذا كان مجال مشروعك له منافسون كبار في السوق، لذلك يجب أن تكون في الشهور الأولى قادرا على التمييز التام ما بين الأخطاء العفوية التي يرتكبها فريقك والأخطاء غير القابلة للإصلاح.
في كتاب "أحبهم أو أكرههم" الذي يتحدث عن آليات استبقاء أفضل الموظفين في الشركة، خصوصاً في المراحل الأولى، جاء فيه: "بلا رحمة، وفورًا، وفي الحال، افصـــل المتمــارضيــن وغير الأكْفَـــاء ومسببّي المتاعب مهما أظهروا لك أنهم قادرين على الدفع بالشركة الوليدة إلى الأمام.."
السبب أن هذه ال7ماذج تحديدًا تُعد ثغرات خطيرة قد تؤدي إلى انهيار المنظومة الوليدة التي أنشأتها، نظرا إلى أنه لا توجد عوامل تهدد وجود المؤسسات الوليدة الصغيرة أكبر من التراخي أو ضعف الكفاءة.
في المائة يوم الأولى، اضمن أن معسكرك لا يوجد به ثغرات كبيرة، كل المحيطين بك -سواء شركاء أم مساعدون أم موظفون- يجب أن يكونوا على قدر كافٍ من الالتزام لدفع العجلة إلى الأمام، الحـــزم هو شعـــار المرحلة ما دمت متأكدا تمامًا من قدرتك على التمييــز الصحيح.
بشكل عام، الثلاثة شهور الأولى من تأسيس شركتك الناشئة يمكن تلخيصها في: (الحرب من أجل البقاء). هذا هو المعنى الأساسي الذي يجب أن يركّـز عليه كل رائد أعمال، خصوصاً عندما تعرف أن بعض الإحصائيات -المخيفة – تقول لك إن حوالي 90 % من الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا خصوصاً، تكون عرضة للفشل في الـ120 يومًا الأولى منذ لحظة انطلاقها.
لذلك، يمكن القول إنه إذا مرت الشهور الثلاثة الأولى، ومشروعك الريادي صامد وباقٍ ويحقق انجازات على الأرض حتى وإن كانت طفيفة، فأنت في الواقع قد قطعت نصف الطريق.
أحد روّاد الأعمال لخّص كل هذه المعاني التي جاءت في التقرير في إحدى محاضراته عندما قال في جملة واحدة: "إذا استطعت أن تحمي شركتك الناشئة من الموت مبكراً، فأنت في عداد الأثرياء!"