شعار قسم ميدان

هل ستحقق ألمانيا أهدافها التعليمية بأفريقيا؟

midan - أنجيلا ميركل

"نحن بحاجة لنقلة نوعية، علينا أن ندرك أن أفريقيا ليست قارة السلع الرخيصة؛ بل إن سكانها يحتاجون لبنية تحتية ولمستقبل أيضًا"

(غيرد مولر وزير التنمية الألماني)

 

رأي ألماني يشكل جزءًا من مجموعة آراء تؤكد على أن القارة الأوروبية قد اختارت جارتها الأفريقية لتسليط الضوء عليها في عام 2017، ولعقد شراكة معها من نوع جديد فريد ودائم، فقد نهضت الكثير من الخطط وانبثقت العديد من المشاريع التي تسعى على اختلاف رؤاها وغاياتها إلى إحياء أفريقيا ودعمها بطرق إبداعية ومبتكرة قد تجعل من هذه القارة دليلًا جديدًا على انبعاث حياة من موت، ونهضة من دمار، وقوة من ضعف، دليل يؤكد على أن فعل الحروب بأوروبا والجهل بأفريقيا لم يثن عزيمة سكانها ولم يحد من إمكاناتهم؛ بل كان سببًا في تحويل المحن إلى منح والنهوض من جديد.
 

خطة مارشال الألمانية
جورج مارشال الذي اشتهر بلقب مهندس الانتصار للحرب العالمية الثانية  (مواقع التواصل)
جورج مارشال الذي اشتهر بلقب مهندس الانتصار للحرب العالمية الثانية  (مواقع التواصل)

الويلات التي لا تنتهي والتاريخ الذي يصرخ ألمًا هذا ما تصنعه الحروب صغيرها وكبيرها، لكن الحرب العالمية الثانية صنعت حقبة مليئة بكل أنواع الويلات والآلام، وفي شتى البقاع خصوصًا في أوروبا والتي عانى سكانها من المجاعة التي نتجت عن تدمير المورد الزراعي الذي اعتمد عليه هؤلاء السكان كمصدر معيشة، وتهشم البنية التحتية للنقل والمواصلات؛ مما هدد حاضر ومستقبل الدول الأوروبية كألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وبولندا، وبلجيكا، وإنجلترا وغيرها، ولم يكن الضرر الذي أصاب الولايات المتحدة بنفس القدر؛ لذا لجأت لتقديم المساعدات المالية لهذه الدول خلال الفترة 1945-1947.

لكن بعد أن عَين الرئيس الأمريكي هاري ترومان في منصب وزير الخارجية شخصًا يعتبره أعظم البشر في تاريخ تلك الحرب والذي اشتهر بلقب مهندس الانتصار للحرب العالمية الثانية وهو جورج مارشال، والذي أعلن بعد أشهر من تولِّيه لهذا المنصب عن خطة تهدف للحد من انتشار الشيوعية في أوروبا الغربية واستعادة الاستقرار السياسي الناتج عن إعادة تنشيط الاقتصادات الوطنية الأوروبية عبر تمويل إعادة بناء هذه الاقتصادات بمبلغ يعادل في العصر الحالي ما قيمته 120 بليون دولار أمريكي، وتم الإعلان عن هذه الخطة التي عرفت باسمه "خطة مارشال" في يونيو لسنة 1947، وتم تسميتها رسميًّا باسم برنامج الإنعاش الأوروبي (ERP).

 

لكن إحدى الدول المستفيدة من هذه الخطة قررت أن تحذو حذو مارشال وأن تسعى للتعامل مع تدفق اللاجئين إلى أوروبا بطريقة نوعية وبعملية تشبه في هدفها ما فعله مارشال لها، فقد عرضت ألمانيا في مؤتمر القمة الاقتصادية الأفريقية الألمانية خطة مارشال "جديدة" خاصة بأفريقيا، تركز على التجارة العادلة، وزيادة الاستثمارات الخاصة، وزيادة التنمية الاقتصادية، وإنعاش ريادة الأعمال، وزيادة التوظيف وعدد الوظائف الشاغرة؛ لذا تدعو ألمانيا كافة الشركاء الأفارقة وخبراء المجتمع المدني بدءًا من رجال الأعمال والباحثين والعلماء وحتى منظمات الإعلام والكنائس والشركات التجارية للمشاركة في إنجاح هذه الخطة، والمشاركة في الفعاليات الخاصة بالخطة والتي ستقيمها ألمانيا قريباً؛ حيث سيمكنهم تقديم الاقتراحات والحلول.

 

تأتي المسودة الخاصة بالخطة في 34 صفحة تم نشرها على موقع وزارة الاقتصاد والتنمية الألمانية وقد جاء في مقدمتها "إن أفريقيا وأوروبا قارتان متجاورتان، نحن مرتبطون بتاريخ مشترك ونحن مسؤولون عن تحديد مسار مستقبلنا المشترك، فكيفية نجاحنا في إدارة التحديات التي تنتظرنا لن يحدد فقط مصير ومستقبل أفريقيا بسكانها ومواردها الطبيعية؛ بل مستقبل أوروبا أيضًا، وبكل تأكيد يمكن أن يتم التعامل مع هذه التحديات بنجاح إذا انتقل تعاوننا نحو بعد جديد يفيد كلا القارتين. لا يوجد حل واحد أو خطة واحدة أو طريقة واحدة هي الأفضل للاستجابة للتحديات التي تواجهها أفريقيا، ورغم أنه لا يمكن مقارنتها بالتحديات التي واجهتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إلا أنها تتطلب نفس المستوى من الجهود".
 

تأتي هذه الخطة باعتبارها
تأتي هذه الخطة باعتبارها "مع أفريقيا وليست لأجل أفريقيا" بحسب د. غيرد مولر وزير الألماني في تأكيد منه على أهمية مشاركة أفريقيا في تنفيذ هذه الخطة

وتأتي هذه الخطة باعتبارها "مع أفريقيا وليست لأجل أفريقيا" بحسب د. غيرد مولر وزير الألماني في تأكيد منه على أهمية مشاركة أفريقيا في تنفيذ هذه الخطة؛ فهي تختلف عن مشاريع التنمية المستدامة التي تقدم لأجل البلدان المستفيدة، وتستند الخطة على ثلاثة أركان رئيسة هي:
 

– ركن النشاط الاقتصادي والتجاري والتوظيف: يتمثل في الأنشطة الاقتصادية، والتدريب المهني، والتمويل والتجارة، والحماية المجتمعية.

– ركن السلام والأمن: يتمثل في السلام، والأمن، والاستقرار، والمرونة.

– ركن الديمقراطية وسيادة القانون: يتمثل في الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية، ومحاربة الفساد، والموارد الشخصية.

 

وتصب الفوائد المترتبة من إقامة هذه الأركان في أربع مناطق رئيسة هي: حماية الموارد الطبيعية، والزراعة والغذاء، والطاقة والبنية التحتية، والصحة والتعليم والحماية المجتمعية؛ بحيث يتم التركيز في جميع المناطق على زيادة الدعم المقدم للفتيات والسيدات كأولوية متقاطعة مع هذه المناطق ومنفصلة في حقوقها الخاصة، وعبر استخدام الفرص التي تتيحها الرقمنة للمبادرات الهامة لتطوير بنية تحتية رقمية واستثمار قدرات الناس ومهاراتهم فالهدف الرئيس هو تحفيز التنمية العادلة والمرتبطة بعالم رقمي.
 

محاور تستند عليها الخطة في دعم التعليم في أفريقيا
ارتبط التعليم في الخطة بالصحة والحماية المجتمعية، فأطفال ليسوا بصحة جيدة لن يكونوا قادرين على الذهاب إلى المدرسة أو التعلم (بكساباي)
ارتبط التعليم في الخطة بالصحة والحماية المجتمعية، فأطفال ليسوا بصحة جيدة لن يكونوا قادرين على الذهاب إلى المدرسة أو التعلم (بكساباي)

ارتبط التعليم في الخطة بالصحة والحماية المجتمعية، وهو ما يؤكد أهمية توفير كل منهما لمواطني أي دولة من أجل بناء نظام رعاية مجتمعية عام، وهو المسؤولية التي يجب أن تنهض أفريقيا لتحملها عبر جهود مبذولة بواسطة وبالشراكة مع ألمانيا والمجتمع الأوروبي، فهي تعاني من نقص في المرافق والمعدات والبنية التحتية والموظفين والإداريين المهرة اللازمين لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية والتعليم، فأطفال ليسوا بصحة جيدة لن يكونوا قادرين على الذهاب للمدرسة أو التعلم، ويظهر هذا التأثير السلبي بشكل كبير على الفتيات اللاتي تكاد تخلو منهن المدارس، في حين أن التعليم هو أساس بناء أي مستقبل، لذا يأتي توفير الفرص التعليمية على رأس الجهود المبذولة في هذا الجانب. 

 

تتلخص أهداف هذا الجزء من الخطة على توفير الوظائف لملايين الأشخاص، وإيجاد الحلول الرقمية الابتكارية والفعالة والجاذبة اقتصاديًّا والتي تتيح الفرصة لتوفير الرعاية الصحية والتعليم اللازمين للأشخاص المتواجدين في المناطق النائية والمهمشة، فهذا يقلل الفقر واللامساواة ويدفع الناس لإدراك إمكاناتهم الإنتاجية. كما يتوجب لتحقيق هذا الهدف بذل مجموعة من الجهود من كافة الجوانب؛ حيث يجب على أفريقيا أن تخصص 15-20% من الميزانيات الوطنية لتمويل التعليم وضمان وصوله للفتيات والسيدات، كما يجب عليها تطوير أنظمة التعليم من ناحية الإدارة وتدريب المدرسين وبناء المدارس، وعليها التأكد من تلبية التعليم العالي لاحتياجات ومتطلبات سوق العمل، إضافة لطرح أنظمة التدريب المهنية، وتأسيس خطط التدريب المهني للمهن الحرفية والتجارية.

 

أما ألمانيا فيجب أن تستخدم الفرص التي تتيحها رقمنة التعليم كالمساقات الإلكترونية والمواد التعليمية، وأن تكثف التعاون الاقتصادي مع أوروبا وعدد المنح الدراسية التي تحقق هدف مشاركة التعلم، إضافة إلى تضخيم المبادرات التي تقدمها وزارة التنمية والطاقة بهدف تدريب العاملين في القطاع الصحي وبناء 500 عيادة مشتركة بالتعاون مع قطاع الأعمال، وتطوير أنظمة الحماية المجتمعية، والتأكد من توفير التمويل اللازم للمشاريع الناشئة.
 

وزير المالية الألماني ولفغانغ شوبل ورئيس مجلس إدارة البنك الألماني ينز ويدمان (رويترز)
وزير المالية الألماني ولفغانغ شوبل ورئيس مجلس إدارة البنك الألماني ينز ويدمان (رويترز)

وفيما يتعلق بالجهد الدولي فهو مرتبط بتقوية الشراكة العالمية من أجل التعليم وبهدف تحفيز توجيه الجهود نحو أهمية تنفيذ التعليم الابتدائي في البلدان الأشد فقرًا، وبتحفيز التعليم الرقمي للإناث ودفع هذا الجانب نحو تحقيق هدف مبادرة "إي سكلز فور غيرلز" (Eskills4girls) التي أطلقتها مجموعة العشرين (G20)*، وتوفير الفرص الوظيفية المرتبطة به، وضمان توفير شركات الأدوية لمنتجاتها بأسعار ممكنة خصوصًا فيما يخص الأدوية الضرورية، وتطوير وتوسيع المبادرات الابتكارية في القطاع الصحي وبالتعاون مع القطاع الخاص، إضافة إلى مجموعة أخرى من الجهود التي توضحها الخطة.

 

وتؤكد ألمانيا في نهاية الخطة على استمرار عملها على ثلاث مقترحات متعلقة بالخطة، ويشمل هذا العمل مناقشة الخطة وتطويرها بالتعاون مع الشركاء الأفارقة، وربط المقترحات مع المناهج الموجودة والحديثة على المستوى الأوروبي، وتضمينها في مشارواتها مع الدول المانحة، وتطويرها مع المجتمع المدني والأكاديميين وقطاع الأعمال في أفريقيا وأوروبا، وستقوم ألمانيا بعد ذلك -وبناء على نتائج تلك المشاورات- على طرح المقترحات الناتجة في قمة المجموعة العشرين في يوليو لهذه العام، وفي القمة الأفريقية الأوروبية في شهر نوفمبر لهذا العام أيضًا.

 

جامعة ألمانية أفريقية

بعد النجاح الكبير الذي حققه مؤتمر القمة الاقتصادية الألمانية الأفريقية (GABS) الأول الذي انعقد في برلين سنة 2015، يتكرر انعقاد هذا المؤتمر للمرة الثانية في العاصمة الكينية خلال الفترة 8-10 فبراير من العام 2017 بتنظيم مجموعة (SAFRI) وهي مبادرة الجنوب الأفريقي للمشروعات الألمانية؛ ليشكل هذا المؤتمر منصة تجمع صناع القرار في عالم الأعمال والسياسيين في كل من القارة الأفريقية وألمانيا؛ حيث ضمت القمة الرئيس الكيني أوهورو كنياتا، ووزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية بريغيته تسيبريس، ووزير الاقتصاد والتنمية الألماني غيرد مولر، ووزراء من غينيا، وكينيا، وناميبيا، والسودان، ونيجيريا، وأوغندا، وزامبيا، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من شركات أعمال أفريقية وألمانية.

من أبرز النجاحات التي حققها المؤتمر لهذا العام هو إعلان ألمانيا عن إنشاء أول مؤسسة تعليم عالٍ ألمانية أفريقية في أفريقيا وتحديدًا في شرق أفريقيا (بكساباي)
من أبرز النجاحات التي حققها المؤتمر لهذا العام هو إعلان ألمانيا عن إنشاء أول مؤسسة تعليم عالٍ ألمانية أفريقية في أفريقيا وتحديدًا في شرق أفريقيا (بكساباي)

ويتيح المؤتمر الفرصة للمشاركين باستكشاف الأسواق الجديدة وتلبية احتياجات الشركاء ومناقشة التحديات والفرص الحالية ومستقبل التعاون الأفريقي الألماني، ويأتي الاهتمام بالقارة الأفريقية باعتبارها ثاني أسرع قارات العالم نموًّا اقتصاديًّا بعد شرق آسيا، فقد وصلت نسبة هذا النمو في عام 2015 إلى 3.6% وهو ما يزيد على نسبة نمو الاقتصاد العالمي بمقدار 3.1، وقد تميز الشرق الأفريقي باعتباره مولد هذا النمو فقد وصل معدل النمو الاقتصادي لديه إلى 6.3% في نفس العام.

 

ومن أبرز النجاحات التي حققها المؤتمر لهذا العام هو إعلان ألمانيا عن إنشاء أول مؤسسة تعليم عالٍ ألمانية أفريقية في أفريقيا وتحديدًا في شرق أفريقيا، والتي ستكوِّن نموذجًا قويًّا في المنطقة لتشجع مؤسسات التعليم العالي للعمل على إعادة تشكيل نظام التعليم العالي في شرق أفريقيا وهو ما يشير إلى تميز التعاون الحاصل بين قطاع الأعمال والتعليم العالي ويركز على أهمية العلاقة بينهما.

 

سيتم تصميم الجامعة على غرار الجامعات "الألمانية للعلوم التطبيقية" المعروفة باسم (fachhochschulen) وستموَّل عبر الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD) والتي ستحصل على التمويل من الوزارة الألمانية للشؤون الخارجية، وستهدف هذه المؤسسة لتلبية الاحتياجات التعليمية والتدريبية في المنطقة؛ لذا ستختص البرامج الدراسية المقدمة بمواضيع التعليم والتنمية والاقتصاد التي تحددها وزارة التعليم العالي في شرق أفريقيا؛ بحيث يركز المفهوم الأكاديمي على التطبيق ويعتمد على التعاون بين الجامعات وقطاع الأعمال، ويعد النمو السريع الذي يشهده قطاع التعليم العالي والاقتصادي في شرق أفريقيا وزيادة الحاجة لبرامج التعليم العالي الألمانية حول العالم وخصوصًا المشاريع المتعلقة بتأسيس الجامعات التطبيقية من بين الأسباب التي دفعت الهيئة لدعم مثل هذه المشاريع وتكثيف التعاون بين ألمانيا وكينيا ودول شرق أفريقيا.

 

تبرز الجهود الألمانية بشكل كبير منذ بداية هذا العام والذي سيشهد المزيد من الفعاليات الداعمة للتعاون الألماني الأفريقي، إضافة إلى جهود أوروبية ودولية متنوعة، فهل ستكون هناك المزيد من المفاجآت الأوروبية لهذا العام؟ وهل ستحقق هذه الجهود أهدافها؟

========================================

* مجموعة العشرين هي منتدى غير رسمي تأسس سنة 1999 بعد الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية الدولية خلال الأزمة المالية الآسيوية كأحد الأنشطة التي تتضمن لقاءات تجمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من عشرين دولة بهدف إيجاد حلول ودراسة الأزمات الحالية، وقد اتسعت اللقاءات التي تعقدها هذه المجموعة سنة 2008 بعد الأزمة العالمية لتشمل رؤساء دول وحكومات.

المصدر : الجزيرة