شعار قسم ميدان

ما يخبرنا به علم النفس عن فن اختيار الهدايا

حينما يقترب يوم ذكرى زواجك ربما تفكر كثيرا في الهدية التي ستفاجئ بها زوجتك، أو ربما تود أن تقدّم لأمك هدية مناسبة في عيد الأم، أو لعلك تفكر في هدية مناسبة لأحد الأصدقاء، وصولا إلى أعياد ميلاد الأبناء ومناسبات نجاحهم، لكنك كثيرا ما تلمس إحباطهم بمجرد رؤية الهدية، لتكتشف مرة بعد مرة أنك شخص لا يجيد اختيار الهدايا، وهو ما يجعلنا نطرح سؤالا: لماذا نُخطئ في اختيار الهدايا المناسبة لمن نحب؟

ما تفعله الهدية "السيئة"

لا شك أن الهدايا لغة عالمية لإظهار المحبة والاهتمام، فتقديم الهدايا يمكن أن يساعدك على إيصال مشاعرك الطيبة للمتلقي وتقوية علاقاتك بالآخرين، لذلك تنصح بعض الدراسات الأشخاص باستخدام الهدايا للاحتفاظ بدوام علاقاتهم(1). توضح جمعية علم النفس الأميركية أن تقديم الهدايا، خاصة عندما يكون متلقي الهدية هو شخصا تربطنا به علاقة وثيقة، يُنشط مسارات المكافأة الرئيسية في دماغنا، بشرط ألا ندع التوتر يؤثر سلبا علينا. أظهرت العديد من الدراسات كذلك أن إنفاق المال على شخص آخر غيرك يعزز شعورك بالسعادة، يحدث هذا من خلال خلق تفاعل أكبر بين أجزاء الدماغ المرتبطة بمعالجة المعلومات الاجتماعية وتلك المسؤولة عن الشعور بالسعادة.

يقول سيمون توماس، المتخصص في دراسة علم الأعصاب وعلم نفس التعاطف والامتنان: "في كثير من الأحيان يشير الناس إلى شعورهم بمتعة جوهرية عند فعل شيء ما لشخص آخر، ويرجع ذلك إلى تنشيط مسارات في الدماغ تطلق الأوكسيتوسين، وهو هرمون يعزز الثقة والأمان والتواصل، وغالبا ما يُعرف باسم [هرمون الدلال]"(2). عندما يصبح الأوكسيتوسين جزءا من المعادلة، فإن الشعور بالمكافأة يمكن أن يدوم لفترة أطول، على عكس العمر القصير الذي تتمتع به استجابة الدوبامين.

يقول خبير العلاقات "نيل ويلكي": سوف يشعر الشخص السيئ في اختيار الهدايا بالفشل المستمر إن قوبلت هداياه دوما بنقص في التقدير. (غيتي)

لكن، ماذا عن تقديم هدية "سيئة" لا تناسب الطرف الآخر ولا تروق له؟ الأمر هنا قد يكون مختلفا بعض الشيء، ربما تصاب بالإحباط إن تلقيت رد فعل فاترا على هديتك، ولكن الأهم هو تأثير ذلك على علاقاتك. لاستكشاف الأمر، أجرت "إليزابيث دن"، أستاذة علم النفس في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، بحثا حول الهدايا غير المرغوبة وكيف يمكن أن تؤثر سلبا في بعض الأحيان على تصور المتلقي لمستقبل العلاقة. خلال الدراسة التي نُشرت عام 2008، دُفِع المشاركون إلى الاعتقاد بأن أحد معارفهم من الجنس الآخر (في التجربة الأولى) أو الشريك الرومانسي (في التجربة الثانية) قد اختاروا هدية مرغوبة أو غير مرغوب فيها لهم.

في التجربة الأولى، اعتبر الرجال أنفسهم أقل قربا وتشابها مع معارفهم الجدد بعد تلقي هدية سيئة منهم، في حين أن تقييمات التشابه والقرب المتصورة لدى النساء لم تتأثر بجودة الهدية. في التجربة الثانية، أبلغ الرجال عن انخفاض التشابه مع شريكهم الرومانسي بعد تلقي هدية سيئة، بينما استجابت النساء للهدية السيئة بشكل أكثر إيجابية(3).

عن هذا يقول خبير العلاقات "نيل ويلكي": "سوف يشعر الشخص السيئ في اختيار الهدايا بالفشل المستمر إن قوبلت هداياه دوما بنقص في التقدير. الهدية السيئة يمكن أن تضع الناس في دوامة من الشعور بانعدام القدرة على قراءة عقول الآخرين وسوء الفهم المتكرر"(4). بدلا من الشعور بالسعادة وتقوية روابط العلاقات، تقود الهدية السيئة إلى أن يردد متلقي الهدية لنفسه: "لو أحبوني حقا لعرفوا بالضبط ما أريده".

اللحظة الخاطئة

كشفت 3 دراسات عن حالة من عدم التوافق بين معتقدات مانحي الهدايا ومتلقي الهدايا حول العلاقة بين سعر الهدية ومشاعر التقدير. (شترستوك)

"أقراط مرصعة بالألماس" و"إطار يُحيط بصورة" و"دراجة أرجوانية" و"إبريق شاي صيني" و"لغز أحجية" و"مكواة مسطحة" و"ماكينة إسبريسو"، توضح "نيويورك تايمز" أن هذه العناصر كانت جميعها ضمن قائمة هدايا تلقاها المشاركون في استطلاع ميداني غير علمي.

صنّف بعض المشاركين بعضا من هذه العناصر على أنها من أفضل الهدايا التي تلقوها، بينما وصف مشاركون آخرون هداياهم بأنها من أسوأ ما تلقّوه على الإطلاق. تضيف الصحيفة الأميركية أنك إن أردت أن تخمن العناصر التي قُدِّرت بشدة مقابل العناصر التي حصدت فقط الاستياء الشديد، فمن المرجح أن تفشل فشلا ذريعا. في بعض الأحيان، وُصِفت "الأقراط المرصعة بالألماس" بأنها من "أسوأ" الهدايا، لأن المانح لم يلاحظ أن المتلقية، صديقته لمدة 3 سنوات، لم تثقب آذانها من الأساس(6). هنا يمكن اعتبار أن الهدية التي تشير عادة إلى التقدير والاهتمام قد عبّرت بدرجة ما عن عدم الاهتمام.

تخبرنا هذه التجربة بحقيقة غير معتادة عن الهدايا، وهي أن إنفاق المزيد من الأموال لا يعني بالضرورة حصولك على هدية جيدة. كشفت 3 دراسات عن حالة من عدم التوافق بين معتقدات مانحي الهدايا ومتلقي الهدايا حول العلاقة بين سعر الهدية ومشاعر التقدير، ففي حين توقع مقدمو الهدايا وجود علاقة إيجابية بين مقدار ما أنفقوه من المال على شراء الهدية ومدى التقدير الذي ستحصل عليه هديتهم من المتلقي، لم يُبلّغ متلقو الهدايا عن أي ارتباط بين سعر الهدية وشعورهم الفعلي بالتقدير(6).

يؤكد "جيف جالاك"، أستاذ التسويق المشارك في كلية كارنيجي ميلون تيبر للأعمال في مدينة بيتسبرغ الأميركية، أن سعر الهدية عامل لا يمكن تجاهله، وأنه يجب اختيار هدية يتوافق ثمنها نسبيا مع التقاليد أو التوقعات، لكن بعد الوفاء بهذا الشرط، ينبغي أن يتحول اهتمام المانح إلى اختيار الهدية ذاتها، لأن الهدية نفسها هنا تصبح أكثر أهمية من قيمتها المادية الحقيقية(7).

من خلال التجارب، يتضح أنه بعد مرور وقت المفاجأة، فإن متلقي الهدية كل ما سيمكن أن يفعله لاحقا هو أن يحدق في الهدية ويسأل نفسه بحزن: "ماذا يمكنني أن أفعل بها؟!" (غيتي إيميجز)

ربما يكون هذا بدهيا، لكن المشكلة أن الكثير من الأشخاص غالبا ما يكافحون للتنبؤ بتفضيلات الآخرين. تعزو "إليانور ويليامز"، أستاذة التسويق في جامعة إنديانا بلومنجتون، هذا الأمر إلى نوع من "الأنانية" المتأصلة فينا، فنحن عند اختيار الهدايا نميل إلى التركيز أولا على مشاعرنا ووجهة نظرنا وأذواقنا الخاصة، ثم نبدأ لاحقا، أو في خطوة تالية، في توسيع نطاق تفكيرنا لمراعاة آراء الآخرين(8).

من خلال التجارب، يتضح أنه بعد تمزيق ورق تغليف صناديق الهدايا وتلاشي الابتسامات وهتافات الإعجاب، فإن متلقي الهدية قد لا يستعيد لاحقا مشاعره في تلك اللحظة السحرية التي فتح فيها الهدية، كل ما سيمكن أن يفعله لاحقا هو أن يحدق في الهدية ويسأل نفسه بحزن: "ماذا يمكنني أن أفعل بها؟!"، بينما يميل مانحو الهدايا إلى التركيز على لحظة تبادل الهدايا ذاتها، فينتظر المانحون بفارغ الصبر الشعور الدافئ الذي يشعرون به عندما يرون وجه الطرف الآخر، متلقي الهدية، يضيء من السعادة ويتهلل فرحا بمجرد رؤية الهدية.

يوضح الباحثون أن هذا التناقض لا ينشأ فقط لأن مانحي الهدايا لا يفكرون في وجهة نظر المتلقي، ولكن لأنهم يركزون على الفترة الزمنية الخاطئة. إذا حاولنا هنا تجنب التركيز أولا على مشاعرنا وسلطنا تركيزنا بشكل أساسي على مراعاة مشاعر الآخرين وآرائهم، فلن يكون تركيزنا منصبّا على "لحظة التبادل"، بل سنسأل أنفسنا: كيف سيتعامل متلقي الهدية مع الهدية بعد أسبوع مثلا من منحه إياها؟ هل سيظل مستمتعا بها ومُستخدما لها؟ يركز متلقو الهدايا أكثر على الهدية ذاتها، هل هي مفيدة بالنسبة إليه حقا؟ هل سيحتاجون إليها ويستخدمونها أم سينتهي بها الحال مخبأة في خزانة حتى يمكن إعادتها أو إعادة إهدائها؟

التركيز على "لحظة" تبادل الهدية فقط يجعل مانحي الهدايا يميلون إلى اختيار وتفضيل الهدايا الممتعة على الهدايا المفيدة، فيرهقون أنفسهم في التسوق والبحث لاختيار عنصر غريب من شأنه أن يجعل لحظة الكشف عن الهدية مثيرة وممتعة، لكن بعد تجاوز لحظة "المفاجأة" الأولى قد لا يكون المستلم بحاجة إلى الهدية على المدى الطويل(9).

الهدية الجيدة

يقترح "جالاك" أن يتوقف مانحو الهدايا عن تلك الرغبة في تقديم هدايا فريدة أو غريبة من نوعها، يرى المانح أنها تتناسب مع فرادة شخصية مستلم الهدية. (مواقع التواصل)

من خلال ما سبق، يرى الباحثون أن الإجابة الواضحة عن سؤال "كيف تُقدّم هدية جيدة؟" هي أن المانحين يجب أن يختاروا الهدايا بناء على مقدار القيمة والفائدة التي يستطيع متلقي الهدية تحقيقها طوال فترة ملكيته لها، بدلا من التركيز فقط على تحقيق الانبهار والإعجاب خلال لحظة تبادل الهدية، وكذلك بدلا من التركيز على اختيار هدايا مُبالغ في قيمتها المادية(8).

يقترح "جالاك" أيضا أن يتوقف مانحو الهدايا عن تلك الرغبة في تقديم هدايا فريدة أو غريبة من نوعها، يرى المانح أنها تتناسب مع فرادة شخصية مستلم الهدية. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون الشيء، المفرط في العادية، الذي يرغب فيه الكثير من الناس أو الذي يكون بالفعل لدى الكثير من الآخرين، هو الشيء الذي يحتاج إليه المتلقي حقا، وسيكون سعيدا تماما عند الحصول على هذا الشيء في صورة هدية.

لاختيار أفضل هدية ممكنة، تقترح "إليزابيث دن" التفكير في شيء يتشارك المانح الاهتمام به مع مستلم الهدية، فتقول إنه بدلا من استخدام التفضيلات الخاصة بك وتعديلها وفقا للطريقة التي ترى أنها تتناسب مع وجهة نظر مستلم الهدية وشخصيته، سيكون من الأجدى أن تركز على الاهتمامات التي تتشاركها بالفعل مع الطرف الآخر، ثم اختيار هدية بناء على هذا الاهتمام المشترك.

توضح إليزابيث سبب "قوة" الهدية عند التفكير بهذه الطريقة قائلة: "الناس يختارون بشكل أفضل عندما يختارون شيئا ما لأنفسهم، لذلك إذا كان لدى مانح الهدية شيء مشترك مع مستلمها، فيمكن أن يختار المانح الهدية بناء على هذا الشيء وكأنه يختارها لنفسه، على الأرجح سيتمكن هنا من اختيار شيء يحبه مستلم الهدية وينال إعجابه بشكل حقيقي"(7).

__________________________________

المصادر:

المصدر : الجزيرة