شعار قسم ميدان

"هلع ما قبل إجازة العيد".. لماذا قد تكون هرولتك لتسليم الإنتاجية هي الفعل الأسوأ على الإطلاق؟

" هلع ما قبل إجازة العيد".. لماذا قد تكون هرولتك لتسليم الإنتاجية هي الفعل الأسوأ على الإطلاق!؟
علينا أن ندرك جيدًا أننا لسنا مضطرين في سبيل الحصول على إجازات أن نبذل مجهودا مضاعفًا لكي نستحق الفوز بها. (بيكسلز)

مقدمة للترجمة:

حسنا، إنها إجازة العيد، يعدها الكثير من الموظفين أحد أهم أوقات العام، لكن أحيانا لا نفطن إلى أن الأيام التي تسبق الإجازة غالبا ما تكون مرتعا للقلق. يبذل الموظفون في تلك اللحظات الجنونية جهدا مُضاعفا في سبيل تسليم إنتاجية كاملة، وهي ظاهرة معروفة باسم "الاندفاع المحموم قبل الموعد النهائي".

ورغم اعتقاد الكثير من الناس أن خوض غمار معارك كهذه قد يكفل لهم راحة البال في الإجازة، فقد أثبتت الأبحاث عكس ذلك، لأن الإرهاق الذي يدهمنا خلال أسبوع ما قبل الإجازة يترسب بشكل أو بآخر في أعماقنا، ويغمرنا إثر ذلك شعور بالقنوط قد يُطفئ أضواء فرحنا بالعطلة. فما الدافع الكامن وراء هذا السعي الحثيث في الضغط على أنفسنا؟ وكيف السبيل إلى النجاة منه؟

نص الترجمة:

ها قد حلَّ ذلك الوقت المميز من العام، حيث يفر فيه العديد من الموظفين من مكاتبهم بعد أخذ إجازة للسفر لقضاء الوقت برفقة أحبائهم، لكن دائما ما تلوح في الأفق عاصفة قبل بلوغ هذه اللحظة المنشودة، لاضطرارهم إلى إنجاز الكثير من الأشياء قبل انطلاقهم إلى المطار. تُعَدُّ الإجازة كنزا بالفعل، لكن في سبيل الحصول عليه غالبا ما يضطر الناس إلى بذل جهد مضاعف تقريبا في الفترة التي تسبق هذه العطلات. أثناء تلك الفترة، يغرق المرء في مستنقع من العمل المستمر، فثمة مشاريع في حاجة إلى إنهائها، واجتماعات ينبغي إجراؤها، واستقبال طلبات وأسئلة من زملاء العمل الذين لن يتمكَّنوا قريبا من الوصول إليك، وصولا إلى اختيار صيغة الرد التلقائي التي تُفيد بأنك خارج المكتب (في عطلة).

 

غالبا ما يعمل البشر بصورة محمومة وشديدة التوتر في فترة ما قبل الإجازة التي لن يُتاح لهم فيها الاتصال بالإنترنت كثيرا. ولأن فترة ما قبل الإجازة يجب ألا تسير وفق هذا النسق، توضح جينيفر بيتريلييري، أستاذة علم السلوك التنظيمي بالمعهد الفرنسي في إدارة الأعمال "إنسياد" (INSEAD)، أن ثقافة العمل في بعض البلدان، على غرار فرنسا وإيطاليا، لا تفرض على الموظفين أن يكون الأسبوع الذي يسبق الإجازة أشد إرهاقا من أي أسبوع آخر يسبقه، حيث تقول: "من الطبيعي أن يحدث اندفاع وضغط في اللحظات الأخيرة، لكنه لا يُقارَن بما يحدث في الولايات المتحدة على سبيل المثال". (وهو ما ينطبق على كثير من الدول العربية كما هو واضح).

 

شعور بالذنب يلازمك

يبدو أن من يمتهنون وظائف مكتبية هم الأكثر عرضة للانسحاق تحت وطأة الضغوطات والشعور بالعجلة قبل الإجازة
يبدو أن من يمتهنون وظائف مكتبية هم الأكثر عرضة للانسحاق تحت وطأة الضغوطات والشعور بالعجلة قبل الإجازة. (بيكسلز)

وفقا لبيتريلييري، فإن الاختلاف الرئيسي يكمن في وجهة النظر التي تتبناها الشركات إزاء وقت الفراغ، فتقول: "يلازمك شعور ما ينفك يهمس إليك بأنك ترتكب شيئا سيئا بأخذك إجازة وتركك للعمل". يمكن لهذا الشعور بالذنب أن يدفع الناس إلى بذل مجهود مضاعَف في الفترة التي تسبق الإجازة أملا في مواجهة تراجع الإنتاجية، والحد من مقدار التراخي أو الركود المتوقع من زملائهم في العمل أثناء غيابهم.

 

في السياق ذاته، توضح بيتريلييري أن رد الفعل هذا ليس مألوفا في كثير من أنحاء أوروبا التي تتبنى مفهوما بأن الإجازة تعني انخفاضا في الإنتاجية، وأن من الطبيعي أن تستغرق الأمور وقتا أطول لإنجازها، فضلا عن إقرار بلدان أوروبا بحاجة الناس إلى أخذ إجازات على مدار العام لاستعادة طاقتهم وشحذ همتهم من جديد. (تَظهر إحدى المفارقات العجيبة بين ثقافة بلدين فيما حكته بيتريلييري عن الإجازة التي أخذتها أسرتها لمدة أسبوعين، حيث كانت تعيش في الولايات المتحدة، وظن الناس حينذاك أنها مدة طويلة، بينما إذا قررت أخذ إجازة أطول في فرنسا، فقد يتعجب الناس من كون الإجازة "ثلاثة أسابيع فقط، وربما يتساءلون لِمَ لا تكون أربعة أسابيع مثلا؟").

 

يبدو أن مَن يمتهنون وظائف مكتبية هم الأكثر عُرضة للانسحاق تحت وطأة الضغوطات والشعور بالعجلة قبل الإجازة ما دام العمل الذي بأيديهم يمكن إنهاؤه مسبقا، وذلك على عكس العديد من المجالات الأخرى التي لن يؤدي العمل فيها بصورة مكثفة قبل الإجازة إلى زيادة الإنتاجية. ورغم أن هذه الظاهرة تبدو إلى حدٍّ كبير نتاجا ثانويا لثقافة إنتاجية مُستبِدة، فإن العمليات الكامنة وراء العمل المكتبي قد تساهم أيضا في إشعال فتيلها.

 

تعليقا على ذلك، يقول براد إيون، أستاذ العلوم الإدارية بجامعة كيبيك في مونتريال بكندا: "أعتقد أن المشكلة الكبيرة تكمن في أن الطريقة التي تتبناها إدارة العمل تعتمد غالبا على استغلال المعرفة الضمنية للموظفين، بمعنى أنك لو كنت موظفا مهما في الشركة وقررت أخذ إجازة، فقد يسبب ذلك مشكلة لزملائك جراء عدم قدرتهم على التعامل مع بعض الأمور". وذلك قد يورِّط في النهاية مَن يتبوّؤون مكانة مهمة في بيئة العمل جرّاء استغراقهم وقتا طويلا في شرح كيفية التعامل مع كل شيء للآخرين في الفترة التي تسبق الإجازة، فيغزوهم همٌّ جديد يُضاف إلى همومهم المتعلِّقة بعملهم المعتاد الذين هم في حاجة إلى إنهائه أيضا.

 

أزمة اللحظة الأخيرة

إن عبء العمل الذي يثقل كاهل الأفراد قد يشعرهم بقنوطٍ يكبح سعادتهم خلال الفترة التي تسبق العطلة
النساء بالتحديد يواجهن في الفترة التي تسبق العطلات "عبئا مُضاعَفا" جرّاء المهام الموكلة إليهن سواء في العمل أو في المنزل. (بيكسلز)

بجانب ذلك، قد تنبع الضغوطات التي نعجز عن أن نبرأ منها عند تسليم الإنتاجية في اللحظات الأخيرة من الرغبة الدفينة في عدم ترك المهام دون إنجازها. توضح لورا جيورج، أستاذة العلوم السلوكية في كلية لندن للاقتصاد، أن العديد من الموظفين يراودهم شعور يجتاح نفوسهم بضرورة الانتصار على قائمة المهام المطلوبة منهم بالكامل ليتمكَّنوا في النهاية من الانفصال تماما عن العمل والاستمتاع بإجازتهم، وعن ذلك تقول: "نعتقد أن ثمة بعض الأشياء التي يجب علينا إنهاؤها قبل العطلات، لكن ما إن نتساءل عما يلزمنا من وقت لنفعل ذلك، حتى يتضح لنا أن إنهاء هذه المهام قد يستغرق منا ما لا يقل عن شهرين بدءا من الآن".

 

وفقا لجيورج، فإن الدافع الكامن وراء هذا السعي الحثيث هو تلك الثقافة التي تتبنى مفهوم وجوب العمل أولا لكي "يستحق" الفرد وقتا للراحة، لكنَّ بعض الدوافع قد تكون نفسية أيضا، فترك المهام دون إكمالها ربما يترك المرء قلِقا لا تعرف السكينة سبيلا إلى نفسه. وبحسب ما يشير إليه أحد الأبحاث الأكاديمية الذي نُشر عام 2018 بمجلة "وورك آند ستريس" (work & stress) المهتمة بالصحة والسلامة النفسية والمهنية في مكان العمل، فإن ترك الأشياء غير مكتملة "يؤجج فينا توترا داخليا ينبع في الأساس من الشعور بالحاجة إلى إنهاء الأمر".

 

ثمة عامل آخر يمكن أن يتسبب في تفاقم المشكلة، وهو ظاهرة متعلقة بإدارة الوقت تُعرف باسم "الاندفاع المحموم قبل الموعد النهائي". تُشير هذه الظاهرة إلى انكباب الأفراد على العمل في محاولة منهم لإنهائه قبل وقت قصير من موعد تسليمه. لذا يرى أستاذ العلوم الإدارية، براد إيون، أن مع اقتراب الموعد النهائي لتسليم المهام اللازمة قبل العطلة يغدو مشهد التوتر الملازم للحظات الأخيرة مألوفا.

 

تُشير بعض الأبحاث التي تدور حول الإجازة ورفاهية البشر وسلامتهم النفسية إلى أنه بغض النظر عن السبب الكامن وراء هذه الظاهرة، فإن عبء العمل الذي يُثقل كاهل الأفراد قد يُشعرهم بقنوطٍ يكبح سعادتهم خلال الفترة التي تسبق العطلة، فقد توصلت إحدى الدراسات التي نشرتها دورية "ليچر ساينسس" (Leisure Sciences) عام 2013 إلى أن النساء بالتحديد يواجهن في الفترة التي تسبق العطلات "عبئا مُضاعَفا" جرّاء المهام الموكلة إليهن سواء في العمل أو في المنزل. لكن لحُسن الحظ، أشارت أبحاث نُشرت بمجلة "وورك آند ستريس" (work & stress) إلى أن الإجازات في الوقت نفسه تُثير مشاعر الترقب التي ترفع معنوية الناس وتحسن من سلامتهم النفسية، رغم أن هذا الشعور قد يتبدد بسبب بيئة العمل الجنونية التي تعصف بهم.

 

كيف السبيل إلى حل هذه المعضلة؟

أن تفرض أماكن العمل يومًا رسميًا في بداية و نهاية الإجازات الطويلة يُمنع فيه استلام أي مهام من الموظفين ليتمكنوا من استمتاعهم بالإجازة أو لتيسير دخولهم وخروجهم منها
يفضل على أماكن العمل أن تفرض يومًا رسميًا في بداية ونهاية الإجازات الطويلة يُمنع فيه استلام أي مهام من الموظفين ليتمكنوا من استمتاعهم بالإجازة أو لتيسير دخولهم وخروجهم منها. (بيكسلز)

هذه بالطبع ليست طريقة صحيحة ليحيا المرء أو يعمل في ظلها على نحوٍ كريم. ترى جينيفر بيتريلييري أن المشكلة في المقام الأول هي مشكلة ثقافية. ومع ذلك، يظل تغيير ثقافة الشركة أسهل من تغيير ثقافة مجتمع بأكمله، لذا فهي تعتقد أن الحل في أيدي قادة الشركات الذين يمكنهم بطريقة غير مباشرة أن يرشدونا -بعيدا عن القلق المُفرِط- إلى جعل الأسبوع الذي يسبق الإجازة أقل جنونا من خلال تقديم رسالة مُختلفة تؤكد للموظفين أن الراحة أمر ضروري، وأن ما يتمخض عنها من تراجع في الإنتاجية هو أمر مفهوم ومتوقع في أوقات العطلات. (لكن إن لم يُصدِّقوا هذه الأمور، فتلك مشكلة أخرى منفصلة).

 

في السياق ذاته، يتفق كلٌّ من براد إيون ولورا جيورج على أن التغيير الثقافي هو العنصر الرئيسي في هذه المهمة، كما أشاروا إلى ضرورة إصلاح بعض جوانب العمل نفسه لتخفيف العبء عن كاهل الموظفين. على سبيل المثال، يقترح أستاذ العلوم الإدارية "براد إيون" إحدى الوسائل لحل هذه الأزمة، وهي تدوين الطرق التي يُدار من خلالها العمل على مواقع يسيرة الاستخدام بحيث يسهل من خلالها تسليم مسؤوليات أي عامل. كما يمكن للشركات -بجانب ذلك- أن تتبع نهجا أبسط في حل المشكلة وتخفيف ويلات هذه الفترة بتقليص أعباء العمل على الموظفين في الأيام التي تسبق الإجازة، أو على الأقل تكليفهم بكمية أكبر من المهام قصيرة الأمد التي يمكن إكمالها سريعا قبل مغادرتهم دون أن يتسمَّروا تحت وطأة الضغوطات.

 

على الجانب الآخر، توصلتْ لورا جيورج هي الأخرى إلى حل لهذه المشكلة استوحته من شيء سمعته مؤخرا أثناء إجراء دراسة بحثية في إحدى الشركات عندما أخبرها أحد الموظفين أنه اضطر لإلغاء اليومين الأخيرين من رحلته لتوفير بعض الوقت ومتابعة الأعمال المهمة، لكنه لم يخبر أيًّا من زملائه في العمل عن تلك القصة. لذا ترى جيورج أن السبيل الوحيد لتجنب مثل هذا النوع من الضغوطات الذي من شأنه أن يجعل شخصا ما يقطع إجازته لمجرد اللحاق بالأعمال قبل عودته الرسمية هو أن تفرض أماكن العمل يوما رسميا في بداية ونهاية الإجازات الطويلة يُمنع فيه استلام أي مهام من الموظفين ليتمكّنوا من الاستمتاع بإجازتهم أو لتيسير دخولهم وخروجهم منها دون عبء يُثقل كاهلهم.

 

بالنسبة إلى البلدان التي تمنح الأولوية للإنتاجية والانكباب على العمل بشراسة لا هوادة فيها، فإن محاولة التخفيف من الضغوطات التي تسبق الدخول والخروج من الإجازة يُعَدُّ فعلا غير مقبول لأنه قد يُودي بالشركات إلى الهاوية وفقا لاعتقادهم. لكن بغض النظر عن وجهة النظر هذه، فإن علينا أن ندرك جيدا أننا لسنا مضطرين في سبيل الحصول على إجازات أن نبذل مجهودا مضاعفا لكي نستحق الفوز بها.

————————————————————————

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.

المصدر : مواقع إلكترونية