السائل الأبيض العظيم.. لماذا يزعم النباتيون أن الحليب ضار بالصحة؟

شرب الحليب
معركة أنصار النظام الغذائي النباتي ضد المغذيات الحيوانية وعلى رأسها الحليب تتجدد باستمرار، وفي سبيلهم لإبراز فوائد الحمية النباتية، هاجموا بشدة السائل الأبيض الرائق الذي يعد الغذاء الأول لبني البشر. (بيكسلز)

لطالما قيل لنا ونحن صغار إن تناول كوب من الحليب يوميا أمر ضروري لصحتنا، وإننا لو لم نفعل ذلك فسوف يعطينا الطبيب الحقنة كما فعل مع "عادل" في أغنية "ماما زمانها جاية". وما بين ترهيب وترغيب، شربنا الكثير والكثير من الحليب في سنوات طفولتنا وشبابنا، وحتى يومنا هذا، لذا قد يكون من الصادم أن تخرج علينا شخصية شهيرة مؤثرة مثل باسم يوسف، وهو طبيب مصري وإعلامي حاز الكثير من الشهرة قبل سنوات، في برنامجه "بلانت – بي (Plant B)" بادّعاء مغاير تماما لما عهدناه، وهو أن الحليب ليس مفيدا للعظام، بل والأدهى أنه ضار بالصحة ويسبب أمراضا مزمنة كالسرطان، ومن الأفضل لنا أن نتوقف عن تناوله نهائيا.

 

لم يكن باسم يوسف بالطبع الصوت الوحيد في مناهضة الألبان ومنتجاتها، في الحقيقة فإن معركة أنصار النظام الغذائي النباتي -ومنهم باسم يوسف- ضد المغذيات الحيوانية وعلى رأسها الحليب تتجدد باستمرار، وفي سبيلهم لإبراز فوائد الحمية النباتية، هاجموا بشدة السائل الأبيض الرائق الذي يعد الغذاء الأول لبني البشر، ولا نبالغ إذا قلنا إنه كان أحد أسرار استمرار حياتهم. يتحجج مناهضو الألبان عادة بثلاثة أسباب في الدعوة للتوقف عن تناول الحليب، فهل تقف حججهم تلك على أرض صلبة؟

 

سكر لا يُحتمل

أحد أهم الانتقادات التي يوجهها النباتيون للحليب الحيواني هو تسببه في "عدم تحمل اللاكتوز (Lactose intolerance)"، وهي حالة ترتبط ببعض الأعراض المزعجة في الجهاز الهضمي بعد تناول الحليب، والحقيقة أن المسمى الدقيق لهذه الحالة هو "عدم استدامة اللاكتيز (Lactase non persistence)"، إشارة إلى الإنزيم المسؤول عن هضم اللاكتوز. عندما كنتَ رضيعا، بلا مصدر للغذاء سوى حليب الأم الذي يحتوي على سكر اللاكتوز بشكل أساسي، قام جسدك بتصنيع "إنزيم اللاكتيز (Lactase enzyme)" المسؤول عن هضم اللاكتوز وتفتيته، وتحويله إلى جلوكوز وجلاكتوز، وهي سكريات أبسط يسهل على الأمعاء الدقيقة امتصاصها ومد الجسم بالطاقة التي يحتاج إليها.

 

ولكن مع التقدم في السن ينخفض إنتاج هذا الإنزيم في الجسم، حتى إن ثلثي سكان العالم من البالغين يفتقرون إليه(1). ونتيجة لذلك، فإن تناول الألبان ومنتجاتها يؤدي إلى تراكم سكر اللاكتوز في الأمعاء الغليظة، وهناك تتولى البكتيريا القاطنة في الأمعاء عملية تكسير اللاكتوز، ما قد ينتج عنه غازات وسوائل زائدة تسبب الانتفاخ والإسهال في بعض الأحيان(2). وعلى الرغم من تفشي هذه الظاهرة، فإن أعراض عدم تحمل اللاكتوز غالبا ما تكون مزعجة فقط وليست خطيرة، أما عن الثلث الباقي من سكان العالم فإن قدرتهم على هضم اللاكتوز ترجع إلى طفرة جينية حدثت منذ بضعة آلاف من السنين.

أعراض عدم تحمل اللاكتوز غالبا ما تكون مزعجة فقط وليست خطيرة.
أعراض عدم تحمل اللاكتوز غالبا ما تكون مزعجة فقط وليست خطيرة. (شترستوك)

لفهم الأمر أكثر، تخيل أننا نعيش في شمال أوروبا منذ 9 آلاف عام، حين كانت المنطقة تعاني من الجفاف والمجاعة، العطش يُلهب الحلوق، وليس ثمة طعام يسد جوع الجميع، ولكن هناك الكثير من الحليب، إذن فلنشرب الحليب حتى نرتوي ونحصل على بعض الطاقة. لحسن الحظ أنت تمتلك طفرة جينية فريدة، تُمكِّنك، بوصفك شخصا بالغا، من هضم اللاكتوز، على عكس صديقك الذي يفتقر إليها.

 

كلاكما شرب الحليب، وفي الظروف العادية كان صديقك سيعاني في أسوأ الأحوال من بعض الانتفاخ وربما الإسهال، بينما ستكون أنت على ما يرام. ولكن في ظل المجاعة المتفشية والجفاف القاتل، تصبح قدرتك على هضم الألبان ميزة تطورية تبقيك على قيد الحياة، وتمنحك فرصة تمرير جيناتك إلى نسلك، في حين أن شرب الحليب بالنسبة إلى صديقك هو شهادة وفاة، حيث ستتحول أعراض عدم تحمل اللاكتوز المزعجة إلى أعراض قاتلة، في جسد أنهكته المجاعة والجفاف، وبذلك ينتهي نسله للأبد، بينما يعمر نسلك أنت شمال أوروبا كلها حتى يومنا هذا.

 

هذا السيناريو التخيلي ربما يكون هو ما حدث فعلا، وفقا للدراسة المنشورة في دورية "نيتشر (Nature)" المرموقة في يوليو/تموز 2022، التي تتبعت استهلاك الحليب عند شعوب شمال أوروبا ووسطها منذ العصر الحجري الحديث، مرورا بالعصرين البرونزي والحديدي، وذلك عبر تحليل بقايا الحليب المترسبة في آلاف الأواني الفخارية التي عُثر عليها في مواقع أثرية مختلفة(3). ظهرت القدرة على تحمل اللاكتوز بعد عدة آلاف من السنين من استقرار إنسان ما قبل التاريخ واستهلاكه للحليب ومشتقاته، ولا يوجد تفسير واضح لسبب نشأة هذه الطفرة في شعوب أوروبا بالذات دونا عن مناطق العالم الأخرى.

 

ينحصر جين تحمل اللاكتوز في مجموعات عرقية بعينها، فعلى سبيل المثال تتمتع الدنمارك وأيرلندا وعدة دول أوروبية بأقل نسبة عدم تحمل اللاكتوز، بينما يعاني سكان غانا واليمن بأكملهم تقريبا من مشكلات مع تحمل اللاكتوز، في حين تتفاوت باقي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في نسبة تفشي هذه الظاهرة وإن كان معظمها يميل نحو النِسب الأعلى(4). وعلى الرغم من هذا، فإن الافتقار إلى هذا الجين لا يعني بالضرورة أنك، بصفتك مواطنا يعيش في الوطن العربي، ستعاني من آلام القولون في كل مرة تتناول فيها كوبا من اللبن، لأن هناك عوامل أخرى متشابكة تسهم في حدوث الأعراض، مثل مدة بقاء اللاكتوز في الأمعاء، ونوع البكتيريا، والأطعمة الأخرى التي يتم تناولها. على سبيل المثال، تناول أطعمة غنية بالدهون يبطئ من عملية الهضم، ما يمنح الكمية القليلة المتوافرة من إنزيم اللاكتيز فرصة كافية لتكسير كمية أكبر من اللاكتوز في الأمعاء الدقيقة(5).

 

الخلاصة أن أعراض عدم تحمل اللاكتوز وحدها لا تبرر في معظم الأحيان حرمان الأطفال والبالغين من تناول الحليب الغني بالبروتين والكالسيوم والعديد من المغذيات الأخرى، خاصة في الدول التي تعاني من شُح في الموارد، حيث يتحول الحليب من كونه رفاهية إلى غذاء أساسي يعتمد عليه الكثيرون للنمو الصحي والبقاء.

 

عظام هشة

الحجة الثانية في هذا الصدد هي أن تناول الحليب يسبب هشاشة العظام، وهي -للمفارقة- تُناقِض مورثاتنا السائدة عن الحليب ومنتجات الألبان عموما. يقول أنصار هذه الحجة إن الإفراط في تناول منتجات الألبان يجعل العظام أكثر هشاشة، ويجعل صاحبه أكثر عرضة للإصابة بالكسور مع التقدم في السن، مستشهدين ببعض الدراسات التي تربط بين تناول الحليب في سن المراهقة، وفُرَص حدوث الكسور في العمر المتقدم.

 

لفحص هذا الادعاء، علينا الإشارة إلى الطريقة التي يتم بها تكوين "كتلتنا العظمية". تعد مرحلة البلوغ هي أساس تكوين هذه الكتلة التي ستستمر معك بقية حياتك، فمعظم "إجمالي كتلة العظام (Total bone mass)" يتكون قبل سن 16 عاما، لذا من الضروري للمراهقين تناول ما يكفي من الكالسيوم في هذه السنوات القليلة، لتكوين كتلة عظمية كافية تحميهم من الكسور في السن المتقدمة. ويجب ألا ننسى هنا أن تناول جرعة كافية من فيتامين-د يوميا أساسي وضروري لامتصاص الكالسيوم وترسيبه في العظام، ليس هذا فحسب، بل إن نقص فيتامين-د يؤدي إلى سحب الكالسيوم من العظام إلى الدم، ما يؤدي إلى حدوث الهشاشة(6).

عدم تناول ما يكفي من الكالسيوم وفيتامين-د يعرض العظام للإصابة بالهشاشة.
عدم تناول ما يكفي من الكالسيوم وفيتامين-د يعرض العظام للإصابة بالهشاشة. (شترستوك)

وهنا يجدر القول بأن الحليب ليس المصدر الوحيد للكالسيوم، ولكنه بلا شك المصدر الأفضل، ليس فقط لاحتوائه على كمية كبيرة منه بواقع 1200 مجم في كل لتر، ولكن لأن محتواه من الكالسيوم هو الأفضل في الامتصاص، يتفوق بذلك على الكالسيوم الموجود في الخضروات الورقية والصويا(7). يحتاج الأطفال ما بين 700-1300 مجم من الكالسيوم يوميا، بينما يحتاج البالغون والحوامل والمرضعات ما بين 1000-1300 مجم يوميا، يمكن الحصول عليها من الحليب ومشتقاته بشكل أساسي، بالإضافة إلى بعض الأطعمة الأخرى كالسمسم الذي توفر ملعقة واحدة منه 87 مجم من الكالسيوم(8).

 

لماذا إذن يروّج البعض اليوم أن تناول الحليب يمكن أن يجعل عظامنا أكثر هشاشة؟ حسنا، الجواب أنه في كثير من الأحيان يمكن بسهولة التلاعب لفظيا بنتائج الدراسات لتبدو أنها داعمة لادعاءات معينة، على سبيل المثال، هناك دراسة منشورة بدورية "جاما نيتوورك (JAMA network)" تبحث في العلاقة بين شرب الحليب في سنوات المراهقة وحدوث كسور الورك في الكِبر، يقول الاستنتاج النهائي للدراسة: "لم تكن زيادة استهلاك الحليب خلال سنوات المراهقة مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بكسور الورك لدى كبار السن"، ويعني هذا أن الدراسة لم تجد أن لتناول الحليب أثرا واقيا من الكسور، ولكن هذا لا يعني أن استهلاك الحليب في سنوات المراهقة يزيد من خطر الإصابة بالكسور فيما بعد، وهي الصورة التي يروّج لها مناهضو الألبان(9).

 

دراسة أخرى منشورة في الدورية نفسها، يستعين بها أحد المواقع الداعمة للحمية النباتية على أنها دليل على أن الحليب يسبب هشاشة العظام والكسور، تتبعت عددا من الفتيات في الولايات المتحدة الأميركية في الفترة 1997-2004. بقياس كمية الحليب المستهلكة وعلاقتها بكسور الإجهاد الناتجة عن ممارسة الرياضة، وجدت الدراسة أن استهلاك الحليب لم يحمِ 3.9% من عينة البحث من حدوث الكسور، ولكن هذا مجددا لا يثبت أن الحليب هو السبب في حدوث هذه الكسور. العنصر الخفي هنا هو تناول فيتامين-د، الضروري لامتصاص الكالسيوم وترسيبه في العظام، وبدونه يصبح تناول الكالسيوم أقل فائدة، وقد وجدت الدراسة أن الفتيات اللاتي تناولن كميات كافية من فيتامين-د كُنّ أقل عرضة لكسور الإجهاد(10).

استهلاك الحليب بالإضافة إلى فيتامين-د يحمي من كسور الإجهاد.
استهلاك الحليب بالإضافة إلى فيتامين-د يحمي من كسور الإجهاد. (بيكسلز)

على الجانب الآخر من هذه الادعاءات، تؤكد العديد من الدراسات أن تناول الحليب ومشتقاته يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بهشاشة العظام. يمكننا في هذا الصدد الإشارة إلى "التحليل التلوي (Meta analysis)" المنشور في "كريتيكال ريفيوز إن فوود ساينس أند نيوترشن (Critical reviews in food science and nutrition)"، الذي حلّل عدة دراسات سابقة بحثت العلاقة بين تناول الحليب ومعدل الإصابة بهشاشة العظام وكسور الورك، وقد خلصت النتائج إلى أن تناول الحليب ومشتقاته تناسب بشكل عكسي مع خطر الإصابة بهذه الأعراض.

 

ولكن، بتحليل دراسات الأقران -وهي دراسة تلاحظ ظهور المرض في مجموعتين بأثر مستقبلي، وهي أكثر دقة من سابقتيها- وُجد أنه لا علاقة بين كمية الحليب التي تناولها المشاركون والإصابة بالهشاشة أو الكسور(11). ويعني هذا ببساطة أن تناول الحليب في أسوأ الاحتمالات لا يحمي من الإصابة بالكسور في المستقبل، ولكنه قطعا لا يتسبب في حدوثها.

 

غالبا ما يستند الربط بين تناول الألبان وفرص حدوث الهشاشة أو الكسور إلى ما يُعرف بـ"فرضية الحمض-الرماد (Acid-Ash hypothesis)"، وتدعي هذه الفرضية أن الأنظمة الغذائية عالية البروتين، ومن ضمنها الحليب، تؤدي إلى زيادة حمضية الدم، وفي سبيل معادلة هذه الحمضية يقوم الجسم بسحب كربونات الكالسيوم القلوية من العظام إلى مجرى الدم، ما يؤدي إلى هشاشة العظام وزيادة فرص الإصابة بالكسور(12).

 

يمكن تفنيد هذا الادعاء من خلال التحليل التلوي المنشور في دورية "جورنال أوف بون أند مينيرال ريسيرش (Journal of bone and mineral research)"، الذي شمل 16 دراسة عالية الجودة عن توازن حموضة الدم، والتي خلصت في النهاية إلى أنه لا يوجد دليل على أن تناول الأطعمة الحمضية يؤدي إلى زيادة سحب الكالسيوم من العظام أو حدوث هشاشة العظام(13). بالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير الحليب على حمضية الدم متعادل، فلا هو يؤدي إلى زيادة حمضية الدم ولا إلى قلويته من الأساس(14).

 

السرطان الخبيث والحليب البريء

الحجة الثالثة لمناهضة الألبان تربط بينها وبين السرطان (نعم، هناك من يخبرونك بأن تناول منتجات الألبان سوف يصيبك بالسرطان)، وتستند هذه الحجة إلى نظرية مفادها أن الأمراض المزمنة هي رد فعل من الجسم على نوعيات معينة من الأطعمة التي نتناولها، وهي نظرية أسهم في تطويرها "توماس كامبل"، أستاذ الكيمياء العضوية المختص بعلوم التغذية بـ"جامعة كورنيل (Cornell University)" بمدينة نيويورك. شارك كامبل في دراسة شهيرة امتدت على مدار 20 عاما في الصين، بالتعاون مع باحثين من جامعتَي كورنيل وأكسفورد والأكاديمية الصينية للطب الوقائي، وسميت بـ"الدراسة الصينية (The China Study)"، ونُشرت تفاصيلها في كتاب كامل من تأليفه، وتعد دراسة تاريخية بارزة في مجال التغذية(15).

 

كان هدف الدراسة الأساسي هو سبر العلاقة بين الحميات الغذائية المختلفة والإصابة بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكر والسرطان، ولتحقيق ذلك، تُتُبّع 6500 مشارك من 65 مقاطعة صينية، تتنوع حمياتهم الغذائية بين الحميات النباتية والأخرى القائمة على تناول البروتين الحيواني، ورُصدَت معدلات حدوث الأمراض المزمنة في نهاية مدة الدراسة التي امتدت من 1983 حتى عام 2003.

 

يهمنا هنا الادعاء الذي ساقته الدراسة بأن الحمية التي تحتوي على الحليب، بوصفه أحد مصادر البروتين الحيواني، تتسبب في نمو بعض أنواع السرطان، مثل سرطان البروستاتا والقولون والثدي، وهي الحجة التي يدفع بها بعض أنصار الأنظمة النباتية لتشجيع الناس على نبذ الألبان ومشتقاتها، والتوجه نحو البدائل النباتية مثل حليب الصويا. لكن الحقيقة أن الدراسة لم تستطع تأكيد أو نفي أن استهلاك الحليب وحده، بمعزل عن البروتينات الحيوانية الأخرى في اللحوم والبيض، قادر بالفعل على التسبب بالسرطانات المختلفة، وكل ما توصلت إليه أن الحمية عالية البروتين الحيواني عموما قادرة على زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مقارنة بالحمية النباتية.

حليب الصويا، أشهر بدائل الحليب الحيواني.
حليب الصويا، أشهر بدائل الحليب الحيواني. (بيكسلز)

المفاجأة الحقيقية هنا أن بعض الدراسات تشير إلى أن بروتين "الكازين (Casein)"، الذي يمثل 80% من محتوى البروتينات في الحليب، قد يعمل بوصفه عنصرا واقيا من بعض أنواع السرطان مثل سرطان القولون من خلال نواتج تكسيره، التي تعمل بصفتها ببتيدات نشطة تحجّم من نمو الخلايا السرطانية(16)، وهو الأمر الذي أشارت إليه دراسة في دورية "جورنال أوف أمينو أسيدز (Journal of Amino Acids)" عام 2013 حول "الببتيدات المناهضة للسرطان في حليب الأبقار"، وأكّدته الدراسة المنشورة حديثا في دورية "كلينيكال نيوتريشن (Clinical nutrition)"، التي فحصت ما يفوق 250 ألف مشارك، وتوصلت إلى أن الحليب الحيواني قادر على الوقاية من سرطان القولون(17).

 

وحتى الادعاء بأن الكالسيوم الذي يحتويه الحليب قد يتسبب بالإصابة بسرطان البروستاتا، لم يسق دليلا قاطعا، كما أكدت الدراسة المنشورة في "ذا أميركان جورنال أوف كلينيكال نيوتريشن (The American journal of clinical nutrition)"، التي بحثت في العلاقة بين تناول الكالسيوم والفوسفات، وسرطان البروستاتا. خلصت الدراسة إلى أن الفوسفات وحده بالفعل مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا، ولكن لم تجد علاقة قوية بين تناول الكالسيوم بكميات كبيرة، وبين هذا النوع من السرطان، حتى في حالة تناول كمية أعلى من 2000 مجم في اليوم، وهي الكمية الموجودة في 1.6 لتر من الحليب(18).

 

عموما، فإن اللغة التي يتحدث بها مجتمع البحث العلمي عن علاقة الحليب والكالسيوم بالسرطان هي فرضية وليست قطعية بأي حال، لكن المشكلة أن البعض يتلقفون هذه الدراسات التي تتناول فرضيات لم تثبت علميا بعد، ويُروّجون لها على أنها حقائق لا تقبل الجدل من أجل تنفير الناس من أطعمة بعينها.

 

في النهاية، علينا أن نتذكر أن العلم نهر متجدد على الدوام، وأن هناك العديد من الأبحاث مختلفة النتائج في كل فضاء، وما يؤكده البحث العلمي اليوم قد ينفيه غدا إذا ما اجتمعت لديه الأدلة الكافية لذلك، ولكن ما نستطيع أن نؤكده لك، حتى وقتنا هذا، أنك ما دمت لا تعاني من أمراض محددة تمنعك من تناول منتجات الألبان، فعليك الحرص على تناول منتجات الألبان يوميا للحصول على ما يكفي من الكالسيوم وفيتامين-ب-12 أيضا. يمكنك الحصول على حصتك اليومية من منتجات الألبان -بسهولة- بتناول كوب من الحليب، وقطعة جُبن في حجم علبة أعواد ثِقاب، وكوب من الزبادي المضاف إليه بعض قِطَع من الفاكهة اللذيذة (19).

——————————————————————————–

المصادر:

1- Country, regional, and global estimates for lactose malabsorption in adults: a systematic review and meta-analysis – The Lancet Gastroenterology & Hepatology

2- Causes and diagnosis of lactose intolerance – InformedHealth.org – NCBI Bookshelf

3- Dairying, diseases and the evolution of lactase persistence in Europe | Nature

4- Lactose Intolerance by Country – Milk

5- Causes and diagnosis of lactose intolerance – InformedHealth.org – NCBI Bookshelf

6- Milk and Dairy Products: Good or Bad for Human Bone? Practical Dietary Recommendations for the Prevention and Management of Osteoporosis – PMC.

7- Calcium | The Nutrition Source | Harvard T.H. Chan School of Public Health.

8- Healthy Foods High in Calcium

9- Milk Consumption During Teenage Years and Risk of Hip Fractures in Older Adults | Adolescent Medicine | JAMA Pediatrics

10- Vitamin D, Calcium, and Dairy Intakes and Stress Fractures Among Female Adolescents

11- Consumption of milk and dairy products and risk of osteoporosis and hip fracture: a systematic review and Meta-analysis

12- The acid-ash hypothesis revisited: a reassessment of the impact of dietary acidity on bone.

13- Meta‐Analysis of the Effect of the Acid‐Ash Hypothesis of Osteoporosis on Calcium Balance – Fenton – 2009 – Journal of Bone and Mineral Research – Wiley Online Library.

14- Estimation of the renal net acid excretion by adults consuming diets containing variable amounts of protein 

15- The China Study: The Most Comprehensive Study of Nutrition Ever Conducted And the Startling Implications for Diet, Weight Loss, And Long-term Health

16- Potential Anticarcinogenic Peptides from Bovine Milk – PMC

17- Milk consumption and risk of twelve cancers: A large-scale observational and Mendelian randomisation study – Clinical Nutrition

18- Calcium and phosphorus intake and prostate cancer risk: a 24-y follow-up study – PMC

19- Dairy products and cancer risk

المصدر : الجزيرة

إعلان