شعار قسم ميدان

لماذا تُعدّ نصيحة "رتب غرفتك أولا" الأهم على الإطلاق؟

يعرف الجنود في الجيش أن أهم شيء دائما هو الحفاظ على المكان الذي يعيشون فيه نظيفا، يحذرهم القادة من حين لآخر بجمل مثل "رتب غرفتك قبل أن تغير العالم"، أو "ابدأ بأبسط شيء كي تغير كل شيء"، والواقع أن هذه الجمل ليست فقط مجرد تحذير أو تحفيز من مؤسسات عسكرية صارمة ومحافظة بطبيعتها، لكن عددا من الدراسات المعاصرة تُشير إلى أن إزالة الفوضى من المساحة المُحيطة بك تُمكنك من إزالة الفوضى من عقلك أيضا.

تنظيف المنزل ودعم الصحة العقلية والجسدية

أظهر بحث نُشر عام 2009 أن الفوضى لها تأثير عميق على الحالة المزاجية واحترام الذات. في التجارب التي شملت 60 عائلة، وجد الباحثون أن النساء اللائي يعتبرن منازلهن غير منظمة وفوضوية قد زادت مستويات هرمون الكورتيزول الناتج عن التوتر لديهن، كما أن هؤلاء النساء قد عانين من الاكتئاب على مدار اليوم ومزيد من التعب في الليل، مقارنة بالنساء في التجربة ذاتها اللواتي وصفن بيئتهن المنزلية بأنها مريحة(1).

يمكن أن يكون غسيل الأطباق ومسح الأرضيات والكي أمرا مهدئا، خاصة عند إجرائه بطريقة واعية. وجدت دراسة أُجريت عام 2015 بواسطة باحثين من جامعة ولاية فلوريدا أن أولئك الذين غسلوا الأطباق بوعي، مع التركيز على رائحة الصابون ودفء الماء وملمس الأطباق، عانوا من انخفاض بنسبة 27٪ في العصبية، و زيادة بنسبة 25٪ في "الإلهام العقلي"(2).

وجدت دراسة تقول إن الأشخاص الذين لديهم منازل نظيفة يتمتعون بصحة أفضل من الأشخاص الذين لديهم منازل فوضوية.

عندما يشعر الناس أن حياتهم خارجة عن السيطرة أو أنهم يعانون من بعض الشكوك والأزمات، يمكن أن يكون التنظيف وسيلة لتأكيد بعض السيطرة في حياتهم. يعطي التنظيف للناس إحساسا بالإتقان والتحكم في بيئتهم. وجدت دراسة أجرتها جامعة كونيتيكت الأميركية أنه في أوقات التوتر الشديد يكون من المفيد أن يواظب الناس على بعض السلوكيات المتكررة مثل التنظيف، لأنه يمنحهم إحساسا بالتحكم خلال فترات الفوضى(3).

أما فيما يتعلق بدعم وتعزيز الصحة الجسدية، فقد وجدت دراسة بقيادة الأستاذة المساعدة "نيكول كيث"، الحاصلة على درجة الدكتوراه وعالمة الأبحاث والأستاذة بجامعة إنديانا، أن الأشخاص الذين لديهم منازل نظيفة يتمتعون بصحة أفضل من الأشخاص الذين لديهم منازل فوضوية. تتبعت كيث وزملاؤها الصحة البدنية لـ998 أميركيا من أصل أفريقي تتراوح أعمارهم بين 49 و65 عاما، وهي فئة ديموغرافية معروفة بأنها معرضة لخطر متزايد للإصابة بأمراض القلب. توصلت الدراسة إلى أن المشاركين الذين حافظوا على نظافة منازلهم كانوا أكثر صحة ونشاطا من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.

توضح الدراسة كذلك أن النشاط البدني يمكن أن يُقلل من احتمالية تطوير الأشخاص لعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وأيضا تقليل تأثير عوامل الخطر عند وجودها. تقول كيث إن نتائج بحثها "توضح أن الجهود المبذولة لزيادة معدلات النشاط البدني لدى سكان المدن، خاصة داخل منازلهم، هي أمر مهم في الحفاظ على الصحة، وقد تحتاج إلى أخذها بعين الاعتبار"، موضحة: "إذا كنت تقضي يومك في تنظيف الغبار، والتنظيف، والغسيل، فأنت نشيط. قد لا تستغرق 30 دقيقة من بذل الجهد إذا ذهبت في نزهة على الأقدام، لكنك قد تستغرق 30 دقيقة للتنظيف دون الشعور بالملل أو التوقف"(4).

تنظيف المنزل وتأثيره على العمل والتركيز والعلاقات الأسرية

تُشير الأبحاث أيضا إلى أن الفوضى يمكن أن تدمر تركيزك. قارنت دراسة أُجريت عام 2011 من قبل معهد العلوم العصبية بجامعة برينستون بين تأثير العيش في الأماكن غير المنظمة مقابل الأماكن المنظمة، توصلت الدراسة إلى أن وجود الكثير من المحفزات البصرية، مثل الأحذية المُلقاة في غير أماكنها، والأحواض المليئة بالأطباق، والملابس المُلقاة على الأريكة، تجعل من الصعب على الدماغ التركيز ومعالجة المعلومات. يمكن أن يكون هذا الحِمل الزائد مرهقا لبعض الناس.

لذا، إذا كُنت تريد أن تكون أقل قلقا وأكثر إنتاجية، خاصة إذا كُنت تعمل من المنزل، فقد تحتاج إلى إزالة الفوضى في المنزل ومكان العمل الخاص بك(5). أيضا يمكن أن تزيد الفوضى من صعوبة الاسترخاء، وقد تؤدي إلى الشعور بالذنب بالنسبة إلى البعض، ففي البحث الذي نشرته جامعة جنوب كاليفورنيا عام 2009 حول الفوضى، سُئل المبحوثون عن الوقت الذي يقضونه في المنزل، وطُلب منهم وصف هذا الوقت بكونه متصالحا أو مرهقا.

أشارت النتائج إلى أن الفوضى يمكن أن تشتت الانتباه بصريا، وتكون بمثابة تذكير مزعج بالمهام والأعمال المنزلية التي تم التراجع عنها وعدم تنفيذها أو إكمالها، بينما يمنح التنظيف الأشخاص إحساسا بالإتقان والتحكم في بيئتهم(1). قد يكون هذا هو السبب في أن البيئة المنظمة تعمل على تقليل مشاعر القلق والتوتر، وتساعد على الشعور بالهدوء والاستقرار، فنصبح قادرين على معالجة المعلومات بشكل مختلف لأن هناك ضوضاء أقل في أدمغتنا بصريا.

من ناحية أخرى، فإن الفوضى في المنزل وعدم نظافته قد تؤثر سلبا على العلاقات الأسرية للأفراد الذي يعيشون في المنزل نفسه. يمكن أن تؤدي المنازل الفوضوية إلى علاقات فوضوية، كومة من الغسيل على الأرض يمكن أن تجعل شخصا غير متزن على الإطلاق، وقد تجعله عصبيا أو متوترا. هذا المقدار من الانفعال قد يؤدي بدوره إلى سلوكيات أو التلفظ بكلمات قد تضر بالعلاقات الأسرية.

ما الذي قد يعيق البعض عن تنظيف أماكنهم؟

لكن إذا كان التنظيف يُمكِّننا من تحقيق كل هذه الفوائد الصحية العقلية والجسدية والمهنية والاجتماعية، فما الذي يعيق البعض عن تنظيف أماكنهم؟ هناك مجموعة من الأسباب التي قد يرى البعض أنها تعوقه عن تنظيف مكان عمله أو معيشته، منها أن المنزل يحتوي على العديد من الأشياء التي يعتقدون أنهم سيحتاجون إليها يوما ما، دون أن يحتاجون إليها أو يستخدمونها فعليا قط، الاحتفاظ بهذه الأشياء يخلق الكثير من الفوضى التي تُثقل عملية التنظيف على الأشخاص، لأنهم يعتقدون -وقد يكونون مُحقّين- أن التعامل مع كل هذا قد يكون مُجهدا جدا ويحتاج إلى الكثير من الوقت.

حل هذه الأزمة يتمثل في التخلص من الأشياء غير المُستخدمة أولا بأول، عليك هنا أن تبذل قصارى جهدك للتبرع بها. إذا كنت لا تستطيع -نفسيا- التخلص من أشياء معينة لتعلقك بها، فحاول التقاط صور لها بحيث يكون لديك دائما تذكير مادي بها، قد تجد أيضا أماكن جديدة لتخزين هذه الأشياء حيث يصبح منزلك أكثر تنظيما.

قد يكون التخلص من الأشياء أمرا صعبا، لأننا غالبا ما نربط المشاعر العاطفية بالأشياء القديمة. يحدث هذا بشكل خاص كلما تقدمنا ​​في السن، فعلى الرغم من أننا نميل إلى اكتساب ممتلكات أقل بعد سن الخمسين، فإن العديد من كبار السن يكونون أقل عرضة لبيع الأشياء أو التخلي عنها. خلال دراسات أجريت على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاما، قال حوالي الثلث إنهم لم يتخلصوا من أي ممتلكات في العام الماضي. في بعض الأحيان، لا يتخلص كبار السن من الفوضى لأنها تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا يكون شاقا بشكل خاص عليهم، في مثل هذه الحالات، يمكن لأفراد الأسرة المساعدة(6).

كذلك، يمكن أن يكون التخلص من الفوضى صعبا بشكل خاص بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الاكتناز، وصنفه الخبراء لأول مرة على أنه شكل من أشكال الوسواس القهري (OCD) في عام 2013، ولكنهم أدركوا لاحقا أنه حالة منفصلة. وجد الباحثون أن أولئك الذين يعانون من اضطراب الاكتناز يُصبح لديهم نشاط دماغي مكثف عندما يفكرون في التخلي عن ممتلكاتهم. يجمع هؤلاء المزيد من الأشياء مع مضي الزمن. الجانب الجيد هنا أنه يمكن علاج اضطراب الاكتناز القهري، تشمل العلاجات الحالية بعض أنواع من الأدوية ومجموعات الدعم(6).

سبب آخر قد يعوق البعض عن تنظيف منازلهم، هو أنه ليس لديهم الوقت الكافي، وأن عملية التنظيف ستستغرق الكثير من الوقت، هذا الأمر قد يكون صحيحا بالطبع عندما تواجه احتمال تنظيم وتنظيف منزلك بالكامل. يتمثل الحل هنا في أن تقسم المهمة الكبيرة هذه إلى مهام أصغر، وأن تأخذ خطوة واحدة صغيرة في كل مرة. اقضِ 30 دقيقة يوميا في التنظيف والتنظيم، إذا لم يكن لديك هذا الوقت أيضا، فجرب أن تبدأ فقط بنحو 15 دقيقة.

سبب ثالث يُقلل من قدرتنا على تنظيف المنزل هو أننا بعد مرور الوقت والتأقلم مع العيش في مكان غير منظم، ننسى تدريجيا قيمة وأهمية العيش في مكان نظيف ومنظم. هنا يجب رفع الوعي والتعرف على الفوائد الصحية النفسية والجسدية التي يمكن تحقيقها بسبب العيش في مكان نظيف، ومدى قدرة هذا الأمر على تحسين تركيزنا وقدراتنا الذهنية ومساعدتنا على إنجاز مهام العمل، بل وتحسين علاقاتنا الأسرية(7).

ابدأ في التنظيف حتى وإن كُنت لا ترغب في هذا

قد يكون التحدي الأكبر الذي يواجهك في تنظيف وتنظيم غرفتك أو مكتبك أو منزلك أو مساحتك الخاصة أيّا ما كانت، هو ببساطة أنك لا ترغب في القيام به. لمواجهة هذه المشكلة يجب ألا تكدس المهام، مثلا ابدأ بترتيب سريرك فور استيقاظك من النوم. وجدت دراسة أجرتها مؤسسة النوم الوطنية الأميركية أن الأشخاص الذين يرتبون أسرتهم كل صباح أكثر عرضة بنسبة 19٪ للقول إنهم يحصلون على نوم جيد ليلا بانتظام. ترتبط الملاءات النظيفة أيضا بالشعور براحة أكبر، فقد أفاد 75% من المبحوثين أنهم يشعرون براحة أكبر عندما ينامون في الفراش الذي غُسِل مؤخرا(8).

أيضا لجعل التنظيف أكثر سهولة، عليك أن تُحدد مهمة بسيطة لتقوم بها يوميا، فليس من الضروري تخصيص عطلة نهاية أسبوع كاملة للتنظيف. حدد كل يوم شيئا سهلا تقوم به، مثل تنظيم الدرج أو ترتيب خزانة المعاطف، ثم كافئ نفسك عند الالتزام بفعل ما حددته.

حاول كذلك ألا تستغرق المهمة التي حددتها أكثر من 30 دقيقة، اضبط عداد الوقت لمدة 30 دقيقة، وحاول إنهاء المهمة خلال هذا الوقت، ثم توقف عن العمل بمُجرد مروره. سيؤدي هذا النهج ببطء إلى بناء شعور بالإنجاز دون الشعور بالملل أو حمل هم التنظيف، لأنك تعرف أنه سيستغرق عدّة ساعات من العمل. أما إذا كُنت تعمل من المنزل، فسيكون عليك تنظيم مساحة العمل الخاصة بك قبل أن تُنهي يومك. سَوِّ أكوام الورق، ونظِّف ما حولك قبل أن تغلق جهاز الحاسوب، وربما يساعدك تنظيم الحاسوب نفسه من الداخل بدلا من امتلائه بملفات ذات أسماء أحدها هو "New Folder 85″، ترتيب الحاسوب يشبه أيضا ترتيب المنزل(9).

أيضا عليك ألا تخجل من طلب المساعدة، أحيانا تكون في مرحلة من حياتك يكون التنظيف خلالها ليس شيئا يمكنك التعامل معه بنفسك. ربما تتعافى من مرض خطير، أو تدير مشروعا خاصا بك، أو فقط لديك منزل مليء بالأطفال، أيّا ما كانت ظروفك، إذا كنت تعرف أنه لا يمكنك إنجاز كل ما يجب القيام به من أعمال التنظيف، فسيكون عليك هنا أن تفكر في إشراك الآخرين، سواء الأصدقاء أو العائلة.

من ناحية أخرى، إذا كانت لديك مساحة في ميزانيتك، فيمكنك أيضا التفكير في تعيين شخص لتنظيف منزلك مرة أو مرتين في الشهر. لتقليل التكاليف، يُمكنك أن تجعله يقوم بالمهام الصعبة فقط، مثل تنظيف الحمامات أو ترتيب المطبخ وتنظيفه، ثم تتولى أنت تنظيف المناطق الأخرى من منزلك بمفردك(10).

__________________________________________________________

المصادر:

  1. No place like home: home tours correlate with daily patterns of mood and cortisol
  2.  Washing Dishes to Wash the Dishes: Brief Instruction in an Informal Mindfulness Practice
  3. Effects of Anxiety on Spontaneous Ritualized Behavior
  4.  Tidier homes, fitter bodies?
  5. Interactions of top-down and bottom-up mechanisms in human visual cortex
  6. Mental Health Benefits of Decluttering
  7. The Powerful Psychology Behind Cleanliness
  8.  Bedroom Poll
  9. 9How And Why Cleaning Can Improve Your Mental Health
  10.  The Relationship Between Mental Health and Cleaning
المصدر : الجزيرة