إريك إريكسون.. الهشاشة النفسية التي تخفَّت تحت قناع عالم النفس العظيم
على مدار التاريخ غير الطويل لعلم النفس المعاصر، هيمنت المدرسة الفرويدية على الفضاء الهادف إلى التعرف على ماهية النفس البشرية ونقائصها وحيلها. ومن قلب المدرسة الفرويدية نفسها، انبثق جيل من العلماء الذين حملوا رسالة فرويد في التحليل النفسي على أكتافهم، وحرصوا على تطويرها، ولا مثال أفضل على هؤلاء من عالم النفس الألماني إريك إريسكون. عاش إريكسون حياة حافلة عامرة بالتجوال، وعانى من عدة صدمات خلال حياته، ولم تساهم هذه الصدمات فقط في صقل شخصية إريكسون، بل وفي تشكيل نواة أشهر نظرياته "نظرية التطور النفسي الاجتماعي" (Psychosocial development)، التي تُعَدُّ إلى اليوم من أشهر النظريات في فضاء علم النفس.
مَن أنت إذن؟
تُعَدُّ هذه النظرية امتدادا لنظرية المراحل الخمسة لتطور الطفل عند فرويد، فكل مرحلة تحتوى على صراع محوري، إما أن ينجح الإنسان في تجاوزه ويكتسب فضيلة هذه المرحلة، وإما أن يفشل في ذلك ويعاني من الأزمة المرتبطة بالمرحلة. آمن إريكسون بأهمية البيئة المحيطة بالفرد في تشكيل وعيه بذاته، وقدرته على التكيف وتكوين هويته، لِمَ لا وقد عاش حياته كلها مصابا "بأزمة الهوية" (Identity crisis) بسبب غياب والده البيولوجي، وخداع أمه ووالده بالتبني، وتنقله المتكرر بين البلدان، دون شعور بالانتماء إلى أي مكان أو أي شخص.
تنقسم نظرية إيركسون إلى 8 مراحل (1) تمتد بامتداد عمر الإنسان، ولا بد للمرء من أن يمر بهذه المراحل بالترتيب، بداية من مرحلة الثقة، ثم الاستقلالية، ومن بعدهما المبادرة عند سن 5 سنوات تقريبا، ويلعب اهتمام الأم وتشجيعها دورا محوريا في تخطي هذه المراحل بنجاح. بعد ذلك تأتي مرحلة إثبات الكفاءة عادة مع تعلُّم القراءة والكتابة والمهارات الأخرى التي يكتسبها الطفل من خلال المدرسة، تليها المرحلة الأكثر خطورة وهي العثور على الهوية. الفشل في هذه المرحلة ينتج عنه الشعور بانعدام الكفاءة وفقدان الهوية، وهو ما عانى منه إريكسون نفسه طوال عمره.
بعد انتهاء مرحلة المراهقة وحتى سن الأربعين، تتمثَّل أزمة الإنسان في العثور على الحب. إما أن ينجح في إقامة علاقة حميمية وتكوين أسرة، وإما أن يفشل ويعاني الوحدة والعزلة لبقية حياته. بعد سن الأربعين، يأتي دور العطاء، حيث ينبغي للمرء ترك بصمته في العالم، ليس فقط من خلال عمله، بل ومن خلال تربية أبنائه أيضا. النجاح في هذه المرحلة التي تمتد حتى سن الخامسة والستين يؤدي إلى الشعور بالفائدة والإنجاز واكتساب فضيلة المراعاة، بينما الفشل فيها يؤدي إلى الركود والشعور بالانفصال عن المجتمع.
أما عن المرحلة الأخيرة من دورة حياة الإنسان من منظور إريكسون، التي تبدأ بعد التقاعد تقريبا، فتتمحور حول الوصول إلى الكمال والرضا عن الحياة. عندما يتقاعد الإنسان عن العمل، ويبدأ في مراجعة ماضيه وما حققه خلاله، يفكر في نجاحاته وفشله وما حققه من إنجازات، فإما أن يصل إلى الرضا والحكمة إن سارت حياته بشكل جيد، وإما أن ينزلق إلى اليأس والمرارة على ما ضاع من العمر.
للمزيد اقرأ: كيف تُنشئ طفلا واثقا من نفسه؟
الثقة
"الأمل فضيلة لا غنى عنها تحمل في جعبتها سر بقائنا على قيد الحياة"
وبما أننا نتحدث عن الرجل نفسه الذي أسس لتلك النظرية، ما رأيك أن نطبقها على حياته (كما فعل هو نفسه من قبل)؟ (2) (3) يبدأ الأمر من كارلا أبراهامسين، فتاة دنماركية ذكية مثقفة شديدة الجمال، تزوجت من تاجر يهودي يُدعى فالديمار سالومونسين، لكنه لسبب ما لا نعرفه هرب من المنزل بعد الزفاف مباشرة ولم تره ثانية قط. بعد عدة سنوات، عندما اكتشفت كارلا حملها من رجل غير معروف الهوية، وتجنُّبا للفضيحة، أرسلتها عائلتها إلى ألمانيا لتعيش مع بعض عماتها، وتضع طفلها هناك في يوم حار من أيام شهر يونيو/حزيران 1902. كانت العلاقة بين كارلا وابنها، الذي سيكبر ليصبح "إريك إريكسون" (Erik Erikson) وطيدة في سنواتها الأولى.
أحبت كارلا القراءة، لذا دائما ما ربط إريك بين القراءة وبين ذكرياته مع أمه، وكانت اللغة الدنماركية هي الرابط الخاص بينهما، بينما عاشا في دولة تتحدث الألمانية. اعتز إريك بالأوقات التي كان يتبادل فيها مع أمه النظرات، تلك الأم الذكية الخدومة والحزينة الوحيدة، التي رغم وضعها القاسي في شمال ألمانيا بعيدا عن عائلتها، استطاعت أن تحمي ابنها وتمنحه السعادة والثقة والأمل. هذه الثقة التي اكتسبها إريك من أمه في شهور عمره الأولى انعكست على ثقته بنفسه وبالعالم فيما بعد، ومنحته الأمل دوما في مساعيه المستقبلية، كما منحته القدرة على تكوين علاقات اجتماعية جيدة فيما بعد.
الاستقلالية والمبادرة
"مَن يشعر بالعار، يتمنى لو يُبعد ناظري العالم عنه حتى لا يلاحظ ضعفه. يتمنى لو يُدمِّر عيون العالم تدميرا"
اهتمت كارلا في السنوات الأولى بتنمية قدرات ابنها، خاصة عندما أظهر حِسًّا فنيا ربما اكتسبه من اختلاطها بالفنانين البوهيميين في المدينة، حتى إن انطباعه الأوليّ عن الرجولة اكتسبه من خلالهم. عندما طوَّر إريكسون نظريته للتطور النفسي الاجتماعي فيما بعد، اعتبر أن الفترة من سن 18 شهرا وحتى 3 سنوات مهمة لاكتساب الاستقلال بالذات وحسّ المبادرة. إلى هنا كانت حياة إريكسون تسير على ما يرام، حتى جاء منافس قوي أزاحهُ عن ساحة الاهتمام.
كان إريكسون في الثالثة حين أخذته أمه إلى الطبيب إثر وعكة صحية، وعلى غير المتوقع تبادل الطبيب والأم الإعجاب، ولم يمضِ وقت طويل حتى تزوجا في عيد ميلاد إريك الثالث. ربما كانت هذه الأزمة الأولى التي يتعرَّض لها إريك في حياته، أن يُنتزع اهتمام أمه منه. رغم الضرر الواقع على إريك، فإن زوج أمه رباه كما لو كان ابنا له، ومنحه اسمه ليصبح "إريك همبرجر"، واشترط على كارلا ألا يخبرا الطفل بحقيقة أنه ليس والده الشرعي. ولكن على الرغم من حرص الزوجين على تربية إريك كابنهما، فإن الصغير شعر بأن شيئا لم يكن صحيحا، وفي سنوات عمره اللاحقة، كان يتذكر هذه الفترة على أنها حب خادع.
عدم الكفاءة وفقدان الهوية
"في الغابة الاجتماعية للوجود البشري، لا يمكن الشعور بأنك على قيد الحياة دون الشعور بالهوية"
انقلبت حياة إريك الصغير رأسا على عقب وهو في سن الثامنة فقط، بعدما أنجبت أمه أخته "رُوث". اختبر ثيودور، زوج كارلا، شعورا مختلفا نحو ابنته التي من صلبه، ولسبب ما قرَّر أن يعترف لإريك بحقيقة أنه ليس والده البيولوجي، ولا أحد يعرف مَن هو والده حقا. لم يخسر إريك والده بالتبني في ذلك اليوم فحسب، بل شعر أنه كان مخدوعا طوال عمره، وأورَثهُ ذلك شعورا بضياع الهوية.
ما عزَّز هذا الشعور بداخله هو التحفظ الذي كانت عائلة والدته تستقبله به في كوبنهاغن، وانعدام حماسهم لعلاقته البريئة بابنة خاله هنرييتا. كانت هناك دوما محاولات لطمس ماضي ومنشأ هذا الطفل، ونوع من التحفُّز يخيِّم على الأجواء بين عائلة أبراهامسين وعائلة همبرجر على الدوام، ولم يملك الطفل إلا أن يشعر بكل هذا ويفتقد السنوات التي كان يحيا فيها مع أمه بمفردهما.
في المرحلة من سن 8-12 عاما، وفقا لنظرية إريكسون، ينمو حس المنافسة بين الأطفال، والمقارنة المستمرة بين أدائهم، وبينما كان إريك موهوبا في الفنون ومتفوقا في التاريخ، فإنه كان طالبا متوسطا في الدراسة عموما. هنا بدأ إحساس عدم الكفاءة ينمو داخل إريك، ذلك الإحساس الذي سيصحبه حتى فراش الموت، وسيعذبه طوال حياته. نتيجة لذلك، ظل إريك هائما على وجهه لسنوات، يدرس الفنون ويتجول في بلدان أوروبا بلا هدى بحثا عن أثر وهمي لوالده الذي لم يعرفه قط، وشعور فقدان الهوية يتعاظم داخله أكثر فأكثر.
بحسب نظرية إيركسون، تنشأ أزمة الهوية في مرحلة المراهقة، تلك المرحلة الحرجة التي يختبر فيها المراهق كل ما حوله، ويستكشف العالم ويقرر دوره فيه. وفي حال نجح المراهق في تحقيق هويته في تلك المرحلة، فإنه يكتسب فضيلة الإخلاص، التي تُمكِّنه من إقامة العلاقات الصحية في المرحلة التالية من عمره، بالإضافة إلى تكوين صورته الذاتية، وتحديد مستقبله المهني وما يرغب في أن يصبح عليه في مراحل حياته اللاحقة. على الناحية الأخرى، فإن الفشل في العثور على هوية المرء يتسبَّب في نشوء "أزمة الهوية"، فلا يدري الإنسان مَن هو ولا ما ينبغي أن يفعل في حياته، ويلازمه الشك في إنجازاته طوال عمره.
"رؤية الطفل يلعب تشبه كثيرا رؤية الفنان يرسم، لأن في اللعب يقول الطفل الكثير دون أن ينبس ببنت شفة"
بعد إنفاق عدة سنوات في محاولات يائسة للعثور على ذاته، أدرك إريك أنه لن يصير فنانا، وعاد إلى ألمانيا حيث غرق في نوبة عميقة من اليأس والاكتئاب. في سن الخامسة والعشرين، فتح القدر بابا جديدا أمام إريك ليكتشف شغفه الحقيقي في التحليل النفسي، ساعده في ذلك صديقه المقرب "بيتر بلوس"، الذي كان قد تعرف عليه أثناء تجواله في أوروبا. كان بلوس مقربا من عائلة سيجموند فرويد عالم النفس الشهير في فيينا، ودعا إريك لمساعدته في وضع المناهج التعليمية للمدرسة التي افتتحتها آنا فرويد ودوروثي بيرلنجهام خصيصا من أجل بلوس.
أتاحت لهما المالكتان الحرية الكاملة في تقرير المنهج الدراسي، وكانت النتائج رائعة. راقبت آنا كيف يتعامل إريكسون مع الأطفال، وأُعجبت بقدرته على التواصل معهم، لذا قررت قبوله لتعلُّم التحليل النفسي، رغم أنه لم يمتلك تعليما جامعيا ملائما، بل في الواقع لم يمتلك أي تعليم جامعي على الإطلاق. كانت علاقة إريكسون بعائلة فرويد هي الانطلاقة الحقيقية التي أكسبته شهرة فائقة في علم النفس في السنوات اللاحقة وحتى اليوم. يقول إريك في مذكراته: "احتوتني آنا فرويد وآخرون من الدائرة المحيطة به [يقصد فرويد نفسه]، وأهدتني عمل حياتي".
الألفة والحميمية
"لا معنى للحياة دون أن يعتمد كلٌّ منا على الآخر. نحن بحاجة إلى بعضنا البعض، وكلما أسرعنا في إدراك ذلك كان هذا أفضل للجميع"
في سن السابعة والعشرين، وبعد أن ثبَّت قدميه جيدا مُدرِّسا في مدرسة "هيتزينج" (Hietzing) ونال رضا وقبول آنا فرويد، تعرّف إريك على "جوان سيرسون". كانت جوان فتاة كندية في السادسة والعشرين من العمر، طويلة القامة، ذكية العينين، جاءت إلى فيينا لاستكمال دراستها حول الرقص المعاصر، حين لفت إريك نظرها لأول مرة.
بشكل ما كانت علاقة إريك بجوان انعكاسا لعلاقة كارلا بوالد إريك المجهول. كان إريك مقتنعا دون دليل واضح أن والده كان فنانا متجولا مثله، وعندما حملت منه جوان قبل الزواج وأراد أن يتملص منها، ذكَّره بعض الأصدقاء بوالده وما فعله معه. هنا قرَّر إريك إلا يُعيد خطأ والده ويُعرِّض طفله لفقدان الهوية والضياع كما حدث معه، وتزوج هو وجوان عام 1930. التحقت جوان بالعمل في المدرسة بجوار إريك، وأصبحت صديقة مقربة لعائلة فرويد.
أنجب الزوجان ثلاثة من الأبناء، "كاي" و"جون" و"سو"، وكوَّنوا عائلة صغيرة سعيدة تعاني من بعض الصعوبات المادية. لم تتميز علاقة الزوجين بالحب الصريح وإنما بالثقة والوفاء المتبادل، حيث تمكَّنت جوان من بناء قاعدة عاطفية واجتماعية داعمة لزوجها المضطرب عاطفيا. تقول إلين أخت إريك غير الشقيقة: "كان سيصبح لا شيء بلا جوان"، ووافقها إريك على ذلك. بالتزامن مع تحقيقه للحميمية، كان إريك يسعى بخطى ثابتة نحو تعلم التحليل النفسي والانغماس أكثر وأكثر في عوالم النفس، عن طريق دراسة الأطفال في مدرسته، والاختلاط بفرويد ومجموعته المقربة.
Fam photo with my wife and kids❤️ #Kai #Jon #Sue #thewifeyJoan pic.twitter.com/URHIDsRsKB
— Erik Erikson (@EErikson02) September 9, 2015
العطاء
"كلما عرفت نفسك أكثر، زاد صبرك على ما تراه في الآخرين"
بعد إغلاق مدرسة هيتزينج عام 1932 لخلافات في طريقة الإدارة، ومع تصاعد نغمة الكراهية ضد اليهود في ألمانيا النازية، قرَّر إريكسون الهرب بعائلته إلى أميركا حيث الوضع أكثر أمانا. في تلك المرحلة كان قد تدرب بالفعل على يد آنا فرويد على أساليب التحليل النفسي، واكتسب خبرة لا بأس بها فتحت له فيما بعد بابا للانضمام إلى الجمعية الأميركية للتحليل النفسي بصفته أول عالم نفسي متخصص في الأطفال في بوسطن. حصل إريكسون على وظيفة في جامعة "هارفرد" ومن بعدها "ييل" من خلال بعض المعارف.
خلال تلك الفترة اهتم إريكسون كثيرا بدراسة أطفال قبائل "سيوكس" (Sioux) من السكان الأصليين لأميركا، ومن بعدهم أطفال قبائل "يوروك" (Yurok) عندما انتقل للعمل في كاليفورنيا، وفي تلك السنوات تشكَّلت في ذهنه محتويات الكتاب الذي أكسب إريكسون شهرة واسعة بعد صدوره في بداية الخمسينيات. احتوى كتاب "الطفولة والمجتمع" (Childhood and society) على أهم نظريات إريكسون حول تطور الهوية، والمراحل الثمانية لتطور الإنسان منذ الولادة وحتى الممات، بالإضافة إلى تأثير الثقافة والحياة الاجتماعية على تطور الطفل بناء على ملاحظاته عن أطفال السكان الأصليين.
في مقالها المنشور في "ذا أتلانتيك" (The Atlantic) عام 1999، تتذكر سو إريكسون، ابنته الصغرى، تغير الأوضاع بعد صدور كتاب "الطفولة والمجتمع"، تقول سو: "أصبح والدي مركز الاهتمام البراق في معظم التجمعات الاجتماعية والمهنية، التفَّ الناس حوله والحماس بادٍ على وجوههم، ينتظر كلٌّ منهم دوره للتفاعل معه". (4)
الكمال
"لطالما أثار في المقربين إليه الرغبة في طمأنته ومواساته، ليشعر أنه محترم ومحبوب، لمساعدته على مصارعة شعوره المستمر طوال حياته بعدم الكفاءة والشعور الساحق بالشك في ذاته"
سُو إريكسون – مقال "الشهرة"
امتلك إريكسون وجها طيبا وعينين دافئتين، بالإضافة إلى وجه أبيض مُشرَب بحمرة توحي بشعوره الدائم بالخجل. أضافت ملامحه مع شعره الأشيب هالة من الوقار حوله، وجعلته مقبولا ومحبوبا لدى الناس. أصدر إريكسون عدة مؤلفات مهمة، وظل يكتب حتى بعد تقاعده من منصبه الأخير في هارفارد وهو في الثامنة والستين من العمر عن تغييرات الشخصية التي تصاحب التقدم في العمر. حاز إريكسون على احترام الناس وإعجاب المجتمع العلمي أيضا، وفاز بجائزة "بوليتزر" (Pulitzer) للصحافة عن كتابه "حقيقة غاندي" (Ghandi’s Truth) الذي يحكي كفاح غاندي لإرساء مبدأ اللا عنف في الهند، وأنجز كل هذا في المرحلة العمرية الملائمة قبل أن يتقاعد.
رغم الإنجازات الباهرة التي حققها إريسكون طوال حياته، استمر شعور منغص بانعدام الكفاءة يثقل كاهله، وظل يبحث في عيون مَن حوله على ما يطمئنه أنه يستحق، وأنه محبوب، وطارده هذا الشعور المُمض حتى آخر أيامه. لم يستطع الطفل داخل إريكسون العجوز أن يتخطى ألم فقدان أبيه الذي لم يعرفه، وخديعة أمه وزوجها له، وظل طوال عمره يحاول أن يُعوِّض هذا الألم بالمزيد والمزيد من الإنجازات والنجاحات والعلاقات الاجتماعية لكن بلا جدوى.
فرغم أن إريك إريكسون يحتل المركز التاسع في قائمة أبرز 100 عالم نفس في القرن العشرين (5)، وتُدرس نظرياته في الجامعات حتى يومنا هذا، فقد رحل الرجل الواثق من الخارج، شديد الهشاشة من الداخل، عن الدنيا وهو بعدُ لم يصل إلى مرحلة الكمال والرضا عن الذات، رحل وهو مؤمن أنه لم يكن يستحق الحب.
_______________________________________________
المصادر: