شعار قسم ميدان

انهيار سوق العملات المشفرة.. هل حان وقت الابتعاد عن الاستثمار في الكريبتو؟

دعنا نبدأ بالجملة المباشرة التالية: سوق العملات المشفرة ليس مكانا آمنا الآن، فإذا نظرت في أي اتجاه، فسترى إشارات حمراء. وصل "البيتكوين" و"الإيثر" إلى أدنى مستوياتهما منذ عام 2020، أما الوضع بالنسبة للعملات البديلة مثل "دوجكوين" و"كاردانو" فكان أسوأ بكثير، هذا التقلب في سوق العملات المشفرة سيُعطيها سمعة أسوأ مما هي عليه لا شك، خاصة أن الظروف الاقتصادية العاصفة التي نعيشها حاليا لا تؤدي إلى انخفاض العملات المشفرة فحسب، بل وحتى سوق الأسهم.

في الأسبوع الماضي، انهار "تيرا يو إس تي" (TerraUST)، وهو نظام كان من المفترض أن يعمل إلى حدٍّ كبير مثل الحساب المصرفي التقليدي، ولكنه مدعوم بعملة مشفرة تُسمى "لونا" (Luna). فقدت "لونا" 97% من قيمتها على مدار 24 ساعة فقط، مما أدى إلى تدمير مدخرات حياة بعض المستثمرين. انخفض سعر "لونا" من 116 دولارا في إبريل/نيسان إلى جزء من الفلس وقت كتابة هذا التقرير. لقد شوهد مثل هذا الانهيار الداخلي في عملات أخرى ذات رؤوس أموال صغيرة في الماضي، ولكن لم يحدث أبدا في شيء بحجم "لونا"، الذي تجاوزت قيمته السوقية 40 مليار دولار في الشهر الماضي فقط. (1)

لونا والعملات المستقرة

العملة المستقرة مثل "لونا" هي عملة مشفرة مع مزايا إضافية جعلتها محط اهتمام الجميع. في العادة، لتوليد عملة مشفرة فإنك تقوم بتعدينها على أجهزة حاسوب متقدم، لكن العملات المستقرة بدلا من أن يتم "تعدينها" بواسطة شبكة مفتوحة وموزعة من أجهزة الحاسوب تؤدي مزيجا من العمليات الحسابية (مثل عملة البيتكوين على سبيل المثال)، تستمد العملة المستقرة سعرها من قيمة أصل أساسي آخر وليس هذه العملية.

الاستخدام الأساسي للعملة المستقرة هو تسهيل الصفقات في بورصات العملات المشفرة، فبدلا من شراء "البيتكوين" مباشرة بعملة فيات (نقود ورقية)، مثل الدولار الأميركي، غالبا ما يتبادل المتداولون العملات الورقية مقابل عملة مستقرة، ثم يُنفِّذون تداولا مع العملة المستقرة مقابل عملة مشفرة أخرى مثل "البيتكوين" أو "الإيثر". بهذه الطريقة، تُعَدُّ العملات المستقرة نوعا ما مثل رقائق البوكر في الملاهي الليلية لتبادل العملات المشفرة.

إلى جانب ذلك، رغم أن متداولي التشفير المتقدمين قد يستخدمون العملات المستقرة لمجموعة متنوعة من الأغراض، بما في ذلك التخزين والإقراض، فإن معظم المبتدئين يستخدمونها لتخفيف رسوم التداول، هذا لأن العديد من البورصات لا تتقاضى رسوما مقابل استبدال الدولار الأميركي بعملة مستقرة، وهناك استخدام آخر للعملات المستقرة وهو التحويلات؛ أي تحويل الأموال عبر الحدود الدولية.

لحظة الانهيار

لكن يبقى الفارق الأهم بين العملات المشفرة والعملات المستقرة هو أن العملة المشفرة التقليدية تخضع للا مركزية؛ حيث تحكمها الجماهير وليس فردا أو حكومة بعينها. تختلف العملة المستقرة من حيث صدورها وتحكمها من قِبَل سلطة مركزية. "تيرا" على سبيل المثال قائمة على تقنية البلوكتشين، تماما مثل عملتَيْ "إيثريوم" و"بيتكوين"، ولكن في حين أن "الإيثريوم" ينتج أصلا عملات "التيثر" (Tether) المستقرة، أي إن "التيثر" تعتمد على عملة "الإيثريوم" وقيمتها مربوطة بها، تُنتج شركة "تيرا لابز" في كوريا الجنوبية بشكل أساسي عملة "لونا"، التي ترتبط أيضا بعملة أخرى هي "تيرا يو إس تي"، وكلاهما رمزان أصليان لشبكة "تيرا".

في المعتاد، لإنشاء "يو إس تي" تحتاج إلى تدمير "لونا". على سبيل المثال، في الأسبوع الماضي، يمكنك استبدال رمز "لونا" واحد مقابل 85 من "يو إس تي"، ولكن سيتم تدمير "لونا"، أو كما يسمونه "حرق" لونا، المقصود من هذا البروتوكول الانكماشي ضمان نمو "لونا" على المدى الطويل، فمع زيادة عدد الأشخاص الذين يشترون "يو إس تي"، سيُحرَق المزيد من "لونا"، مما يجعل مخزون "لونا" المتبقي أكثر قيمة، لأنه كلما قلَّت أعداد العملة المعروضة زادت قيمتها.

لإغراء المتداولين بحرق "لونا"، قدَّم مُنشئو المحتوى عائدا مجنونا بنسبة 19.5% على "الاحتفاظ بالعملة"، وهو في الأساس مصطلح تشفير يعني باختصار كسب 19.5% فائدة على القرض، من خلال ما أطلقوا عليه بروتوكول "آنكور" (Anchor). بدلا من الاحتفاظ بمدخراتك في البنك بسعر فائدة 0.06%، فإن الفكرة هي تحويل أموالك إلى "يو إس تي" حيث يمكن أن تكسب ما يقرب من هذه النسبة الهائلة من الفوائد. (2)

يمكن دائما استبدال الواحد من "يو إس تي" بمبلغ 1 دولار من "لونا"، لذلك إذا انزلق "يو إس تي" إلى 99 سنتا، فيمكن للمتداولين الربح عن طريق شراء كمية ضخمة منه واستبدالها بـ "لونا"، مع ربح 1 سنت لكل معاملة. يعمل التأثير بطريقتين: الأشخاص الذين يشترون "يو إس تي" يرفعون السعر، بينما يؤدي حرق "يو إس تي" أثناء تبديلها إلى "لونا" إلى تقليص العرض.

بدأ كل شيء يوم السبت، 7 مايو/أيار 2022، حيث تم إخراج "يو إس تي" التي تزيد قيمتها على مليارَيْ دولار من بروتوكول "آنكور"، وبيعت مئات الملايين منها على الفور، دفعت عمليات البيع الضخمة هذه السعر إلى 91 سنتا. حاول التجار الاستفادة من هذا المضاربة، حيث استبدلوا 90 سنتا من "يو إس تي" مقابل دولار واحد من "لونا"، ولكن ظهر بعد ذلك مطب في السرعة، حيث يمكن حرق "يو إس تي" بقيمة 100 مليون دولار فقط لتبديلها إلى "لونا" يوميا. وهنا كانت الطامة الكبرى، فبسبب ذلك، قُضِيَ على أكثر من 15 مليار دولار عبر "لونا" و"يو إس تي" وحدهما. الكثير من الناس فقدوا الكثير من المال في الانهيار، لم يتم احتواء الضرر الذي لحق بالنظام البيئي كله في "تيرا"، وكان الكثير من ممتلكي "لونا" و"يو إس تي" قد باعوا عملات أخرى بكميات كبيرة من محافظهم المشفرة لتعويض بعض الضرر، مما أدى إلى تراجع السوق بالكامل. (3)

عَرَض جانبي لمشكلة أكبر

يُعَدُّ الانخفاض في العملات المشفرة جزءا من التراجع الأوسع نطاقا عن الأصول الرقمية، مدفوعا بارتفاع أسعار الفائدة والتضخم وعدم اليقين الاقتصادي الناجم عن غزو روسيا لأوكرانيا. أدَّت هذه العوامل إلى تفاقم ما يُعرف باسم "مخلفات الوباء" التي بدأت مع عودة الحياة إلى طبيعتها وانسحاب الناس عن بعض المنصات الرقمية، مما أضر بأسعار أسهم شركات مثل "زووم" (Zoom) و"نتفليكس" (Netflix) التي ازدهرت أثناء عمليات الإغلاق.

لا شك أن تحركات أسعار العملات المشفرة تتأثر بأسعار الفائدة والتضخم وعوامل الاقتصاد الأخرى التي يمكن أن تؤثر على مدى ثقة الناس باستثمار أموالهم في أصول بديلة محفوفة بالمخاطر. مع ارتفاع أسعار الفائدة، تصبح حسابات التوفير أكثر جاذبية، وقد يكون بعض الناس أكثر راحة في وضع أموالهم حيث يمكنهم الحصول على عوائد يمكن التنبؤ بها. وعندما تنخفض الأسعار بسرعة كما حدث في حالة "لونا"، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفة الضغط على السوق من خلال إجبار بعض المستثمرين على تحرير النقد حتى يتمكَّنوا من الوفاء بالتزاماتهم الأخرى.

هناك عامل آخر يمكن أن يؤدي إلى تشاؤم المستثمرين، وقد يؤدي إلى انهيار العملات المشفرة بشكل أوسع، وهو الإجراءات الحكومية التي يتخذها المنظمون في جميع أنحاء العالم. كانت الصين خاصة عدوانية في هذا الاتجاه، في 24 سبتمبر/أيلول 2021 على سبيل المثال، انخفضت الأسعار بعد أن أعلنت الحكومة الصينية أن معاملات العملة المشفرة غير قانونية، وقالت إن البورصات الخارجية غير مسموح لها بالتعامل مع أشخاص في الصين.

على الجانب الآخر، أمرت إدارة بايدن في الولايات المتحدة الوكالات الفيدرالية بوضع خطط مفصلة للإشراف على العملات الرقمية. تُعَدُّ مثل هذه التطورات بمنزلة تذكير بأن العملة المشفرة تظل تقنية جديدة نسبيا لم تتضح بعد آثارها الكاملة على الاقتصاد العالمي. أسعار العملات المشفرة متقلبة، والأحداث غير المتوقعة يمكن أن تؤدي إلى هبوط الأسعار. لكن هل سترتد الأسعار للارتفاع مجددا يوما ما؟

عودة مرتقبة

بالنسبة لأولئك الذين استثمروا في العملات المشفرة لسنوات، فإن المكاسب والخسائر الهائلة ليست شيئا جديدا. على سبيل المثال، سجَّلت "بيتكوين" أعلى مستوى قياسي سابق بلغ ما يقرب من 20,000 دولار في ديسمبر/كانون الأول 2017، ولكن بحلول ديسمبر/كانون الأول 2018 كان السعر أقل من 3500 دولار. (4)

في عام 2021، ارتفعت أسعار العملات المشفرة إلى مستويات عالية جديدة مدعومة بأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وصلت "بيتكوين" إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 68,789 دولارا. حذا بقية سوق العملات المشفرة حذوها، حيث اخترقت "الإيثريوم" (ETH)، ثاني أكبر عملة مشفرة، مستواها القياسي المرتفع في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لتبلغ ذروتها عند 4891 دولارا.

على صعيد آخر، قدَّم عام 2022 قصة مختلفة، أجبر التضخمُ المرتفعُ في الولايات المتحدة والعالم البنوكَ المركزية على التدخل لترويض التضخم عن طريق خفض السيولة الرخيصة. لقد تحوَّل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى موقف متشدد بشكل متزايد، حيث تابع رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أبريل/نيسان، مع زيادة سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في مايو/أيار. (5)

كان من السهل توقُّع أن يصل سعر "بيتكوين" إلى قيمة مئة ألف دولار في أواخر العام الماضي، متجاوزا آخر أعلى مستوى له على الإطلاق في نوفمبر/تشرين الثاني. لكن بعد ما حدث في 2022 إلى الآن، أصبحت لعبة التنبؤ أكثر تعقيدا. يقول المتشككون الأكثر تطرفا في العملات المشفرة إن "البيتكوين" سينخفض ​​إلى ما يصل إلى 10,000 دولار خلال بقية عام 2022، لكن البعض الآخر يقول إن العملة المشفرة لا يزال بإمكانها الصعود إلى مئة ألف دولار كما توقع العديد من الخبراء أواخر العام الماضي، فقط على جدول زمني أبطأ. (6) في النهاية، فإن أي أصل به تقلبات صعود وهبوط، التقلب ليس بالأمر الجديد.

قد تكون كارثة "تيرا" هي بداية شتاء تشفير طويل قادم، لكن بالنظر إلى الجانب المشرق فنحن لم نفقد كل شيء، هناك العديد من المطلعين على الصناعة الذين يُرحِّبون بانهيار مثل هذا في العملة المشفرة، لأنه يأخذ الانتباه بعيدا عن المضاربة في أسعار الأصول، ويُحوِّل التركيز إلى التطوير داخل صناعة البلوكتشين، وهو ما تحتاج إليه حقا كي تبلغ قمتها، ربما يوما ما.

_____________________________________________________

المصادر:

  1. Terra’s LUNA Has Dropped 99.7% in Under a Week. That’s Good for UST
  2. Stablecoins: What They Are, How They Work and Why They Are Freaking Out Crypto Investors
  3. Terra’s Luna Crypto Crash: How UST Broke and What’s Next:
  4. How to Navigate a Crypto Crash in 2022:
  5. The Fed raises interest rates by the most in over 20 years to fight inflation:
  6. Experts Say Bitcoin Could Hit $100,000 In 2022. Here’s What Investors Should Know:
المصدر : الجزيرة