شعار قسم ميدان

اكتئاب ما بعد الإجازة.. الجانب المظلم للإجازات الممتعة

اكتئاب ما بعد الإجازة.. الجانب المظلم للإجازات الممتعة

قد يظن البعض أن الإجازات دوما ما تستطيع أن تُجدد الطاقة وتملك القدرة على إعادة الشخص إلى عمله منتعشا مُتحمسا لاستئناف العمل، لكن هذا قد لا يحدث أحيانا، وبدلا من ذلك قد يحدث العكس، فقد تشعر عند العودة إلى العمل بعد الإجازات بالقلق والتوتر والخمول. يُمكنك أن تلاحظ الأمر بعد إجازات الأعياد والإجازات السنوية التي تمتد لعدّة أيام متواصلة، هذا الشعور بالاكتئاب ورُبما القلق، وربما الأرق والشعور بالضيق خلال الليلة التي ستعود إلى استئناف العمل في صباحها.

 

لا يقتصر الأمر على الإجازات الطويلة فحسب، فقد تشعر بهذا أسبوعيا بعد إجازتك الأسبوعية. إذا كُنت تشعر بهذه المشاعر فأنت لست وحدك، هذا أمر مُتعارف عليك ويتشارك في الشعور به العديد من البشر، ويُطلق عليه اسم "اكتئاب ما بعد الإجازة".

 

اكتئاب ما بعد الإجازة.. الجانب المظلم للإجازات الممتعة

اكتئاب ما بعد الإجازة.. الجانب المظلم للإجازات الممتعة

بالطبع لا يُمكن إنكار أن الإجازات مفيدة عموما للصحة العقلية، فقد وجدت إحدى الدراسات أن سياسات مكان العمل التي تسمح باجازة لمُدّة 10 أيام مدفوعة الأجر استطاعت تحقيق انخفاض بنسبة 29% من خطر الاكتئاب بين النساء. (1) كما توصَّلت العديد من الدراسات إلى أن الإجازات يُمكنها أن تُقلِّل من التوتر وتُعزِّز من شعور الفرد وإحساسه بالرفاهية. (2) لكن هذا الجانب الإيجابي لا يُمثِّل كل ما توصل إليه الباحثون، فقد وجدوا، من ناحية أخرى، أن دفعة السعادة التي نشعر بها في الإجازة عادة لا تدوم. عندما تنتهي الإجازة، يعود الناس إلى مستويات سعادتهم السابقة في غضون أيام قليلة. الأسوأ من هذا أن البعض قد يشعر في آخر يوم أو ليلة من الإجازة بمشاعر ثقيلة من الحزن والقلق والتوتر بسبب إدراك أن عليهم في اليوم التالي الذهاب إلى العمل.

 

يُعرف "اكتئاب ما بعد الإجازة" أيضا باسم "متلازمة ما بعد الإجازة". على الرغم من كون أعراض اكتئاب ما بعد الإجازة تختلف من شخص إلى آخر، فإن هناك العديد من الأعراض المميزة المشتركة، مثل: الأرق، انخفاض الطاقة، التهيج والعصبية، صعوبة التركيز، القلق.

 

اكتئاب ما بعد الإجازة يختلف عن الاكتئاب الإكلينيكي في كونه ضائقة قصيرة الأمد وليست طويلة الأمد، وهو حالة ليست نادرة الحدوث. وفقا للتحالف الوطني للأمراض العقلية (NAMI)، يجد ما يقرب من 24% من الأشخاص المصابين باضطراب عقلي ما مُشخص أن الإجازات تجعل حالتهم "أسوأ كثيرا"، وأن 40% منهم تجعلهم الإجازات "أسوأ إلى حدٍّ ما". (3) أيضا، وجدت دراسة نُشرت عام 2014 في مجلة طب الطوارئ أن يوم رأس السنة الجديدة كان أحد الأوقات المرتبطة بأكبر عدد من حالات ابتلاع السموم بغرض الانتحار. (4)

 

لماذا نُصاب بالاكتئاب بعد الإجازة؟

لماذا نُصاب بالاكتئاب بعد الإجازة؟

يرى بعض الباحثين أن المُتسبب الرئيسي في حدوث اكتئاب ما بعد الإجازة هو "​​الأدرينالين"، فتوضح الدكتورة إيلين كينيدي مور، أخصائية علم النفس السريري في برينستون، نيوجيرسي، أن الانسحاب المفاجئ لهرمون الأدرينالين بعد حدث كبير، سواء كان حفل زفاف، أو موعدا نهائيا مهما، أو الإجازات، يمكن أن يكون له تأثير عميق على صحتنا البيولوجية والنفسية. (5)

 

هناك سبب آخر لحدوث اكتئاب ما بعد الإجازات هو أن الإجازات هي الوقت الوحيد الذي تنقطع فيه الحياة المُعتادة ويتوقف الروتين الثابت الذي يتكرر كل يوم وليلة. لذلك، خلال هذا الوقت يُبالغ العقل في رؤية حقائق الحياة اليومية بشكل قد يكون سلبيا أو ثقيلا، مما يجعل العودة إلى الحياة اليومية تبدو أكثر إثارة للقلق والاكتئاب بشكل غير متناسب مما هي عليه في الواقع. يحدث هذا حتى وإن لم تكن عطلتك سعيدة ومشرقة.

 

ترى الدكتورة ميليسا واينبرغ، طبيبة نفسية متخصصة في علم نفس الأداء والرفاهية، أن هذا الشعور رغم ثقله لما يحمله من حزن واكتئاب فإنه علامة على الأداء النفسي السليم. كتبت واينبرغ لصحيفة "نيو ديلي" قائلة: "تعكس حالة اكتئاب ما بعد الإجازات عادة التكلفة العاطفية للاستمتاع بأسابيع قليلة من المرح. يحدث هذا على الرغم من أن كثيرين قد لا يشعرون بمستوى عالٍ من المتعة أو الاسترخاء أثناء العطلات. بالنسبة للكثيرين، قد تنطوي العطلات على الكثير من الإحباط بسبب تأخر الرحلات الجوية، وخيبة الأمل في غرف الفنادق التي لا تتطابق مع الصور التي شاهدوها على الإنترنت. هذا بالإضافة إلى إرهاق السفر، والتردد أو عدم اليقين بشأن مكان تناول الطعام أو ما يجب القيام به. لكن رغم كل هذا، فما يحدث هو أن العقل على الأغلب لن يبروز هذه الذكريات، بل سيتذكر بشكل أكثر وضوحا أجزاء العطلة التي استمتعنا بها. هذا الأمر هو فقط جزء من سلسلة من الأوهام التي يخدعنا بها دماغنا، فهو يُشبه مثلا الاعتقاد أن الأشياء السيئة من المرجح أن تحدث للآخرين أكثر مما تحدث لنا".

 

لا ترى ميليسا أن الأمر سلبي، بل على العكس، أوضحت مدى إيجابيته قائلة: "من المفارقات إلى حدٍّ ما أن القدرة على خداع أنفسنا كل يوم هي مؤشر على الأداء العقلي والنفسي الجيد"، موضِّحة أن بعض الأشخاص يستمتعون بالفعل بالعودة إلى العمل، لأن هذا الأمر بالنسبة للكثيرين يوفر روتينا وقابلية للتنبؤ وألفة، مما يساهم في شعور البعض بالسيطرة على واقعهم وحياتهم. على الرغم من أننا نتوق إلى التغيير، فإن دماغنا في الواقع يُفضِّل الاتساق، ويحاول استعادة الاستقرار كلما تعرَّض روتيننا العادي للتهديد. (6)

 

وثمة عامِل محتمل آخر في حدوث اكتئاب ما بعد الإجازات هو الضغط النفسي الذي قد يتعرض له البعض بسبب رغبتهم في إظهار أنهم يشعرون بالسعادة للمحيطين بهم، دون أن يكون هذا حقيقيا أو مُعبِّرا عمّا يشعرون به فعلا. وفقا للدكتورة جوديث أورلوف، الطبيبة النفسية ومؤلفة كتاب "Thriving as an Empath"، فإن التظاهر بالسعادة يمكن أن يكون مرهقا بشكل لا يُصدَّق. أشارت جوديث إلى أن الأشخاص ذوي الحساسية الشديدة والتعاطف غالبا ما يُقدِّمون للآخرين الكثير على حساب رفاهيتهم الخاصة. (7)

 

كيفية التعامل مع اكتئاب ما بعد الإجازة

تتمثَّل أول خطوة من التعامل الفعّال مع اكتئاب ما بعد الإجازة في إدراك أن ما تُعاني منه هو أمر مؤقت، فتحلَّ بالصبر ولا تضغط على نفسك أو تشعر بالذنب بسبب مشاعر الضيق أو الاكتئاب، وخذ الوقت الذي تحتاج إليه حتى تستطيع العودة والانخراط في روتينك المُعتاد.

 

لا ينبغي أن يستمر اكتئاب ما بعد الإجازة أكثر من بضعة أيام. إذا لم تتحسن الأعراض في غضون أيام قليلة، ففكِّر في استشارة أخصائي. في بعض الأحيان، يمكن أن تساعدك بعض الجلسات على إعادة ضبط حالتك المزاجية، وقد يُعبِّر استمرار الاكتئاب عن أن مشاعرك ناتجة عن مشكلة أكبر، مثل السخط على عملك أو أنك تتحمل ما يفوق قدرتك من المسؤوليات. سيكون المعالج الجيد قادرا على صياغة إستراتيجيات لمساعدتك في كل الأحوال. (8)

 

يُمكنك أيضا التعامل بفعالية مع اكتئاب ما بعد الإجازة من خلال المزيد من التنظيم في الفترة التي تسبق الإجازة ذاتها، قد يكون من السهل النظر إلى المهام وقول: "سأتعامل مع ذلك عندما أعود"، لكن من الأفضل الاستعداد لمرحلة المشاعر الثقيلة التي تلي العودة من الإجازات بإنجاز هذه المهام.

 

يُمكنك مثلا وضع ملاءات جديدة على سريرك، ومناشف نظيفة في حمامك، ورُبما كتاب جديد على منضدة السرير. هذا التنظيم وهذه الاستعدادات ستشعر بها عند عودتك من نزهة الإجازة وكأنها تقول لك: "مرحبا بك في المنزل". إذا كان منزلك عند العودة به الكثير من التوتر أو الفوضى، فقد يؤثر ذلك سلبا على حالتك المزاجية، السيطرة على هذه الفوضى حتى ولو بطرق بسيطة سيؤدي إلى تحسين حالتك الذهنية.

كيفية التعامل مع اكتئاب ما بعد الإجازة

كذلك عند التخطيط للإجازة حاوِل ألا تملأ جدول رحلتك بالعديد من الأنشطة والمغامرات المُبالغ فيها. في دراسة أُجريت عام 2010، قارن الباحثون السعادة قبل وبعد الإجازة بين المصطافين الهولنديين، ووجدوا أن المجموعة الوحيدة التي ظلت سعادتها أعلى بعد أسابيع من انتهاء الرحلة كانت المصطافين الذين قضوا "إجازة مريحة للغاية". صحيح أنه قد يكون من المغري التخطيط للمغامرة والنشاط خلال كل لحظة من لحظات الإجازة، لكن تأكد من أن إحساسك بالرفاهية قد يستمر لفترة أطول إذا كنت تخطط لقضاء عطلة مريحة. (9)

 

عند العودة من الإجازة، إذا كان بإمكانك، امنح نفسك يوما أو نحو ذلك للتكيُّف قبل أن تضطر إلى العودة إلى العمل. خلال هذا اليوم سيكون لديك الوقت لشراء البقالة، وتفريغ الأمتعة، والغسيل، والتعامل مع أي شيء غير متوقع حدث أثناء غيابك. (8)

 

يتطلَّب الخروج من حالة اكتئاب ما بعد الإجازات التركيز بشكل إضافي على أساسيات الرفاهية الجسدية والعقلية. فيجب أولا الاعتناء بنفسك من خلال الحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد، بالإضافة إلى المواظبة على ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة، والحرص على تناول نظام غذائي غني بالمغذيات. هذه هي الركائز الأساسية لنمط الحياة الصحي، التي أوصى بها خبراء الصحة لتعزيز الحالة المزاجية وإدارة أعراض الاكتئاب.

 

قد تجد نفسك خلال أوقات الإجازات تُهمل الأشياء السابقة، وتحضر حفلات حتى وقت متأخر من الليل أو تتناول الوجبات الخفيفة السكرية، أو قد لا تجد في نفسك الرغبة لممارسة التمارين الرياضية. لكن يجب معرفة أن إعادة تأسيس هذه الركائز بوصفها عنصرا أساسيا غير قابل للتفاوض في روتينك أمر ضروري للعودة إلى المسار الصحيح إذا كنت تريد التغلب على الاكتئاب. قد يساعدك نظام "الديتوكس" الغذائي على الشعور بالتحسن جسديا وعقليا، وتأكَّد من شرب الكثير من الماء إذا كنت تسافر بالطائرة، لما قد يُسببه هذا الأمر من الشعور بالجفاف، وإذا كنت تعاني من اضطراب الرحلات الجوية الطويلة، فقد يساعدك الميلاتونين في ضبط إيقاعات نومك.

 

التفاعل الاجتماعي هو أيضا عنصر بالغ الأهمية عند التحدث عن تحسين الرفاهية. فعند العودة من الإجازة تتلاشى الحفلات والتجمعات، قد يبدو الوقت الفارغ محبطا بعض الشيء. هنا يجب ملء يومك بالأنشطة التي تستمتع بها، صحيح أنه قد يكون من السهل الانسحاب والانعزال عندما تشعر بالإحباط، لكن التواصل مع الأصدقاء والأشخاص الآخرين الذين تهتم لأمرهم، حتى وإن لم تشعر بالرغبة في هذا التواصل، يمكن أن يوفر أيضا دفعة من الحماس والحيوية التي تكون بحاجة إليها. (5)

كيفية التعامل مع اكتئاب ما بعد الإجازة

قبل رحلتك، خطِّط لحدث تتطلع إليه عند عودتك، مثل مشاهدة فيلم جديد أو تناول الغداء مع الأصدقاء. ليس بالضرورة أن يكون حدثا مكلفا، ولا أن يحدث هذا الحدث المخطط له على الفور بمُجرد العودة من الإجازة، وذلك لأن الأسبوع الذي يلي الإجازة قد يكون ممتلئا بالعمل المتراكم والمهام المنزلية. مُجرد التخطيط لهذا الحدث وانتظاره سيُذكِّرك أن المتعة لم تنتهِ بمجرد انتهاء الرحلة.

 

يُمكن تقليل اكتئاب ما بعد الإجازة من خلال الخروج في الهواء الطلق، أظهرت الدراسات أن معظم الناس يقضون ما يزيد على 90% من حياتهم داخل المباني. (10) بينما تُشير الأبحاث إلى أنه عندما يقضي الناس وقتا في الطبيعة، فإن مزاجهم يتحسن ومستويات التوتر تنخفض (11)، فينامون بشكل أفضل، كما تتحسن صحتهم الجسدية. (12) قد يكون للنزهات القصيرة المنتظمة في الطبيعة التأثير المهدئ الترميمي نفسه لقضاء إجازة جيدة.

 

وجد الباحثون أن الأشخاص يتمتعون بفوائد علاجية من رؤية وسمع وشم وحتى تذوق العناصر الطبيعية. (13) لتحقيق هذه الفوائد عليك فتح نافذتك للاستماع إلى الطيور أو شم رائحة العشب أو إحضار مجموعة من الزهور إلى المنزل، وحتى استخدام الزيوت الأساسية قد يرفع معنوياتك ويجعل منزلك أكثر جاذبية.

 

بقي الآن للتخلُّص من اكتئاب ما بعد الإجازة أن تبدأ بالتخطيط لرحلتك القادمة، حتى إذا كنت لا تُخطِّط للسفر قبل مرور عام آخر، فإن البحث عن مسارات لرحلات مختلفة يمكن أن يشغل عقلك ويجعله بعيدا عن فكرة انتهاء إجازتك الحالية. يمكن أن تساعد بعض الأفكار الخاصة المُتعلقة بعطلتك المقبلة في تذكيرك بأن هناك دائما شيئا نتطلع إليه. (14)

——————————————————————————————–

المصادر

  1. 1- Does paid vacation leave protect against depression among working Americans? A national longitudinal fixed effects analysis
  2. 2- Vacation (after-) effects on employee health and well-being, and the role of vacation activities, experiences and sleep
  3. 3- Mental Health and the Holiday Blues
  4. 4- Variation in Suicide Occurrence by Day and during Major American Holidays
  5. 5- Understanding Post-Holiday Depression and Blues
  6. 6- The post-holiday blues: Why they’re actually good for you
  7. 7- Thriving as an Empath
  8. 8- Post-Vacation Blues: How to Avoid or Overcome Them
  9. 9- Vacationers Happier, but Most not Happier After a Holiday
  10. 10- What are the trends in indoor air quality and their effects on human health?
  11. 11- Levels of Nature and Stress Response
  12. 12- The relations between sleep, time of physical activity, and time outdoors among adult women
  13. 13- A Review of the Benefits of Nature Experiences: More Than Meets the Eye
  14. 14- Is Post-Vacation Depression Real?
المصدر : الجزيرة