شعار قسم ميدان

تعجز عن البكاء أو الفرح أو حتى الضحك.. انتبه ربما تكون مُصابا بـ"التخميد العاطفي"

قد لا يُظهر الشخص المُصاب بالتخميد العاطفي سوى القليل من المشاعر في السياقات العاطفية. على سبيل المثال، قد يتذكر الشخص الذي يُعاني من حالة "التخميد العاطفي" حادث وفاة والده فيسرد التفاصيل الواقعية للوفاة، لكنه قد لا يشارك الكثير من المعلومات حول شعوره، وقد يُظهر أيضا القليل من تعبيرات الوجه أو يتحدث بصوت رتيب.

هل شعرت من قبل أن لا شيء يستطيع أن يجعلك تشعر بالفرح أو السعادة؟ هل وقع حدث حزين بكي بسببه مَن حولك بينما شعرت أنت أنك منفصل تماما لا تستطيع البكاء ولا الشعور بالحزن، كأنه يفصلك جدار سميك عمّا يحدث؟ إذا كُنت قد جربت هذه الحالة، فهناك مصطلح يُستخدم لوصف هذا الشعور يُسمى "التخميد العاطفي" أو "التهدئة العاطفية" أو "الانفصال العاطفي"، وهو مصطلح يصف الحالة العاطفية الباهتة التي قد يمر بها بعض الأشخاص، خاصة الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب.

قد لا يُظهر الشخص المُصاب بالتخميد العاطفي سوى القليل من المشاعر في السياقات العاطفية. على سبيل المثال، قد يتذكر الشخص الذي يُعاني من حالة "التخميد العاطفي" حادث وفاة والده فيسرد التفاصيل الواقعية للوفاة، لكنه قد لا يشارك الكثير من المعلومات حول شعوره، وقد يُظهر أيضا القليل من تعبيرات الوجه أو يتحدث بصوت رتيب. (1)

ما التخميد العاطفي؟ وما أعراضه؟

تخيل أنك اشتريت تذكرة سينما لمشاهدة فيلم كوميدي. أثناء العرض، لاحظت أن كل مَن حولك يضحك على النكات التي يُلقيها المؤدون في الفيلم. كنت تتمنى لو كنت تضحك أيضا، لكنك لا تستطيع الضحك على الأشياء نفسها التي يضحك عليها جميع مَن حولك. الأمر ذاته بالنسبة للمشاعر السلبية، فرُبما تكون في العمل وقد تلقَّى فريقك للتوّ بعض الأخبار السيئة، مثلا انخفضت مبيعات الشركة وسيتم الاستغناء عن بعض الأشخاص. مرة أخرى، تلاحظ أن مَن حولك مستاؤون بوضوح، لكنك لا تشعر بعمق الضيق الذي يتضح على ملامح وسلوكيات المحيطين بك، حتى وإن كُنت أحد المتضررين من الأمر مباشرة، حتى وإن لم يكن لديك فرصة عمل بديلة.

على الرغم من أن الاختلاف الطبيعي بين الشخصيات وطباعها قد يُولِّد اختلافا في ردود الأفعال والسلوكيات والمشاعر لكل شخص، فإن الانفصال العاطفي الحاد المُشار إليه في الأمثلة السابقة قد يُشير إلى الإصابة بـ"التخميد العاطفي". وهي حالة تُعرَّف علميا على أنها شعور بالخدر تجاه المشاعر الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء، مع وجود استجابة عاطفية محدودة أو صامتة للأحداث. وفقا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس (DSM-5)، فإن المرضى الذين يعانون من التخميد العاطفي يتعرَّضون لتقلُّص نطاق واسع من المشاعر لديهم، بما في ذلك الحب والعاطفة والخوف والغضب. (2)

قد يعاني الشخص الذي يُعاني من التخميد العاطفي أيضا من انعدام التلذذ بأي نشاط كان يجده ممتعا في السابق، مما يخلق لديه تناقصا ملحوظا في الاهتمام بأداء الأنشطة التي كان يستمتع بها. (3) يمكن أن يكون التخميد العاطفي مؤقتا، ويستمر من بضع دقائق إلى بضع ساعات في كل مرة.

تشمل الأعراض التي يُبلِّغ عنها الأشخاص الذين يُعانون من هذه الحالة ما يلي: عدم القدرة على الضحك أو البكاء حتى في المواقف التي تستدعي ذلك بشدة، الشعور بتعاطف أقل مع الآخرين، فقدان الدافع وعدم الرغبة في فعل شيء، عدم القدرة على الاستجابة بالمستوى نفسه من المتعة الذي اعتاد الشخص على إظهاره تجاه الأنشطة الممتعة، مع صعوبة الحفاظ على العلاقات وعدم الاهتمام بها، الشعور بالإعياء، الشعور بالانفصال عن جسدك أو عقلك، النسيان.

هذا بالإضافة إلى بعض الأعراض الأخرى مثل تباطؤ التفكير، وانخفاض الرغبة الجنسية، وفقدان التركيز، واللا مبالاة تجاه نفسك أو تجاه مَن تحبهم، والأرق والشعور بالفراغ أو الخدر، وقد ينعكس التخميد العاطفي في تعابير وجهك وغيرها من الإشارات غير اللفظية. (4)

قد ينخرط الشخص الذي يُعاني من التخميد العاطفي أيضا عن غير قصد أو عن قصد في سلوكيات ضارة محتملة لإيذاء النفس، في محاولة للشعور بأي شيء حتى وإن كان مؤلما. قد تشمل هذه السلوكيات القيادة بسرعة على الطريق السريع، أو تعاطي كميات كبيرة من المخدرات أو الكحول. (5)

أسباب حدوث التخميد العاطفي

التخميد العاطفي هو حالة موجودة في العديد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الفصام واضطراب ما بعد الصدمة، فإذا كان الشخص يُعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، فإن المحفزات وذكريات الماضي يمكن أن تتسبَّب في حدوث الانفصال العاطفي أو الشعور بالغربة عن الواقع، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى التخميد العاطفي. أيضا يمكن أن تحدّ "الأعراض السلبية" لمرض انفصام الشخصية من قدرة المصاب على التعامل مع العالم، واختبار المشاعر المعتادة. (6)

احتل التخميد العاطفي المرتبة الثالثة في أسباب التوقف عن العلاج بين المصابين بالاضطراب الاكتئابي الرئيسي.

كذلك أُبلغ عن التخميد العاطفي بشكل متكرر من قِبَل المرضى الذين يعانون من اضطراب اكتئابي شديد، كما حُدد بوصفه أحد أبرز الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب، فقد أظهرت الدراسات من جامعة أكسفورد أن ما بين 46-71% من مستخدمي مضادات الاكتئاب قد عانوا من التخميد العاطفي أثناء العلاج. (7) وتُشير الأبحاث إلى أن 50% من الأشخاص المصابين بالاكتئاب الذين يتناولون مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو مثبطات امتصاص السيروتونين والنوربينفرين (SNRIs) يعانون من التخميد العاطفي بوصفه أثرا جانبيا. (8)

في سياق مشابه، استهدفت دراسة استقصائية عبر الإنترنت، شملت نحو 1431 مستخدما لمضادات الاكتئاب من 38 دولة، تحديد الآثار الجانبية الضارة الأكثر شيوعا للعلاج، وجاء "التخميد العاطفي" في المرتبة الأولى، حيث عانى 70.6% من الأعراض التي كان أبرزها "الشعور بالابتعاد أو الانفصال". (9)

يؤدي حدوث التخميد العاطفي إلى تقليل جرعة الدواء أو التوقف عن تناول الدواء والتحوُّل إلى دواء آخر. فقد وجدت دراسة كندية شملت نحو 896 مشاركا، كان 49.9% منهم يعانون من اضطراب اكتئابي كبير (MDD)، و50.1% منهم يعانون من اضطراب ثنائي القطب (BP)، أن التخميد العاطفي كان أحد الأسباب الرئيسية لوقف العلاج. فبعد زيادة الوزن والنعاس المفرط، احتل التخميد العاطفي المرتبة الثالثة في أسباب التوقف عن العلاج بين المصابين بالاضطراب الاكتئابي الرئيسي. (10)

من ناحية أخرى، وجد العلماء أنه ليس كل مَن يتناول مضادات الاكتئاب يُصاب بالتخميد العاطفي. لذلك كان من الصعب على الباحثين استنتاج سبب محدد لحدوث هذا التأثير. توصَّل الباحثون إلى أن من المُحتمل أن يؤدي اختلال التوازن بين الهرمونات الرئيسية الثلاثة، السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين، إلى حدوث التخميد العاطفي، وأن أولئك الذين يعانون من نقص هرموني أساسي سيكونون أسوأ حالا. (11) (12) (13)

كيفية التعامل مع التخميد العاطفي

الخبر الجيد أنه مع الحصول على الدعم المناسب، يمكن السيطرة على حالة التخميد العاطفي. عادة ما يعتمد العلاج الذي يتلقاه الشخص المُصاب بهذه الحالة على السبب الأساسي. مثلا، إذا كان التخميد العاطفي ناتجا عن حالة صحية عقلية مثل الاكتئاب أو الفصام أو اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الشخصية الحدية، فقد يساعد العلاج بالكلام وهو ما يُعرف بـ"العلاج السلوكي المعرفي" على التعامل بفعّالية مع الحالة. (14)

أما إذا كان الدواء المُضاد للاكتئاب هو السبب في حدوث التخميد العاطفي، فقد يقوم الطبيب النفسي بتغيير الدواء أو تعديل الجرعة. في هذه الحالة، يُمكنك توقع رؤية بعض التحسن في غضون 4 إلى 6 أسابيع، بعد تعديل نظام الدواء. قد يجد المُصاب بالتخميد العاطفي أيضا أن من المريح التعامل مع الآخرين الذين لديهم تجارب مماثلة، فالتحدث مع الأشخاص الذين يُعانون من هذه الحالة والاستماع لهم يساعد على التعامل الفعّال مع التخميد العاطفي. (5)

إذا كان لدى الشخص الذي يُعاني من التخميد العاطفي القدرة على المشاركة في الأنشطة التي اعتاد الاستمتاع بها سابقا، مثل الفن أو الرياضة أو سماع الموسيقى أو زيارة نادٍ اجتماعي أو قضاء الوقت في الطبيعة، فيجب فعل هذا دون تردد. صحيح أن فعل هذا قد لا يُحسِّن من حالته المزاجية فورا، وقد لا يصل به إلى مستوى المتعة الذي اعتاد عليه فيما سبق، ولكنه على أي حال قد يساعد ولو بشكل بسيط في التعامل بفعالية مع التخميد العاطفي. ذلك لأننا عندما نقوم بأنشطة نستمتع بها أو نقضي وقتا مع الآخرين، فإننا نحصل على مزيج عصبي كيميائي من الناقلات العصبية والهرمونات مثل الدوبامين والأوكسيتوسين والسيروتونين، وهي الهرمونات التي يُطلق عليها اسم "هرمونات السعادة". (4)

قد يكون من المفيد أيضا أن يقوم الشخص المُصاب بالتخميد العاطفي خلال يومه ببعض الأنشطة التي تُحفِّز حواسه، ومن هذه الأنشطة: النظر إلى صور أحبائه أو مشاهدة النجوم، تربية حيوان أليف، الإمساك بمكعب من الثلج، تناول مشروب دافئ أو طعام حار أو لعق قطعة من الليمون. هذه الأنشطة من شأنها أن تُحفِّز الحواس وتساهم في استعادة الشعور.

___________________________________

المصادر:

  1. Blunted Affect
  2. Emotional side-effects of selective serotonin reuptake inhibitors: qualitative study
  3. DSM-5
  4. Emotional Blunting: Causes, Symptoms & Treatment
  5. Emotional Blunting: When You Feel Numb and Detached
  6. Emotional experience and expression in schizophrenia and depression
  7. Emotional blunting with antidepressant treatments: A survey among depressed patients
  8. Effectiveness of Vortioxetine on Emotional Blunting in Patients with Major Depressive Disorder with inadequate response to SSRI/SNRI treatment
  9. Adverse Effects of Antidepressants Reported by a Large International Cohort: Emotional Blunting, Suicidality, and Withdrawal Effects
  10. Treatment effectiveness and tolerability outcomes that are most important to individuals with bipolar and unipolar depression
  11. Anxiety and Depression Are Better Correlates of Parkinson’s Disease Quality of Life Than Apathy
  12. Symptoms of Borderline Personality Disorder (BPD)
  13. Amygdala Hypoconnectivity and Emotional Blunting in Pediatric Moderate/Severe TBI (2686)
  14. Recognizing Emotional Blunting and Finding Help
المصدر : الجزيرة