شعار قسم ميدان

سؤال العصر.. لماذا نشعر بالتعب الدائم الذي لا يزول بالحصول على الراحة؟

"بدأ صديقي في السقوط. لم يعد يرد على الرسائل النصية، فقط في المناسبات النادرة كنت أتلقى منه ردا، وأصبح من المُعتاد أن يرفض أي دعوات للتنزه، حيث كان دائما مُتعَبا جدا. ورغم أن المشي كان من هواياته المُفضلة، فإنه لم يعد يُظهِر اهتماما به، مُفضلا قضاء كل وقت فراغه في المنزل، لأنّه لا يستطيع النهوض من السرير. فقد الاتصال بمعظم أصدقائنا الآخرين، الذين اعتبروا أنه صديق سيئ أو مشغول دائما. لكنني كنت الوحيدة التي تعرف ما يحدث له، لقد كان يُعاني سابقا من الاكتئاب والقلق والأرق. في البداية بذل قصارى جهده للنهوض من الفراش والبقاء مشاركا، لكن الحالات العقلية التي كان يُعاني منها قد ساءت وتقدَّمت أعراضها، ومن بين هذه الأعراض كانت حالة فقدان الطاقة التي أصبح لا يستطيع منها فكاكا". هكذا عبَّرت تايلور بينت، الكاتبة بمنصة "ثرايف-وركس" (thriveworks) عن حالة صديقها "جون" الذي يُعاني مما نعرف اليوم بحالة "فقدان الطاقة". (1)

قد نُعاني جميعا من الشعور بالتعب بين حين وآخر، لكن عندما يُصبح الشعور بالتعب والإرهاق مستمرا إلى الحدّ الذي يجعلك خاملا دوما، ويعوقك عن أداء مهامك ويمنعك حتى من القيام بالأنشطة والأشياء التي تستمتع بها في العادة، فقد يكون ذلك عرضا لشيء آخر. إنه "نقص الطاقة" (Anergia)، الذي عرَّفته جمعية علم النفس الأميركية (APA) على أنّه بقاء الشخص في حالة سلبية بسبب غياب الطاقة أو فقدانها.(2) عندما تُعاني من نقص الطاقة فأنت تُعاني من الشعور المستمر بالتعب والإجهاد أو النعاس، وتُسبِّب لك هذه الحالة رغبة عارمة في البقاء في السرير أو النوم بإفراط.

لماذا قد نُعاني من فقدان الطاقة؟

"نقص الطاقة" ليس اضطرابا قائما بذاته، فغالبا ما يكون عَرَضا لأحد اضطرابات الصحة الجسدية أو العقلية مثل الاكتئاب. وفقا للمعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH)، فإن الأعراض الشائعة للاكتئاب التي تُشير إلى المُعاناة من نقص الطاقة تشمل: فقدان الاهتمام بالهوايات والأنشطة، والإعياء، وعدم الرغبة في فعل شيء، والنوم أكثر من المعتاد.(3)

قد يجعلك نقص الطاقة، عند الإصابة بالاكتئاب، تشعر بأنك لا تستطيع النهوض من السرير، وقد يجعلك تشعر بالرغبة في الابتعاد عن الحياة الاجتماعية أو العمل أو الدراسة. لكن بخلاف الاكتئاب، تشمل الحالات الصحية المُحتملة التي قد تُسبِّب لك الشعور بنقص الطاقة أمراض القلب، وخاصة متلازمات الشريان التاجي الحادة(4)، ويُشير الأطباء والباحثون في المركز الطبي بجامعة كولومبيا إلى أن نقص الطاقة يؤثر على ما يقرب من 40% من كبار السن المصابين بفشل القلب.

يرى الأطباء أنه ليس من الواضح ما إذا كان نقص الطاقة ناتجا عن قصور في القلب أو ربما كان عاملا أساسيا محتملا للإصابة، لكن ما يؤكِّده الأطباء هنا أن نقص الطاقة له آثار تنبؤية سلبية في المرضى الذين يعانون من قصور في القلب.(5)

أيضا يمكن أن يُسبِّب قصور الغدة الدرقية، الذي يحدث عندما لا تُنتج الغدة الدرقية ما يكفي من هرمون الثايروكسين، الخمول والنقص في مستويات الطاقة (6)، وقد يتسبَّب فقر الدم ومتلازمة التعب المزمن وضعف الكلى والتهاب المفاصل وأمراض الرئة في حدوث نقص الطاقة.

كذلك قد يحدث نقص الطاقة بسبب الآثار الجانبية لبعض الأدوية، ويمكن أن يؤدي الإدمان إلى حدوث نقص الطاقة. أيضا قد يُعاني الأشخاص المصابون بصعوبة النوم بسبب انقطاع النفس النومي أو اضطرابات النوم الأخرى، ومَن لديهم مستويات منخفضة من بعض العناصر الغذائية مثل فيتامين ب 12 أو الحديد أو فيتامين د أو حمض الفوليك من نقص الطاقة.(7)

رغم تعدُّد الأسباب التي تؤدي إلى حدوث نقص الطاقة، فإن النتيجة تكون واحدة تقريبا. يجعلك الأمر تشعر بعدم الرغبة أو القدرة على فعل أي شيء، ويجعلك تشعر أيضا بالتعب الشديد، هذا التعب الذي لا يزول، ولن تستطع التخلُّص منه، بغض النظر عن مقدار الراحة أو النوم الذي تحصل عليه. من ناحية أخرى، هناك أعراض جسدية يمكن أن تُصاحب نقص الطاقة مثل الشعور بثقل في الساقين أو الذراعين.

تأثير لا يُستهان به

يؤثر "نقص الطاقة" أيضا سلبا على علاقات الشخص بالآخرين، بما في ذلك الأصدقاء، والأسرة، وزملاء العمل.

قد يواجه الأشخاص المُصابون بنقص الطاقة تحديات تتعلَّق بالدوافع التي تجعلهم يقومون بتصرفات وأفعال معينة مهمة لتسيير حياتهم، فانخفاض مستويات الطاقة لديهم يجعلهم لا يستطيعون الحفاظ على الاهتمام بالأشياء التي كانوا يتمتعون بها من قبل.

أفاد بعض الأشخاص الذين يُعانون من هذه الحالة أنهم يُعانون من صعوبة في النهوض من الفراش، أو أنهم يشعرون بالإرهاق والتعب الدائم، مما قد يؤثر على الصحة العقلية والبدنية. ومن ناحية أخرى، فهذا من شأنه أن يخلق مشكلة في إكمال المسؤوليات اليومية، وقد ينتج عن ذلك أحيانا طرد مَن يُعانون من هذه الحالة من العمل، ليجدوا أنفسهم، بالتبعية، يواجهون صعوبات مالية. كما أن هذه الحالة تؤثر سلبا على الصحة الجسدية للمريض، حيث إنه لا يمكنه إجبار نفسه على ممارسة الرياضة أو النشاط بما لهم من فوائد صحية وجسدية بالغة الأهمية.

يؤثر "نقص الطاقة" أيضا سلبا على علاقات الشخص بالآخرين، بما في ذلك الأصدقاء، والأسرة، وزملاء العمل. غالبا ما ينظر الأصدقاء والعائلة إلى الأشخاص الذين يُعانون من هذه الحالة بازدراء لكونهم "كسالى"، وهو يجعلهم يُعانون من المزيد من القلق والاكتئاب.

بسبب الخمول، يعاني المصابون أيضا من مشكلات في النظام الغذائي. إذا كان الطعام موجودا في منازلهم، فسوف يأكل الكثيرون كميات وفيرة، مما يؤدي أحيانا إلى السمنة أو احتمالية الإصابة بمرض السكري. أما إذا لم يكن الطعام موجودا، فغالبا ما قد يمنع "فقدان الطاقة" الأشخاص المُصابين به من الذهاب إلى متجر البقالة أو الخروج من المنزل لتناول الطعام بالخارج، فيتخطّون وجبات الطعام، مما يؤدي إلى فقدان الوزن بشكل غير صحي والإصابة بفقر الدم في بعض الأحيان، وهو ما يؤدي إلى تفاقم فقدان الطاقة، لأنه دون العناصر الغذائية المناسبة داخل الجسم فلن يكون إنتاج الطاقة مُمكنا.(8)

كيف تتعامل مع حالة نقص الطاقة؟

من المهم أن نتعامل مع حالة نقص الطاقة بفعالية لتجنُّب تأثيرها السلبي، ولتحقيق التعامل الفعّال هذا، عليك أولا اتخاذ خطوات لعلاج الحالات الأساسية التي تُسبِّب "نقص الطاقة"، فإذا كان نقص الطاقة ناتجا عن الإصابة بالاكتئاب، فسيكون عليك أولا مُعالجة الاكتئاب طبيا، وهذا هو الحال مع الحالات الصحية الأخرى التي تُسبِّب نقص الطاقة.

عادة ما تتكوَّن خطط علاج الاكتئاب من: العلاج السلوكي المعرفي، والأدوية، وتعليمات ونصائح العناية بالنفس. يمكن أن يكون للعلاج السلوكي المعرفي، الذي يُعرف أيضا باسم العلاج بالكلام، على وجه الخصوص، أثر إيجابي كبير في حالة نقص الطاقة المصحوبة بالاكتئاب، وقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2019 أن العلاج المعرفي السلوكي يساهم في تخفيف أعراض الاكتئاب، بما في ذلك انخفاض الطاقة.(9)

بالتزامن مع ذلك، هناك خطوات أخرى سهلة يمكن اتخاذها للمساعدة في زيادة الطاقة، مثل التحرك وممارسة الرياضة، صحيح أنه قد يكون من الصعب ممارسة الرياضة عندما يكون كل ما ترغب في القيام به هو الاستلقاء في السرير، تشير الأبحاث إلى أن ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على تقليل فقدان الطاقة (10)، لذلك فالأمر يستحق أن تُقاوم وتنهض لممارسة الرياضة.

ابتعد عن الكربوهيدرات غير الصحية، مثل المعكرونة والحلوى والصودا. تأكَّد أيضا من تناول الطعام في أوقات منتظمة طوال اليوم.

أيضا للتعامل مع حالات فقر الدم ونقص المُغذيات التي تُسبِّب نقص الطاقة، يجب الاهتمام بدمج الأطعمة المغذية في نظامك الغذائي. كذلك، يمكن أن يساعد تقليل الدهون في نظامك الغذائي في الحفاظ على نشاطك. اعمل على زيادة الكربوهيدرات الصحية، وتأكَّد من حصولك على الحبوب الكاملة والخضراوات والفواكه، وابتعد عن الكربوهيدرات غير الصحية، مثل المعكرونة والحلوى والصودا. تأكَّد أيضا من تناول الطعام في أوقات منتظمة طوال اليوم، وامتنع عن تناول الطعام في وقت قريب من موعد النوم، خاصة الوجبات الدسمة التي يمكن أن يُعطِّل هضمها نومك. اتبع عادات نوم صحية، مثل تحديد ساعة منتظمة وثابتة قدر الإمكان للذهاب إلى السرير، وتجنُّب الكافيين، وتقليل التعرُّض للضوء في الليل.(11)

قبل الختام، ربما يجدر بنا أن نشير إلى الالتباس المُحتمل بين نقص الطاقة ومتلازمة التعب المزمن. تُعرَّف متلازمة التعب المزمن بأنها اضطراب يتميز بالإرهاق الشديد أو التعب الذي لا يزول بالراحة ولا يمكن تفسيره بحالة طبية أساسية. سبب متلازمة التعب المزمن غير معروف، ويتوقع الباحثون أن العوامل التي تُسبِّب هذا الاضطراب قد تشمل الفيروسات، وضعف جهاز المناعة، والضغط العصبي، والاختلالات الهرمونية، بالإضافة إلى أن بعض الأشخاص من الممكن أن يكونوا مهيئين وراثيا للإصابة بمتلازمة التعب المزمن. (12)

في المقابل، فإن نقص الطاقة هو عرض معروف الأسباب، وغالبا ما يظهر المصابون تحسنا ملحوظا مع معالجة الأسباب الرئيسية وتحسين نمط الحياة. إذا كانت تعاني من ذلك التعب الذي لا يزول مهما حصلت على الراحة، ربما آن الأوان أن تتفحص قائمة الأسباب السابقة. ولا تتردد أبدا في طلب المساعدة إذا ظننت أنّك تحتاج بالفعل إلى ذلك.

_____________________________________________________________

المصادر:

  1. What Is Anergia? Fact vs. Fiction
  2. Anergia
  3. Depression
  4. Acute Coronary Syndrome
  5. Feeling Tired? Study Finds Prevalence Of Anergia In People With Failing Hearts
  6. Hypothyroidism
  7. Anergia
  8. Are You Lacking Energy? It Might Be Anergia
  9. Comparing Cognitive-Behavioral Therapy for Insomnia (CBTI), Sleep Restriction Therapy, and Sleep Hygiene Education
  10. Exercise Effects on Depression: Possible Neural Mechanisms
  11. ?What Is Anergia
  12. CFS (Chronic Fatigue Syndrome)
المصدر : الجزيرة