شعار قسم ميدان

معالجي العزيز.. هل يستبدل الذكاء الاصطناعي الأطباء النفسيين؟

العلاج النفسي والذكاء الاصطناعي11

تقف تاش عند محطة حافلات باردة، في مكان بعيد عن ازدحام المارة، وتتحدَّث إلى معالجها. يسأل المعالج: "ما القضية الرئيسية التي أتت بك إلى هنا اليوم؟"، فترد: "أشعر بالقلق". يُجيب المعالج: "أنا آسف حقا لأنك لست على ما يُرام، أُقدِّر أنك استغرقت وقتا للتحدُّث معي حول هذا. هل يمكنني تقديم اقتراح؟". يقترح المعالج الخوض في آلية التأقلم، وهو الشيء نفسه الذي جرَّبوه في المرة السابقة التي شعرت فيها تاش بهذه الطريقة، توافق على الخوض في الآلية. يبدو الأمر وكأنه جلسة علاج عادية، حتى تعلم أن معالج تاش أُنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهي تتحدَّث إليه عبر تطبيق على هاتفها.

تاش هي واحدة من العديد من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية بسبب الوباء، إذ تسبَّب "كوفيد-19" في اضطرابات كبيرة في خدمات الصحة العقلية على مستوى العالم، وفيما يستمر الوباء في إلقاء ظلاله الثقيلة على العالم، يستمر عدد المرضى في التزايد باطِّراد. (1)

الطبيب وحده لا يكفي

في الولايات المتحدة وحدها، أبلغ أربعة من كل عشرة بالغين (2) عن أعراض القلق أو الاكتئاب بين إبريل/نيسان 2020 ويوليو/تموز 2021. في إنجلترا، يوجد طبيب نفسي استشاري واحد فقط لكل 12600 شخص. (3) لم يعد البشر حول العالم قادرين على تلبية الطلب القياسي على خدمات العلاج، خاصة العلاج النفسي. استجابة لذلك، ظهر عدد من التطبيقات حول العالم يُقدِّم حلولا علاجية تُقدَّم بواسطة الذكاء الاصطناعي.

تطبيقات الهاتف

في دراسة إكلينيكية حديثة (4)، درس العلماء في جامعة ستانفورد نموذجا جديدا للصحة العقلية، يُنفذ بواسطة الذكاء الاصطناعي للتغلُّب بنسبة كبيرة على أعراض الاكتئاب والقلق. حلَّل الفريق كيف أثَّرت منصة الصحة عن بُعد التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للصحة العقلية "يوبر" (Youper) على أعراض الاكتئاب والقلق، وجاء في البيان الصحفي حول التجربة: "يستخدم هذا النموذج من العلاج الذكاء الاصطناعي لتقديم تدخُّلات في الوقت المناسب لمساعدة المستخدمين على ممارسة مهارات تنظيم المشاعر في أي وقت وفي أي مكان باستخدام هواتفهم الذكية".

فحصت الدراسة البيانات الخاصة بـ4500 مستخدم للمنصة، لفهم كيفية تأثير العلاج بالذكاء الاصطناعي على أعراض القلق والاكتئاب. تُوبع المستخدمون لمدة أربعة أسابيع، ولاحظ الباحثون انخفاض مستويات القلق والاكتئاب (5) بنسبة 24% و19% على التوالي لدى المستخدمين خلال الأسبوعين الأولين، واستمرت المستويات منخفضة بعد أربعة أسابيع من استخدام التطبيق. خلص مؤلفو الدراسة إلى أن البيانات أظهرت قبول وفعالية التقنيات التي توفِّرها المنصة في مواجهة القلق والاكتئاب، وسلَّط المؤلفون الضوء أيضا على التأثير الإيجابي المحتمل للتطبيق في توسيع الوصول إلى رعاية الصحة العقلية، وتقليل التكلفة، والقضاء على الفوارق في الرعاية. (4)

لم تعد نظم رعاية الصحة العقلية البشرية كافية لتلبية احتياجات البشر، فيما تُظهِر الدراسات أن الأمر قد يستغرق عشر سنوات حتى يحصل شخص ما على العلاج المناسب. قال الدكتور خوسيه هاميلتون، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة "يوبر": "الطب عن بُعد وحده لا يمكن أن يحل هذه المشكلة. تُظهِر الدراسات الحديثة أنه يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي لتقليل أعراض الاكتئاب والقلق، وهو ما قادنا إلى توسيع موقع "يوبر" لتقديم رعاية صحية عقلية شاملة وبأسعار معقولة".

قد يؤدي نظام الذكاء الاصطناعي المتوفر دائما ويُمكنه إجراء آلاف المحادثات البسيطة في الوقت نفسه إلى توفير وصول أفضل للمرضى، لكن الأمر لن يكون قطعا بكفاءة وتخصصية المعالج البشري. هذا هو السبب في أن الشركات والباحثين ينظرون إلى التعاون بين الذكاء الاصطناعي والبشر بوصفه خطوة تالية معقولة.

ونظرا إلى أن المزيد من الأشخاص باتوا يستخدمون تطبيقات الرعاية الصحية العقلية، فمن المرجَّح أن يؤدي ذلك إلى زيادة الوعي والاهتمام بالصحة العقلية. على الجانب الآخر، لا يمكن أن تجد قلقا كبيرا وسط الأطباء والمعالجين النفسيين بشأن فقدان الأعمال لصالح التطبيقات. بدلا من ذلك، تحاول شركات التطبيقات توظيف المزيد من المعالجين والأطباء النفسيين لتلبية الحاجة المتزايدة إلى الأطباء الذين يدعمون التطبيقات.

أسئلة ومخاوف

هناك بعض المخاوف الكبيرة لا شك لدى متخصصي الرعاية الصحية حول هذه التطبيقات، وتأتي الفعالية والكفاءة على رأس المخاوف، وهي مشكلة تفاقمت بسبب حقيقة أن الشركات الخاصة لا تشارك دائما المعلومات حول كيفية عمل الذكاء الصناعي. تُثير المشكلات المتعلقة بالدقة مخاوف بشأن تضخيم النصائح السيئة للأشخاص الذين قد يكونون ضعفاء أو غير قادرين على التفكير النقدي، وكذلك مخاوف من استمرار التحيُّزات العِرقية أو الثقافية. (6)

في الوقت الحالي، من الصعب جدا تخيُّل استبدال المعالجين البشريين. لدى الذكاء الاصطناعي قصور واضح في أشياء نعتبرها من المُسلَّمات في المحادثات البشرية.
في الوقت الحالي، من الصعب جدا تخيُّل استبدال المعالجين البشريين. لدى الذكاء الاصطناعي قصور واضح في أشياء نعتبرها من المُسلَّمات في المحادثات البشرية.

هناك أيضا مخاوف لا تقل أهمية حول مشاركة المعلومات الخاصة بطرق غير متوقَّعة أو مع أطراف غير مقصودة. كذلك تبقى هناك مشكلة الثقة التي يتحدَّث عنها آدم مينر، أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد، الذي يُشكِّك في الكثير من المزاعم التسويقية حول فعالية هذه التطبيقات. يقول مينر إن الدراسات التي بُنيت عليها هذه التطبيقات قاصرة وصغيرة النطاق، ويصعب تعميمها على مرضى الأمراض العقلية، والكثير منها لا تحتوي على مجموعة تحكم لمقارنة النتائج.

في الوقت الحالي، من الصعب جدا تخيُّل استبدال المعالجين البشريين. لدى الذكاء الاصطناعي قصور واضح في أشياء نعتبرها من المُسلَّمات في المحادثات البشرية، مثل تذكُّر ما قيل قبل 10 دقائق أو الأسبوع الماضي، والتعامل مع تعبيرات الوجه ولغة الجسد، وفهم ما وراء الكلمات. نحن البشر لسنا كاملين، لكننا جيدون في التواصل مع البشر الآخرين. ربما تبرع التكنولوجيا في العثور على ورم في التصوير المقطعي المحوسب، لكنها لن تكون بالبراعة نفسها في التعرُّف إلى أعراض الاكتئاب.

صحيح أنه يمكن للذكاء الاصطناعي قياس بعض الأعراض البيولوجية، مثل اضطرابات النوم وتغيُّر نبرة الصوت أو التغييرات الأخرى في السلوك والحركة، لكن هذه المؤشرات ربما تكون مُضلِّلة دون فهم السياق. في النهاية، يظل المعالج البشري ضرورة لا غنى عنها، لكن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُقدِّم بديلا مؤقتا للحالات البسيطة إلى حين توفُّر فرصة لزيارة طبيب أو معالج بشري.

________________________________________________

المصادر

  1. How AI is helping people with therapy
  2. Adults Reporting Symptoms of Anxiety or Depressive Disorder During COVID-19 Pandemic
  3. Mental health Staff shortages are causing distressingly long waits for treatment, college warns
  4. Major Study From Stanford University and Youper Finds Artificial Intelligence Therapy Effective at Reducing Anxiety and Depression
  5. Delivering Proactive Mental Healthcare With Artificial Intelligence
  6.  Can Artificial Intelligence Replace Human Therapists?
المصدر : الجزيرة