شعار قسم ميدان

هل حقا تتحكم هرمونات المرأة فيها كما نتصور؟

في عام 2018، نشرت "راندي هوتر إبشتاين" مقالا في صحيفة نيويورك تايمز تحكي فيها حكاية وقعت لها حين وضعت طفلها الأول قبل شهر من موعد ولادته، أخبرها طبيب الأطفال أن طفلها بخير وأن بإمكانها العودة به إلى المنزل، ثم دخل بعد قليل طبيب آخر وطلب سحب عينة من الدم من الطفل لأنه خديج ويحتاج للعلاج.

كان لدى "راندي" أسبابها لترفض ذلك، لكنها فوجئت بالطبيب يشير إلى إحدى الممرضات ويخبرها أن الأم ترفض علاج ابنها، وحين ردت بأنها لا ترفض، واحتدت مُصرّةً على موقفها رغبة في العودة بطفلها، همس الطبيب للممرضة بأن تكتب أن الأم تعاني من خلل هرموني، ملمحا إلى أنها صارت خارج السيطرة(1).

بينما تقع مثل هذه التصرفات من الجميع، فإننا نلقي بالكثير من اللوم على هرمونات المرأة في أغلب سلوكياتها وردود أفعالها، أن تبكي كثيرا أمام فيلم وربما أحد الإعلانات، أو أن تشتهي كثيرا من الحلوى قبل الدورة الشهرية، والأهم حين تقول المرأة "لا"، وحين تغضب أو ترفع صوتها وحين تكون بمزاج سيئ، بحيث يبدو كأن كونكِ امرأة يعني أن هناك هرمونات تتحكم في تصرفاِتك ولا يمكن توقع ما ستقودكِ إليه في اللحظة القادمة، فهل حقا تتدخل الهرمونات في حياة المرأة بحيث تقف وراء كل ما ترتكبه من أخطاء أو تبديه من عدم استقرار عاطفي؟(2)

ما تفعله الهرمونات

(شترستوك)

ببساطة، الهرمونات في الأساس هي نواقل كيميائية ترسل إشارات إلى أجزاء مختلفة من الجسم لتنظيم عمليات مختلفة مثل النمو والتطور، والتمثيل الغذائي، والتكاثر، والوظيفة الجنسية، والحالة المزاجية؛ هناك أكثر من 50 هرمونا في جسم الإنسان تنقل الرسائل عبر الدم إلى الأعضاء والجلد والعضلات والأنسجة لتخبر جسمك بما يجب عليه القيام به، وتضمن لك الحياة بصحة جيدة. وحين يختل توازن الهرمونات في الجسم بالارتفاع أو الانخفاض، يحدث عدد من المضاعفات مثل مرض السكري، والسمنة، وحب الشباب، والقلق(3)(4).

وفي الحقيقة، إننا جميعا نخضع لذلك المد والجزر في الهرمونات المختلفة، بداية من طفل "راندي" الذي كانت الغدة النخامية في جسمه تُجري في الأسبوع الأول من ولادته سلسلة تفاعلات كيميائية لإفراز هرمونات مساعدة وتحفيز الغدد الأخرى مثل الغدة الكظرية لإفراز الكورتيزول لمساعدة الصغير على التعامل مع المواقف العصيبة، وإفراز هرمون الغدة الدرقية لتعزيز نمو الدماغ والتمثيل الغذائي(5).

بعد سنوات حين يكبر الطفل وتبدأ مرحلة المراهقة سيتخذ المد والجزر شكلا آخر، ذكرت دراسة نشرتها مجلة "APS" عام 2015 وجود تأثيرات سلوكية يسببها ارتفاع هرمونات الغدد التناسلية خلال فترة المراهقة، وتتخذ هذه السلوكيات أبعادا اجتماعية وعاطفية، وتلعب دورا في نمو الدماغ خلال تلك الفترة، وهذه التأثيرات التي يتزايد تأثيرها خلال فترة البلوغ تمتد لتلعب دورا مهما في مسارات النمو، وتؤثر بشكل طويل الأجل في الصحة والتعليم والرفاهية، وهي تحدث لدى المراهقين بشكل عام وليس لدى الفتيات فقط(6).

الهرمونات البريئة

كتاب "أسطورة الهرمونات: كيف تؤدي العلوم غير المرغوب فيها والسياسات الجندرية والأكاذيب حول متلازمة ما قبل الدورة الشهرية إلى إعاقة النساء" (مواقع التواصل الاجتماعي)

ورغم ذلك، تختبر النساء تغيرات فسيولوجية لا يمر بها الرجال، الحيض والحمل وانقطاع الطمث، مع ما يصاحب كل منها من تغيرات في مستويات الهرمونات. تشرح "روبين شتاين ديلوكا"، في كتابها "أسطورة الهرمونات: كيف تؤدي العلوم غير المرغوب فيها والسياسات الجندرية والأكاذيب حول متلازمة ما قبل الدورة الشهرية إلى إعاقة النساء"، أن لدى الغالبية العظمى من النساء لا تتسبب هذه التغيرات الهرمونية فيما يعتبره المجتمع "اضطرابات عقلية"، وهنا تُشبّه "ديلوكا" الأمر بوجود عرض واحد من أعراض سرطان الرئة لدى أحدهم، وهو السعال، وتتساءل: هل يعني ذلك أنه بالفعل مصاب بالمرض؟!(7)

خلال فترة ما قبل الحيض تنخفض مستويات هرموني الإستروجين والبروجستيرون ما يسبب اضطرابات في النوم ويزيد معدلات القلق، كما يقل هرمون السيروتونين الذي يساعد على استقرار مزاجنا وشعورنا بالسعادة، لكننا نُلصِق بمتلازمة ما قبل الدورة الشهرية مجموعة متنوعة من التغييرات المعرفية والعاطفية السلبية، وعلى ما يبدو فإننا نبالغ في تقديرها، وأن النساء أنفسهن يقعن في هذا الفخ فيُبدين استجابات نفسية وجسدية تنتج عن اعتقادهن وليس عن حقيقة ما يتعرضن له(8).

في تجربة جاءت في دراسة تعود لعام 1977 نشرتها مجلة "ساينس"، تم إخبار العديد من النساء أنهن في وقت مختلف في الدورة الشهرية عما كن يعتقدن، وطُلب منهن استكمال استبيان حول متلازمة ما قبل الدورة الشهرية؛ وجدت الدراسة أن النساء اللواتي قيل لهن إنهن مصابات بمتلازمة ما قبل الدورة الشهرية أبلغن عن أعراضها حتى عندما لم يكن لديهن تلك الأعراض؛ ما يؤكد أن الأمر ارتبط بتوقعاتهن وليس بالحقيقة الفعلية(9).

كتاب "الدماغ الجنساني (مواقع التواصل الاجتماعي)

في كتاب "الدماغ الجنساني (The Gendered Brain)"، تقول عالمة الأعصاب الإدراكي "جينا ريبون" إن بعض الحقائق استُخدمت لتشويه سمعة المرأة والتشكيك في قدراتها، وأبرزها مفهوم "متلازمة ما قبل الدورة الشهرية" الذي ظهر في ثلاثينيات القرن الماضي وأصبح سببا لعدم منح المرأة مناصب في السلطة بسبب النوبات المزاجية التي تنتاب المرأة خلالها(10).

في السياق ذاته، وفي دراسة نشرتها مجلة "جندر ميديسين" (Gender Medicine) عام 2012، حلل الفريق عشرات الدراسات حول الحالة المزاجية اليومية للمرأة ومدى ارتباطها بالدورة الشهرية، وتوصل إلى عدم وجود علاقة واضحة بين الحالة المزاجية السلبية للمرأة ومرحلة ما قبل الحيض، 6 فقط من بين 41 ورقة تناولتها الدراسة (أي نحو 13%) هي التي وجدت ارتباطا بين الحالة المزاجية السلبية ومرحلة ما قبل الحيض، وأكدت الدراسة أن الدورة الشهرية كانت محور الأساطير والمعلومات الخاطئة عبر التاريخ بشكل قيّد إلى حد كبير أنشطة المرأة(11).

تذهب "روبين ديلوكا" إلى أبعد من ذلك في كتابها، إذ تقول إنه لا يوجد إجماع قوي على تعريف أو سبب أو علاج لمتلازمة ما قبل الدورة الشهرية، وإن البحث حول متلازمة ما قبل الدورة الشهرية يعاني من عيوب قاتلة، فقد تم تضمين أكثر من 150 عرضا مختلفا في تعريف المتلازمة، ما يجعل من السهل القول إن أي امرأة تعاني منها، وهكذا يتم تجاهل التجارب العاطفية للمرأة وما تواجهه من أحداث مجهدة وما تمر به من مناسبات سعيدة يمكن أن تغير في حالتها المزاجية(12).

(بيكسلز)

في الوقت نفسه هناك بعض الحقائق التي لا يجري الحديث عنها بالقدر نفسه، فعلى سبيل المثال تشير دراسة نشرتها مجلة "سايكونيورواندكرونولوجي" (Psychoneuroendocrinology) عام 2015 إلى تحسن الذاكرة اللفظية والمكانية عندما يكون هرمون الإستروجين في أعلى مستوياته، لكن أغلب الدراسات تلقي الضوء على ما يدعم الصورة النمطية عن متلازمة ما قبل الدورة الشهرية، متجاهلة وجود تحفيز معرفي في نقاط معينة من الدورة الشهرية لدى النساء مثلا؛ ما يكشف عن وجود تحيز تأكيدي معين بين الباحثين الذين يدرسون الفروق بين الجنسين(13).

كيف بدأ التحيز؟

في عام 2018 أصدرت "راندي" كتابها "انفعالات: تاريخ الهرمونات وكيف تتحكم في كل شي" (Aroused: The History of Hormones and How They Control Just About Everything) لتنقِّب عن تاريخ الصورة النمطية التي ربطت تقلب مزاج المرأة بالهرمونات، لقد بدأ الأمر قديما جدا في اليونان، حيث ربطت الحضارة اليونانية بين الجهاز التناسلي للمرأة والصحة العاطفية لها، كانت "الهستيريا الأنثوية" تشخيصا طبيا معتمدا، فالهستيريا كما اعتقدوا يُسبّبها -ببساطة- رحم المرأة، ومن هنا كانت الكلمة اليونانية "رحم" أو "uterus" مشتقة من كلمة "هستيريا"(14).

وفي إنجلترا الفيكتورية، كان "ضعف الأعصاب" تشخيصا آخر لما يصيب النساء من "هستيريا" تظهر لديهن في صورة نوبات إغماء، ويسببها أيضا -حسب اعتقادهم- الرحم، إذ هو المسؤول عن حالتها العقلية أو العاطفية. وحتى في القرن التاسع عشر لم تختفِ "الهستيريا الأنثوية" باعتبارها تشخيصا طبيا، فقط في القرن العشرين بدأ الطب الحديث في فهم علم النفس والتشريح والحالات العصبية بشكل أكثر شمولا، وصار بالإمكان الحديث عن صورة مختلفة لتأثير الهرمونات في المرأة، لكن هذا لم يمنع استمرار الصورة النمطية ووصمة العار المحيطة بالمرأة جراء تأثرها بالهرمونات(15).

لطالما كانت المرأة الحامل غير مفضلة لأصحاب الأعمال، للاعتقاد بأن أداءها سيتأثر، على الرغم من عدم وجود دليل على انخفاض الأداء المعرفي والقدرة على التذكر بين النساء الحوامل. (غيتي)

وحتى اليوم، تتعرض النساء بشكل عام لإهمال الرعاية الطبية مقارنة بالرجال بإرجاع كثير من الأعراض التي تشكو منها المرأة وفي فترات مختلفة إلى السبب الأكثر التصاقا بها، وهي الهرمونات، على الرغم من أن أعراض ما قبل الحيض مثلا تزداد صعوبة بزيادة التوتر والضغوط التي تتعرض لها المرأة وليس العكس، لكن لماذا نخفي الحقيقة ونبالغ في تقدير دور الهرمونات لدى النساء؟(16)(17)

تتطرق "ديلوكا" إلى سبب واضح لهذا التحيز، وهو دافع الربح، انتشار متلازمة ما قبل الدورة الشهرية مثلا يعني استخدام الأدوية على نطاق واسع والتسويق لها، بحيث تبلغ قيمة هذه التجارة نحو 48 مليون دولار، فضلا عن مكسب لا يمكن إنكاره بين النساء أنفسهن حين نلقي باللوم في حالات الغضب أو الانفعال على متلازمة ما قبل الدورة الشهرية أو الهرمونات، فلا تتحمل المرأة المسؤولية عما تقوم به.

ومع ذلك فقد دفعت النساء ثمن هذه الصورة، فلطالما كانت المرأة الحامل غير مفضلة لأصحاب الأعمال، للاعتقاد بأن أداءها سيتأثر ليس فقط خلال شهور الحمل، وإنما بعد عودتها من إجازة الوضع، ومن ثم عانت النساء في دول كثيرة من عدم المساواة في الدخل، على الرغم من عدم وجود دليل على انخفاض الأداء المعرفي والقدرة على التذكر بين النساء الحوامل(18).

هناك أسباب أخرى.. فلنبحث عنها

الإشارة إلى الهرمونات في كل ما يعترض النساء من تقلبات مزاجية ونوبات بكاء قد يصرف النظر عن التعامل مع المشكلات الحقيقية ويقلل من شأن التجارب والعوامل الأخرى التي تؤثر فيها. (بيكسلز)

لا شك أن الهرمونات تتقلب طوال الدورة الشهرية لدى النساء، وتؤثر في أجسامهن وفي حالتهن المزاجية، لكن هذا لا يعني أن تتحمل الهرمونات مسؤولية كل شيء، إننا جميعا -بكل فئاتنا- نمر بتلك الأوقات التي تنتابنا فيها مشاعر متفاوتة قد تعود لاختلاف مستويات الهرمونات، لدى الأطفال والمراهقين والنساء الحوامل والرجال بعد أن يصبحوا آباء.

هناك تحولات عاطفية تشير إلى خلل هرموني بالفعل، كما أن هناك بعض العوامل الطبيعية التي يمكننا القيام بها للحفاظ على توازن الهرمونات في أجسامنا، مثل ممارسة الرياضة يوميا لخفض مستويات الكورتيزول والأدرينالين وإفراز الإندورفين الذي يحد من الإصابة باضطراب القلق، والحصول على قسط كاف من النوم، إذ ترتبط قلة ساعات النوم بالاختلالات الهرمونية(19).

عند الحديث عن البالغين بشكل عام وأسباب القلق لديهم مثلا، يمكن ذكر أسباب مختلفة لهذه المشاعر، كالإفراط في تناول الكافيين أو تعقد الأحداث المحلية والعالمية، أو حتى وجود مشكلة مع الشريك، بعض الاختلالات الهرمونية ترتبط بالقلق فعلا، غير أنه من الصعب معرفة أيهما يأتي أولا، إذ تسبب الاختلالات الهرمونية القلق لدى بعض الأشخاص وتكون نتيجة لزيادة القلق لدى آخرين(20).

ما يعترض بعض النساء من تقلبات مزاجية ونوبات بكاء قد يعود لأسباب أخرى أيضا، قد يكون الإجهاد ونقص الدعم الاجتماعي أو الصعوبات الاقتصادية وربما الأمراض الجسدية، الإشارة إلى الهرمونات في كل مرة قد يصرف النظر عن التعامل مع المشكلات الحقيقية ويقلل من شأن التجارب والعوامل الأخرى التي تؤثر فيها.

تؤثر الهرمونات فينا جميعا، وليس علينا التوقف عن التعبير عن أنفسنا في أيام بعينها، لدينا جميعا الحق في التعبير عن عواطفنا، والتوقف عن لوم أنفسنا واستعادة الثقة والقوة، لكن فَهْم أجسامنا قد يساعدنا على دعمها بما تحتاج إليه، والتوقف عن إلقاء كل شيء على عاتق الهرمونات (21).

_______________________________

المصادر:

  1. Basta de decir que las mujeres ‘andan hormonales’
  2. Stop Blaming Our Hormones — Tara McCann Wellness
  3. Hormones and Anxiety: How They’re Related and Tips for Finding Relief
  4. Hormonal Imbalance: Causes, Symptoms & Treatment
  5. Basta de decir que las mujeres ‘andan hormonales’ – The New York Times
  6. The Teenage Brain: Surging Hormones—Brain-Behavior Interactions During Puberty – Jiska S. Peper, Ronald E. Dahl, 2013 
  7. The Hormone Myth
  8. Stop Blaming Our Hormones — Tara McCann Wellness
  9. Premenstrual Symptoms: A Reinterpretation
  10. Neurosexismo: cómo la neurociencia destruyó el mito de que los hombres y las mujeres tienen cerebros distintos
  11. Mood and the menstrual cycle: a review of prospective data studies 
  12. PMS is a ‘myth’, claims female psychologist
  13. Emotional and cognitive functional imaging of estrogen and progesterone effects in the female human brain: A systematic review
  14. Basta de decir que las mujeres ‘andan hormonales’
  15. Stop Blaming Our Hormones — Tara McCann Wellness
  16. Gaslighting in women’s health: No, it’s not just in your head
  17. Stress effects on the body 
  18. The Hormone Myth
  19. Stop Blaming Our Hormones — Tara McCann Wellness
  20. Hormones and Anxiety: How They’re Related and Tips for Finding Relief
  21. PMS may not exist, research shows
المصدر : الجزيرة