شعار قسم ميدان

قل لي ماذا تأكل.. هكذا يؤثر غذاؤك اليومي في قدرتك على الإنتاج والعمل

يحدث كثيرا أن تجد نفسك خلال يوم عمل طويل غير قادر على إنجاز العمل على النحو المطلوب، مفتقدا للطاقة وتود لو تتوقف تماما، قد يكون السبب ما وضعته في فمك دون اكتراث خلال هذا اليوم الطويل، إن بعض الخيارات البسيطة والذكية خلال يوم عملك ستساعد في تعزيز قدراتك الإبداعية والإنتاجية وتقلل الشعور بالإرهاق والتوتر.

تستهلك أدمغتنا 20% من السعرات الحرارية التي نتناولها يوميا، وتؤثر نوعية غذائنا في قدرتنا على الانتباه والإنتاج، لذا فبينما تسعى لتحسين ظروف العمل والبيئة المحيطة لا تنس الاهتمام بما تتناوله في الوجبات الأساسية والوجبات الخفيفة أيضا. (1) (2)

سيفاجئك أن تعلم مدى السرعة التي تتأثر بها الدماغ بالأغذية التي أكلتها للتو، وكيف تؤثر على طريقة تفكيرك وقدرتك على الإنتاج، إن تناول قطعة من الكعك تسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم في غضون 15 دقيقة فقط بعد تناولها، ويبدأ بعدها بقليل ضعف الإدراك. يحول الجسم كل ما نأكله إلى مركّب الجلوكوز الذي يستخدمه الجسم والدماغ كوقود لإبقائك نشطا. وتؤثر المكونات الأخرى التي تتناولها على كمية الجلوكوز التي يمكن استخدامها والعناصر الأخرى التي يجب مكافحتها. (3)

تؤكد الدراسات أهمية الغذاء في قيام الخلايا العصبية بوظائفها، وكيف أن نوعية الغذاء تُحدث فرقا في أداء الدماغ، فبينما توفر أحماض أوميغا 3 الدهنية المواد الضرورية لبناء للدماغ. ودعم الاتصال بين الخلايا، فإن الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر أو الدهون المشبعة والسعرات الحرارية العالية تؤثر سلبا في  قيام الخلايا العصبية بوظائفها إذ تعمل على رفع مستويات الإجهاد التأكسدي وتقليل الاتصالات العصبية والوظائف المعرفية في الدماغ. (4)

تعالج أجسامنا كل الأغذية التي نتناولها بالمعدل نفسه، لكن بعض الأطعمة مثل المعكرونة والخبز والصودا تطلق ما تحتويه من جلوكوز بسرعة مما يؤدي إلى شعورنا بتفجر الطاقة التي سرعان ما تخبو، كما أن الوجبات الغنية بالدهون توفر المزيد من الطاقة لكنها تتطلب جهدا أكبر من نظامنا الهضمي وبالتالي تقل مستويات الأكسجين في الدماغ.(5)

لا تعتبر مستويات الطاقة هي الجانب الوحيد الذي يؤثر به نوع غذائك في الدماغ، فسوء التغذية يتسبب في شعورنا بالتعب وانخفاض الفعالية العقلية وضعف القدرة على التفكير بوضوح وانخفاض مستويات الطاقة، كما يتسبب في الشعور ببعض التهيج الذي يتحول مع مرور الوقت إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والتوتر الذي يمنع التركيز في العمل.

وتتأثر القدرات الإبداعية أيضا بنوعية الغذاء، لذا ينصح الخبراء بتغذية الدماغ من خلال عناصر مثل حمض الفوليك الموجود في اللحوم والفول والخضراوات، وأحماض أوميجا 3 الدهنية الموجودة في الأسماك وبذور الكتان وفيتامين (ج) الموجود في التوت والفلفل وفيتامين "E" الموجود في المكسرات والزيوت النباتية.(6) كما ترتبط قدرتنا على العمل والإنتاج بقوة الإرادة لدينا وقدرتنا على ضبط النفس بحيث نفضل العمل على الاستسلام لعمل أي شيء ممتع آخر، وقد كشفت الدراسات عن ارتباط القدرة على ضبط النفس بمستويات الجلوكوز في الدم؛ يوفر الجلوكوز الطاقة اللازمة لجميع أنشطة الدماغ تقريبا وبينها ضبط النفس العملية الأكثر تعقيدا، ويؤدي انخفاض نسبة السكر في الدم إلى انخفاض قوة الإرادة، وانخفاض القدرة على مواصلة عمل ما.(7)

على المدى الطويل يزيد اتباع نظام غذائي غني بالدهون من خطر اختلال الوظائف العصبية، بينما تساعدنا الوجبات الغذائية المليئة بأحماض أوميجا 3 الدهنية الموجودة في الأسماك والمكسرات في الاحتفاظ بنشاط الدماغ وتمنع تراجع قدراتنا المعرفية في العمر المتقدم. (8)

فضلا عن أن نوعية الغذاء تتسبب على المدى الطويل في انتشار معدلات السمنة التي تؤثر بدورها على معدلات الإنتاجية بالنظر إلى الأمراض المتعلقة بها والتي يكون أقلها الأرق وصعوبة التنفس والشعور بالتعب وانخفاض الطاقة. تقول مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها  (CDC) إن معدلات البدانة ترتبط بنوعية الحياة، وإن السبب فيها هو  سوء التغذية الذي يمنح الجسم كميات كبيرة من السعرات الحرارية الفارغة الموجودة في الأطعمة عالية الكربوهيدرات والدهون العالية.(9)

إذا كنت تستغل كل دقيقة قبل موعد استيقاظك في النوم مضحيا بوجبة الإفطار مثلا؛ فالمتخصصون يخبرونك بأن الأفضل ليومك هو أن تضحي بقليل من النوم لتنعم بوجبة إفطار صحية، إذ يعني ذلك بداية عملية الأيض في الجسم مبكرا بحيث يتمكن من إنتاج الطاقة في الوقت المناسب الذي تبدأ فيه العمل، كما يسهم في استقرار عملية الأيض خلال اليوم، ويبقى عليك اختيار نوعية غذائك في وجبة الإفطار بعناية لتمنحك النوع المناسب من الطاقة. (10)

قد يكلفنا توفير ثمرات الفاكهة والمكسرات في العمل بعض الوقت والجهد لكن معرفة ما يُحدثه من فرق يستحق؛ كلما زاد استهلاك الفواكه والخضراوات التي يستهلكها الفرد أصبح أكثر سعادة وإبداعا، فهي تعزز إنتاج الدوبامين الذي يلعب دورا رئيسيا في الشعور بالفضول والتحفيز، كما توفر مضادات الأكسدة التي تحسن الذاكرة وتعزز المزاج. (11)

في الغذاء عليك تجنب الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر، إذ يتسبب ارتفاع السكر في ضعف مؤقت في الذاكرة، وتتسبب الحلوى والمشروبات الغازية المحلاة في ضعف قدرتنا على التركيز، كما أن تناول الأطعمة التي تحتوي على الكثير من الدهون المشبعة يزيد احتمالات حدوث مشكلات في الذاكرة، كما يؤثر على قدرتنا الإنتاجية.(12)

لذا ينصح المتخصصون بأن تعدّ سابقا صندوق غذاء من الأطعمة قليلة الدهون مثل الحليب الخالي من الدسم، والأغذية التي تحتوى على البروتين والخالية من الدهون مثل البيض المسلوق وزبدة الفول السوداني، والحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات، إلى جانب الوجبات الخفيفة من الأطعمة ذات السكر المنخفض التي تبقي على عقلك يقظا ونشيطا بدلا من الوجبات الخفيفة الغنية بالسكر، وبين الوجبات الخفيفة المغذية الحبوب الكاملة والتونة والتوت والجزر اولمكسرات والخضراوات الداكنة مثل اللفت والسبانخ والحبوب مثل الكينوا.(13)

حين تتناول وجبة الغداء في مكتبك سيفيدك أن تتوقف بعض الوقت وتتناولها ببطء وتتذوق وجبتك اللذيذة الصحية وتستنشق رائحتها وتحس بملمسها، إن تناول الطعام بسرعة أثناء العمل أو الحديث عن المهام القادمة يحرمك من تجربة تناول الطعام وقد تشعر بأنك في حاجة إلى تناول الطعام بعد قليل.(14) كما تساعد الوجبات الصغيرة في الإبقاء على نسبة مستقرة من السكر في الدم، لذا يؤكد المتخصصون ضرورة ألا  تتخطى مواعيد الوجبات مهما كان انشغالك، وبأن تحتفظ في مكتبك باحتياطي من  بعض الأغذية حتى لا تنخفض نسبة السكر ولكي يبقى دماغك نشطا، وأخيرا يوصي الخبراء بتجنب الأطعمة الدسمة وعدم الإفراط في تناول الطعام في المساء إذ  يشير ذلك للجسم بأن موعد العمل قد حان.(15)

undefined

ما تشربه يُحدث فرقا أيضا؛ فالدماغ لكي يعمل بكفاءة يحتاج إلى استقرار نسبة السوائل في الجسم؛ حين تعاني من العطش والجفاف تتعطل الذاكرة قصيرة المدى وتشعر بالتعب وصعوبة التركيز وتضعف لديك مهارات التخطيط. وإذا طال جفاف الجسم فستبدأ في  الشعور بالاكتئاب والغضب والأرق. ولكي يكون يومك أكثر إنتاجية ضع في كوبك ماء بدلا من القهوة، إذا كان الجسم يتكون من 60٪ من الماء بشكل عام ففي الدماغ نصيب أكبر يصل إلى نسبة 80٪، لذلك يكون لترطيب الجسم بالماء أهمية كبيرة في قدرة الدماغ على الأداء، ويمكن الحصول على الماء من الخضراوات والعصائر أيضا.

من الشائع تناول الإسبرسو أو القهوة  للشعور ببعض اليقظة، لكن استهلاك كميات كبيرة من الكافيين يعطل قدرتك على الإنتاج مثل الكثير من الوجبات الخفيفة غير الصحية إذ يمنحك زيادة سريعة في الطاقة يعقبها انهيار في الإنتاجية، لذا يُنصح  باستهلاك كميات صغيرة من الكافيين مثل الموجودة في كوب من الشاي الأخضر.(16)

ما يحدث هو أن القهوة تحفز إنتاج الكورتيزول الذي يمنحك الشعور بالنشاط واليقظة، وينتج الجسم الكورتيزول بشكل طبيعي في الصباح الباكر وتتأرجح مستوياته خلال اليوم بين الارتفاع والانخفاض، لذا فإن الوقت الأنسب لتناول القهوة هو أوقات انخفاض الكورتيزول، لذا لا يُنصح بتناولها فور الاستيقاظ  لكي يحتفظ الجسم بقدرته على إنتاج الكورتيزول بشكل طبيعي ولكي لا تدخل في دوامة الشعور بالرغبة في تناول المزيد منها، ينصح المتخصصون بتناول القهوة بين العاشرة  صباحا ومنتصف الظهيرة  أو بين الثانية ظهرا والخامسة مساء إذ تكون مستويات الكورتيزول قليلة.(17)

يبقى بعد معرفة هذه المعلومات أن نعرف كيف نتخذ قراراتنا، المعلومات وحدها لا تجعل شرائح الدجاج المقلي أقل شهية، غير أننا حين نقرر سابقا ما سنأكله سنكون أكثر قدرة على اتخاذ القرار الصحيح ومقاومة إغراء الأغذية اللذيذة غير الصحية، تناول وجبات صغيرة وخفيفة وصحية يمكننا من مقاومة التفكير في  وجبة غداء مليئة بالدهون، لذا قد يكون اتخاذ قرار ما الذي سنأكله بعد تناول وجبة خفيفة هو الأنسب، كما أن التفكير مبكرا -قبل موعد الوجبة- فيما ستتضمنه يسهم في تجنبنا للأطعمة السريعة التي نطلبها تحت إلحاح الشعور بالجوع.

لوجباتنا الغذائية تأثير كبير على الإنتاجية أكثر مما نتوقع، إذًا علينا دائما الاهتمام بنوعية الأطعمة وبوقت تناولها أيضا حتى نحقق الاستفادة القصوى منها.(18)

المصدر : الجزيرة