"الاحتضان".. حياة لأسرة بلا طفل ولطفل بلا أسرة

"طفل بلا أسرة لأسرة بلا طفل"، هذه هي المُعادلة التي تُحاول فكرة "الاحتضان" أو "الكفالة المنزلية" أن تحلّ بها أزمة آلاف الأطفال الذين لا عائل لهم، وأزمة آلاف الأُسر الذين حُرموا من الإنجاب ويرغبون في أن يكون لهم طفل، هؤلاء الأطفال وُلدوا ليُواجهوا ظروفا فُرِضت عليهم ولم تكن باختيارهم، ليجدوا أنفسهم في إحدى دور الرعاية، وليواجهوا منذ يوم ميلادهم حياة أكثر من قاسية، كل ما يُعبِّرون عنه بالنسبة للآخرين هو أنهم رقم يُضاف إلى عدد الأطفال الذين لا عائل لهم ولا مأوى، أما الأُسر فهي تُعاني حرمانا من نوع آخر، رُبما يشعر البعض منهم أنه محروم من الحياة تماما، ويريد أن يكون له طفل يكون امتدادا له ورفيق حياة وأنيسا في الكِبَر، فقط تابع قراءة السطور التالية لتتعرف أكثر على فكرة "الاحتضان" وكيف تُوفر حياة طيبة لطرفَيْ المُعادلة.

"كنت أشعر بالوحدة تلتهم روحي، تزوجت منذ عشر سنوات، وسافرت مع زوجي حيث يعمل في إحدى الدول الخليجية، لا أهل ولا أصدقاء، لا عمل ولا دراسة، لا شيء، كان كل ما أستطيع فعله هو مشاهدة التلفاز أو القراءة، أو قضاء ساعات متواصلة أرى حيوات الآخرين عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لم أكن أتحدث مع أحد، فقط أتابع عن بُعد وفي صمت، علّني أجد في المُتابعة ما يؤنس وحدتي، كنت أرى زوجي ساعتين أو ثلاث فقط في اليوم، تلك الساعات القليلة الفاصلة بين مجيئه من العمل ونومه، وهذه الساعات بها ما بها من شعوره بالإجهاد ونفاد صبره وعدم رغبته في فعل شيء أو التحدث في شيء، كنت أراه مُنهكا ولا أريد أن أزيد الحمل عليه بالشكوى، كان الشخص الوحيد الذي يُمكنني أن أتحدث إليه، أن أسمع صوته وأن أرى تعبيرات وجهه وأنا أُحادثه، ومع ذلك كُنت أتحسس ما أقوله له حتى لا أزيد من إرهاقه".

بهذه الكلمات وصفت نجوى.س، اسم مُستعار، المرأة الأربعينية، لـ "ميدان"، سنوات زواجها، وتُضيف قائلة: "مرّت السنوات صعبة ثقيلة، كنت أنتظر الإنجاب بشوق ولهفة لتقل صعوبة الأيام ويخف ثقلها، أنتظر طفلي الذي سيُنير عتمة عالمي، ويؤنس وحدتي، ويكون رفيقي وأهلي، لكن هذا لم يحدث، ذهبنا للكثير من الأطباء داخل مصر وخارجها، أجرينا عملية الحقن المجهري أكثر من مرة، بلا فائدة، الحقيقة أن زوجي لم يكن يضنّ بالجهد ولا بالمال، كان يفعل كل ما بوسعه ليأتي طفلنا للحياة، لكن هذا لم يتحقق".

صورة ميدان

جعل هذا حالة نجوى النفسية تزداد سوءا، فكلما ابتعد حلم الإنجاب واتضحت الصورة أكثر أن الأمر قد يكون في عداد المستحيلات، صارت حياتها أكثر تأزُّما، وفي إحدى مرات تصفحها لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وجدت نجوى امرأة تقصّ عبر مقطع مُصوّر قصتها مع الاحتضان، وكيف صارت أُمًّا بعدما كفلت في بيتها طفلا، في هذه اللحظة، كان هناك مئة سؤال يدور بلا إجابة في رأس نجوى، هل يمكن فعلا الحصول على طفل من خلال الكفالة؟ وما الكفالة بالأساس؟ وما إجراءاتها؟ وهل تشعر الأم بمشاعر الأمومة فعلا من خلال احتضان طفل لم تُنجبه؟ هل سيعيش معها ما تبقى من عُمرها؟ وماذا يمكن أن يقول زوجها عن كل هذا؟

 

بعد رؤية هذا المقطع، شاهدت نجوى عشرات المقاطع الأخرى، بحثت في الإجراءات، عرفت أنه يُمكنها احتضان طفل عُمره أيام، يُمكنها إرضاعه من خلال المتابعة مع طبيب يعطيها أدوية إدرار حليب، فتصير أمه بالرضاعة، وبعد أن حصلت نجوى على الإجابات التي تحتاج إليها، واطّلعت على عشرات التجارب الأخرى التي تقصّها نساء قمن بالاحتضان، تعرّفت نجوى أكثر على نظام "الأُسر البديلة"، وهو نظام بدأته وزارة التضامن الاجتماعي المصرية عام 1959م، ويقوم على إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية خاصة مجهولي النسب بأُسر تُختار وفقا لشروط ومعايير تؤكد صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون استغلال لهم أو لمصالح ذاتية.(1)

 

جاء الوقت أن تذهب نجوى بكل هذه المعلومات لزوجها، تقول نجوى لـ "ميدان": "لم يكن الأمر سهلا أبدا، انفعل زوجي، وقال إنه لن يُدخل بيته طفلا لا يعرف عنه ولا عن والديه شيئا، قال إنه لا يدري ما إذا كان أبوه لصّا أو جدّه قاتلا، قال إن "العرق دساس"، فلماذا يُحمّل نفسه هذا العبء ويبقى قلقا ما بقي من عمره؟، قال إنه لن يشعر بمشاعر الأبوة بهذه الطريقة أبدا، وإننا يُمكننا أن نكفل مَن نشاء من الأيتام وننفق عليهم دون أن يعيشوا معنا في البيت، وإن أبناء إخوتنا أولى باهتمامنا هذا، فلنُعِن إخوتنا في نفقات أولادهم وتربيتهم، وسيصبح أولادهم أولادا لنا، قال عشرات الأشياء التي تُغلق باب المُناقشة في الأمر تماما وتجعل من العسير فتحه مرة أخرى".

صورة ميدان

صمتت نجوى وانسحبت من المناقشة، كانت تعرف أن هذا رد الفعل الأوّلي فقط، وأن زوجها حينما يهدأ ويُدير الأمر في رأسه فسيجد بنفسه ما يُحاجج به كل كلامه السابق، لكن ظنها قد خاب، فأصبح الزوج في المرة الثانية أكثر شراسة من المرة الأولى، مرّت سنة والأخرى، حاولت خلالهما نجوى كثيرا إقناع زوجها بالاحتضان، ودعت كثيرا أن يفتح الله قلبه للأمر، إلى أن جاء في يوم من تلقاء نفسه يسألها عن الإجراءات المطلوبة للكفالة المنزلية، لم تُصدِّق نجوى أذنيها، وحينما سألته عن سر تغيير موقفه، قال إنه تحدث مع بعض رجال الدين الذين أخبروه أن هذا ثواب عظيم، وأنه هكذا يحمي روحا من الضياع ويوفر لها حياة كريمة، أخبروه أنه لا ضمانة على شيء، وأنه قد يُنجب من صُلبه طفلا فيُصبح عاقا، يُذيقه العذاب، وأنه إذا أحسن تربية هذا الطفل ورعايته قد يُصبح بتوفيق الله إنسانا صالحا يُعينه في كبره، أخبرها أنه علم أنه لا يوجد حرج شرعي في الأمر، وأن ميراثه بعد موته سيذهب لورثته الطبيعيين، ويُمكنه أن يُخصص للطفل الذي سيحتضنه وصية من ماله، يُساعده بها بعد موته.

 

"حلمت بها عدّة مرات، رأيتها تنظر إليّ وتُنادي عليّ رغم أن عُمرها لا يتجاوز الأيام، وحينما سألت عن اسمها قالوا "هبة"، في أول إجازة سافرنا أنا وزوجي مصر، وذهبت معه لإحدى دور رعاية الأطفال الذين بلا عائل، وبالفعل رأيتها، كانت كما رأيتها في حلمي بالضبط، وحينما سألت عن اسمها قالوا "هبة"، عرفت أنها اختيار الله لي، لم أرَ أطفالا غيرها، قلت هذه ابنتي، كان عُمرها ثلاثة أشهر، قلت لنفسي إنه خلال رحلة زوجي من الرفض للاقتناع كانت هبة لم تُولد من الأساس، حينها قلت لنفسي لا شيء يحدث مُصادفة، وكل شيء له ميعاده المُحدد"، هكذا تروي نجوى لـ "ميدان" لحظة لقائها بابنتها.

صورة ميدان

 

في الفتوى رقم 2063 على موقعها الإلكتروني توضح دار الإفتاء المصرية الفرق بين الكفالة والتبني قائلة: "حثَّ الإسلام على كفالة اليتيم وتربيته والإحسان إليه والقيام بأمره ومصالحه حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافل اليتيم معه في الجنة فقال: «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئا. رواه البخاري، وفي رواية مسلم: «كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ». وأوجب الجنة لمَن شارك اليتيم في طعامه وشرابه؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ ضَمَّ يَتِيما بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ» رواه أحمد.

 

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ الْبُيُوتِ إِلَى اللهِ، بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ مُكْرَمٌ» رواه الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا، أما التبني: فهو اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا له، وقد حرَّم الإسلام التبني وأبطل كل آثاره؛ وذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ (الأحزاب: 4-5).

 

وأمر مَن كفل أحدا أن لا ينسبه إلى نفسه، وإنما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف، فإن جُهل أبوه دُعِيَ مولى وأخًا في الدين، وبذلك منع الناس من تغيير الحقائق، وصان حقوق الورثة من الضياع أو الانتقاص، وحفظ من اختلاط الأجانب وخلوتهم ببعض المتمثلةِ في اختلاط المتبنَّى بمحارم المُتبنِّي أو المتبنَّاة بالمُتبنِّي وأبنائه وأقاربه، فهذا فساد عريض لا يعلم شرَّه إلا الله تعالى الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. وعليه: فإن مسؤوليات الكفالة في الإسلام هي كل مسؤوليات وواجبات التبني عدا ما منعه الإسلام من تغيير الأنساب وما يترتب على ذلك من الآثار".(2)

أما في الفتوى رقم 461 فتوضح الدار أن الطفل مجهول النسب، الذي قد يتعرض لتنمر ورفض من المُجتمع ويرفض البعض اعتباره يتيما، هو يُعامل شرعا مُعاملة اليتيم قائلة: "يدخل في معنى اليُتْم مجهولُ النسب، بل هو أَوْلَى بالعناية؛ لأن العِلَّةَ في فضيلة كفالة اليتيم هي حِرْمانُه من أبيه، وهذه العلة مُتَحَقِّقَة في مجهول النسب بصورة أشد تأثيرا في النفس وفي أمور الحياة التي تحتاج إلى مزيد من العناية".(3)

 

عنوان ميدان

سلوى.ج، اسم مُستعار، فتاة في أواخر الثلاثينيات من عُمرها، كانت أمنية سلوى منذ بدايات تفتّح وعيها في الحياة أن تصبح أُمًّا، منذ سنوات مُراهقتها وهي تميل إلى الأطفال وهم كذلك يميلون إليها، أطفال أقاربها وحتى الأطفال العابرون مع أمهاتهم في الشارع ينجذبون لها، ويضعون رؤوسهم على صدرها في هدوء وسكينة لدرجة تجعل أمهاتهم يتعجبون لأن أطفالهم لا ينجذبون هكذا للغرباء، كانت سلوى تتعلق يوما بعد يوم أكثر بالأطفال، وتنتظر قدوم أطفالها للحياة بفارغ الصبر، تنتظر اليوم الذي ستتزوج فيه، ولا ترغب من الحياة بأكثر من الاستماع إلى كلمة "ماما" من أفواه صغيرة تُحبها ولا تشعر بالأمن والحماية إلا في جوارها ووجودها، لكن يوم ارتداء فستان الفرح الأبيض لم يأتِ أبدا، انتظرت سلوى سنوات ثقيلة، لكن أمنيتها لم تتحقق، حينما شعرت سلوى أنها تقترب من الأربعين من عمرها قررت بحزم أنها لن تنتظر أبدا أكثر من هذا.

 

تقول سلوى لـ "ميدان": "أريد أن أقضي ما تبقى من عمري إلى جوار أطفالي، فلماذا أُضيّع الوقت الثمين في انتظار شيء قد لا يحدث أبدا، بيدي أن يكون أطفالي في حضني في أقرب وقت، وقررت أن يكون سبيلي لتحقيق هذا هو احتضان طفل لا أسرة له". واجهت سلوى كثيرا من المعارضة الأُسرية، أخبرتها أمها أنها ما زالت فتاة، وأنها قد تواجه اتهامات بأن هذا الطفل هو ابنها بطريق غير شرعي، فهي في النهاية لن تُعلّق أوراق التبني على جبهتها لتُعلن للجميع بأن هذا طفلها المُحتضَن، أخبرتها أنها هكذا تُغلق على نفسها باب الزواج إلى الأبد، فمَن ذا الذي سيتزوجها بطفلها المُحتضن، ومَن ذا الذي سيقبل تربية طفل غيره ورعايته، أخبرها أبوها أن المسؤولية ثقيلة والقرار ضخم، وأنه رُبما أتاها الغد بحب حياتها، وإذا اشترط عليها إعادة الطفل لدار الرعاية التي كان بها رُبما تقبل تحت ضغط المشاعر، وهذا سيكون جناية كبيرة في حق الطفل الذي سيكون قد ذاق حلاوة دفء البيت واستقراره.

تقول سلوى لـ "ميدان": "فكرت في كل كلامهم وما هو أكثر منه، فكرت في أنني سأحتمل مسؤولية طفل وحدي تماما، وأنني سأتولى الإنفاق عليه وتلبية احتياجاته كافة بشكل كامل، وأنني سأكون له الأم والأب، كان هذا يُقلقني، لكني وجدت في نفسي قوة كبيرة وارتياحا للفكرة، رغم كل العقبات والصعاب السابقة، كنت أرى في نفسي لكل عقبة حلا وباب فرج، لقد ادّخرت من العمل المُتواصل بلا انقطاع طوال سنوات عمري مبلغا جيدا من المال سيُؤمِّن الاستقرار المادي لي ولطفلي، سيُوفِّر لي هذا الطفل الحماية بمقدار ما سأوفرها له، سيحميني من الوقوع في براثن رجل أناني لا يرى غير نفسه، فمَن سيرفض وجود طفلي المُحتضن وسيطلب إعادته لدار الرعاية هو رجل يجب أن أُفكِّر ألف مرة قبل الاقتران به، مهما كنت أحبه، سأُغلق تماما باب فكرة إعادة الطفل إلى دار الرعاية مهما كان الثمن، فماذا لو كان طفلي البيولوجي الذي أنجبته من رحمي؟ أكنت سأُضحّي به وأضعه في دار رعاية إذا طلب مني رجل هذا؟ بالطبع لا، كذلك فأنا لست مُضطرة لشيء، لست مُنتظرة لرجل يؤويني أو يُطعمني لكي أقبل باشتراطاته التي لا أرتضيها".

 

بهذه القوة التي وجدتها سلوى في نفسها دافعت عن فكرتها ورغبتها بكل ما أوتيت من قوة، أخبرت أمها أن الناس أحرار فيما يظنون، فلا ينفعها الناس بشيء في ليالي وحدتها وأيام اكتئابها القاسية، وأنها لا ترغب أبدا أن تقضي ما تبقى من عُمرها في وضع "الانتظار" الثقيل هذا، أيجب أن تنتظر أربعين عاما أخرى حتى تُرضيهم؟ انصاع الجميع لرغبة سلوى، وما أثار استغرابها أنه بمُجرد قدوم ابنتها المُحتضنة إلى البيت تحوَّل أبواها إلى أجداد حقيقيين، كانوا مُتلهفين لرؤية حفيدتهم الأولى ورُبما الوحيدة، وكأنهم لم يُعارضوا الفكرة أبدا.

 

بدأت سلوى متابعة طبيب يُشرف على إعطائها أدوية تُدِرّ الحليب لكي تقوم بإطعام طفلتها التي لم يكن يتجاوز عمرها ستة أشهر حين حملتها للمرة الأولى، تصف سلوى هذه اللحظة لـ "ميدان" قائلة: "لم يسبق لي أن ذقت سعادة ودفئا واطمئنانا في حياتي مثل هذه اللحظة التي لن أنساها ما حييت". يقول منشور قامت بمُشاركته إحدى صفحات الكفالة والاحتضان على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك:

عنوان ميدان

"الأم الكافلة تقدر عن طريق المتابعة مع متخصص في الرضاعة الطبيعية والتغذية والالتزام ببعض البروتوكولات العلاجية إنها تُرضع طفلها رضاعة طبيعية، ماحدش يقدر ينكر فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل والأم المرضعة كمان، سواء كانت فوائد طبية زي الأجسام المضادة والمواد الغذائية اللي بيحصل عليها الطفل أو نفسية زي العلاقة القوية اللي بتتكون بين الطفل وأمه، وبالنسبة للأسرة الكافلة فالرضاعة الطبيعية بالإضافة للفوائد العظيمة دي بتكوّن علاقة من نوع مختلف ما بين الطفل وأسرته، فهي تجعل الطفل، سواء كان ولد أو بنت، ابنا للأسرة بالرضاعة ودا بيشيل حرج كبير من الناحية الشرعية في تعاملات الأسرة".

 

ووفقا لفتوى دار الإفتاء المصرية رقم 2829 فإن التحريم بالرضاع يثبت بخمس رضعات مشبعات متفرقات فأكثر في مدة الرضاع، وهي سنتان قمريتان من تاريخ الولادة، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب بوجه عام، سواء في حق الرجل أو المرأة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ" متفقٌ عليه.(4)

 

عنوان ميدان

نرمين.س، اسم مُستعار، المرأة الثلاثينية، هي أم عزباء أيضا لكن يختلف وضعها عن وضع سلوى تماما، كانت نرمين مُتزوجة منذ ما يقرب من سبع سنوات، حاولت خلالهم الإنجاب لكن باءت كل مُحاولاتها بالفشل، فاتجهت مُحاولاتها إلى طريق الاحتضان، في البدء كان زوجها يرفض ثم قبل، واحتضنا طفلا بالفعل، لكن مُشكلات كثيرة عائلية ومادية نشأت بين نيرمين وزوجها انتهت إلى الانفصال، لتجد نيرمين نفسها وحيدة مع طفلها المُحتضن، أخبرتها أسرتها أنه يجب عليها إعادة الطفل إلى دار الرعاية لكي لا تُحمِّل نفسها هذه المسؤولية الثقيلة، وحتى ترى كيف ستتصرف في حياتها الجديدة، لكن نيرمين رفضت رفضا قاطعا وجذريا وأخبرت الجميع أن هذا ابنها، فلينسوا أنه مُحتضن حتى لا يخلقوا لها مثل هذه الحلول التي كانت تراها بلهاء، تقول نيرمين لـ "ميدان":

"أيجب أن أُلقي بابني إلى دار رعاية حتى تستقر حياتي؟! أي بله هذا؟! كان الوضع صعبا، لا أُنكر هذا، فقد أدرك زوجي السابق لحظة الانفصال أن هذا الطفل ليس بابنه، رغم أنه قبل هذه المشكلات كان يُعامله بحنو ورعاية بالغة، لكنه لحظة الانفصال تبرّأ من أي مسؤوليات تجاهه، لم أكن أستطيع أبدا أن أفعل مثله، لقد سددت أذني عن أي صوت يُخبرني أن هذا الطفل ليس ابني، هو ابني رغم أنف الجميع، بدأت أحضر كثيرا من الدورات التدريبية، أستدين لأتعلّم، وابني على ذراعي، لكي أتمكّن من الحصول على فرصة عمل، وبالفعل حصلت على فرصة عمل جيدة، مكّنتني من استئجار شقة صغيرة وتوفير مصروفات حضانة جيدة لطفلي حتى أُنهي دوامي في العمل وأعود إليه، صحيح أنني مُرهقة ومُنهكة، لكني أسعد حالا بكثير من تلك المرأة التي كانوا يريدون إجباري أن أكونها، لو كُنت نفّذت لهم ما يريدون كنت سأبقى حبيسة سريري في بيت أبي رهينة اكتئابي، ليس لديّ دافع يجعلني أجتهد أو أتحرّك، كل ما كنت سأفعله هو انتظار زوج آخر يعطيني الحياة أو يسلبها مني كيفما يحلو له، كان يلزمني الكثير من القوة لأخرج من هذه الدائرة اللعينة، وقد أمدّني الله بهذه القوة رُبما لأجل طفلي أكثر مني".

صورة ميدان

القوة التي تحلّت بها نيرمين قد لا يكون باستطاعة الجميع التحلي بها، فعلى صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي تقول إحدى المُتبنيات لحملة الاحتضان في مصر: "في إحدى دور الأيتام التي نرتادها، وصل طفل جديد، أو بمعنى أصح رجعله الطفل تاني، الحكاية بدأت لما زوج وزوجة، ربنا لم يرزقهم بالذرية، قرروا احتضان طفل من دار أيتام، وربنا عوضهم بتبني طفل غاية في الجمال، ربّوه وكبروه، والتحق بمدرسة من أفضل المدارس، وعاش حياة طبيعية حوالي 5 سنوات، إلى أن حدث الانفصال بين الأم والأب، بعدها قررت الأم أن تتزوج، وشاء القدر أن تحمل في أحشائها طفلا، لتتفق حينها رغبتها مع رغبة الزوج الجديد في إعادة الطفل المُحتضن إلى دار الرعاية، ليُصاب الطفل ذو السنوات السبع باكتئاب حاد وأزمة نفسية شديدة، وليظل أول شهر من الفراق يبكي فقط، فهو لا يعرف شيئا غير والديه، ولا يتذكر شيئا عن حياته الأولى في الدار، لا يعرف سوى أمه التي كانت تهتم به وترعاه، ولا يعرف لماذا تركته".

 

تُضيف المُشاركة: "قرار الكفالة/الاحتضان، مش قرار سهل، مش تجربة بسيطة أو لفترة مؤقتة، مش لإشباع غريزة أو مظهر اجتماعي، وأنت بتقرر تكفل طفل اعرف إنه بني آدم، عنده مشاعر وقلب ممكن يتكسر ويتقهر لبقية عمره وانت تكون السبب، بنرجو من كل أسرة وكل أب وأم قرروا يكفلوا أنهم يعرفوا إن ده قرار لنهاية عمرهم، اقرأ، ثقف نفسك، اتعلم، احضر ورش ومحاضرات، اسمع تجارب موجودة حواليك، اطلب الدعم وبنوعدك إنك هتلاقيه من المهتمين والمختصين".(5)

 

عنوان ميدان

صورة ميدان

وفقا لتقرير نشره "theatlantic" فإن أماندا بادن، الأستاذة في برنامج إرشاد الخريجين في جامعة ولاية مونتكلير التي كانت تدرس القضايا المرتبطة بالتبني لمدة 25 عاما، فوجئت بالعثور على القليل من الأبحاث حول كيفية تأثير العمر الذي يكتشف فيه الأشخاص أنهم متبنّون على نتائجهم اللاحقة في الحياة. نشرت بادن وزملاؤها دراسة عن النتائج المرتبطة باكتشاف حالة التبني في مراحل مختلفة من الحياة. تُشير النتائج إلى أن الكشف عن حالة المتبني في سن مُتأخرة يمكن أن يكون له عواقب سلبية على الرضا عن الحياة في المستقبل والصحة العقلية للمتبني.

 

وفقا للتقرير ذاته فقد كان من الشائع لدى الآباء ألا يكشفوا ببساطة عن أصول أطفالهم المتبنين، وأظهرت الأبحاث التي أُجريت في السبعينيات أن معظم الآباء لم يفعلوا ذلك. تُشير دراسة بادن إلى أن الآباء الذين كشفوا هذه الحقيقة كانوا يميلون إلى فعل ذلك في مرحلة المراهقة أو البلوغ، حيث اعتقد بعض الخبراء في ذلك الوقت أنه من الأفضل الانتظار حتى يصبح الشخص المتبنى كبيرا بما يكفي لفهم مفهوم التبني وآثاره. لكن اليوم، المتخصصون في التبني أقرب إلى التوافق في الآراء حول الكشف عن قصة تبني الطفل له أو لها في سن مبكرة، والمنطق هنا هو أن اكتشاف الأطفال أن والديهم قد كذبوا عليهم أو ضلّلوهم وقتا طويلا هو شيء يمكن أن يكون ضارا بالصحة العقلية للأطفال.(6)

 

الكثير من الآباء المُحتضِنين جادلوا حول هذا الأمر، فكيف يمكن لهم أن يصدموا أطفالهم في هذا السن المُبكرة بأن لهم والدين آخرين، وأن هذا قد يُثير فضولهم أو حتى يجعلهم يبتعدون عن آبائهم المُحتضِنين أو يأخذون منهم مسافة، لكن استطاعت أم أردنية مُحتضِنة أن تجد حلا مُبتكرا لهذا، فنشرت صفحة الاحتضان في الأردن على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك خطابا من الطفل أيمن كالتالي: "أنا أيهم، عمري خمس سنوات، أنا طفل مُحتضن، قالت لي أمي يوما نريد أن نكتب قصة عن الاحتضان، سألت أمي ما معنى الاحتضان يا أيهم؟ قال أيهم: الاحتضان جميل وحلو، ردت أمي: نعم الاحتضان شيء رائع، لكن يا أيهم، ما معنى كونك طفلا مُحتضنا؟ قال أيهم: عندما كنت صغيرا احتضنتوني أنا وأخي عمرو، جئت إلى البيت عندكم ثم فرحتوا بي جدا، جهزتوا لي غرفتي، اشتريتم لي سريرا جميلا، ودبا كبيرا بنيا، وزينتم لي غرفتي، بعدها ذهبنا إلى بيت جدي وجدتي، فرحوا بي جدا، وأحضروا لي هدايا جميلة، دبا أبيض، وأرنبا زهريا، كرة كبيرة حمراء أقفز عليها، أحبها كثيرا هذه الكرة، وملابس جديدة جميلة، كنت سعيد جدا بكل هذه الأشياء، ثم أصبح لي أخ صغير اسمه عمرو، أنا أحبه جدا جدا، وأحب أبي وأحب أمي، قالت أمي: ونحن نحبك كثيرا أنت وأخاك عمرو، حسنا يا أيهم، وأخيرا: ماذا تقول لكل الأولاد عن الاحتضان؟ أقول لهم نحن عائلة. الكاتب أيمن عاكف بمساعدة ماما".(7)

 

عنوان ميدان

صورة ميدان

تقول سهام.ع، اسم مُستعار، إحدى المسؤولات بدور رعاية الأطفال مجهولي النسب لـ "ميدان": "هناك عشرات ورُبما مئات الآلاف من الأطفال الذين لا عائل لهم ولا بيت، هؤلاء الأطفال يُولدون ليجدوا أنفسهم رقما في عنبر، عنبر قد يحتوي على 15 أو 25 طفلا غيره، قد يكون له سرير بمفرده، وقد يتشارك السرير نفسه مع غيره، على حسب حالة الدار والعدد الذي بها، غني عن القول المُعاناة التي يُعانيها هؤلاء الأطفال منذ اللحظة الأولى من حياتهم، وهنا جاءت أهمية فكرة الاحتضان أو الكفالة المنزلية لتوفير حياة كريمة وطيبة لهؤلاء الأطفال، لكي يحصلوا على الأمان والحب، لكي تُوفَّر احتياجاتهم الإنسانية من مأكل وملبس ومسكن بشكل كريم، ولكي يلتحقوا بمدارس جيدة، كل هذا يمكن توفيره عن طريق دمج هؤلاء الأطفال في أُسر تحتاج بدورها إليهم أيضا".

 

تُضيف سهام: "هناك للأسف بعض الأخطاء التي أحب أن أُشير إليها وتقع فيها بعض الأُسر المُحتضنة، مثل أن نجد الأم تُخبرنا أنها رتبت كل شيء، وأخبرت الجميع بكونها حاملا، وهي مُستعدة لاستقبال الطفل، وهذا خطأ بالغ، فلا بد أن يعرف الطفل أنه مُحتضَن، فهو على أي حال لن يحمل اسم كافله كاملا، هو منسوب لوالده إذا كان معلوما، والفكرة هنا أن الطفل المُحتضَن يشعر أن حقيقة وضعه هو عار يحمله ويجب عليه إخفاؤه عن الآخرين مثلما فعل كافلوه، وسيظل طوال عمره غير قادر على التصالح مع هذه الحقيقة.

 

الكارثة الثانية التي نتعرّض لها هي عودة الأطفال للدور بعد سنوات من احتضانهم، ما لا تعلمونه هنا أنكم دمّرتم هذا الطفل تماما، جعلتموه يذوق الحياة ويذوق دفء محبتكم ورعايتكم والبقاء في كنفكم، ثم حرمتموه من كل هذا دفعة واحدة، وأعدتموه إلى وضع رُبما قد نسيه أو لا يريد تذكُّره، المشكلة الكبيرة أن الأطفال في هذه الحالة يشعرون أنهم سيئون، وأن سوئهم هذا هو الذي أدى إلى رفضهم ونبذهم من الأُسر الكافلة لهم، الأمر الثالث الذي ألاحظه أن كثيرا من الأسر المُحتضِنة عندما تواجه مُشكلات المُراهقة وأزماتها مع الأطفال، تُعيد تفسير هذه المُشكلات إلى كون الطفل مُحتضَنا، ويتناسون أن هذه المشكلات طبيعة مرحلة المُراهقة، كل ما نودّ قوله هنا هو: لا تكفل إذا كنت غير واثق من أن هذا القرار سيكون قرارك ما تبقى من عمرك، لا تكفل إذا كنت مُتحسِّسا من الطفل أو ستتعامل معه يوما ما من منطلق أنه ابن غيرك".

—————————————————————-

المصادر

  1. نظـــام الأســـر البديلـــــــة
  2.  بيان الحكم الشرعي في التبني
  3. كفالة اليتيم ومجهول النسب
  4.  التحريم بالرضاع والمحرمون والمحرمات من الرضاع
  5. الاحتضان في مصر
  6. What Happens When Parents Wait to Tell a Child He’s Adopted
  7. تجربة الطفل أيمن – الاحتضان في الأردن
المصدر : الجزيرة

إعلان