الوجه الآخر للزواج الثاني.. على مَن تقع المسؤولية؟
"عندما تعرفت عليه كان دائم الشكوى من زوجته، أخبرني أن زواجه منها هو خطأ عمره الذي لا يستطيع أبدا أن يغفره لنفسه، ولا يكف أبدا عن الندم عليه، أخبرني أنه لا يُطيق رؤيتها، وأنه يظل خارج البيت طوال النهار وحتى وقت متأخر من الليل، ليتأكد أنها ستكون نائمة عند عودته، أخبرني أنه يضع بينهما الوسائد حتى لا يُلامس جسدها جسده أثناء نومهما، وأن الرابط الوحيد لاستمرار هذه الزيجة التي لا يُطيقها هو الأولاد، فلديه منها بنتان لا يُريد أن يظلمهما، ولا أن يدفعهما لكراهيته إذا تركض أمهما، لكن حتى هذا الشعور استطاع أن يتغلب عليه بعد رؤيتي وبعدما اقتربنا من بعضنا بعضا، قال إن البنات يوما ما سيكبرن، والسنوات كفيلة بإنضاجهن وجعلهن يتفهمن العذاب الذي كان يحيا فيه".
هكذا بدأت حنان.ع، المرأة الثلاثينية، حديثها مع "ميدان"، عن زواجها وبدايات تعارفها إلى زوجها، بعد مرور أسابيع وشهور من الحديث الدائم والشكوى المُستمرة، بعد عشرات ورُبما مئات المُكالمات والرسائل التي تُخبرها بأنها طوق النجاة الذي كان قد فقد الأمل في إيجاده، وأنها الروح التي حلّت بجسده الذي أنهكه اليأس والتعاسة والبؤس الذي يحيا فيهم بلا انقطاع، وجدت حنان نفسها أصبحت "زوجة ثانية".
"خطّافة رجالة"، "خرّابة البيوت"، "ضحكت عليه وخدعته وسرقته من زوجته وأولاده وبيته"، عشرات الاتهامات التي تُوجِّهها بعض المجتمعات للمرأة التي تُصبح زوجة ثانية، الرجل هنا قد لا يكون مُدانا في نظر هؤلاء، فهو حتما سيعود ليُدفئ بيته ويُربي أطفاله حينما تبتعد عن طريقه هذه الشيطانة التي أغوّته وأضلّته، قد يقبل البعض أن يُزيل عن الرجل "عقله" وقدرته على التمييز والاختيار، فقط ليجعله طفلا يُضحك عليه ويُخدع، ومن ثم فهو ليس مُدانا ولا مَلوما، واللوم كله يقع على الزوجة الأولى التي أهملت وتركته فريسة سهلة لألاعيب الأُخريات، ويقع أيضا على الزوجة الثانية التي هيّأت وقبلت تلك العلاقة، فقط تابِعْ قراءة السطور التالية لتعرف أكثر أن الواقع ليس بسذاجة تفسيراتنا المُعلّبة الجاهزة لتبرئة هذا وإدانة هذه.
تُضيف حنان قائلة لـ "ميدان": "الحقيقة أنني لم أكن مُغيّبة تماما، على أي حال، أنا لست فتاة صغيرة في السابعة عشرة من عُمرها لأقول إنني قد خُدعت، بالعكس، كنت أعرف أنني أسير في خط أن أصبح زوجة ثانية دون علم الزوجة الأولى، كنت أعرف أن هذا وضع غير مُستساغ اجتماعيا، وأنني قد ألقى الكثير من الاتهامات، لكن الحياة تجعلك أحيانا تختار "الصعب" لتفلت من قسوة "الأصعب"، حينما بدأت الحديث مع زوجي الحالي، كنت خارجة لتوّي من علاقة زواج فاشلة، انتهت بحصولي على الطلاق من خلال محكمة الأسرة، كان زوجي الحالي لامعا، وناجحا في عمله، وظروفه المادية جيدة، وطموحا، يرغب دوما في التطور وتحسين وضعه المالي والمهني.
كان لا يُقارن بزوجي السابق، الذي لم يكن يتمتع بأيٍّ من هذه المزايا، بالإضافة إلى كون عيوبه كانت غير مُحتملة، فقد كان فظّا قاسيا بخيلا، بعد حصولي على الطلاق، كنت أشعر بالوحدة والضعف، ليس لديّ بيت، كنت أسكن وابنتي في شقة إيجار، يُرهقني توفير إيجارها كل شهر، حينما كنت أخرج للعمل كأنني مكتوب على جبهتي "مُطلقة"، كان الناس الذين أتعامل معهم يُذكرونني في كل موقف أن هذا هو تصنيفي الاجتماعي، وأن هذا التصنيف بدوره يُملي عليّ احتمال سخافات بعينها والتعامل معها، بدءا من كوني مطمعا "مُحتملا" للرجال حولي، وصولا إلى أنني خطر "مُحتمل" أيضا على أزواج زميلاتي وصديقاتي. الضغط الاجتماعي والضغوطات المادية كادوا أن يودوا بي للانفجار".
في هذه الظروف التي كانت تمرّ بها حنان، ظهر الفارس الذي يَعِدُ بالنجاة من كل هذا، لكن هذا الفارس كان مصحوبا بزوجته وأولاده، لتجد حنان نفسها أمام حسبة أخرى، لها إيجابياتها وسلبياتها، تقول عنها حنان لـ "ميدان": "كانت الإيجابيات تفوق في نظري السلبيات، خاصة في ظل وعوده الدائمة أنه سيُطلِّق زوجته الأولى رسميا، كان رقيقا لدرجة أنه كان يُجنبني دوما الشعور بالذنب تجاه زوجته الأولى وبناته، كان يقول إنني لن أكون أبدا السبب في التفريق بينهم، وإن هذا كان سيحدث سواء ظهرت أو لم أظهر في حياته، جعلني أرى أنه لا أحد سيُظلم، أنا وهو سنسعد بحياتنا معا، وزوجته الأولى ستسعد أيضا بالتخلص من حياة زائفة وكاذبة، وزوج لا يُحبها".
رُبما أكثر ما يؤلم حنان الآن هو اكتشافها أن زوجها يقول الكلام نفسه الذي كان يُلقيه على مسامعها قبل الزواج لامرأة ثالثة، الآن قد مرّ على زواجها ما يزيد على ستة أعوام، وما زالت الزوجة الأولى موجودة ولا تعلم شيئا بشأن الزيجة الثانية، رغم مُطالبة حنان الدائمة لزوجها بتنفيذ وعوده وإنهاء زواجه الأول، لكن هذا ليس من اهتمامات الزوج الذي أصبح يبحث عن علاقة ثالثة بعد أن فقدت حنان زهوتها في نظره، على حدّ وصفها.
ما حدث مع حنان يتشابه مع ما حدث مع سامية.ع، اسم مُستعار، المرأة الثلاثينية، تقول سامية لـ "ميدان": "كان زوجي زميلا لي في مكان عملي، في بداية تعارفنا أخبرني أنه مُطلّق، وأن لديه طفلين يعيشان مع أمهما، وأنه يتولّى كامل نفقاتهما المادية، كان ميسورا ماديا للغاية، وكان كريما، أمطرني بالعديد من الهدايا الغالية الثمن، وكان يُخبرني أنه يتكفل باحتياجات مُطلقته أيضا، فهي أم أولاده، وأنه سيظل يفعل معها هذا إلى أن تستقر حياتها وتجد عملا جيدا أو تتزوج، وأنه حتى وإن تزوجت فلن يحرمها أبدا أطفالها وسيُراعي أن هذا حقها كما هو حقه أن يتزوج، صدّقت كل هذا، كان جميلا وفارسا بحق في زمان عزّ فيه وجود مثل هذا النموذج في مجتمعنا، تركت لنفسي الحبل وأحببته، اطمئننت له بأخلاقه ومُثُله، شعرت أنه لن يؤلمني ولن يظلمني أبدا، واقتنعت أن كل مُشكلته مع زوجته السابقة هي اختلاف طباعهما ليس إلا، تعلقت به وأصبحت حياتي وسعادتي مرهونة فقط بوجودي معه".
بعد كل هذا التعلق اكتشفت سامية بالمُصادفة من أحد أصدقائها المُقربين أنه ليس مُطلقا، هو فقط مُنفصل عن زوجته، لكنهما رسميا زوجان، هو يحيا في العاصمة، وهي تحيا مع أطفالها بإحدى المُحافظات الجنوبية البعيدة في صعيد مصر، وكانت صدمة كبيرة لم تستطع احتمالها، حينما واجهته بكى وانهار، استحلفها ألا تتركه، وأنه بالفعل لا يرى زوجته إلا في الزيارات القصيرة التي أخبرها بها، وبخلاف هذه الزيارات والورق الرسمي فهو يحيا حياة المُطلقين، وأنه يخشى فقط على أولاده، فهم لن يُسامحوه أبدا إذا شعروا أنه ظلم أمهم، وأنه لا يرغب ولن يحتمل أبدا أن يقف أمام أولاده مُدانا ولا مُتهما، وأن المسألة فقط مسألة وقت، حتى يُهيئ أولاده للأمر ويتم الطلاق رسميا، أمام الدموع والانهيار قبلت سامية، وتمت الخطبة، واشترطت عائلتها أن الزواج لن يتم رسميا إلا بعد إنهاء الأمور المُعلّقة في بيته الأول.
تقول سامية لـ "ميدان": "بعدها واجهت ضغطا كبيرا منه أشعرني أن عائلتي تقف عقبة في طريق سعادتنا، وأن العمر يمر، وأن مسألة طلاقه محسومة ومُنتهية والأمر لا يحتاج إلا إلى الوقت لإنهائه، فلماذا لا ننتظر هذا الوقت ونحن في بيتنا؟ قال إنه رُبما إذا شعر بالاستقرار في بيت آخر سهل عليه الأمر، وهو ما تمّ له، فضغطت على عائلتي ضغطا كبيرا ليقبلوا بالزواج قبل إنهاء الزيجة الأولى، التي لم تنتهِ أبدا، ظلّ الرجل الذي أصبح زوجي منذ خمس سنوات خائفا مُترددا، لا يستطيع حسم قراره، يذهب إلى زوجته الأولى وأطفاله في إجازات قصيرة، وحينما أسأله هل تمّت بينهما علاقة زوجية، يُخبرني أن هذا حقها وأنه لا يستطيع أن يُبالغ في ظلمها إلى هذا الحدّ، وأنه عليّ أن أُقدّر أنه لا يكذب عليّ، رغم أنه يستطيع ذلك بسهولة وأنني لن أستطع أبدا معرفة ما يُخفيه".
تُضيف سامية قائلة لـ "ميدان": "أصبحت زوجة ثانية، وهو وضع لم أكن أتمناه لنفسي أبدا ولم يكن يخطر لي على بال، أتخيّل شعور الزوجة الأولى التي لا تعرف عن زوجها إلا أن عمله يُحتم عليه السفر والإقامة في العاصمة، وأنها هي التي ترفض الانضمام إليه لأنها لن تستطع العيش في غير بلدتها، كلما سافر إليها أتخيل لقاءها به وعلاقتهما الحميمية، أحاول أن أبعد هذا التفكير عن ذهني لكنني لا أستطيع، أفكر كثيرا في الانفصال، لكنه حتى لم يعد يبكي وينهار إذا أخبرته أنني سأرحل، أُسائل نفسي هل سأحتمل وضعي في تصنيف "المُطلقة"، بكل ما يضعه المجتمع على كاهلها من سخافات وضغوط، أنا حتى لا أستطيع أن أشفق على نفسي، أو أن أعيش دور الضحية، ففي النهاية هذا كان اختياري الذي وقفت أمام أهلي لأجله".
"هو يُحبني أنا، ويريد أن يعيش معي، وأنا أيضا، فلماذا نحرم أنفسنا من هذا لمُجرد أنه قد تزوج منذ عشر سنوات زيجة لم تعد مناسبة له الآن ولا مُلبية لاحتياجاته ولا مُرضيه لطموحاته، هذا ظلم له، هو يستطيع أن يختار لنفسه حياة جديدة يرتضيها ويرغب فيها، ولن يُكلف أحدا شيئا"، هكذا تبدأ سوزان.ع، اسم مُستعار، الفتاة الثلاثينية حديثها مع "ميدان".
سوزان لم يسبق لها الزواج، أمضت سنوات عُمرها تهتم بالجانب الأكاديمي من حياتها، تحصد الشهادات، وتزيد من مهاراتها المهنية والعلمية، حصلت على درجة الدكتوراه في مجال تخصصها، وتُجيد لُغتين، وتحصل من عملها على راتب مُجزٍ، وجدت سوزان نفسها تدخل في منافسة مع امرأة لم ترها من قبل، والمنافسة كانت تدور حول "قلب" رجل واحد، تلك المرأة التي لم ترها سوزان كانت لا تعمل، فقد فرّغت نفسها منذ سنوات عشر لبيتها وأولادها، وهي لديها بنت وولد عمر أكبرهما 8 سنوات، ما تعرفه سوزان عن هذه المرأة يعود إلى حكايات زوجها عنها، هذا الزوج الذي شاءت المصادفة أن تُقابله سوزان وتُحبه وترتضيه زوجا، وهو رجل بمعايير سوزان لا يُعوَّض، ذكي ومتعلم وثري وطموح ولديه وضع مهني جيد ومستقبل مهني مُبشِّر.
ترى سوزان أن مُجتمعاتنا تُجبرنا على الاستمرار في زيجات لا نرتضيها لأنفسنا سواء كنّا رجالا أو نساء، تحت تسميات فضفاضة من الوفاء والإخلاص والمحافظة على البيت ورعاية الأولاد، وهي تؤكد أن الجميع يُقدِّم للمجتمع هذه القرابين التي تجعلهم تُعساء وفاقدي الرغبة في الحياة حتى يُصبحوا في نظر المجتمع أشخاصا صالحين ومثاليين، تقول سوزان لـ "ميدان": "كل شيء يتغير، كل شيء، ومن حق الزوج أو الزوجة أن تتغير مشاعرهما تجاه بعضهما بعضا، أو تتغير نظرتهما في الحياة، ويختارا لأنفسهما حياة أخرى دون أن يُجرّمهما أحد أو يُشيطن فعلهما، ليس من مصلحتنا ولا من مصلحة أحد أن نعيش تعساء، فليس من مصلحة الأولاد مثلا أن يكون أحد والديهما أو كلاهما تعيسا، يحيا كالآلة بلا روح ولا شعور".
ترى سوزان أن من مصلحة الزوجة الأولى في هذه الحالة أن تعرف الحقيقة، حقيقة شعور زوجها تجاهها، وحقيقة تغيّر وجهة نظره في حياته، ويكون لها الاختيار بالاستمرار وقبول الزيجة الثانية أو الانفصال، وعلى الزوج في هذه الحالة ألا يظلمها أو يُهدد وضعها المادي هي أو أولادها، إذا كانت مُعتمدة ماديا بالكامل عليه، تقول سوزان لـ "ميدان": "هذا ما أنوي فعله في زواجي، لن أُجبره على الانفصال عن زوجته الأولى، سأترك لها كامل الاختيار إذا أرادت الاستمرار، لا يهمّني كثيرا تقييم المُجتمع، ولا أُلقي بالا لتهامسهم حولي بأني "زوجة ثانية" أو "خطّافة رجالة"، سيقولون الشيء نفسه حتى لو طلّق زوجته الأولى، لذلك سأترك لها الاختيار راضية".
علا.م، اسم مُستعار، الفتاة الثلاثينية، لم ترغب في ترك هذه المساحة من الاختيار لزوجة زوجها الأولى، اشترطت علا على زوجها حينما فاتحها بشأن مشاعره تجاهها، وكان حينها مُتزوجا ولديه طفلة لا يتجاوز عُمرها ثلاثة أعوام، أن يُطلّق زوجته، تقول علا لـ "ميدان": "كان يُخبرني أنه تعيس وأنه لا يستطيع العيش، وأنني نصفه الثاني الذي كان يجب أن يجده من البداية، كنت أرى أن حياة زوجته الأولى معه ظلم لها، ومع ذلك فقد فاجأتني حينما أخبرها بأنه سيتزوج عليها بأنها تُريد أن تبقى على ذمته لأجل ابنتهما، فاجأني ردها كثيرا، ولكني رفضت هذا الوضع رفضا جذريّا، وتركت له الاختيار، قلت له: إذا كُنت تريدني فطلّقها، وإذا كنت تريدها فاذهب إليها، لا أرى أنني ظلمتها، ولكني كنت واضحة وحازمة فيما أرتضيه لنفسي، كنت أحب هذا الرجل، ولكنني لن أقبل بنصفه، ويُمكنني أن أضحي به كاملا على ألا أكون في هذا الوضع".
تحرص علا على أن تحض زوجها على تغطية نفقات ابنته، ارتضت أن تتزوج في شقة إيجار مُحددة المُدة، رغم أن زوجها يمتلك شقة، لكنها رأت أن الطفلة يجب ألا تخرج من بيتها، وأن تبقى في حضن أمها وفي بيتها كما اعتادت، تقول علا لـ "ميدان": "الزوجة الثانية ليست شيطانة، هي امرأة قد تكون العاطفة قادّتها أو الظروف أو حتى تعرّضت للخداع لتصل إلى هذا الوضع، هي في النهاية "زوجة"، فلا يجب إضفاء صفات شيطانية عليها كما تفعل الدراما دوما".
وفقا لموقع ماسبيرو، فقد رصدت الكاتبة والناقدة إيمان حجازي لبرنامج "شخصيات درامية"، الذي يُذاع على موجات إذاعة البرنامج الثقافي، تعامل الدراما مع قضية الزوجة الثانية قائلة: "السينما والدراما المصرية تناولت قضية الزوجة الثانية بداية من مرحلة الأبيض والأسود من خلال فيلم "عصافير الجنة"، بطولة محمود ذو الفقار وعزيزة حلمي ونيللي وفيروز، في هذا الفيلم كان البطل كمال يعيش حياة سعيدة ودافئة مع زوجته وبناته، إلى أن خلا منصب مدير الشركة التي يعمل بها بموت صاحبها، الذي يترك وراءه أرملة شابة جميلة، التي تعجب بكمال ولكنها تختار شخصا آخر لمنصب المدير العام، مما يُثير حزن كمال وغضبه، لكنها تعرض عليه منصبا أكبر لتكون له الكلمة العليا على الشركة، وتسافر معه للإسكندرية لافتتاح فرع الشركة هناك، ويعودان زوجان، وينتقل كمال للعيش معها في منزلها ويترك بيته وبناته، هذا الرجل كان لديه من الطموح ما يُشجعه على نقلة اقتصادية اجتماعية في حياته لأنه كان فقيرا رغم أن زوجته جميلة وحنونة".
الدراما الحديثة تناولت الأمر بشكل أكثر جرأة، فتقول حجازي: "بدءا من مسلسل "عائلة الحاج متولي"، الذي كان للبطل فيه طموح عالٍ، وكان يعشق النساء جدا، فتزوج ٤ سيدات، ليس فقط لعشقه لهن، ولكن أيضا للاستحواذ على أموالهن، ولاستثمار أموالهن مع أمواله ليظهر في مكانة أكبر في المجتمع، كما أن الفنان مصطفى شعبان سار على نهج الفنان نور الشريف نفسه فقام ببطولة مسلسل "الزوجة الرابعة"، حيث جسّد شخصية رجل الأعمال الذى يرتدي الجلباب الأبيض ولا يترك السبحة ولا يصافح النساء ولكنه يعشقهن ويرفض الحرام، فيتعامل مع زوجاته الثلاثة كجواري، والرابعة يُغيرها متى أراد ويتعمّد منعها من الإنجاب كي يتمكّن من طلاقها بسهولة".(1)
مؤخرا، أُثيرت قضية الزواج الثاني على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بسبب مسلسل "إلا أنا" الذي تعرضه فضائية "dmc" المصرية، الذي يعتمد على حكايات مُستقلة مُستوحاة من قصص وأحداث واقعية، وإحدى هذه الحكايات كانت حكاية "ربع قيراط"، التي تعرض قصة زوجة تفانت في إخلاصها ووفائها لبيتها وزوجها وأولادها، وكانت تقتصد في كل نفقاتها وتضحي باحتياجاتها لأجل شراء شقة أفضل لأسرتها، وفي طريق التضحية هذا، فوجئت بظهور "زوجة ثانية" لزوجها في حياتها، ولتُفاجأ أيضا أنها لم يخطر ببالها أبدا أن هذه اللحظة قد تأتي، فقد كانت تؤسس لحياة ثابتة ومتينة، لا تتغير ولا يُزعزع استقرارها شيء، ولكنها فوجئت أنها أصبحت الآن تقف في العراء، ولا تملك حتى توفير نفقات أطفالها دون الاحتياج لأحد.
أثارت الحكاية ردود فعل غاضبة تجاه الزوج وتجاه فكرة الزواج الثاني، وقف بعض الرجال مُدافعا عن الزواج الثاني بمنطق "هذا شرع الله، ولا ينبغي لأحد أن يُحرّمه"، ووقفت بعض النساء في موقف غاضب ثائر لأجل الزوجة الأولى وتضحياتها ونذالة الزوج الذي لم يُقدِّر لها كل هذا ولم يصُنها ولم يصُن بيتهما، مُتسائلات: ماذا ينقص الرجل الذي لديه زوجة وبيت وأطفال حتى يلجأ للزواج الثاني؟ لماذا قد يهدّ المعبد الذي بُني بصبر الزوجة الأولى وإخلاصها وتفانيها وتضحياتها على رأسها ورأس أولادهما؟! ليرد بعض الرجال بأن الزوجة الأولى هي مَن تهدّ المعبد عندما تطلب الطلاق، وأنه يُمكنها ببساطة الاستمرار، ولا يجب أن تطلب الطلاق إلا إذا تضررت بشكل مباشر، والزواج الثاني في ذاته ليس ضررا لها.(2)
تقول نهى.ع، اسم مستعار، الباحثة الاجتماعية، لـ "ميدان": "هناك نظرة اجتماعية، قد تكون تاريخية، تتفق على تجريم المرأة لا لشيء سوى كونها امرأة، وبحكم تكوينها البيولوجي هذا، يُمكنك أن تُلقي عليها كامل اتهاماتك، وتُحمِّلها مسؤولية كل المُشكلات والأزمات، ومن هذا المنطلق يتعامل المجتمع مع قضية الزوجة الثانية، فلا بد أن تكون الزوجة الأولى هي المُخطئة لأنها لم تُلبِّ احتياجات زوجها ودفعته للبحث عن غيرها، أو تكون مُخطئة لأنها لم تصمت عند علمها بوجود زوجة ثانية، لم تقبل بالأمر لتحافظ على بيتها وزوجها، أو رُبما تكون الزوجة الثانية هي المُخطئة، فهي التي أدارت رأس الرجل وأمالته عن بيته وأولاده، خدعته، ضحكت عليه، سرقته، ولكن في ظل كل هذه الاتهامات التي تُوجَّه للمرأتين، ما مسؤولية الرجل في الأمر؟!".
تُضيف نهى قائلة: "لماذا يُصرّ المجتمع على تصوير الرجل في مظهر الطفل الذي يجري فقط وراء تلبية احتياجاته دون النظر والاهتمام باحتياجات أي طرف آخر؟ لماذا يُصوّر الرجل على أنه شخص قابل للخداع والتضليل؟! الحقيقة أن هذا مُجتمع يُحاول تبرئة الرجال بالطرق كافة، لكنه في سبيل تحقيق هذا فإنه يُشوِّه صورة الرجال بدلا من إبرازهم بوصفهم أشخاصا مسؤولين يعرفون ما يفعلونه، ويتحملون مسؤولية أفعالهم".
ترى نهى أنه يجب الكف عن إلقاء الاتهامات على طرف والتبرير للطرف الآخر، يجب أن يُعامَل الجميع بوصفهم أشخاصا ناضجين يعرفون ما يفعلونه، وعليهم أن يتحملوا مسؤولية اختياراتهم، كما عليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه بعضهم بعضا، فمن حق الزوج أن يُغير حياته ويبحث عمّا يُناسبه، ومن حق الزوجة الأولى أن تعلم بهذا وتتناقش وترفض الاستمرار أو تقبله، وتصل إلى اتفاق يُناسبها ويُناسب أطفالها إذا كان لديهما أطفال، ومن حق الزوجة الثانية أن تُعامَل زوجةً، فهي ليست شيطانة ولا امرأة من الدرجة الثانية، وإذا أراد المجتمع أن يمنع الزواج الثاني فليكن هذا بقانون، كما حدث في بعض المجتمعات مثل تونس.
فتونس هي الدولة العربية التي استطاعت أن تُحقِّقَ قفزة نوعية في قانون الزواج، إذ يَعتَبِرُ القانون التونسي الزواج الثاني جريمة يُعاقب عليها القانون، ففي مجلة الأحوال الشخصية في الفصل 18 الذى نص على عقاب كل مَن تزوّج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق بالسجن لمدة عام وبغرامة قدرها 240 ألف فرنك، أو بإحدى العقوبتين.
من ناحية أخرى، يؤكد القانون أنه إذا اكتشفت زوجة ما أن زوجها يعاشر امرأة أخرى، فبإمكانها رفع الأمر إلى السلطة الأمنية لأن ذلك يُمثِّل جريمة يقع تتبعها جزائيا، مع إبطال الزواج الثاني مَدنيا، وإذا استأنف أو استمرّ الزوجان على المعاشرة رغم التصريح بإبطال زواجهما يُعاقبان بالسجن مدة ستة أشهر.(3)
ويرى المتحمسون لتلك التعديلات أن الفصل 18 لا يتعارض مع الإسلام في منعه تعدد الزوجات، لأن الإسلام لم يفرض التعدد، وإنما وجد ظاهرة منتشرة بلغ فيها عدد الزوجات 20 زوجة، فعمل على تهذيبها وحددها في 4 زوجات. كما وضع شروطا يستحيل معها التعدد بنص هذه الآية "فإنْ خفتُمْ ألاّ تعدِلُوا فواحدةٌ" (النساء 4/3)، وهو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان.(4)
ووفقا لدار الإفتاء المصرية في الفتوى رقم 2621 على موقعها الإلكتروني حول تعدد الزوجات، فإن تعدُّد الزوجات كان شائعا بين العرب قبل الإسلام، وكذلك بين اليهود والفرس، ولا يزال اليهود يبيحونه إلى يومنا هذا، وكان هذا التعدد غير محدود بعدد، والظلم فيه شائعا، حتى جاء الإسلام بالحدِّ منه، ولم يأتِ بالتعدد ابتداء كما يظن بعض الناس؛ من ذلك أن غيلان بن سلمة الثقفي -رضي الله عنه- أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعا" أخرجه أحمد. فتعدُّد الزوجات في الشريعة الإسلامية ليس مقصودا لذاته، وليس هو الأصل، وإنما هو مباح بشروطه المسطورة في كتب الفقه.(5)
—————————————————————————-