إدارة الغضب.. لماذا نشعر به وكيف نسيطر عليه؟
أنت في متنزه مع الأطفال. الجميع يستمتعون بوقتهم، وفجأة ظهر كلب غريب. تنظر حولك فلا تقع عيناك على مالك له. ثم تراه يحدق في الأطفال. فينشط على الفور وضع المخاطر.
تقف متحفزا، ينصب كامل تركيزك على الكلب. تتسارع دقات قلبك، وتتكور قبضتك. ينطلق الكلب كالبرق، بأسنانه الحادة البراقة، فتقفز. أنت في وضع الدفاع عن حياتك، مفعم بالغضب والعنف. تصيح بشراسة، تركل وتضرب، أو تقبض على الكلب من طوق رقبته، لا يهمك إن حطمت فكه.
يعوي الكلب معلنا هزيمته ويلوذ بالفرار؛ بينما تقف أنت متحفزا أمام أطفالك. هذا النوع من الغضب والعدوانية هو الشق الأول من رد فعل "القتال أو الفرار". فرد الفعل الفسيولوجي هذا هو ما يهيئ أجسادنا لصد الخطر أو الفرار، وفقا لعلم النفس التطوري.
إنه جزء هام لبقاء الإنسان، إلا أن له تكلفة باهظة بالنسبة للبشر المعاصرين. فقد يكون للغضب، والعدوانية على وجه الخصوص، عواقب خطيرة عندما تتجسد في صورة عنف في الشارع، أو في المنزل، أو في مكان آخر من المجتمع.
الغضب واحد من المشاعر السبع العالمية، المشتركة بين الجنسين، والأعمار باختلافها، والثقافات، وفقا لبول إيكمان، الباحث الرائد في مجال المشاعر. فهو يقول إن الغضب قد ينتج عن تداخل أمر ما مع سعينا لتحقيق هدف يهمنا، أو عند تعاملنا مع خطر يهددنا، سواء جسديا أو نفسيا.
الغضب عجول -فكر في مصطلح "سريع الانفعال"-، يركز كل انتباهنا على الخطر، ويثير أجسادنا، فيبدأ عادة من المعدة، ثم يصعد إلى الوجه، ويدفعنا إلى تكوير قبضتنا. عندما يتزايد الغضب، تجري ترجمته على شكل صرخة، أو لكمة، أو ركلة.
باختصار، قد يكون الغضب قويا ومفيدا؛ فالشخص الغاضب يحصل عادة على مراده. لكن هل ستستمتع بصحبة شخص غاضب؟ أغلب الناس سيجيبون بالنفي، وهذه إحدى عواقب الغضب الرئيسة: كثيرا ما يكون للغضب أثر مدمر على العلاقات، ويتسبب في انعزال الشخص الغاضب، لذا فليس الغضب نفسه هو المشكلة؛ بل كيفية تحكمنا فيه والتعبير عنه!
لا يوجد تشخيص واضح لاضطراب متعلق بالغضب؛ لكن الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية يضم "الاضطراب الانفجاري المتقطع"، الذي يتسم بثورات سلوكية متكررة، تظهر فشلا في التحكم في الاندفاعات العدوانية. يؤثر ذلك على 7.3% من البشر في مرحلة ما من حياتهم، و3.9% خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة.
والغضب -رغم ذلك- عرض سريري منتشر، يظهر في مجموعة من المشاكل النفسية المختلفة، مثل الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب تعاطي المخدرات، وغيرها الكثير.
إذا بدأت تلحظ أنك كثير الانفعال، وتقوم بما تندم عليه لاحقا، وأن البعض يتحدثون عن سرعة غضبك، فربما تحتاج حينها إلى القيام بأمر ما. يمكنك البدء بالتحدث مع الممارس العام الذي تتعامل معه، ولتطلب إحالتك إلى طبيب نفسي إذا تطلب الأمر، أو يمكنك التوجه إلى أحدهم مباشرة.
يطرح على المرضى خلال جلسات علاج الغضب هذه الأسئلة:
ما هي أكبر المخاوف التي قد تمنعك من التخلي عن الغضب أو تقليصه بدرجة كبيرة؟
كانت إجابة الكثيرين على هذا السؤال هي الخوف من التعرض للأذى، أو الخوف من العجز عن حماية النفس، أو الخوف من وقوع مظلمة ما، وجميعها ردود متفهمة. لكن الغضب ليس هو العدوان. قد يقود الغضب إلى العدوانية، لكن بإمكاننا إذا شعرنا بالغضب أن نتقبله ونتفهمه بشيء من الحكمة، والقوة، والشجاعة، والحزم.
تتمتع برامج إدارة الغضب، الجماعية والفردية، التي يجريها الأطباء النفسيون، بنسبة نجاح جيدة. ولقد كشف تحليل تلوي لبرامج إدارة الغضب في 92 دراسة أن استراتيجيات العلاج السلوكي المعرفي تساعد في تقليص الغضب والعدوانية بدرجة كبيرة، كما تؤدي إلى زيادة السلوكيات الإيجابية.
كذلك يستخدم بعض الأطباء أسلوبا جديدا يدعى العلاج القائم على الشفقة (CFT)، ويختلف العلاج القائم على الشفقة عما سبقه بالتركيز على الطبيعة الخادعة التي تعمل بها أدمغتنا، التي قد تزج بنا في شتى أنواع القوالب والحلقات؛ لذا نحتاج أولا إلى فهم أدمغتنا وطريقة عملها؛ كي نتمكن من مساعدة أنفسنا بصورة أفضل عند ظهور الغضب، وذلك وفق منظور العلاج القائم على الشفقة.
قام راسل كولتس، الخبير في الغضب، بتطوير برنامج لإدارة الغضب يدعى القوة الحقيقية، اعتمد فيه على أسلوب العلاج القائم على الشفقة، وقد استعان بعدد من المسجونين لتقييم أداء البرنامج. والهدف من ذلك هو توجيه الشفقة إلى ذواتنا؛ مما يساعد المرء على الاسترخاء، والشعور بمزيد من الراحة، والتعامل مع الضغوط والمشاعر السلبية التي تغذي غضبنا بالطاقة.
تقدم الجمعية الأسترالية لعلم النفس بعض النصائح التي ستساعدك في إدارة غضبك متى ظهر خلال حياتك اليومية:
- قم بتحديد العوامل التي تثير غضبك، مثل البيئة والأشخاص.
- انتبه إلى رسائل التحذير التي يرسلها جسدك: خشونة في الكتفين، ودقات القلب المتسارعة، وسخونة الوجه.
- توصل إلى الاستراتيجية المناسبة لك. قد يتضمن ذلك التنفس البطيء، أو التخيل، أو تقييم أفكارك، أو استقطاع وقت للراحة، أو تغيير البيئة، أو الاستفادة من بعض مهارات الاسترخاء.
- تدرب على استراتيجيات الغضب الخاصة بك. تخيل نفسك في موقف يثير غضبك، واعتمد على إحدى مهاراتك.
لكن تذكر، ليست المشكلة في الغضب نفسه؛ بل المشكلة في طريقة إدارتنا للغضب والتعبير عنه. ولقد أحسن الدالاي لاما حين قال "البطل الحقيقي هو من يقهر غضبه".
==========================================
هذا المقال مترجم عن The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.