وليمة على أشجار الكريسماس.. الضريبة التي تدفعها البيئة لاحتفالنا بالأعياد
مَن منا لا يحب مواسم الأعياد وينتظرها بترقب وشغف؟ ترتبط الأعياد، على اختلافها، بفترات الإجازات والتجمعات العائلية والاسترخاء بعيدا عن العمل، مع فرص السفر ورؤية العالم أيضا. تُغرق مظاهر الاحتفالات الشوارع والمتاجر والبيوت، وتكتسي البلاد بالأجواء الحميمية. ولكن في ركن مظلم من المشهد، خلف أستار الأضواء الباهرة، تقبع البيئة، كيانا مظلوما لا يشارك العالم فرحته بالأعياد.
تعرف إلى بصماتك
هناك تكلفة لكل شيء، وأثر لكل خطوة نخطوها في حياتنا، وكل قرار نتخذه، بداية من ماذا نأكل، وكيف سنذهب إلى العمل، وإلى أين سنسافر، وصولا إلى كيف سنحتفل بالأعياد. هذا الأثر حقيقي وقابل للقياس ويُطلَق عليه البصمة الكربونية.
البصمة الكربونية (Carbon footprint) هي مؤشر لقياس انبعاث غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن الأنشطة البشرية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول، هذه الغازات قادرة على حبس الحرارة القادمة من الشمس داخل الغلاف الجوي لكوكب الأرض، ما يرفع بالتبعية متوسط درجة حرارة الكوكب، ويأتي في مقدمتها "ثاني أكسيد الكربون" الذي يخرج من الوقود الأحفوري (1). لكل فرد منا بصمة كربونية يتركها على طول الطريق، وتُقاس بوحدة طن/السنة، وفي المتوسط، فإن البصمة الكربونية للفرد تُقدَّر بـ 4 أطنان لكل سنة. هذا ليس رقما مثاليا بأي حال، إن كنا نرغب في تقليل الانبعاثات الكربونية بشكل أسرع للحفاظ على الاحترار العالمي تحت 2ْ مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، بحسب ما تنص عليه اتفاقية باريس.
الاحتفالات بالكريسماس في المنطقة العربية بالطبع لا تُضاهي مثيلاتها في باقي دول العالم، حيث 7 أيام من الاحتفالات في المملكة المتحدة وحدها ينتج عنها 650 كغم من الانبعاثات الكربونية لكل فرد، ما يعادل 1/6 البصمة الكربونية التي ينتجها الفرد في المتوسط خلال العام بأكمله، بحسب بحث في عام 2007 (2). ولكن لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، التي تُلزم 196 دولة مشارِكة بالحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن المصانع والأنشطة البشرية خلال العقد الحالي (3)، يجب الحد من البصمة الكربونية للفرد حول العالم إلى 2 طن/السنة.
لن ينجو الكوكب إلا بتضافر جهود كل دول العالم للوصول إلى الحد الأدنى من البصمة الكربونية للفرد، خاصة أن الدول الأكثر تضرُّرا من تبعات التغير المناخي كالجفاف والفيضانات والموجات الحارة هي الدول الأقل مساهمة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. دعونا نذكر هنا أن ما يحدث في منطقة واحدة سيمتد تأثيره لباقي العالم لا محالة.
لنتحدث عن الأشجار
هناك 140 مليون شجرة تُقطَع سنويا لأغراض الزينة في الكريسماس، وشجرة التنوب هي النوع المفضل بسبب شكلها المثلث المميز. قد تعتقد أن التوقف عن قطع الأشجار لاستخدامها في تزيين المنازل والمتاجر واستبدالها بالأشجار البلاستيكية التي يمكن إعادة استخدامها لعدة أعوام قادمة هو الحل الأمثل للحد من البصمة الكربونية لفترة الأعياد، ولكن الأرقام لها رأي آخر.
إذا قطعنا شجرة طولها متران من الغابة، وبعد انتهاء الاحتفالات حوَّلناها إلى قطع صغيرة من الخشب لحرقها واستخدامها في التدفئة، فإن البصمة الكربونية للشجرة الواحدة تساوي 3.5 كغم، ولكن إذا تخلصت من الشجرة نفسها في مكب النفايات، فإن بصمتها الكربونية ترتفع إلى 16 كغم. ولكن هذه الأرقام لا تُقارَن بما تُسبِّبه الأشجار الصناعية، فاستخدام شجرة مصنوعة من المعدن والبلاستيك بالحجم نفسه تحمل بصمة كربونية قدرها 40 كغم. نحن هنا نتحدث عن عدة خطوات من التصنيع والنقل والتوزيع، ولكلٍّ منها بصمة كربونية خاصة بها، لذا لا عجب أن تكون البصمة الكلية للشجرة الصناعية الواحدة أكثر من 10 أضعاف بصمة الشجرة الحقيقية.
حتى لو استطعت الحفاظ على الشجرة البلاستيكية لاستخدامها لعدة سنوات متتالية، فما زالت هناك مشكلتان؛ المشكلة الأولى أنه عليك استخدام الشجرة الصناعية نفسها لـ 12 سنة على التوالي لتُحقِّق بصمة كربونية أقل من قطع شجرة حقيقية سنويا (4). لا يبدو هذا حلا عمليا، خاصة لو وضعنا في الحسبان المشكلة الثانية، وهي التخلص من الأشجار الصناعية الذي يُمثِّل مشكلة بيئية في حد ذاته، لأن البلاستيك غير قابل للتحلل، وبعض أنواعه لا تقبل إعادة التدوير أيضا، إذن سينتهي المطاف بتلك الشجرة الصناعية في النهاية إلى مكب النفايات وستظل هناك للأبد.
لنأخذ الولايات المتحدة مثالا، تُباع 10 ملايين شجرة صناعية كل عام، 90% منها مستوردة من الصين، مما يعني أن هذه الأشجار تحمل البصمة الكربونية للسفن ثم السيارات التي استُخدمت في عملية نقلها من بلد المنشأ في أقصى الشرق وحتى الولايات المتحدة في الغرب (5). إذن، بمقارنة بسيطة يمكننا القول إن قطع 10 ملايين شجرة يحمل بصمة كربونية تُقدَّر بـ 3500 طن فقط، مقارنة بـ 400.000 طن ناتجة عن تصنيع 10 ملايين شجرة صناعية. كيفما نظرت إلى الأمر، ستجد أن قطع شجرة حقيقية واستخدامها في تزيين المنزل هو خيار أفضل للبيئة، لأنها قابلة لإعادة التدوير بالأساس.
بعد انتهاء الاحتفالات، يمكن استخدام الأشجار المقطوعة في صنع الأسمدة لزراعة أشجار ونباتات جديدة، أو استخدام أخشابها في التدفئة على سبيل المثال. على الجهة المقابلة، فالأشجار الصناعية مهما طال عمرها، لا مكان تذهب إليه في النهاية سوى مكب النفايات. تقطع الأشجار الحقيقية دورة حياة كاملة من النمو، ثم بعد أن تُزيّن البيوت والشوارع في الأعياد، يمكنها استكمال مهمتها في تسميد التربة من أجل نباتات جديدة، وهكذا.
حسنا، هذه بالطبع ليست دعوة لقطع الأشجار بشكل مطلق هكذا دون غرض، لكنها مجرد إشارة إلى أنه قد يكون الخيار الأفضل أحيانا، وربما يُحقِّق أيضا بعض المنافع في حالات بعينها. من منظور التنوع البيئي، فإن الأشجار الكثيفة في الغابات تمنع وصول ضوء الشمس إلى الأرض، مما يعوق نمو النباتات والحشائش القصيرة التي تتغذى عليها بعض أنواع الحيوانات، أو يعيش وسطها بعض الحشرات التي بالتالي تكون الغذاء الأساسي لبعض أنواع الطيور (6). لذا فإن القطع الممنهج لبعض الأشجار في الغابات ضروري، إنها دورة الحياة الفريدة المتكاملة، حيث تستفيد الغابات من وجود مناطق مفتوحة غير مغطاة بالأشجار تسمح بالتنوع البيولوجي، وتستفيد في الوقت نفسه بوجود الأشجار التي تجعل الهواء أنقى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تجارة الأشجار في الولايات المتحدة وأوروبا هي تجارة مُربحة ومستدامة. القرار الواعي بشراء شجرة حقيقية ربما يساعد المزارع المحلّية أن تزدهر، وفي مقابل كل شجرة تُقطَع تُزرَع 3 شتلات جديدة، وهكذا تستمر المساحات الخضراء في الازدهار (7). ويبقى الحل الأمثل للحصول على أعياد صديقة للبيئة هو استخدام أشجار طبيعية منزوعة من الجذور، بحيث يمكن إعادة زراعتها من جديد بعد انتهاء الأعياد، وإن لم يكن هذا ممكنا، فمجرد استخدام شجرة طبيعية ستكون صفقة رابحة للبيئة.
احترس من هدايا سانتا
يحتوي كوكب الأرض على ما يقرب من 3 تريليونات شجرة (التريليون هو رقم مكون من 12 صفرا)، لو اقتصر الأمر على قطع أشجار الكريسماس فحسب، فإن الضرر الناتج لن يكون ذا خطورة كبيرة، ولكن ماذا عن الأشجار التي تُقطَع لتصنيع بطاقات التهنئة وأوراق تغليف الهدايا؟
تستهلك المملكة المتحدة وحدها ما يقرب من المليار بطاقة تهنئة كل عام، يتطلب الأمر قطع 33 مليون شجرة لصناعة هذا الكم من البطاقات. إذا ما جمعنا ما يُرسَل من بطاقات معايدة خلال فترة الكريسماس، في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة فحسب، فسيصل العدد إلى 5.6 مليارات بطاقة كل عام. هذا العدد من البطاقات يكفي لملء 3 ملاعب كرة قدم بالبطاقات المكدسة فوق بعضها حتى ارتفاع مبنى من 10 طوابق! (8)
قد لا يكون الأمر بهذا السوء إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تُعيدان تدوير مخلفات الورق بنسبة 69% و79% على التوالي. ولكن تبقى العملية الأصلية لقطع الأشجار وتصنيع الورق وطباعته ونقله وتوزيعه ذات بصمة كربونية لا تُمحى، خاصة إذا علمنا أن تصنيع كيلوغرام واحد من الورق يحمل بصمة كربونية قدرها 3.5 كغم. لو جُمِعت أوراق تغليف الهدايا التي تُستخدم في المملكة المتحدة وحدها، ومُدَّت في شريط طويل، فسيكون كافيا لإحاطة الكرة الأرضية 9 مرات عند خط الاستواء! هذا يساوي 365000 كيلومتر من أوراق تغليف الهدايا!
الأعياد مليئة بالتفاصيل الصغيرة، تتساوى في ذلك أعياد الميلاد وعيد الحب وأعياد الزواج وحتى عيدا الفطر والأضحى ورمضان، والشيء المشترك بينها جميعا هو الأجهزة والألعاب الإلكترونية وحتى العرائس المحشوة العاملة بالبطاريات التي تُصدر الأغاني عند لمسها. قد تبدو البطاريات غير مؤذية، ولكن يُتخلَّص من البطاريات غير القابلة لإعادة الاستخدام بالملايين كل عام، ويزداد استهلاك هذه البطاريات في فترات الأعياد بالذات.
البطاريات المُلقاة في مكبات النفايات تتحلل وتتسرب منها المكونات السامة، مثل الكادميوم (يُستخدم أيضا في الدهانات)، والرصاص (يُستخدم أيضا في صناعة الأثقال وطلاء المعادن)، والنيكل (يُستخدم في صناعة الستانلس ستيل)، والليثيوم (يُستخدم في صناعة بطاريات الهواتف والحواسيب المحمولة وبطاريات ألعاب الأطفال)، إلى التربة والمياه الجوفية والمحيطات. هذه المركبات سامة للبيئة البحرية من نباتات وأسماك، وأيضا للبشر. على سبيل المثال، يترسب الكادميوم في المياه وتمتصه بعض أنواع النباتات القابلة للأكل والأسماك أيضا، مما يدرجه في السلسلة الغذائية للإنسان. يُعَدُّ الكادميوم من المركبات السامة التي تؤثر على الجهاز التنفسي والكلى والعظام، بالإضافة إلى أنه من المواد المسبِّبة للسرطان (9).
أضف إلى ذلك الضريبة البيئية الخاصة بالهدايا التي يُوزِّعها بابا نويل على الأطفال، ويجدونها في صباح العيد تحت شجرة عيد الميلاد. في مكان ما من دول جنوب شرق آسيا، حيث تكلفة العمالة والتصنيع أقل بكثير، والشروط والقيود البيئية كذلك، تبدأ أولى مراحل تصنيع اللعبة باستخراج النفط الخام، ثم تسخينه وفصله إلى المكونات التي تُستخدم في صناعة البلاستيك، وفي مصنع آخر يُصبَغ البلاستيك وتُصنَّع الأجزاء المكوِّنة للعبة، ولتكن سيارة بلاستيكية عادية.
قد تُجمَّع أجزاء السيارة فعليا في مصنع ثالث، لذا، رغم أنه من الصعب للغاية حساب القيمة الحقيقية للانبعاثات الكربونية الناتجة من تصنيع سيارة بلاستيكية واحدة، فإننا يمكننا فقط أن نتخيل تكلفة تشغيل هذه المصانع، وسيارات النقل بينها، ثم تكلفة تغليف هذه الألعاب بالورق المقوى أو البلاستيك، باﻹضافة إلى تكلفة شحنها إلى مختلف المتاجر حول العالم. دعنا نضع في الاعتبار أيضا أن الكثير من هدايا الأعياد تكون غير ضرورية أو غير ذات قيمة حقيقية، ويُتخلَّص منها بعد الأعياد، فيمكننا إضافة التكلفة المادية الفادحة للألعاب والهدايا، بالإضافة إلى ملايين الأطنان من النفايات غير القابلة للتحلل أو إعادة التدوير.
هناك طعام للجميع
فلنضع الهدايا والزينة جانبا ونلقي نظرة على مائدة الطعام. في الأوقات العادية، تُقدَّر نسبة الطعام المُهدَر على مستوى العالم بثلث كمية الطعام الذي يُنتَج في المجمل. تتنوع أسباب هدر الطعام، بين شراء وطهي كميات طعام أكثر من اللازم، أو تقديم الطعام بكميات كبيرة، أو سوء تخزين الطعام الذي يؤدي إلى فساده قبل استهلاكه. يزداد الأمر سوءا في فترات الأعياد، حيث يُنفق الناس أكثر على الطعام، في المملكة المتحدة وحدها، يستهلك الفرد الطعام أكثر بنسبة 80% خلال الأعياد، ولا يضع الناس في الحسبان عدم وجود أماكن كافية لتخزين الطعام الفائض.
المشكلة التي يُسبِّبها هدر الطعام لا تقتصر على التوابع الاقتصادية، أو على حرمان الشعوب تحت خط الفقر من التغذية التي يستحقونها، حيث تمتلك الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة ضِعفَيْ كمية الطعام التي يحتاجون إليها لإطعام شعوبهم بالفعل. لو كان هدر الطعام "دولة"، كانت ستأتي في المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والصين من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. تتمثَّل المشكلة هنا في الرحلة التي يقطعها الطعام من بداية زراعته وتصنيعه وتغليفه، وصولا إلى إلقاء الفائض منه في القمامة. تُنتج صناعة الطعام في الولايات المتحدة 14% من مجموع غازات الاحتباس الحراري الخاصة في البلاد، بينما يتسبَّب تحلُّل الطعام في مكبات النفايات في 25% من مجموع انبعاثات غاز الميثان (10).
يُشكِّل غاز الميثان خطورة بيئية لا يُستهان بها، لأنه رغم أن نسبته لا تتجاوز 16% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن النشاط البشري، مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُشكِّل 65%، فإن التأثير الاحتراري لجزيء الميثان الواحد يعادل 28 جزيئا من غاز ثاني أكسيد الكربون، أي إن له قدرة أعلى على التسبُّب في الاحتباس الحراري (11).
تذكَرة لرؤية عائلتي لو سمحت
لو كنت تفكر في السفر إلى أي مكان في العالم في الأسابيع الأخيرة من العام، فكِّر مرة أخرى. في هذا الموسم تحديدا، ترتفع أسعار تذاكر الطيران لأكثر من 50% بسبب الإقبال الشديد على الطيران. الكريسماس من الأعياد التي يُحتَفل بها على مستوى العالم، ويشمل عادة تجمّعات الأسرة والأصدقاء، الذين في كثير من الأحيان لا يعيشون في المكان نفسه، وقد تفصلهم آلاف الأميال، لذا يكون الإقبال على السفر عموما، وبالطائرات خصوصا، شديدا للغاية في هذه الفترات. لكن هل يمكن لحركة الطيران أن تُسبِّب كارثة بيئية هي الأخرى؟
تُشير الأرقام إلى أن الطيران في العموم يساهم بنسبة 3.5% فقط في الاحتباس الحراري، وبنسبة 2.5% فقط من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (12). وإذا ما قارنّا الطائرات بوسائل النقل البري، فسنجد أن الطائرات مسؤولة فقط عن 12% من مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في مقابل 74% للنقل البري (13). إذن على عكس ما يبدو، فإن الخطر الأكبر حقيقة يصدر عن السفر البري خاصة بالسيارات، وهي وسيلة النقل الأكثر انتشارا وتوفيرا للنفقات على مستوى العالم، بالإضافة إلى القطارات والحافلات، ولكن هذه الطرق ليست الأكثر لطفا بالبيئة على ما يبدو.
في الولايات المتحدة وحدها، يُقدَّر عدد المسافرين بريا خلال فترة الأعياد بـ 100 مليون مواطن، يُنتج كل فرد منهم ما قيمته 96 كغم من ثاني أكسيد الكربون، لذا تُصدر الولايات المتحدة وحدها 96000 طن من الانبعاثات في فترة الأعياد فحسب. تعود هذه الأرقام لدراسة من عام 2007، مما يعني أن الأرقام في وقتنا الحالي ربما تكون قد تضاعفت إلى حدٍّ مرعب (14). ولكن لعل عام 2021 سيكون مختلفا بفضل القيود المحيطة بالسفر الجوي نتيجة انتشار المتحور أوميكرون من فيروس "كوفيد-19″، باﻹضافة إلى إعادة إغلاق أماكن السياحة والترفيه في العديد من الدول الأوروبية على خلفية الارتفاع الأخير في أعداد الحالات، كل هذا قد يحد من حركة السفر هذا العام، وبالتالي من الانبعاثات الكربونية الناتجة عنه.
يا لها من أضواء ساطعة
في فترة الأعياد يتغير شكل كل شيء، المنازل من الداخل والخارج، المدارس والجامعات، مراكز التسوق وحتى متاجر البقالة، كلها تتزيَّن بمجسمات بابا نويل العملاقة، وأشجار الكريسماس المزدانة بالكرات الملونة اللامعة، وآلاف الأمتار من عناقيد النور الملونة تُضيء كل شيء بوهج مبهج يسر العينين. تُقدَّر نسبة الانبعاثات الناتجة عن الإضاءة وحدها بنحو 5% من مجموع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم كله، وذلك في حالة استخدام المصابيح التقليدية. بحسب شركة "أركاديا" (Arcadia) التي تهدف لمحاربة التغير المناخي، فإن الولايات المتحدة وحدها تُنتج ما قدره مليونا طن من ثاني أكسيد الكربون لتشغيل الإضاءات في فترة الكريسماس فقط (15).
قد لا نمتلك بيانات تفصيلية عن البصمة الكربونية التي تُحدثها كل دولة على حِدَة أثناء فترة الكريسماس، فهذا يعتمد على الكثير من العوامل مثل عدد السكان وتقاليد كل بلد ومظاهر الاحتفالات التي قد تتشابه وتختلف تبعا للمنطقة. ولكن بالنظر إلى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 300 مليون مواطن، وهي دولة تحتفل بالكريسماس على نطاق واسع للغاية، يمكننا أن نتخيل فقط ما تعنيه هذه الأرقام عندما عُمِّمت على مستوى العالم.
بقليل من البحث، يمكننا تتبُّع كل الأنشطة البشرية الممكنة في العصر الحالي إلى الوقود الأحفوري، وهو السبب الأساسي لوجود بصمة كربونية لكل الأنشطة والمنتجات على وجه الأرض. البترول متأصل في كل مراحل التصنيع والنقل والتوزيع، بل وأحيانا في تركيب المنتج نفسه (كل البلاستيك على وجه الأرض مصنوع من مشتقات البترول). ذهابك لشراء المنتجات، سواء كانت منتجات ضرورية مثل الطعام والدواء أو منتجات ترفيهية، يستهلك وقودا إضافيا، إضاءة منزلك وتشغيل ثلاجتك ومشاهدتك للتلفاز تستهلك الكهرباء التي يُولَّد جزء كبير منها من الوقود الأحفوري.
إذا نظرنا من كثب إلى كل مظاهر الاحتفال بالكريسماس التي تحمل ضريبة بيئية مرتفعة، فسنجد أن وسائل النقل هي العامل المشترك بينها جميعا، وهذا يقود في النهاية إلى العدو الأكبر للبيئة منذ الثورة الصناعية وهو البترول ومشتقاته. بحسب وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA)، فإن غاز ثاني أكسيد الكربون وحده زاد في الغلاف الجوي بنسبة 46% خلال القرون الثلاثة الماضية فحسب، أي منذ الثورة الصناعية في القرن السابع عشر (16) حين اكتُشِف الوقود الأحفوري واستُخدِم هو ومشتقاته في تشغيل المصانع ووسائل النقل.
يتجه العالم في السنوات الأخيرة نحو الخيارات الصديقة للبيئة التي تتبنى تكنولوجيا تساعد على تقليص البصمة الكربونية لكل قطاعات الصناعة والحياة في العموم. ولكن هذا لا يعني أن المسؤولية تقع على الحكومات والمؤسسات فقط، بل إن المجهودات الفردية للحد من البصمة الكربونية ستؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج لا بأس بها. في أثناء احتفالك بالأعياد، أيًّا كانت سواء الكريسماس أو حتى في أعيادنا الإسلامية كعيد الفطر وعيد الأضحى وشهر رمضان كذلك الذي تعتبره المجتمعات العربية عيدا لمدة شهر تنشط فيه الزيارات والولائم وغيرها من الطقوس الاجتماعية، اختر الطبيعة على حساب البلاستيك، اختر الهدايا ذات القيمة الحقيقية، ولا تشترِ طعاما لا تحتاج إليه، وستكون أدَّيت جزءا من واجبك نحو البيئة.
———————————————————————————————-
المصادر
- What is a carbon footprint? | Carbon Footprint Calculator
- What is the environmental footprint of Christmas?
- The Paris Agreement
- What is the environmental footprint of Christmas?
- Real vs. Fake – Which Christmas tree is better for the environment?
- Why cutting trees isn’t always a bad thing
- Real vs. Fake – Which Christmas tree is better for the environment?
- What is the environmental footprint of Christmas?
- STRUCTURE OF MERCURY PAPER
- Facts: Uncovering the global food scandal | ThinkEatSave
- Guest post: A new way to assess ‘global warming potential’ of short-lived pollutants
- Climate change and flying: what share of global CO2 emissions come from aviation?
- Facts & figures
- The Carbon Cost of Christmas
- The Energy To Light Christmas
- Climate Change Indicators: Atmospheric Concentrations of Greenhouse Gases | US EPA