شعار قسم ميدان

ملاذنا اليومي.. كيف تصمم غرفة نومك لتكون قبلة للراحة والاسترخاء

"حين تُصاب بالأرق، فإنك لا تكون مستيقظا تماما ولا نائما تماما"

هكذا يخبرنا الراوي في فيلم "نادي القتال"، يبدع الفيلم في تصوير عالم البطل مجهول الاسم المصاب بالأرق والحرمان من النوم، عالم باهت الألوان، الأصوات فيه كرجع الصدى لا تكاد تُسمع، تطوف فيه الأفكار بلا قرار، ولا يكاد المرء يميز فيه الواقع من الحلم. في عالمنا اليوم، عالم الشاشات المضاءة التي تقتحم غرف نومنا واللحظات الفاصلة بين الحلم واليقظة، يعاني أكثر من 50% من سكان العالم من الأرق الذي يصل بهم في بعض الحالات النادرة إلى الوفاة.(1)

 

مع تقدُّم الأبحاث العلمية عن النوم وفوائده الجسدية والذهنية والإنتاجية، أصبح النوم على رأس قائمة اهتمامات الناس، وظهرت مع بداية القرن العشرين وسائل تُعين على النوم، فهرع السوق وفي إثره الصناعة لمواكبة هذه الثورة عبر توفير كل الوسائل الممكنة لنوم مريح، وأصبحت وسائل الإعلام السائدة والصحف والمواقع لا تخلو من حديث يومي عن فوائد النوم، فظهرت أنواع كثيرة من الأَسِرَّة والمراتب والوسائد، وظهرت التطبيقات والوسائل التكنولوجية المعينة على النوم وعلى مراقبته، كما ظهرت مهنة مدربي النوم الذين يساعدون الناس على التخلص من الأرق والتنعم بنوم مريح. وفي ظل ثورة النوم الحديثة هذه، وفي عصر أصبحت فيه البشرية قادرة على أن تنعم بنوم وافر ومريح أكثر من أي وقت مضى، بات من الضروري أن تواكب غرف النوم في تصميمها وأثاثها هذه الثورة.(2)(3)

 

عنوان ميدان (الجزيرة)

غرفة نوم مريحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

إن سعينا المحموم نحو إحكام قبضتنا على كل سبل الراحة الممكنة وكل الوسائل التي تمدنا بشعور واهم بأننا نعيش أقصى درجات الرفاهية يجعلنا في كثير من الأحيان نحيد عن جوهر الأشياء ونُفقِد الأماكن خصوصيتها الكامنة في الحفاظ على البساطة. ينسى معظمنا مهمة غرفة النوم الأساسية، فيُثقل هذا الفضاء الحساس بمهام لم يُخلق لها، فيفقد دوره الرئيسي في أن يكون ملاذنا للاسترخاء والمكان الذي ننفض فيه تعب يومنا وننعم فيه بقسط كافٍ من النوم، ليتحول إلى غرفة نحاول أن نستدرك فيها كل ما فاتنا طيلة النهار، فنحولها إلى مكان يعج بالمنبهات التي تقض مضجعنا أو تجعلنا ننام نوما متقطعا في أفضل الحالات بعدما كانت مهمة هذا الفضاء الأساسية هي رسم الحد الفاصل بين الليل والنهار والراحة والعناء.

 

عنوان ميدان (الجزيرة)

يلعب الضوء دورا حاسما في عملية النوم، فهو الخط الفاصل بين الليل والنهار، والحافز الذي يُحيي مشاعر اليقظة ويُجدِّد الطاقة، والعلامة التي تُعلن عن انتهاء وقت الراحة وبدء وقت الجد والعمل، ومنه يستمد الظلام ضرورة حضوره حتى تكتمل عملية النوم. إن انعدام الضوء يرسل إشارة مهمة إلى الجسم بأن الوقت قد حان للاسترخاء، فيبدأ الجسم في إفراز هرمون الميلاتونين الذي يساعد على النوم من خلال إرسال إشارة إلى الدماغ بأن وقت الراحة قد حان. تساعد هذه الإشارة في بدء استعدادات الجسم الفسيولوجية للنوم، حيث تبدأ العضلات في الاسترخاء ويزداد الشعور بالنعاس. ترتفع مستويات الميلاتونين بشكل طبيعي عندما ينسدل الظلام، وتستمر في الارتفاع حتى تبلغ ذروتها في نحو الساعة 3 صباحا، ثم تنخفض في الصباح الباكر وتبقى منخفضة معظم اليوم. لهذا يؤدي التعرض للضوء خلال المساء إلى إبقاء معدل الميلاتونين منخفضا، مما يؤخر دخول الجسم في عملية النوم ويؤخر النوم كذلك.

 

من هنا تنبع أهمية اختيار ضوء غرفة النوم، لأن إضاءة هذا الوسط الحساس قد تؤثر كثيرا على قدرتك على النوم إذا لم تسر وفق خطة مُحكمة تضمن لك إضاءة مثالية. إن فهم عملية قياس الضوء يمكن أن يساعدك في إضاءة غرفة نومك بشكل ناجح أكثر، وسيضمن لك تحسين جودة نومك. وحتى تنجز هذه المهمة بسلاسة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار قوة سطوع الضوء وكثافته في الوسط.

غرفة نوم مريحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

في مرافق المنزل الأخرى عادة ما تتراوح درجة كثافة الضوء بين 300-500 درجة، لكن الحفاظ على المعدل داخل غرفة نومك سيؤثر حتما على قابليتك للنوم، لذلك من المهم أن تسعى إلى إبقاء كثافة الضوء في غرفتك أقل من 180 درجة، يضمن لك هذا المستوى الحفاظ على انتباهك للقيام بالأنشطة التي ترغب في القيام بها ما قبل النوم، لكنه لن يعرقل في الوقت نفسه تقدم جسمك نحو النوم والشعور بالنعاس.

 

يجب عليك كذلك أن تضع في اعتبارك عند اختيار إضاءة غرف نومك حجم الغرفة وارتفاع السقف فيها مع أخذ القياسات الدقيقة. سيُعينك هذا الأمر في تحديد أنواع وأحجام مصابيح الإضاءة التي تناسب حجم غرفتك. كما يجب أن تكون الإضاءة هادئة وحميمية وغير قوية حتى تساعدك على تنظيم أوقات نومك. ولخلق جو هادئ ودافئ وحميمي ليلا سيكون عليك الابتعاد عن مصادر الضوء الأبيض البارد واختيار الأبيض الأقرب للصفرة. استعن بمصادر داخلية للإضاءة في خزانتك أو فوق أدراجك، لتستخدمها عند الحاجة إليها دون أن تكون مضطرا لاختيار ضوء أكثر سطوعا أو أكثر كثافة.(4)

 

عنوان ميدان (الجزيرة)

إن كان الضوء مفتاح دخولك إلى عالم النوم فإن السرير هو الباب حتما، يعيش الكثير من الناس كابوسا حقيقيا عندما يتعلق الأمر باختيار المرتبة التي سينامون عليها، ويصابون بالحيرة لعدم درايتهم بالمعايير التي يجب أن يعتمدوها عند شراء المراتب، يخضع الأمر في أحيان كثيرة إلى مزاجنا ومعايير راحتنا المختلفة، لكن بالرغم من كل هذا يظل وجود نقاط يتفق عليها الجميع بمنزلة دليل يُسهِّل علينا جميعا إنجاز هذه المهمة.

غرفة نوم مريحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

إن أول شيء يجب أن يتوفر في المرتبة التي سترافقك في رحلات نومك هي قدرتها على تقليل الضغط عند النقاط المهمة مثل ظهرك أو الجزء السفلي من جسمك أو كتفيك، حتى تنعم بنوم مريح ولا تستيقظ بآلام في الظهر أو تشنجات. تساعدنا وضعية النوم عادة في تحديد نوع المراتب المناسب لنا، فإن كنت شخصا ينام على ظهره مثلا فمن المؤكد أنك في حاجة إلى مرتبة توزّع الوزن بالتساوي حتى لا يكون الضغط كله على الظهر فقط، في الوقت الذي يُفضَّل فيه اختيار مرتبة مريحة ومتينة كفاية لتمنح الجسم الدعم المناسب وترفع الوزن من على العمود الفقري والمفاصل إذا كنت تنام على أحد جانبيك.

 

لا توجد مرتبة تناسب الجميع حتما، لكن مراتب الإسفنج الصلب المرن، المعروفة باسم (memory foam mattresses or the Tempur-Pedic type mattresses) تتلاءم مع شكل الجسم، وإذا كنت قلقا من أن يكون الإسفنج المعروف بارتفاع حرارته شديد الحرارة أثناء النوم خصوصا في الصيف، فإن مراتب "Tempur-Pedic" مصنوعة من مادة تحتفظ بالبرودة وتزيح عنك هم التفكير في الحرارة. يجب أن تأخذ حجم السرير والمرتبة كذلك بعين الاعتبار، فلا يمكن أن تنعم بنوم هانئ عندما تقضي لياليك الطوال معلقا رجلك في الهواء، أو نصف متيقظ مخافة من السقوط من سريرك صغير المساحة.(5)

 

عنوان ميدان (الجزيرة)

تؤثر الألوان على مزاجنا، وعلى قدرتنا على النوم، لذلك يجب أن تكون رحلة اختيار ألوان غرفة نومك رحلة مدروسة، لأن اختيار اللون الخاطئ قد يُكلِّفك ليالي أرق طويلة. لهذا فإن خلق مساحة متناغمة ومريحة تشعرك بالهدوء والراحة والاسترخاء أمر مهم جدا ويجعل الإقدام على النوم خطوة تالية منطقية. اختر الألوان الفاتحة والهادئة الباستيل والدرجات الخافتة لجدران غرفتك لتجنبك مشاعر القلق والغضب التي قد تقض مضجعك وتخلق حاجزا بينك وبين النوم.

غرفة نوم مريحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

تجنب اختيار الألوان البراقة والدرجات الساطعة التي قد تعُزِّز شعور اليقظة بدلا من الشعور بالاسترخاء. احرص كذلك على أن تكون ألوان الأثاث والفرش متناغمة مع ألوان غرفة نومك، لأن الألوان المتناقضة تحفز عينيك وعقلك وتوقظهما. يساعد اللون الأزرق البارد على تعزيز الشعور بالهدوء والاسترخاء أكثر من أي لون آخر، ويرتبط بالهدوء والاتساع والحرية. يؤثر اللون الأزرق بشكل إيجابي على عقل وجسم الإنسان، ويساعد على الشعور بالراحة، ويحفز الدماغ لإنتاج مواد كيميائية تبعث على الهدوء والسكينة، كما يساعد على خلق التوازن. لكن إن لم تكن من محبي اللون الأزرق يمكنك اختيار درجات الأخضر الناعمة أو الفضي أو البرتقالي الدافئ.(6)

 

عنوان ميدان (الجزيرة)

 

غرفة نوم مريحة (مواقع التواصل الاجتماعي)

لا يقلّ اختبار الملاءات أهمية عن كل ما ذُكر سابقا لتحسين جودة النوم، وللاستمتاع بقدر نعومة كافٍ لا بد أن نُحسن اختيار الملاءة المناسبة. إذا كنت ترغب في خامات متينة ناعمة قادرة على التحمل يُفضَّل أن تختار شراشف مصنوعة من القطن، ويفضل أن تختارها مصنوعة من القطن المصري الرفيع. يمكنك اختيار الحرير لنعومة فائقة، لكن يجب أن تستعد لأن توليها اهتماما خاصا نظرا لضعف نسيجها، في فصل الصيف ينصح بالابتعاد عن الألياف الصناعية لأنها تحبس الحرارة فلا تناسب فصل الصيف والجو الدافئ، وينصح باعتماد الشراشف القطنية لأنها مريحة أكثر في الصيف. يجب الحرص على اختيار خامات ناعمة وطبيعية وكن حريصا على غسل ملاءاتك دوريا بمنظفات خالية من الروائح والعطور لتجنب حساسية البشرة. كذلك فإن رشات خفيفة من معطر اللافندر على الملاءات تساعدك على الاسترخاء والدخول في النوم بشكل أفضل، لما للافندر من تأثير مهدّئ ومريح.(7)(8)

________________________________________________

المصادر

  1. Insomnia Statistics: The Rise In This (Frightening) Epidemic
  2. How Ancient Humans Slept Before Electricity – Full History Guide
  3. A brief history of sleep
  4. Darkness Matters – How Light Affects Sleep
  5. Better Sleep Guide
  6. Best bedroom colors for sleep
  7. How to Choose the Best Bed Sheets
  8. Place Advantage: Applied Psychology for Interior Architecture