شعار قسم ميدان

"الفنغ شوي".. كيف تحول بيتك إلى واحة استجمام؟ نصائح الحكمة الصينية لمنزل رائع

ميدان - فنغ شوي 111 تصميم

لعل أول ما تفعله عندما تصل إلى البيت بعد يوم عمل شاق، وبعد نجاتك من ملحمة الزحام في طريقك إلى المنزل، هو أن تضع حذاءك بعناية في الرف المخصص له في الممر الذي يفصل الباب عن غرفة المعيشة والذي يجعل الممر أضيق مما هو عليه؛ تتعثر في الأريكة التي قضيت وقتا طويلا في اختيار مكانها لكي تواجه التلفاز، إلا أن وضعها هكذا يزعجك دائما حين رؤيتها، تدخل غرفتك المكدسة بالأشياء لتزيدها تكديسا بملابسك التي تلقيها على السرير دون اكتراث، تجلس إلى مكتبك الذي تراكمت عليه أكوام الأوراق المهمة والفواتير، تلمح ملاحظة تركتها زوجتك تخبرك فيها أنها اصطحبت الأطفال للتنزه وأن بإمكانك تسخين طعامك المثلج في البراد. تبدو لك حياتك دائرة مفرغة تجد نفسك دائما في النقطة نفسها التي بدأت منها على المستوى المهني والأسري والعاطفي، تشعر بالاغتراب والوحدة وتملأ هذا الفراغ بشراء الكثير من الأشياء التي لا تحتاج إليها حقا لكنك تبحث في ثناياها عما يلهيك عن هذا الشعور.

 

تبدو الفقرة السابقة موجزا لتراجيديا الإنسان الحديث الذي يفعل كل ما يعتقد أنه صائب لكنه يضل طريقه في النهاية، وهو ما عبّرت عنه المدونة الأميركية إيما جونسون حين حكت قصة تعثرها. ما يبعث على الإثارة في قصتها أن بدايتها مألوفة لكل قارئ جاوز فورة المراهقة وريعان الشباب ورغب في تحقيق حياة مستقرة يجلب فيها طعاما إلى الطاولة ويكون سندا لأبنائه ويجد حبا يكون سندا له. لكن إيما في معمعة هذه الحياة متسارعة الإيقاع تجد من يلقي لها حبل نجاة إذ يخبرها عن فلسفة قديمة ونمط حياة أبدعه قدماء عاشوا عند مطلع الشمس في الصين القديمة يسمى "فنغ شوي" (Feng Shui).

 

"تخففي إيما.."، هكذا أخبرتها المستشارة التي لجأت إليها لتخوض غمار هذه الفلسفة، "…سيري مع التيار واشعري بالتناغم ولا تفارقي الضوء وألقي عن عاتقك عبء الذاكرة". وبعد جلسة لم تتجاوز بضع ساعات شعرت إيما أن الأوقات التي قضاها أسلافنا في تأمل العالم والبحث في أسراره والطاقات التي تسيره لم تكن عبثا، وأن الحداثة ربما جانبت الصواب حين جافت هذه الحكمة القديمة. (1)

  

إن بنيت منزلا في مكان ذي طاقة إيجابية نالك منها نصيب في نفسك وصحتك، وإن لم تفعل فلن تسلم من تأثير الطاقة السلبية على حياتك وسعادتك
إن بنيت منزلا في مكان ذي طاقة إيجابية نالك منها نصيب في نفسك وصحتك، وإن لم تفعل فلن تسلم من تأثير الطاقة السلبية على حياتك وسعادتك
  
الفنغ شوي.. التناغم والسلام النفسي في منزلك

أول ما يتبادر إلى ذهن المرء حين يقرأ كلمتي الفلسفة والصين هي الحكم الغامضة غير المفهومة وصورة الرهبنة والتدين الكونفشيوسي، لكن الفينغ شوي على خلاف ذلك نهج عملي للغاية، إنه ليس دينا، بل ممارسة نمت وترعرعت في الصين القديمة وارتبطت باختيار الإنسان لمكان مسكنه وتصميمه وترتيب غرفه وأشيائه، وهي تعني حرفيا "الريح والماء" وتدل على التناغم مع المحيط.

 

تكمن المفارقة أن هذه التقاليد التي بدأت في الصين قبل 5000 عام لاختيار أماكن دفن الموتى، والتي كانت تحظى باحترام وتقدير كبيرين حينها، مرت بتحولات عديدة عبر آلاف السنين لتصبح اليوم ممارسة تبشر بالصحة والثروة والازدهار. وتقوم هذه الممارسة على مبدأ وهدف، أما المبدأ فهو أن كل الظواهر الاجتماعية والنفسية والروحية للإنسان تتأثر بمحيطه وتعتمد عليه، وأما الهدف فهو الوصول لأقصى قدر من التناغم مع هذا المحيط بغرض تحقيق السلام النفسي والاجتماعي والازدهار المادي.

 

كل الأشياء إذن في الفنغ شوي مرتبطة بطاقة "التشي" التي تلف الكون، فإن بنيت منزلا في مكان ذي طاقة إيجابية نالك منها نصيب في نفسك وصحتك، وإن لم تفعل فلن تسلم من تأثير الطاقة السلبية على حياتك وسعادتك. ولأن هذه الطاقة غير مرئية بالضرورة ولا يمكن قياسها فإن أرباب العلم الغربي يعتبرونها من خرافات الماضي وأخرجوها من حرم العلم الحديث. لكنّ مريدي الفنغ شوي وممارسيها يرون هذه الطاقة ويشعرون بها عبر أربع علامات رئيسية، هي:    

التخفف أو التكديس، فالمكان المكدس بالأشياء دليل على الطاقة السلبية، أما الخفة والبساطة فهي مرتع الطاقة الإيجابية. ثم التناغم والانتظام، فحين تتخذ الأشياء مواضع عشوائية ومخالفة فهي تعيق تدفق الطاقة وسيرها وتحدث فيها الاضطراب والخلل، أما حين تنتظم وتنسجم تسمح بمرور الطاقة الإيجابية وتدفقها. أما ثالث الدلائل فهي الإضاءة، فالنور سليل الطاقة الإيجابية والعتمة عدوتها. أما رابعا فهي حبائل الذاكرة، فكلما شمل المحيط أشياء تذكر بالماضي وتبعثه من رقاده كانت عبئا على عاتق الإنسان تثقله وتمنعه من السير قدما. (2)

 

في كنف الفنغ شوي.. بيتك واحة!

إن اخترت أن تسلك درب الفنغ شوي في تأثيث منزلك وإعادة ترتيبه، فلن تفرض عليك الخطوات الأولى رمي كل الأثاث الذي قضيت سنوات في اختياره قطعة قطعة أو بيع بيتك والسير ببوصلة تقودك إلى منبع طاقات الراحة والاستجمام، بل كل ما عليك فعله هو اتباع خطوات بسيطة ونصائح ستجعل من بيتك وسطا هادئا ومريحا خاليا من كل المؤثرات التي تقلق راحتك.

 

المدخل.. عنوان البيت

مدخل البيت ليس مكانا هامشيا، بل هو الجزء الذي يودعك قبل خروجك لمواجهة العالم بعيدا عن الهدوء الذي يوفره لك بيتك، ويستقبلك عند عودتك من يوم شاق مليء بالضغوط ليخبرك أنك نجوت أخيرا وبإمكانك الحصول على لحظة صفاء بعيدا عن زحام المواصلات وضوضاء الشارع، والأهم من ذلك أن المدخل هو المكان الذي تنتشر منه الطاقة في كل أنحاء البيت.

 

لتحصل على مدخل يمتثل لمعايير فلسفة الفنغ شوي تحرَّ البساطة، أبقِ المدخل نظيفا وغير مكتظ، كما أن وجود العناصر الخمسة (الماء، والنار، والأرض، والمعدن، والخشب) يمنحك شعورا بالتوازن الموجود في الطبيعة، تجنب وجود أثاث محدب أو على شكل مثلثاث ذات أطياف حادة، ولا تنس وضع نبتة متوسطة الحجم لتساعد على إزالة تدفقات الطاقة السلبية، وتنعش البيت.(3)

  

undefined

   

غرفة النوم.. ملاذنا الآمن

غرفة النوم هي الملاذ الذي نلجأ إليه للاسترخاء ونفض التعب، ولننعم بلحظة سكينة نختلي فيها بأنفسنا بعيدا عن الجميع، وهي المكان الذي يضم لحظاتنا الحميمية كذلك، لذا من الضروري أن يكون كل ما تضمه جدران غرفة النوم الأربعة متناغما ومنسجما يعزز الراحة والسلام والطاقة الإيجابية ويجعل الوقت الذي نقضيه داخلها بمنزلة شحنة تدفعنا للأمام وتجدد طاقتنا الداخلية، لنتمكّن من مواجهة الحياة بمتاعبها في الخارج.

 

ولجعل غرفتك مريحة أكثر اتبع قواعد الفنغ شوي: تجنب تكديس الكثير من الأثاث في الغرفة وحاول وضع الأشياء الضرورية فقط حتى يتسنى للطاقة التدفق بحرية، ولأن السرير يحظى بالأهمية الأكبر داخل غرفة النوم اختر سريرا مريحا وواسعا حتى تحظى بقدر كافٍ من الراحة وتستمتع بنوم هادئ في الليل. ولتحقيق هذا تأكد أنك تضعه في المكان الأكثر تناغما وتجنب وضعه بين النافذة والباب، ولا تضعه كذلك في مقابل باب الحمام أو باب الغرفة، والأفضل أن تضعه في أبعد نقطة عن الباب، لأن هذا سوف يعزز الشعور بالهدوء والخصوصية التي تحتاج إليها في غرفة النوم.

 

احرص كذلك على طلاء جدران الغرفة بألوان هادئة ومريحة لتحفيز الطاقة الإيجابية وتحفيز مشاعر السكينة والاسترخاء. يمكنك اختيار درجة من درجات الأخضر الفاتح من أجل الشعور بالانتعاش أو الأزرق السماوي من أجل الشعور بالتناغم والسلام. وإذا كان الحمام موجودا داخل غرفتك أبقِ بابه مغلقا حتى لا ينتزع أجواء السلام من المكان.

 

عليك أيضا أن تترك كل الأجهزة الإلكترونية وكل الأغراض التي من شأنها تشويش سلامك الداخلي خارج الغرفة. لا تترك أي شيء يذكرك بالعمل في الداخل، هذا يعني أن المكتب والحاسوب والتلفاز غير مرحب بهم. ينصحك أيضا الفنغ شوي بتزيين جدران غرفتك بلوحات مبهجة يُفضّل أن تكون لمناظر طبيعية، فاللون الأخضر يعمل على تهدئة الأعصاب وسهولة الاسترخاء. كما يجب أن تحتوي غرفتك على إضاءة جيدة متنوعة طبيعية وكذلك إضاءة المصابيح الجانبية والعامة، وتتوفر على شرفة أو نافذة يتدفق منها الهواء المنعش حتى تحظى بصباحات مشرقة ومنعشة.(4)

   

undefined

    

المطبخ.. البقعة الأكثر حيوية

المطبخ هو القلب النابض لكل بيت، والمكان الذي يجتمع فيه الجميع لإعداد الطعام والمشاركة في صنعه، لهذا يولي الفنغ شوي اهتماما خاصا بهذه المساحة التي ترتبط بالتغذية وبالتالي بصحتك. حتى يتسنى لك الحفاظ على انتعاش المكان الأكثر حيوية في بيتك وخلق انسجام بين الماء والنار اللذين يجتمعان في هذه المنطقة يُفضّل أن يكون مكان المطبخ في الجزء الجنوبي من البيت قرب المدخل، ومن المهم جدا الحفاظ على نظافة مطبخك، فالفوضى والأوساخ تطرد الشعور بالراحة والإيجابية خارجا، لذلك يجب تنظيف أسطح المطبخ بشكل دوري دون إغفال تنظيف الأرفف والثلاجة. عليك طلاء جدران مطبخك بلون هادئ محايد ينير مطبخك، ولا بأس بتزيينه بقطع أثاث باللون الأصفر، الذي يشجع على التواصل ويحفز وينظم الشهية. كما ينصح أن تكون الطاولة الموضوعة فيه مستديرة لا مربعة، لأن الأشكال ذات الزوايا الناعمة غير الحادة تُضفي شعورا بالارتياح والطمأنينة. كما يحبذ أن يكون به نوافذ تسمح بدخول الضوء الطبيعي وأشعة الشمس وتجدد الطاقة. استعن كذلك بالنباتات لتمتص الغازات الناتجة عن الطبخ أو الغازات المنقولة في الهواء. (5) (6)

  

undefined

  

غرفة المعيشة.. نقطة الالتقاء

غرفة المعيشة أو الصالون هي الوجه العام لحياتك الخاصة، فهي نقطة التقاء العائلة والمكان الذي تستقبل فيه ضيوفك وتزدهر فيه علاقتك ويزيد ارتباطك بأقاربك ومعارفك، لذا فإن خلق مساحة ترحيبية مريحة وهادئة هو تحدٍّ بكل تأكيد. ولذلك فإن أول خطوة لتحقق ذلك هي الابتعاد عن التكديس. لو بدت لك هذه نقطة مكررة فإن تكرارها نابع من أهميتها، إذ لا يمكن تطبيق الفنغ شوي في مكان مزدحم يعج بالفوضى، التنظيم نقطة تأسيسية. فالمساحة الفنغويشية الجيدة هي المساحة التي تنجح في تحقيق الهدف الذي خلقت من أجله.

 

يُفضّل أن تقع غرفة المعيشة قرب المدخل لكي تعطي شعورا بالترحيب. كما يجب أن يكون الأثاث مريحا لتعزيز أجواء الحوار والنقاش. الهواء القليل والإضاءة السيئة هما عدوّا الفنغ شوي، لذلك يجب أن تتمتع مساحتك بأكبر قدر من الضوء و الهواء الطبيعيين. وإذا كانت الغرفة كبيرة حاول تقسيمها باستعمال النباتات حتى لا تتشتت الطاقة وتضيع. أما إذا كانت صغيرة تجنب الاكتظاظ والتكديس المبالغ فيه واعتمد على الأثاث المنخفض والألوان الهادئة لكي تبدو الغرفة كبيرة.

 

كما يُفضّل اختيار أثاث دائري يسهّل تدفق الطاقة ويساعد في سير الحوار بشكل سلس وخلق محادثات ونقاشات ودية. وإذا كنت تعيش في أحد البلدان الباردة من الجيد أن تتوسط المدفأة صالونك لأنها تُضفي إحساسا بالرفاهية والدفء والراحة، لكن يجب الحذر من عدم استخدامها حتى لا تتحول إلى مخرج تتسرب الطاقة من خلاله. ينصحك الفنغ شوي كذلك بتنويع الخامات والألوان المستخدمة في تأثيث وتزيين الغرفة حتى تُضفي عليها نوعا من البهجة، لكن يجب أن تكون قطع الأثاث منسجمة من حيث الأحجام والألوان. (7) (3)

  

undefined

   

الحمام.. يحتاج إلى عناية خاصة

للحمامات سمعة سيئة في ثقافة الفنغ شوي، هذه حقيقة تستطيع تغيرها ببذل قليل من الجهد واتباع تعليمات بسيطة. تميل الحمامات إلى تسريب الطاقة الإيجابية وتجميع الطاقة السلبية. وبالنسبة للفينغ شوي الرطوبة هي المسؤولة عن انخفاض الطاقة داخل الحمام. لذا من أجل التخلص منها وتسهيل دخول الطاقة الإيجابية ينصح بتغطية الجدران بمواد ملساء يسهل تنظيفها وغسلها. يجب أن يحتوي حمامك كذلك على نافذة للتهوية وتبديد الرطوبة، ويجب أن يكون نظيفا وخاليا من الإضافات غير الضرورية التي من شأنها أن تجعله مكانا مكدسا يجذب مزيدا من الطاقة السلبية.

 

وإذا أردت أن تتبع حكمة الفنغ شوي بشكل كامل، فاحرص أن يكون الحمام بعيدا عن مدخل البيت وعن المطبخ، ولا يجب أن يكون متقابلا مع غرفة أخرى، لأنه من المحتمل أن تتسرب طاقات غير مريحة يعتقد البعض أنها قد تجلب مشاعر غير جيدة تُسبّب توترا في أجواء البيت.

    

إن جوهر ما تقوم عليه فلسفة الفنغ شوي هو النظافة والتنظيم والترتيب والتخلص من كل ما هو فائض عن حاجتك، كذلك الارتباط بعناصر الطبيعة من خلال الإضاءة الطبيعية الجيدة والتهوية الجيدة والنباتات والماء. لذلك فإن اتباع هذا النهج في أي بيت كفيل بأن يحوله إلى واحة تبعث على النشاط والاسترخاء وتجديد الطاقة.

المصدر : الجزيرة