علامات تدل على أنك أصبحت ناضجا عاطفيا
"ﻛـﺎن ﻣـﻴـﻠـﺒـﺮن ﻣـﺎﻛـﺒــﺮون رﺋﻴﺴﺎ ﻣﺴﺘﺒﺪا يرهب ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻣﻌﻪ. هذه الحقيقة يمكن أن تمر دون ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻟﻮ أن ﻣﺎﻛﺒﺮون ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺐ أو ﻣﺼﻨﻊ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻃﻴﺎرا. ذات ﻳﻮم ﻣﻦ اﻟﻌﺎم 1978 ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺎﺋﺮة ﻣﺎﻛﺒﺮون ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ ﺑـﻮرﺗـﻼﻧـﺪ ﻓـﻲ وﻻﻳـﺔ أورﻳـﺠـﻮن ﻋـﻨـﺪﻣـﺎ ﻻﺣﻆ وﺟـﻮد ﻣـﺸـﻜـﻠـﺔ ﻓـﻲ ﺟـﻬـﺎز ﺗـﻌـﺸـﻴـﻖ اﻟـﺘـﺮوس الخاص ﺑـﺎﻟـﻬـﺒـﻮط. أﺧـﺬ يمارس اﻷداء اﻟـﺘـﻘـﻠـﻴـﺪي ﻣﺤﻠﻘﺎ في الجو إﻟﻰ ارﺗﻔﺎع ﺷـﺎهق ﻣـﻊ اﻻﻧـﺸـﻐـﺎل ﺑﺈﺻﻼح ﺟﻬﺎز اﻟﻬﺒﻮط، وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻜﻠـﺔ ﺟـﻬـﺎز اﻟﻬﺒﻮط ﻣﺴﺘﺤـﻮذة ﻋـﻠـﻰ ﻓـﻜـﺮه ﻛـﺎن ﺧـﺰان اﻟـﻮﻗـﻮد ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﻔﺎد. أﻣﺎ ﻣﺴﺎﻋﺪوه اﻟﻄـﻴـﺎرون اﻟـﺬﻳـﻦ ﺧﺎﻓﻮا ﻣﻦ ﺛﻮرة ﻏﻀﺒﻪ فلم ﻳـﺘـﺪﺧـﻠـﻮا ﺑـﺎﻟـﺮأي ﺣـﺘـﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﺎرﺛﺔ وﺷﻴﻜﺔ اﻟﻮﻗﻮع. وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺣﺪﺛﺖ اﻟﻜﺎرﺛﺔ؛ تحطمت اﻟﻄﺎﺋﺮة وﻗُﺘﻞ ﻋﺸﺮة أﺷﺨﺎص".
كما يخبرنا دانييل جولمان تُدرّس هذه القصة للطيارين في تدريبات الأمان، إذ تقع 80% من حوادث الطائرات نتيجة ما يرتكبه الطيارون من أخطاء يمكن تلافيها لو أنهم استطاعوا العمل في فريق بمزيد من الانسجام، وهي المهارات التي يتلقاها الطيارون اليوم جنبا إلى جنب مع التدريبات الفنية. (1)
وفقا للعديد من الخبراء، لدى أجيال اليوم كم هائل من المعلومات لم تكن متاحة للأجيال السابقة، وبفضلها أمكن إعدادهم -في المنزل وفي المدرسة- بمهارات متعددة من أجل الوصول إلى سوق العمل. مع ذلك لا يمكن خلق مناخ عمل جيد دون اكتساب مهارات محورية لا يبدو تعلمها مقتصرا على المعلومات أو الوصول إلى سن معين؛ إنها مهارات الذكاء العاطفي التي تصل بالفرد إلى درجة من النضج العاطفي يمنحه فرصة لحياة سعيدة في شتى المجالات، فما الذي يعنيه النضج العاطفي؟ وكيف ومتى يمكن القول بأن شخصا ما ناضج عاطفيا؟ (2)
يُستخدم مصطلح النضج العاطفي لوصف الأفراد ذوي الذكاء العاطفي المرتفع الذين يمكنهم فهم عواطفهم من ناحية ومشاعر الآخرين من ناحية أخرى، ويمتلكون مهارات اجتماعية تمكّنهم من تكييف سلوكياتهم مع البيئة، والتحكم في مشاعرهم من أجل تحقيق أهدافهم.(3)
وفقا لسونيا أرياس المتخصصة في علم النفس، النضج العاطفي يعني القدرة على قبول واقع الناس والأشياء كما هي، وهو ما يذهب إليه أيضا سيرخيو دلجادو الذي يرى أن النضج العاطفي هو "قبول ما يحدث في الحياة، ليس بشكل سلبي لكنه قبول نشط، حيث يختار الشخص دائما أفضل الخيارات بالنسبة له باستخدام معايير حقيقية وصادقة ونزيهة".(4)
ويرتبط النضج العاطفي بالتطور الشخصي وخوض التجارب وبناء العلاقات أكثر مما يرتبط بالحصول على المعلومات أو اجتياز الدورات المتعلقة بالذكاء العاطفي، وهو يرتبط بشكل كبير بالسلامة النفسية، فالأذكياء عاطفيا -وفق دراسات مختلفة- أكثر سعادة واستطاعوا تحقيق نجاحات أكبر في حياتهم.(5)
يمكن القول بأن هذا الشخص ناضج عاطفيا من خلال مجموعة من الدلائل، ومنها:
يلاحظ أنه على خطأ: وحينها يقر بذلك ويتعامل معه بهدوء، ولا ينجرف إلى الدفاع أو إنكار المسؤولية، كما لا يشعر بالخجل، بل يتعامل بقدر كبير من التعاطف الذاتي والشجاعة.
يكون واعيا بالتحيزات: إن التنميط هو ما يساعدنا على التفاعل الاجتماعي، نعم، ومع ذلك فالوعي الفعال بما يحدث داخلنا من تنميط وتحيز وتبني أفكار سابقة يُمكّننا من التعرف على تأثيرها في قراراتنا وأفعالنا، ويُمكّننا بالتالي من مواجهة وتعديل هذه السلوكيات، كما أنه يعرف مميزاته بشكل عام ويستغل ذلك بحكمة.
يخلق مسافة فاصلة بين الانفعال ورد الفعل: من خلال التأمل يمكن زيادة الوقت الفاصل بين شعورنا بعاطفة ما واتخاذ رد فعل يتعلق بها، يسمح هذا الوعي بالذات واتخاذ رد فعل مناسب بعناية أكثر من الرد الفوري بشكل غريزي دون التفكير.
يضع نفسه عن عمد في مواقف الضعف والمشاعر الصعبة: إن الوضع المثالي الذي نرتاح له هو أن نكون فيما يسمى بـ "منطقة الراحة"، أن تكون أمورنا تحت السيطرة وأن نعيش بمأمن من الشعور بالخطر ومخاوف الفشل والإحراج ورفض الآخرين؛ وهذا يقيد كثيرين ويمنعهم من الحياة، إذا كانت تلك المشاعر" غير المريحة" قد قابلتك مؤخرا، فهذا يشير إلى أنك على الطريق الصحيح نحو النضج العاطفي وإن لم تشعر بالاطمئنان.
يعرف متى يطلب المساعدة: إن طلب المساعدة لتكون مستقلا يعني تمتعك بالشجاعة والحيوية أكثر مما يعني كونك ضعيفا.
يعرف متى يثابر ومتى يتوقف: يجب ألا تقودنا مشاعرنا، ومع ذلك فإن الوعي بطاقاتنا بحيث نعرف الوقت المناسب للتوقف عن المثابرة والتوقف عن العمل لبعض الراحة يشير إلى درجة عالية من الذكاء العاطفي. (6)
يتقبل النقد: إن القدرة على رؤية الجانب الإيجابي للأمور لا تعني أنه يتجاهل أهمية الأخطاء، إنه يعترف بالمسؤولية ويتقبل النقد.
يرى أهمية العطاء، وينتقل من أهمية "أنا" إلى "نحن"، ويمكنه تحقيق التوازن بين مصالحه ومصالح الآخرين، ويقدم التنازلات إذا لزم الأمر من أجل مصلحة المجموعة.(7)
لا يُشكّل تفكير الناس فيه واعتقادهم حوله مصدر قلق، إنه يدرك أن عقول الآخرين مشوشة غالبا، ولا يحاول تلميع صورته في عيون الآخرين، ويهمه فقط فرد أو اثنان من المقربين منه، ولا يخشى إظهار مشاعره.
يستطيع تهدئة مخاوفه، ليس بالقول بأن كل شيء سيصبح على ما يرام، فهو يدرك أن الأمور قد تتجه للأسوأ، لكن ما يحدث هو أنه يفكر في حين تسير الأمور بشكل خاطئ أن كل شيء يمر، وأن هناك دائما خطة بديلة وأرواحا تحيط بنا تبعث على التفاؤل دائما وتجعلنا أكثر احتمالا للأحداث المؤلمة.
يمكنه تفهم أن معظم الأفعال المؤذية التي يقوم بها الآخرون نابعة من قلق ومخاوف لديهم أكثر مما تنبع من الأنانية أو الغباء، وبالتالي لا يعتقد أن العالم مليء بالوحوش.
لا يؤمن بالكمال، ويعرف أنه ليس هناك شخص مثالي ولا وظائف مثالية ولا حياة مثالية، وفي أمور حياته يقدّر ما هو "جيد بما فيه الكفاية"؛ فللكثير مما يحيط بنا جوانب محبطة، لكنها مليئة بالجوانب الإيجابية. (8)
عبر سلسلة من العادات، ومن خلال خوض التجارب وتعدد العلاقات يمكن تطوير مهاراتنا والاقتراب من النضج العاطفي، ومنها:
اعرف نفسك: الوعي بالذات أحد مبادئ الذكاء العاطفي وأكثر ما يسهم في النضج العاطفي عند إدارة هذه العواطف والتعامل معها، ولتنمية الوعي بالذات جرب كتابة يوميات عن العواطف. كل ليلة قبل الخلود إلى النوم اكتب عن العواطف التي مررت بها طوال اليوم وفكر فيها.
ابتعد حين يكون ذلك ضروريا: التعلق ليس سيئا بالضرورة، فعلاقاتنا بمن نحب تساعدنا في التطور والنمو، مع ذلك فالتعلق بالأفراد والأشياء والذكريات التي تتردد في أذهاننا كثيرا يُخلّف ألما كبيرا لا نعيه أحيانا، لذا فالنمو العاطفي يعني عيش الحاضر والتحرر من الماضي والوعي بكيفية فصل ذواتنا عن الأفكار والذكريات والأحداث، وإدارتها بطريقة تدفعنا للتطور.(9)
غيّر اتجاهك، واعمل على أن تكون إيجابيا، من السهل أن تلاحظ الجوانب السلبية في المواقف المختلفة، لكن هذا يزيد استياءك ويدفعك لرد فعل سلبي تجاه الآخرين، بينما تسهم ملاحظة الجوانب الإيجابية في استقرارك العاطفي، يمكنك كتابة قائمة بالأمور الإيجابية التي تمر بك والتي تشعر بالامتنان لوجودها، فمن شأن هذا أن يساعدك في التغلب على القلق.(10)
توقف عن الشكوى: الانتقاد المستمر لنفسك وللآخرين يعني الشلل. النضج العاطفي يعني أن تكون واقعيا وأن تكون في حركة مستمرة، تتعلم من الأخطاء وتتجاوزها وتتعلم من تجارب الآخرين.(11)
تحمل المسؤولية: وهو يعني أن تسأل دائما عما يمكنك فعله لإصلاح أمر ما، وأن تفهم أيضا الحد بين ما تسيطر عليه وتتحكم به وما يفعله الآخرون دون تأثير منك.(12)
ضع نفسك مكان الآخرين: ولكي يمكنك ذلك يجب أولا أن تعتني بنفسك بما يحقق لك الرفاهية الجسدية والنفسية، أن تعتني بصحتك النفسية، وتهتم بصحتك من خلال غذاء صحي، وممارسة الرياضة، وتخصيص وقت لهواياتك المفضلة.
تطوع بوقتك: إن تخصيص بعض من وقتك لقضاء حاجات الآخرين يشير إلى النضج العاطفي، والتطوع في مكان ما لمساعدة الآخرين يسمح لك بالاقتراب منهم ويزيد القدرة على التعاطف معهم، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو النضج العاطفي، لذا ابدأ بالبحث عن فرص التطوع في إحدى دور الأيتام أو رعاية كبار السن، كما يمكنك تخصيص بعض الوقت لزميل في العمل أو أحد أفراد العائلة.
تخيّل ما يشعر به الآخرون حين تختلف معهم أو تناقشهم، احترم حدود الآخرين، واهتم باحتياجاتهم، ولا تكن الأولوية فقط لاحتياجاتك الخاصة، إن الاقتراب مما يشعر به الآخرون يسهم في الوصول إلى نقطة اتفاق معهم وتقدير شعورهم، ودائما تذكر إمكانية "الاتفاق على الاختلاف"، إذ لا يمكن دائما الفوز في النقاش، وسيبقى لكل منكم رأيه المختلف.(13)
حاول أن تكون مستمعا جيدا: الإنصات إلى المتحدث إليك يسهم في التواصل بنجاح مع الآخرين، أن تصغي حقا إلى ما يقوله دون أن يشغلك رأيك وكيف ستردّ عليه، وأن تبحث عما وراء كلماته وعن اللغة غير اللفظية التي يتحدث بها.
تعلّم من الأخطاء: القبول هو أحد مفاتيح الرفاهية العاطفية، فالحياة تعلمنا أن الأمور لا تسير وفقا لرغباتنا، ولهذا فالموقف المناسب هو أن نتخذ من الفشل فرصة للنمو ونضع ميلنا للكمال جانبا. (14)
ابحث عن الدرس في كل تجربة: قد لا يكون ذلك ممكنا إلا بعد مرور بعض الوقت، لذا تخير الوقت المناسب لك واكتب ما استخلصته من دروس منها، فهذا يساعدك في أن تصبح شخصا أفضل.
استمد الدعم من الآخرين: الطريق إلى النضج العاطفي قد يكون صعبا، ووجود من يدعمك يحُدث فرقا كبيرا، لذا استعن بعائلتك وأحبائك، واطلب ملاحظاتهم حين تنحرف عن المسار نحو التغيير للأفضل، وتذكر دائما أن تتقبل انتقاداتهم بطريقة ناضجة، وقد ترى اللجوء إلى مستشار نفسي لإخبارك عن كيفية الوصول إلى النضج العاطفي، كما يمكنك الانضمام إلى مجموعات الدعم والاستماع إلى مقترحاتهم. (15)
وأخيرا، كلما عرفت أكثر ستدرك أنك لا تعرف؛ إن المعرفة تقودنا إلى حالة من اللايقين، فلا نعود قادرين على تصور الاحتمالات بالبساطة السابقة، ويبقى الفيصل هو قدرتك على التعايش مع الشعور بعدم اليقين وتحقيق النجاحات والتطور في وجود ذلك الشعور. (16)