سبعة إنجازات خارقة يمكن لدماغك القيام بها
بعد يومين على عيد شكر عام 2016، كانت شارلوت هوفلماير البالغة من العمر 19 عاما تقضي عطلتها الصيفية في منزلها بولاية فرجينيا. عندما ذهبت لتطمئن على والدها الذي كان يصلح المكابح تحت شاحنته في المرآب، رأت حريقا اندلع تحت الشاحنة ملتهما أحد الإطارات. كانت الرافعة التي تحمل الشاحنة قد انهارت ودلقت عبوة بنزين تسببت بإشعال حريق حال دون خروج والدها.
ذكرت الصحف والمنشورات أن المراهقة ذات طول 168 سم ووزن 55 كغم أمسكت بجناح الشاحنة وبدأت في رفعها حتى أوشكت على تحرير والدها، فحاولت مرة أخرى ونجح والدها بالزحف من أسفل الشاحنة. بلمح البصر، قفزت شارلوت إلى الشاحنة المشتعلة وقادتها خارج المرآب، ثم ركنتها في حديقة المنزل وقفزت منها مسرعة لتطفئ النيران باستخدام خرطوم المياه.
ما قامت به شارلوت هو أحد الأمثلة على "القوة الهستيرية" التي وُثِّقت فيما لا يقل على ستين حالة أخرى، يُظهر فيها أصحاب القدرات الجسدية العادية قوة غير اعتيادية في مواقف الحياة أو الموت الوشيك أو حالات الطوارئ. على الرغم من اعتقاد بعض الخبراء بأن انفجار القوة الهستيرية يكون إثر صدمة هائلة من الأدرينالين المنبعث من الغدد الكظرية في المواقف الخطرة، فإن طريقة عملها في العضلات تظل عصية على التفسير. لكنها تظل شاهدا على الأداء المذهل لأجسامنا ضمن ظروف محددة.
هل ينطبق الأمر على عقولنا أيضا؟ هل يمكن أن نؤدي إنجازات ذهنية تفوق طاقة البشر وتضاهي رفع شاحنة صغيرة؟ للإجابة عن هذا السؤال، فلنفكر فيما حدث لشارلوت بالفعل. كان من المفترض أن يكون النشاط الاستثنائي في عضلاتها وغددها الكظرية قد بدأ بالعمل داخل دماغها، والذي وجد بشكل ما طريقة لإصدار الأوامر إلى عضلاتها وغددها الكظرية لكي تبذل أقصى جهد ممكن. لذلك من الناحية الواقعية، كان هذا العمل الفريد لإنقاذ حياة والدها مثالا قويا لما يُمكن للعقل أن يفعله عندما يريد ذلك.
رغبة العقل، سواء أكانت واعية أم غير واعية، أمر حاسم، لأنها تمثّلت في حالة شارلوت في تحفيز الشعور وليس في التفكير. وعادة ما ينبع العامل الأكثر أهمية في تحويل دماغ عادي إلى آخر استثنائي عبر مستوى الاستثمار العاطفي. الاستثمار العاطفي أمر حاسم في شحن الدماغ، لأن التقنيات التي تكون بصدد تعلمها تتطلب تغيير ممارسات التفكير وحل المشكلات المتأصلة بعمق في دماغك، بما في ذلك الممارسات التي ربما لا تدرك أنها لديك.
يتألف الدماغ من نحو 100 مليار خلية عصبية وما يصل إلى كوادريليون (1000 تريليون) اتصال بين تلك العصبونات. ولكي ترفع أداء دماغك عليك استخدام مئة المليار عصبون وألف التريليون اتصال بشكل أكثر كفاءة؛ زِد عدد الخلايا العصبية التي تركز على مشكلة، وثبّط الخلايا العصبية التي تحد من أدائك. إليك مثالا جيدا لاستخدام دماغك بكفاءة، وهو سيتطلب منك حفظ تسلسل فيبوناتشي: (0،1،1،2،3،5،8،13،21،34،55،89،144،233)، وبالتبعية الحفظ المفرط عن ظهر قلب.
عوض استخدام قوة الحفظ المفرط، فلتجرّبوا قاعدة بسيطة: للحصول على الرقم التالي في التسلسل قم بإضافة ناتج الرقمين السابقين. هذا سيسمح لك بإعادة بناء السلسلة على الفور وبلا نهاية. إن تذكر هذه القاعدة السهلة يتطلب ذاكرة أقل بكثير، ووقت استرجاع ذاكرة أقل من تخزين تسلسل الأرقام نفسه.
تُعرف هذه الاختصارات الفعالة باسم الكشفيات (heuristics) وهي طرق سريعة ومقتصدة للوصول إلى المعلومات واتخاذ القرارات في المواقف المعقدة. على سبيل المثال، كشف بحث العالم الألماني جيرد جيغرنزر أن أفضل طريقة للتنبؤ بالفائزين بين 128 لاعبا في بطولة ويمبلدون للتنس هي ببساطة تحديد اللاعبين المعروفين جيدا. للتنبؤ بالفائزين، أثبتت هذه الطريقة تفوقها على الصيغ المعقدة التي تستخدمها رابطة محترفي التنس لتصنيف اللاعبين.
في بعض الحالات، يقوم دماغك بالفعل بأشياء مذهلة؛ لكنك ببساطة تكون غير مدرك لها (ولكن مع الوعي بوجودها، يمكنك تطويعها لإرادتك). في حالات أخرى، من الممكن دفع الدماغ إلى أداء مهام ذهنية جديدة. لفهم قدرات دماغك، ستحتاج إلى إشراك التقنيات التي تحقق أحد أو أكثر الأمور التالية: فهي تجعل من اللامألوف مألوفا، ومن اللامتوقع متوقعا، واللاوعي وعيا. لمساعدتكم في الوصول إلى هناك، فلنوضِّح بعض التقنيات البسيطة وغير المؤلمة. يمكن لأي شخص استخدام هذه الأساليب لزيادة احتمالات الأداء فوق العادي.
ترافقنا أناشيد الطفولة إلى الأبد. إن كنت ترغب في تخصيص معلومات عشوائية للذاكرة، فإن الإيقاع والسجع هو طريقة مألوفة، كما أنه يفعّل الكشفيات. إن حفظ قائمة من الكلمات العشوائية -مثل كعكة، حذاء، شجرة، باب، خلية، عصي، سماء، بوابة، كروم، ودجاجة- سيتطلب عادة الكثير من التكرار، وبعد بضعة أيام لن تذكر على الأرجح سوى بضع كلمات.
قد تساعد هذه القاعدة البسيطة: ضع هذه الكلمات على قافية لحن متأصل بذاكرتك، ثم استرجع تلك الذاكرة. سوف تتذكر كل كلمة على الفور، وربما لن تنسى ذلك أبدا. إن طريقة الإيقاع والسجع فعّالة لأنها لا تتطلب سوى ذاكرة أقل لتخزين القواعد بدل المعلومات الخام، ولكنها تربط أيضا المعلومات غير المألوفة بالمعلومات المخزنة بالفعل أو بمعلومات مألوفة، فيقلّل الإيقاع والسجع من الجهد لتذكر تلك المعلومات. تحويل لا مألوف إلى مألوف مفيد للتغلب على العديد من التحديات المعرفية بخلاف الحفظ. عند محاولة فهم مفهوم جديد أو شرح فكرة معقدة، اسأل: "ما المفهوم أو الظاهرة المعروفة الأقرب إلى هذا الشيء الجديد؟"
كما هو الحال في جعل اللامألوف مألوفا في بعض الحالات -بما في ذلك العثور على قواعد بسيطة لفهم البيانات بشكل أفضل- فثمة العديد من الحالات التي يكون فيها العكس هو الصحيح: إدخال نظام جديد غير مألوف يمكنه تشفير الذكريات بشكل أفضل. هذا لأن الدماغ يلقي جانبا تكرارات الحياة اليومية بشكل تلقائي، لكنه يتمسك بالأحداث غير العادية. نادرا ما تسبب لك الأحداث الشائعة مشكلات نظرا لأنك تستطيع التنبؤ بها والاستعداد لها مثل الازدحام المروري في ساعة الذروة والطقس الشتوي. تعلم أن هذه الأشياء تحدث، ومع ذلك، فقد تطوّر عقلك للاحتفاظ بذكريات الأحداث غير العادية لأنها تساعد على منع وقوعك في المتاعب.
يكون دماغك في حالة تأهّب عندما تحدث أمور غير متوقعة، لأن مثل هذه الحوادث قد تهدد سلامتك، كالإبلاغ عن سطو في جزء "آمن" من المدينة، وعاصفة ماطرة مفاجئة في يوم مشمس، إذ إنك لست مستعدا لهذه الأمور. لذلك من المنطقي أن يزيل دماغك الذكريات العادية حتى لا تتداخل في المعلومات غير المتوقعة التي قد تساعدك على التعامل مع المفاجآت المزعجة.
يمكنك استذكار التفاصيل المحيطة بالولادة والزواج والوفاة والتقارير الإخبارية الرئيسية للسبب نفسه بالضبط: إنها تمثل حالات تغيّرات كبيرة عن التدفق الطبيعي للحياة. إن المغزى في التعلم أو توصيل معلومات جديدة هو أن الناس يتذكرون المعلومات غير المتوقعة بشكل أفضل بكثير عن المعلومات المتوقعة. وكلما جعلنا المعلومة أكثر إثارة للدهشة، علقت في أذهان الجميع وكان من الأسهل عليهم تذكرها.
كيف تحقق أكبر قدر من الاستفادة مما تذاكره؟ معظمنا يتذكر إمضاء جلسات دراسة يرافقها الكافيين طوال الليل. لكن هذا التكتيك يحد من الكفاءة ولن يؤدي بالتأكيد إلى قدرات استثنائية تساعد على التذكر. عندما تتعلم معلومات جديدة، فإن الخلايا العصبية تكون محدودة؛ خلال فترة زمنية ثابتة، لا تتمكن هذه الخلايا من تطوير سوى عدد معين من الصلات الجديدة أو نقاط الاشتباك العصبي لترميز الذكريات الجديدة. وبناء على ذلك، إذا كنت تدرس بشكل مكثف خلال فترة زمنية قصيرة لهذا الاختبار، فسوف تصل بسرعة إلى سقف للمعلومات الجديدة التي يمكن أن يحتفظ بها دماغك، لأنك قد استنفدت قدرة الخلايا العصبية الخاصة بك على تجميع البروتينات الضرورية لنمو المشابك العصبية أو تقويتها.
في مقالة عام 2016 في مجلة "Nature Reviews Neuroscience"، أطلق عالم الأعصاب بول سمولن وزملاؤه على حد الوصلات العصبية المتنامية من خلال تخليق البروتين اسم "فترة تجريبية للتعلم". يستشهد سمولن ببيانات مأخوذة من دراسات على الحيوانات تُظهر أن تطور الوصلات العصبية المرتبطة بالتعلم يتقدم بالفعل عندما يكون التعرض للمنبهات الجديدة متباعدا بمرور الوقت.
خلال التعلم فإننا نحصل على مظهر تغصّن الخلايا العصبية الجديد المتشابك [انظر إلى الشكل ب] ونمو المحور المركزي مع تجربة إضافية [انظر إلى الشكل ج] من خلال توليف البروتينات الجديدة. يقترح البحث عن علاقة التعلم بالمشابك العصبية أن التباعد بين الدراسة للامتحان يتفوق على الدراسة بشكل مكثف خلال فترة زمنية قصيرة.
تمتّع نظام ذاكرة بطاقات أنكي (ANKI) (هو برنامج للتكرار المُتباعد ببطاقات استذكار تتضمن معلومات من شتى المجالات، وأنكِي هي كلمة يابانية تعني "حفظ عن ظهر قلب") بنجاح كبير لأنه يباعد فترة التعلم على مدى طويل، مما يسمح للخلايا العصبية التي تشفّر الذكريات باستعادة القدرة على تخليق البروتينات الخاصة بها بين التعرّض أو التعلم بين الفينة والأخرى وتشكيل اتصالات جديدة.
تعرض بطاقة أنكي سؤالا من جانب واحد وإجابة من الجانب الآخر، ويتم تقديم كل بطاقة على مدار أيام أو أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات لتهيئة التعليم والحفاظ عليه وفقا لاحتياجات المستخدم. يقوّي نظام أنكي الدماغ بالطريقة نفسها التي يقوّي بها رفع الأوزان على مدى عدة أسابيع أو أشهر العضلات: من خلال انتظار انتهاء التعب اللحظي وتقليص القدرة على تجميع بروتينات جديدة قبل مواصلة التدريب.
ستفقد مفاتيحك لأنك تضعها في مكان معين، ثم تنسى ذلك المكان بالتحديد. لكن تخيل أنك تسكن في عالم كمّي حيث يمكن للأشياء أن تحتل أماكن متعددة في الوقت نفسه؛ يمكنك وضع مفاتيحك في العديد من المواقع المختلفة دفعة واحدة. تحتاج إلى تذكّر مكان واحد فقط من بين تلك الأماكن لاسترجاع المفاتيح.
لا يمكننا أن نحتل الكثير من العوالم في الكون، ولكن يمكننا أن نخلق إلى حد ما ظروف "عوالم كثيرة" في أذهاننا من خلال ترميز الذكريات في الأجزاء اللفظية والمرئية من الدماغ. وذلك يتم عبر تخليق صور ذهنية للكلمات في الدّماغ ومن ثم ربطها بنغمة سجعية، كما أسلفنا في النقطة الأولى.
من خلال القيام بذلك، يمكنك تحويل قائمة من الكلمات العشوائية إلى صور. وبذلك فإن قائمة الكلمات تكون موجودة في كل من الأجزاء اللفظية والبصرية من الدماغ. يخلق ذلك العديد من الأماكن لـ "تتصفّح" المعلومات. وتوضح هذه التقنية أيضا كيف أن التعديل البسيط على ما هو مألوف مقابل اللامألوف يسمح للدماغ بأداء أفضل في هذه الحالة في عالم الذاكرة. يمكن لخلايا الدماغ أن تكتسب أداء أفضل إذا ما تم تحسين الذاكرة عبر استصلاح مناطق جديدة للعمل داخل الدماغ.
في أطروحة دكتوراه عام 2017 بعنوان "عن فوائد الرسم التذكّرية"، أوضح جيفري وامس من جامعة واترلو أن الناس لديهم قدرة فائقة على تذكّر ذكرى معينة عندما يُطلب منهم تصوّر الكلمات المقدمة لهم. يحسّن الرسم الذاكرة، ليس فقط بتسخير الخلايا العصبية البصرية لتخزين معلومات جديدة، ولكن أيضا باستخدام الخلايا العصبية في القشرة الحركية في الدماغ حيث تنشأ أوامر الرسم.
يلاحظ سمولن في مجلة "Nature Reviews Neuroscience" أن الذكريات تُخزَّن في أجزاء من الدماغ حيث يتم تلقّي المعلومات أو إنشاؤها في المقام الأول -القشرة الدماغية الحسية أو الحركية- وبالتالي كلما تم استخدام مناطق أكثر في الدماغ تعمل على خلق المعلومات واستشعارها، زادت سعة التخزين العصبية المتاحة لهذه المعلومات. تشير هذه النتائج إلى أنك إذا كنت تريد حقا الاحتفاظ بالمعلومات التي تقرؤها أو تستمع إليها بدل أخذ الملاحظات المكتوبة فقط، فقم برسم المعلومات أيضا.
مثلما أن خلق إحساس بالابتكار من خلال هذه المقاربة الصورية يساعد في اختراق حصون الذاكرة، فإن النظر إلى الصور المقارنة في كل ركن من أركان الحياة يمكن أن يعزز الإبداع نفسه. في الواقع، يجادل العديد من العلماء المعرفيين بأن "الإبداع اليومي" الذي يتم تعريفه ببساطة بأنه تقاطع المستجد والمفيد، وتعريفك للتجديد هو نصف المعركة. لديك ضيوف غير متوقعين في منزلك، وكنت ترغب في تحضير كومة من فطائر التوت بسرعة، ولكن ليس لديك خلاط، لديك مقص ودريل. يتجاهل معظمنا إمكانية ربط المقص بالدريل لأن أجزاء من دماغنا قد "حددت مهام ثابتة" لهاتين الأداتين.
لدى الكثير من الناس توقعات متأصّلة بعمق حول كيف من المفترض أن تعمل الأشياء، وهذا غالبا ما يُعيق حل المشاكل؛ يعمينا هذا "الثبات الوظيفي" أمام الإمكانات الإبداعية. إن إسكات أجزاء الدماغ التي تعرف ما الذي يفترض أن يقوم به الدريل والمقص يُنتج حلا سريعا للمشكلة حيث يتم إفساح المجال للإبداع.
لا تأتي أكبر التطورات دائما من الاختراعات الجديدة، في حد ذاتها، ولكن من ائتلافات جديدة من اختراعات موجودة بالفعل، جعل المألوف غير مألوف. وخير بداية هي إدراج العديد من الاستخدامات التي تحيد عن الوظيفة العادية لهذا الشيء. فمثلا يمكن طحن الطوبة للحصول على الصبغة الحمراء للدهان، وتهشيمها لصنع حلية على الموضة، أو استخدامها بمنزلة مثبت للورق.
يمكنك زيادة فرصة تجربة هذا الإنجاز الكبير عن طريق إخماد التصوّرات السابقة التي تشتت الانتباه دون وعي، وذلك لضبط المعلومات التي قد تكون مفقودة. يظهر ذلك جليا في حالة الرسم؛ يمكنك أن تحسّن بشكل كبير من قدرتك على الرسم فقط عن طريق إيقاف جزء من عقلك وتحديدا الذي ينسب المعنى إلى ما تبحث عنه.
مثلا عندما تحاول رسم وجه، يدرك جزء من دماغك المعنى، تحديدا الفص الصدغي الأمامي الأيسر الذي يدرك المعنى في الصور المرئية. فيلمع في ذهنك أن هذا وجه إنساني ثلاثي الأبعاد. قد يحاول المصوّر الذي يفتقر إلى الخبرة في إعادة بناء أرقام ثلاثية الأبعاد عند الرسم على ورق ثنائي الأبعاد والذي يفشل عادة. يمكنك إيقاف الفص الصدغي الأمامي الأيسر المتعنت مع بعض الحيل: اقلب الصورة رأسا على عقب حتى تفقد معناها.
تخيّل لو كان يمكن أن تكون مثل النمر الأسود فقط قليلا؛ تصوّراته الحسية دائما في حالة تأهب قصوى. حتى بدون النظر أمامه، يمكنه أن يشق طريقه ويتجول في الظلام من خلال الاستماع عبر حواسه الفائقة. تصوّره المحسّن يدرأ عنه الخطر.
قد لا تدرك هذا، ولكن لديك بطل خارق في داخلك أيضا. يمكنك مثله أن تستشعر طريقك جسديا، يمكنك في بعض الأحيان الشعور بأن أحد الأشياء قد يكون في طريقك، وتدرك ذلك قبل أن تنظر إليه. ولكن كيف؟ إذا كنت مثل معظم الناس، فأنت تعرف فقط عندما تمشي بالقرب من جدار أو كائن كبير دون أن تعرف بالضبط كيف تعرف ذلك. هذه المعرفة بدون معرفة هي مثال على التعلم الضمني من الأوقات التي لا تعد ولا تحصى التي سجّلت فيها دون قصد التغيير في صوت خطوتك وأنت بالقرب من شيء ما.
يمكنك اختبار ذلك باستخدام عصا طويلة ذات طرف صلب؛ أغمض عينيك واضغط على العصا أمامك، كما يفعل الأشخاص المكفوفون (يكون السطح الصلب هو الأفضل). لاحظ أنه يمكنك الحصول على إحساس تقريبي بوجود أشياء قريبة كبيرة، بالإضافة إلى بُعدهم بمجرد الاستماع إلى الطقطقة. إن الطقطقة التي تتم من خلال النقر على الأرض على بعد بضعة أمتار من الحائط ستكون جوفاء، من الأصداء الطفيفة التي تتبع فورا طقطقة الاتصال الأصلية بين الأرض والعصا. إذا قمت بالنقر بالعصا على بُعد بضع بوصات من جدار أو شيء كبير، فستظهر الطقطقة بشكل هش وتحتوي على نغمة أعلى قليلا.
في بعض الأحيان، يمكنك أن تشعر بأن شخصا ما يقف خلفك مباشرة حتى لو لم يقل الشخص أو يفعل أي أمر يشير إلى وجوده. كيف تشعر بقرب الفرد؟ مرة أخرى، الصوت هو المفتاح. هذه طريقة أخرى للحصول على معلومات مهمة حول البيئة الخاصة بك. ممارستك لذلك تكون مثالا أيضا على قواك الخارقة الكامنة بداخلك وقدرتك المذهلة على المعرفة دون معرفة. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا أيضا أن نسمع صوت التقاط الشخص الذي يقف خلفنا أنفاسه وحفيف ملابسه وانعكاسات الصوت الخفية النابعة منه دون إدراكنا (الواعي) لأننا نفعل ذلك.
الظل الصوتي هو منطقة يتم فيها حجب الموجات الصوتية بواسطة كائن ويجب أن تدور حول الجسم للوصول إلى الأذن. يمكن استخدام تغيير في حجم الأصداء لتقدير القرب إذا كنت تعرف أو تشك في ظلال صوت تدور من حولك؛ يمكنك تدريب نفسك للعثور على مثل هذه الظلال.
بالنسبة للضجيج في الخلفية، ضع جهاز راديو أو مصدر صوت آخر على بعد عشرة أقدام خلفك واطلب من صديقك التسلل خلفك (ستخفي السجادة صوت خطواته). على الرغم من أنك لا تستطيع رؤية أو سماع صديقك، يجب أن تكون قادرا على الشعور بقربه من خلال الظل الصوتي الذي ترسمه. إذا كنت تهتم بظلال الصوت، فسترى جزأين لها: انخفاض طفيف في حجم الصوت، بالإضافة إلى إخماد صدى ضوضاء الراديو المنعكس عن الأسطح الموجودة خلفك. يصبح هذان التأثيران أكثر وضوحا مع اقتراب صديقك منك.
إذا كنت منتبها جدا لبيئتك ومارست اكتشاف هذه الظلال، ستتمكن من ملاحظة حضور جديد فقط من خلال تتبع التغييرات المحيطة. يقع كل هذا في فئة التعلم الضمني حيث يتعلم الدماغ من دون وعي من خلال العديد من حالات التعرض لبعض الإشارات التي لا نوليها اهتماما إلا إذا ربطناها بظواهر معينة.
لو استطعنا فقط قراءة عقول الآخرين مثل بروفيسور إكس "تشارلز إكسافيير" من "X-Men"، فسيكون ذلك أمرا خارقا يفوق طاقة البشر. ومع ذلك، نحن قادرون على قراءة عقول الآخرين أكثر مما ندرك. يخبرنا الحدس أنه من خلال إيلاء اهتمام وثيق لتعابير الوجه لشخص آخر ونبرة الصوت والموقف وحركات العين والإيماءات يمكننا أن نجمع أفكاره ومشاعره غير المعلنة. لكن تُظهر الأبحاث الحديثة أن إيقاف أجزاء الدماغ التي تؤدي التصور الخارجي (إدراك العالم الخارجي) والتوليف إلى الإدراك (إدراك الأحاسيس داخل الجسم) هو أفضل طريقة لقراءة الناس (فهمهم).
من الصعب تزييف ابتسامة عريضة وعينين نابضتين بالحياة؛ عندما تنظر إلى شخص سعيد، فإن عضلات وجهك تقوم بتقلصات دقيقة تقلّد ذلك الشخص، وتولّد التغذية الراجعة من تلك العضلات إلى جهازك الحوفي (المركز العاطفي للمخ) [1] رد فعلك العاطفي.
تنبأ سباستيان كورب وزملاؤه في جامعة ويسكونسن على نحو موثوق بما إذا كان أفراد الدراسة يشاهدون الابتسامات المزيفة أو الصادقة بمجرد قراءة بيانات تخطيط العضل الكهربائي لعضلات الوجه الخاصة بأفراد الدراسة.
يمكنك القيام بذلك أيضا؛ عندما تنظر إلى ابتسامة التي تعرف أنها صادقة، انتبه جيدا إلى مشاعرك الداخلية. يولّد الوجه السعيد فيك مشاعر أكثر إرضاء وإرهافا أكثر من الابتسامة المتكلفة. تنبع العواطف بسبب ردود الفعل داخل أجسامنا، لا تتقلص عضلات وجهك لأنك تشعر بالسعادة عندما تنظر إلى ابتسامة حقيقية، إنها مجرد انعكاس، بل العكس صحيح حيث إن تقلصات العضلات تقليد يحدث أولا، مما يثير مشاعر لطيفة داخلك.
تشير الأبحاث حول ما يسمى الخلايا العصبية المرآتية [2] في القشرة الحركية للرئيسيات -إلى جانب دراسات أجريت على أشخاص يراقبون سلوك الآخرين- إلى أن تقلصات العضلات الدقيقة المرتبطة بتقليد العقل الباطن تحدث بشكل روتيني عندما نشاهد سلوك الآخرين، بما في ذلك تعبيرات الوجه والإيماءات والمشي وحتى استغلال الأشياء. لدينا قدرة استثنائية على تقييم الآخرين بدقة عند تقديم خصائص ذات صلة ببقائنا.
وجدت دراسة حديثة أجراها جوردان رينيه من جامعة ساسكس (University of Sussex) أن الرجال والنساء دقيقون للغاية في تحديد قوة الشخص وطوله مقارنة بأنفسهم وبدون أي إشارات بصرية على الإطلاق. سمع أفراد الدراسة خطابا عدوانيا فقط أو غناء عدوانيا أو "صراخا". عند الاستماع إلى الصراخ، حدد الرجال بدقة الذكور الأقوى بنسبة 88% من تجارب الدراسة.
ظاهريا، لا يتطلب رفع مستوى دماغك من العادي إلى الاستثنائي سوى القليل من التحولات: من تخزين البيانات إلى تخزين القواعد، من تغيير غير مألوف إلى مألوف، ومن المتوقع إلى غير المتوقع، ومن اللاوعي إلى الوعي. وكما هو الحال مع شارلوت، فإن مفتاح إطلاق العنان لإمكانات هذه التحولات لا يكمن في مجال الإدراك، بل في مجال العاطفة. وبغض النظر عن الدوافع، فإن العاطفة الأكثر أهمية هي الثقة، الثقة في أنه يمكنك تعزيز أداء دماغك.
يمر معظم الناس بتجارب تعلمهم خلال حياتهم ما يمكن أن يفعلوه، وما يترتب على ذلك مما لا يمكنهم فعله. ويبقى الفيل البالغ ذو القوة الهائلة مربوطا بخفة إلى العمود الخشبي الذي يمكن أن يسحبه مثل غصين إذا اختار ذلك، لكنه لا يفعل ذلك لأنه تعلّم في صغره أنه لا يستطيع أن يتحرر. وبالمثل، يتعلم الكثير منا في مرحلة مبكرة من الحياة ما هو "المستحيل" ولا نشكك فيه أبدا. لكن دماغك مليء بالإمكانات الخفية؛ وكما هو الحال مع فيل بالغ، يمكنك مع تقنيات معينة التحرر من التوقعات التي تجعل المستحيل يبدو ممكنا.
——————————————————–
الهوامش:
[1] الجهاز الحوفي: يقع في مركز كل من النصفين الكرويين، ويكون ظاهرا على السطح الداخلي لهما. يعتبر علماء التشريح هذه المنطقة في الدماغ بمنزلة فص خامس قائم بذاته في المخ ولأهميته الوظيفية شبه المستقلة، وهو المسؤول عن الوظائف الانفعالية في جسم الإنسان، لذلك ينظر إليه باعتباره المخ الانفعالي، إذ يتحكم فينا حين تسيطر علينا الانفعالات كالشهوة والغضب والحب والإحباط والحسد والغيرة.
[2] خلية عصبية مرآتية: تمتلك شبكة العصبونات المرآتية (هي شبكة من الخلايا العصبية في الدماغ) خاصية معينة، تتمثل هذه الخاصية في أن مدى نشاط هذه الخلايا (نشاط كهروكيميائي) أو مدى تفعيلها عند مشاهدة عمل معين يكون هو نفسه أو مشابها لمدى التفعيل الناتج عن القيام بها بالفعل. سميت بهذا الاسم لتشابه وظيفتها مع عمل المرآة حيث تنقل الصورة.
————————————————————————————–
هذا التقرير مترجم عن: Psychology Today ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.