دراسات: المتحدثون بأكثر من لغة أكثر عرضة لإنكار الحقيقة

ميدان - لغات 44

مقدمة الترجمة
هل يمكن أن تكون المشاعر المحاطة بكلمة "أحبك"على سبيل المثال مختلفة حينما نتحدث بلغات مختلفة؟ يتحدث المقال عن النفسية الدفاعية التي قد يشكلها استخدام اللغة الثانية مع الأشخاص الذين يتحدثون أكثر من لغة. كما يناقش كيفية قبول الأشخاص الذين يتحدثون لغتين حقيقة في لغتهم، بينما ينكرونها في اللغة أخرى.

نص التقرير

إن كنت تتحدث بلغتك الأصلية أو بلغة أخرى، يعد استيعاب وتصديق ما تقول عاملا أساسيا لضمان التواصل الجيد. وفي النهاية، تعد أي حقيقةٍ حقيقةً في أي لغة، كما أن أي عبارة صحيحة من الناحية الموضوعية ينبغي أن ينظر إليها على أنها صحيحة وحسب، سواء عرضت بالإنجليزية، أو الصينية، أو العربية. على الرغم من هذا، يشير بحثنا إلى أن تصور الحقيقة يتزعزع عندما ينظر إليه عبر عدسة لغات أخرى وثقافات أخرى. لدرجة أن الأشخاص الذين يتحدثون لغتين يمكنهم أن يقبلوا حقيقة في لغتهم، بينما ينكرونها في اللغة أخرى.

يقول الأشخاص الذين يتحدثون لغتين؛ إنهم يشعرون غالبا باختلاف عندما ينتقلون من لغة إلى أخرى. ولنضرب مثالا ب"كارين"، وهي شخصية خيالية تتحدث لغتين، قد تستخدم كارين الألمانية في المحادثات غير الرسمية في المنزل مع عائلتها، وفي الحانة، وأثناء مشاهدة مبارايات كرة قدم، لكنها تستخدم الإنكليزية في الجوانب الأكثر مهنية والأكثر تنظيما في حياتها المهنية باعتبارها محامية دولية.

لا يعد التغير السياقي في اللغة سطحيا، فهو يسير جنبا إلى جنب مع مجموعة من الاتجاهات الشعورية والمعرفية والإدراكية. يوضح الباحثون أن اللغة المرتبطة بالتجارب تشكل الطريقة التي نعالج بها الموضوعات، لذا إذا كان أحد الأشخاص سيقول كلمة "أحبك" بالألمانية إلى "كارين"، فقد تتورد وجنتيها خجلا، ولكن إذا قيل لها "أحبك" بالإنكليزية، فربما لا يتغير لون وجنتيها. لا يتعلق الأمر بإتقان اللغتين؛ إذ إن كارين تتحدث الإنكليزية والألمانية بطلاقة، إلا أن تجاربها الشعورية ترتبط ارتباطا أقوى بلغتها الأم، ويعزى ذلك ببساطة إلى أنها جربت المشاعر الأساسية والأكثر تحديدا عندما كانت طفلة.

الأشخاص الذين يتحدثون لغتين يفسرون الحقائق تفسيرا مختلفا حسب اللغة التي تقدم بها هذه الحقائق (بيكساباي)
الأشخاص الذين يتحدثون لغتين يفسرون الحقائق تفسيرا مختلفا حسب اللغة التي تقدم بها هذه الحقائق (بيكساباي)


أوضح عدد كبير من تجارب علم النفس أن اللغات شكلت جوانبا من إدراكنا البصري، والطريقة التي نصنف بها الأشياء في بيئتنا، بل وحتى الطريقة التي نرى بها الأحداث. بعبارة أخرى، يتأسس شعورنا المباشر بالحقيقة عن طريق حدود اللغة التي نتحدثها.

ولا يعرف سوى القليل حول ما إذا كانت اللغة تشكل أيضا أعلى مستويات معرفتنا، التي ترتبط بالمبادئ والحقائق. حتى فترة قريبة، كان يفترض عموما أن استيعاب المرء للمعنى هو استيعاب مشترك عبر جميع اللغات التي يتحدثها. على الرغم من هذا، استطعنا ملاحظة أمر مغاير؛ فالأشخاص الذين يتحدثون لغتين يفسرون الحقائق تفسيرا مختلفا حسب اللغة التي تقدم بها هذه الحقائق، واستنادا إلى ما إذا كانت الحقيقة تجعل المرء ينتابه شعورا جيدا أو سيئا بشأن ثقافته الأم.

وخلال إحدى هذه الدراسات التي اضطلعت بها مجموعتنا، طلبنا من مجموعة من الإنكليزيين الويلزيين الذين يتحدثون لغتين -والذين تحدثوا الويلزية منذ ميلادهم واعتبروا أنفسهم ويلزيين من حيث الثقافة- أن يقيموا العبارات من حيث الصحة أو الخطأ. كانت العبارات تحمل دلالة ثقافية إيجابية أو سلبية، وكانت من الناحية الوقائعية صحيحة أو خاطئة.

على سبيل المثال، تحمل العبارة التي تقول "اشتهر التعدين بأنه صناعة أساسية ومنتجة في بلادنا" دلالة إيجابية، كما أنه عبارة صحيحة. ضربت عبارة أخرى مثالا آخر لكنه مختلف اختلافا دقيقا، إذ تقول "تصدّر ويلز ألواح صخرية عالية الجودة لكل بلد"، وهي عبارة إيجابية ولكنها ليست صحيحة. أما العبارة التي تقول "المؤرخون أوضحوا أن عمال المناجم يستغلون في بلادنا"، فكانت عبارة سلبية ولكنها صحيحة. وأخيرا وليس آخرا "أفسدت أخلاقيات العمل الرديئة لعمال المناجم صناعة التعدين في بلادنا"، وهي عبارة سلبية وخاطئة.

undefined

قرأ ثنائيو اللغة المشاركون في دراستنا هذه الجمل بالإنكليزية والويلزية، وصنّفوا كل جملة منها، وقد استخدمنا أقطابا كهربائية متصلة بفروة الرأس لكي نسجل التفسير الضمني لكل جملة. توصلنا إلى أنه عندما كانت الجمل إيجابية، أظهر ثنائيو اللغة تحيزا تجاه تصنيفها على أنها صحيحة -حتى عندما كانت خاطئة- كما أنهم فعلوا ذلك في اللغتين. لم يكن ثمة مفاجأة حتى هذه اللحظة، ولكن عندما كانت الجمل سلبية؛ أجاب عليها ثنائيو اللغة بطريقة مختلفة حسب اللغة التي عرضت بها -الإنكليزية أو الويلزية- وحتى إذا كانت نفس المعلومات تعرض في كلتا اللغتين.

بدا المشاركون أقل تحيزا وأكثر صدقا عندما كانت الجمل تعرض باللغة الويلزية، ولذا كانوا يؤكدون على صحة بعض العبارات المزعجة. ولكن عندما عرضت بالإنكليزية، نتج عن تحيزاتهم ردود أفعال دفاعية بصورة مفاجئة: فقد أنكروا صحة العبارات المزعجة، وكانوا يمليون لتصنيفها ضمن العبارات الخاطئة، وحتى إذا كانت في الأصل صحيحة.

يعرض هذا البحث الطريقة التي تتفاعل بها اللغة مع المشاعر لتؤدي إلى تأثيرات غير متماثلة على تفسيراتنا للحقائق. على الرغم من أن اللغة الأم للمشاركين ترتبط ارتباطا وثيقا بعواطفنا -وهو ما قد يصاحبه مزيدا من الصدق والضعف- فإن لغتهم الثانية ترتبط بالتفكير الأكثر عقلانية وانعزالا. وليكن واضحا أن ثنائيي اللغة المشاركين في دراستنا عرفوا ما كان صحيحا وما كان خاطئا من الناحية الوقائعية -حسبما كشفت عنه قياسات النشاط الدماغي- لكن استخدام اللغة الثانية وقاهم على ما يبدو من الحقائق البغيضة، وتعامل معها تعاملا إستراتيجيا.

______________________________________________________________

 

مترجم عن "ذا كونفرزيشن"


إعلان